الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اسْمِك ليس عورة

محمد هشام فؤاد

2015 / 1 / 8
حقوق الانسان



بعد أن تعارفت الدكتورة موريدفا والطُلاب في أولي محاضراتها بقسم اللغة الروسية بكلية الألسن وجهت سؤالها إلي طُلاب الفرقة الأولي: ما اسم أُمك؟! واستطرت الدكتورة –الروسية الجنسية- موريدفا قائلةً: كل من يأتي عليه الدور يخبرنا باسم أمه بعد أن عرفنا أسماءكم الشخصية! فارتعد الطلاب وارتجفوا .. وهناك آخرون واجمون ومصدومون من هذا السؤال؛ فوقع عليهم كالصاعقة ولسان حالهم يقول: كيف تجرؤ هذه الأستاذة علي هذا السؤال؟! وهل يمكن أن نقول أسماء أمهاتِنا هكذا علي الملأ وقاعة المحاضرات أغلبها من الطلاب الذكور المنحدرين من كافة محافظات مصر؟! فمنهم من امتقع وجهه وامتنع عن الإجابة علي السؤال .. وهُناك من أخذ يسخر ويضحك ويقول أسماء أخري مستعارة غير الحقيقية .. وآخرون رفعوا رؤوسهم عاليةً وقالوا أسماء أمهاتهم بكل فخرٍ واعتزازٍ ولكنهم بالطبع يُعدون علي أصابع اليد.

وبالطبع الحال داخل قاعة المحاضرات القابعة بالألسن لا يختلف عن نظيره خارجها؛ فهذا تراه يُنادي علي زوجته في الشارع باسم أكبر أبنائها إذا كان ذكراً وأصغرهم إذا كانت الكُبريات إناث .. أو يناديها باسمه شخصياً إذا لم تكن لديها أولاد ذكور، وتأمل دعوات حفلات الزفاف التي يُكتَب فيها دوماً اسم العريس كاملاً ويكتفون بالإشارة للعروس بلقب كريمة الأستاذ فُلان دون ذكر اسمها الخاص، وانظر إلي حالات الوفاة ستجدهم يقولون توفيت أم فُلان بنت عِلان زوجة هذا دون التطرق لاسمها حتي لآخر مرة في حياتها! فهكذا تري في تلك المجتمعات عدم ذكر اسم المرأة –في نظرهم- تكريماً لها وحفظاً لكرامتها وفي بعض الاحيان تكون غيرة محمودة من الزوج أو الأب أو الابن علي عرضه وشرفه الذي ربما يتدنس لو نطق اسم زوجته أو ابنته أو أمه أمام الآخرين!! وإذا انتقلت إلي المنتديات الإلكترونية بالطبع ستُصادَف بمثل هذه الأسئلة: ما حُكم ذكر اسم المرأة الحقيقي أمام الأجانب؟ هل يجوز استدعاء الزوجة أمام الغُرباء بأسماء مستعارة بدلاً من اسمها الحقيقي؟!

ففي الوقت الذي تطالب فيه المرأة في مجتمعاتنا الذكورية ببعض الحقوق المتمثلة في حق العمل والحصول علي أجر والحق في قوانين عادلة بالنسبة للأسرة والأحوال الشخصية وحق المساواة في الميراث مع الرجل ..إلخ في حين أن تلك الحقوق تغدو طبيعية في مجتمعاتٍ أخري تحترم الإنسان والإنسانية والتي لا تنظر لثناءية المرأة والرجل والذكر والأنثي ..إلخ، ولذك نري أن مجتماعاتنا في القرن الواحد والعشرين لازالت تخوض جدالاً ونقاشاً حول إمكانية مناداة المرأة والتصريح باسمها أمام الآخرين، وبالطبع سيكون المحظوظ هو من يخوض ذلك الجدال أمام الرأي العام وبغض النظر عن نتائج تلك المناقشات المعروفة إلا أن إمكانية خوض أو طرح مثل هذا الموضوع قد يأتي بالوبال علي من يمسك بفتيله أولاً، فوقتها سيتحول إلي رجلٍ ديوث عديم الشرف والكرامة ولا يغار علي أهل بيته وعرضه!!

ونري أن العديد من النساء في مجتمعنا قمن بتغيير أسمائهن لينتسبن إلي أزواجهن؛ متجاوزين فرديتهُن واستقلالهِن عن مؤسسة الذكور العبودية دون أدني وعيٍ وتفكيرٍ في تلك الخطوة التي ترسخ لسلطوية وسيطرة الرجال وإذا لم تتخذ المراة تلك الخطوة من نفسها فإنها بالطبع ترضخ لها تماشياً مع الأعراف المجتمعية بغرض الحب وتقدير الزوج وما إلي ذلك أو تطبيقاً للأعراف الدولية والبروتوكولات؛ فنري زوجة الرئيس السابق التي كانت تخوض نضالاً لتغيير قوانين الأسرة وقوانين الأحوال الشخصية وكانت تتشدق بحقوق المرأة وحريتها وضرورة تحريريها ولكنهاع جزت ونسيت أن تغير اسمها من سوزان مبارك إلي سوزان ثابت وهكذا بالنسبة لزوجات زعماءالعالم كهيلاري كلينتون وجاكلين كينيدي. ونري أنها رغبة النظام الذكوري الطبقي لجعل المرأة تتنازل عن اسمها تحت ستار الفضيلة والشرف واحترام الرجال والأعراف والتقاليد ولكنها ما هي إلا محاولة من ذلك النظام الازدواجي لبسط سيطرته أكثر علي المرأة؛ فالمرأة التي تتنازل عن اسمها تتنازل عن استقلالها وشخصيتها وبالطبع لن تطالب تلك المرأة بفرصة عمل وحق الأجر وحق الفردية وحق السير وراء أهدافها وطموحاتها؛ متجاوزةً الضرورات البيوولوجية والاجتماعية التي تُحصَر المرأة فيها وحدها دون مشاركة الرجُل الذي يتفرغ لإرضاء شهواته ونزواته ويتفاخر بأمجاده وبإنجازاته في ميادين العمل والإنتاج .. ومن هُنا تفقد المرأة أعز ما تملكه في تلك المؤسسة العبودية وهو اسمها وبعدها يقف الرجال امام رغبتها في العمل فتفقد القدرة علي الإنفاق علي نفسها وبعدها تفقد القدرة علي اتخاذ القرارات وتصبح تابعة للرجُل.

وإذا تحدثنا عن تلك الموروثات المجتمعية التي تري اسم المرأة عورة كوجهها وصوتها فنحن في حاجة لاستدعاء نظرة الأديان وموقفها من تلك القضية. فنري أن نسبة ذكر أسماء الإناث بالتوراة والإنجيل تكاد لا تُذكَر بالنسبة لأسماء الذكور‘ فعمدت تلك الأديان –أي اليهودية والمسيحية- إلي الإشارة إلي تلك الأسماء دون ذكرهن في أغلب المواضع، وهو بالطبع ما تحقق في الإسلام الذي لم يذكُر اسم المرأة صراحةً وإنما اكتفي بذكر أسماء أزواجهن كامرأة نوح وامرأة لوط وامرأة العزيز. ونري أن تطور الأديان السماوية لابد وأن يعكس مدي تطور نظرة الإله والأنبياء والبشرية إلي حقوق الإنسان وحقوق المرأة؛ ولكننا هُنا نري تناقُضاً كبيراً فنري اليهودية تتحدث صراحةً عن سارة زوجة ابراهيم وثامار المرأة التي تزوجها يهوذا وجاء من نسلها المسيح وسالومة إحدى النساء اللواتي اتبعن المسيح وخدمنه وشاهدن صلبه، وفي المسيحية ورد اسم القديسة استير والملكة الشريرة إيزابل وميكال أول مرأة تزوجها النبي داود، في حين أننا نري أن القرآن لم يصرِح بأي من أسماء النساء اللهم إلا مريم بنت عمران رُبما لأنها لم يكُن لها زوج، والأغرب من ذلك أنه لم يتم ذِكر اسم حواء في القرآن وكان يتم فقط الإشارة إليها بزوجة آدم. ومن هُنا نري تناقضاً رهيباً في تطور نظرة تلك الأديان للمرأة؛ فيري السواد الأعظم من الباحثين والمُقارنين أن الإسلام أعطي حريةً كبيرة للمرأة لم تتوافر في المسيحية واليهودية فكيف يكون الإسلام وهو آخر الأديان السماوية غير معترف باسم المرأة ولم يصرح به!

وفي الوقت الذي أطلقت فيه الدكتورة نوال السعداوي صيحتها التي كشفت أسرار وخبايا النظام الذكوري وقامت بتعريته أمام نفسه؛ داعيةً إلي تسمية الأبناء الناتجين عن العلاقات الغير شرعية -التي تورط فيها الرجل والمرأة علي حد سواء- بأسماء أمهاتهم لعدم اعتراف آبائهم بهم، فإذا كان الرجال يرفضون الاعتراف بهؤلاء الأبناء الذين أتوا من أصلابهم فليُنسَبْن إلي أمهاتهم، وبالطبع تلك الدعوة قد تفقد القليل من بريقها في الوقت الذي يتم فيه اللجوء إلي تحاليل الـ DNA لإثبات نسب وأبوة الطفل التي حتي وإن ثبتت قد يتنصل الرجُل من مسؤوليتها إن لم يكُن هناك عقد زواج، ولكن بعض التقاليد إلي الآن ترفض اللجوء إلي تلك التحاليل؛ مفضلةً الانتقام من المرأة ومعاقبتها علي فعلتها دون تحميل الرجل جزء من هذا الخطأ؛ فها هي العادات والموروثات المتجذرة إلي الآن في صميم وصُلب النظام الذكوري الذي أسبغ علي الرجل صفات البراءة والفضيلة والترفه عن الأخطاء والنزوات ليلحق بالمرأة نواقص الرذيلة والعهر والزنا.

ولذا فلابد وأن تبدأ الدعوة من النساء قبل الرجال، وليرفضن كل من يناديهن بأسماء الذكور .. فليرفعن رؤوسهن عاليةً بكل زهوٍ واعتزازٍ، وليفخرن بأسمائهن وليزاحمن بها أسماء الذكور .. ألم تعوا يا بنات حواء: ماذا سيتبقي لديكُن إذا تنازلتم عن أسمائكن؟! ولذا فنعيب عليكُن ونقول كما نقول دوماً: أن المرأة في مجتمعاتنا هي التي تقف امام طريقها في الحرية والتحرر وأخذ كافة حقوقها!

ألم يقُل المتنبي: فما التأنيث لاسم الشمس عيبٌ .. ولا التذكير فخرٌ للهلال.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟


.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط




.. ردود فعل غاضبة للفلسطينيين تجاه الفيتو الأمريكي ضد العضوية ا