الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دفاعا عن الإسلام

أحمد سعده
(أيمï آïم)

2015 / 1 / 9
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يا فرنسا قد مضى وقت العتاب، و طويناه كما يطوى الكتاب، يا فرنسا إن ذا يوم الحساب، فاستعدي وخذي منا الجواب.. تلك الكلمات العنصرية للأسف هي جزء من النشيد الوطني الجزائري، طالما طالبت فرنسا بحذف هذا المقطع لكن المتشددين الإسلاميين رفضوا بحجة أن فرنسا لم تعترف بجرائمها في الجزائر.

في مدينة مرسيليا بالذات انتشرت قوات الأمن في كل مكان قبل مواجهة الجزائر مع ألمانيا في كأس العالم الماضي تحسبا لفوز غير محتمل للجزائر، ومن ثم ملاقاة "فرنسا" في مباراة كولونيالية انتقامية تحمل ذاكرة الماضي الدموي، وتشعل العنف في فرنسا من جانب الجاليات الجزائرية والعربية، لكن الألمان أنقذوا الموقف بعد أن أقصوا الجزائريين.

في مدينة بوردو أوصى شاب فرنسي من أصل مغربي بحرق جسده بعد مماته، وبعد وفاته اضطرت السلطات الفرنسية تحت ضغوط الإسلاميين المتشددين أن تتنازل عن تلبية وصية الشاب الفرنسي تجنبا لردود الفعل الإسلامية.

في ساحة سانت كاترين بمدينة "كليرمون فيرون" الفرنسية تنازل الكاثوليك عن كنيسة للمسلمين وتم تحويلها لمسجد. ويشعر الفرنسيون بعقدة الذنب تجاه الماضي الاستعماري للجزائر، أما المسلمون العرب في فرنسا فما يزالوا يأسفون لضياع الأندلس ويحلمون باستعادتها.

"أنا محظوظ لأني أعيش في بلد ذي ثقافة مسيحية يهودية أتاح لي بحرية وود ممارسة شعائري بكل حرية" هكذا يقول "زين الدين زيدان" المسلم والجزائري الأصل قبل أن يصبح أهم وأشهر لاعب في فرنسا.

وفي مدينة ليل، صرح رئيس رابطة الشمال الإسلامية وإمام مسجد ليل بأنه لا وجود لمفهوم المواطنة في الإسلام، بل هناك الطائفة والجماعة.. ذاك هو الفكر المتشدد الذي يعتبر الفرد ملكا للجماعة قبل أن يكون ملكا لنفسه.

وفي مدينة روان، تعرض إمام مسجد للطرد من قبل المسلمين لأنه عقد زواجا مختلطا وخطب بالفرنسية. وكاد يتعرض للقتل لولا تدخل قوات الأمن.

حينما تريد أن تفرض إسلامك في فرنسا وكأنك تعيش في بلد عربي إسلامي، فأنت تضاعف مشاكلك ومعاناتك بلا حدود. فبدلا من أن تسأل عن عمل يناسبك ستسأل عن عمل لا يغضب الله، وبدلا من أن تأكل وجبة سريعة كما يفعل الآخرون وتمضي، فأنت مضطر للبحث عن المذبوح الحلال.

وهكذا يجد المسلم نفسه ضائعا تائها في فرنسا ينشد الانعزال، وتلتهب أفكاره بصراعات رهيبة بين إيمانه وبين حداثة المجتمع الفرنسي، بين ما يأمر به الشرع وبين ما تنص عليه القوانين الفرنسية.

بالأمس في قلب باريس، فتح بعض المتشددين الإسلاميين النيران على مقر مجلة "شارلي إيبدو" الساخرة وقتلوا 12 شخصا من ضمنهم 4 رسامين، كتعبير عن انتقامهم لما تصدره المجلة من رسوم مسيئة للإسلام والرسول، ليصبح رد الفعل أكثر إساءة للإسلام وللمسلمين من الفعل نفسه وفوق البيعة قتلى وجرحى. وقد تكرر هذا النوع كثيرا من الفعل ورد الفعل على إساءات مشابهة، فالرسوم الأخيرة لم تكن هي الأولى ولن تكون الأخيرة، لأن الإساءات لن تتوقف ولأن المحتجين لن يتعظوا.

ولأن الإسلام والمسيحية والأديان بشكل عام في عالمنا الثالث لم تمر بمرحلة من النقد الفكري والفلسفي والأنثروبولوجي كما حدث مع المسيحية في أوروبا رغم ماضيها القروسطي السحيق، فإنه لا غرابة في أن يثور أو يغضب المسلمون أو المسيحيون أو غيرهم حينما يمس غريب أو قريب هويتهم المغلقة المتوجسة أمام الآخر، والنظر إلى أي بحث علمي أو نقدي بعين الريبة والشك واعتباره نوعا من الازدراء والسب والغمز واللمز.

وأنا بالطبع لا أؤيد هذا الطابع الدعائي المتهافت والرخيص لمجلة "شارلي إيبدو"، لكن مهما يكن من أمر، فإن هذا لا يبرر رد الفعل الإجرامي، وهذا أيضا لا يعني أن كل عمل اقترب بشكل أو آخر من الدين كان بقصد الإساءة، رواية "آيات شيطانية" مثلا، تلك الرواية الرائعة التي حكم على مبدعها الكبير سلمان رشدي بالإعدام إيرانيا، ورصد آية الله روح الله خامئني مكافأة مشجعة لأي قاتل يأتي به حيا أو ميتا. لأن هذا المبدع البريء متهم من وجهة نظر من لم يقرأون الرواية بالإساءة للرسول، وقبل كل شيء بالإساءة "لخامئني"، وهى تهمة إيرانيا كفيلة بقتل أعداد لا تحصى ولا تعد من البشر.

وبالطبع فإن الجريمة التي حدثت في العاصمة الفرنسية تنطوي من وجهة نظر مرتكبيها ومشجعيهم على أنها عمل بطولي دفاعا عن الإسلام، رغم كونها جريمة وحشية دنيئة تخفي قباحتها خلف واجهة برَّاقة زاهية الألوان من الفضائل، مُضَاف إليها جبروت ادِّعاء طابع إلهي لهذه المُمارسة البشرية السوداء اللاإنسانية الظالمة باسم الله العادل.

ومن هنا يأتي الخطر، ويبدأ الجنون. حينما يبدأ هؤلاء المتشددون محاولاتهم الدَمَويَّة لتكييف الواقع مع أفكارهم وأحلامهم المَرَضِيَّة وذبح البشر وقتلهم من أجل هذا الجنون. ويتوهم هؤلاء قيامهم بدور المُنقذ رغم قيامهم في الواقع بدور مُعجِّل التردِّي والخراب العاجل، ويكفي فقط النظر إلى ما ستلاقيه الجاليات العربية في البلدان الأوروبية وأمريكا من صعوبات وإجراءات أمنية مشددة، وترحيلات وانهاء إقامات وغيرها كرد فعل على الحادث الإرهابي. وهو ما صرح به الرئيس الفرنسي.

ولأننا لا نسبح في عالم ملائكي خالِ من الشرور، ولأن الشعب الفرنسي وشعوب الغرب ليسوا فقط أولئك الفلاسفة والمتسامحين، ولأننا في أزمنة استغلال الإنسان لأخيه الإنسان؛ فلا مناص من أن تُوَظِّف الإمبريالية العالمية هذا الحادث الإرهابي كغطاء أيديولوجي لاستغلالها الطبقي، واستثماره لإثارة النزعات والهويات الدينية لمحاصرة وشرذمة الشعوب العربية والمسلمين، وخنقهم وحصارهم في نعراتهم، للإبقاء على تبعيتهم وإرساء تخلُّفهم؛ مُستَغِلَّة هذا الإنسان "الأُصُولي" الغَبي! المُنغلق على ذاته والمتوجس إزاء الآخر، والرافض له بدلاً من احترامه وقبوله والتعايش معه.

وبالتفكير قليلا في كيفية حصول القتلة على سلاح في قلب العاصمة باريس، سنتأكد أن من يقف وراءهم بالقطع مصالح استعمارية ودولية كالتي تقف خلف داعش والقاعدة وغيرها، ولذا فإنه لا غرابة في استمرار بلادنا كأسيرة لمصالح الغرب ورغباته، واستمرار وقُوفها كَسِيحَة عَاجزة عن التحدي إلا من خلال الصُراخ على منابر المساجد ولعن وسب الكافرين في فرنسا وأمريكا وغيرهما، ليزيد "الطين بله" بشكل أحمق يخلق عداوات بلا معنى تتسع وتتفاقم ضد الإسلام والمسلمين بسبب أفعال الأُصُوليين الذين يتوهمون أنَّهم في مُهمة جهادية مُقَدَّسَة لهداية هذا العالم الجَاهلي الكَافر، فيجدوا أنفسهم في حالة شاذة خارج التاريخ، تراقبهم قوى استعمارية متربصة من بعيد، لا تعنيها كثيرا تلك اللعنات أو الشطحات؛ فالعن كما شئت طالما أنك يا تابعي تلعب في ملعبي، ومن خلالي، وفي نطاقي، ولصالحي، وطالما أنك يا حبيبي مُستمر في تَجَرُّع كُؤُوس تَخَلُّفَك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقدسات!!!0
.ماجدة منصور ( 2015 / 1 / 9 - 07:35 )
.في الغرب لا يوجد مقدس..سوى .الانسان.
أعيش في المهجر منذ صغري و كان في الشارع الذي أعيش به،غاليري مشهور جدا
وقد عرض صورة .للمسيح وهو يتبول على نفسه عندما كان على الصليب.0
ظلت الصورة تحتل واجهة الغاليري لمدة عشر شهور تقريبا
وعندما لم أرى الصورة معروضة فقد دخلت الى الغاليري و سألته عنها
فرد علي .صاحب الغاليري بأنه اضطر الى تخزين الصورة في المخزن لأنهم فشلوا في بيعها!!!!!!!!!!!0
هكذا يتعامل الغرب مع ما نعتبره نحن مقدسات.0
احترامي أستاذ.


2 - فف
rami ( 2015 / 1 / 9 - 09:07 )
النشيد الوطني يتحدث عن فترة الاستعمار ، ولا علاقة للعنصرية بالامر ..ومن يريد بقاءه هم الوطنيون الجزائريون وليس الاسلاميين الذي هم ضد الوطن اصلا


3 - احضر العلم
ياقوت دفين ( 2015 / 1 / 9 - 19:15 )
احضر العلم يوميا تقريبا مع التلاميذ لكني لا ينشد هذا الجزء من النشيد و تقريبا هو محذوف،لكن الكراهية موجودة و الحقد الدفين موجود كذلك يحيا متى استلزم الأمر
لا يوجد اسلام متطرف او معتدل يوجد اسلام ارهابي او لا يوجد اسلام


4 - الجميله الأستاذه ماجده منصور تعليق رقم 2
ضرغام ( 2015 / 1 / 9 - 22:45 )
الجميله الأستاذه ماجده منصور تعليق رقم 2
تحيه متجدده لشخصك المثقف الواعي، تعليقك رقم 2 هو وسام علي صدرك لايراه علاء المثقفين الذين يعيشون خارج غيبوبه الأديان. تعليقك ذكرني بمقوله لأستاذ سامي الذيب وهي **الأنسان يعلو ولا يعلي عليه** ما يزيد هذه المقوله جمالا أنها مقتبسه من المقوله القذره التي تقول *الأسلام يعلو ولا يعلي عليه* ،،، نأتي للمقال، فقره منه تقول:*وهكذا يجد المسلم نفسه ضائعا تائها في فرنسا ينشد الانعزال*، وتعليقي: أن الوضع الوحيد الذي يعيش فيه المسلم دون أن يحس أنه غير ضائع وغير تائه هو أن يعيش في بلد لايوجد فيها دينان أصلا (السعوديه مثلا)...بمعني ألا يوجد علي ظهر الكره الأرضيه غير مسلمين (والأرض كره رغم أنف الأهطل أبن باز)... أما بخصوص الفقره الأخيره من المقال التي تتحدث عن مصالح استعماريه وتتغافل عن مفعول نصوص ألدين الارهابي ودمويته علي مدار 1400 عام (دمويته قبل أن يوجد الغرب وقبل أن توجد أمريكا وعندما لم يكن هناك استعمار ولا يحزنون) فهي لاتنطلي ألا علي المغيبين المغفلين فقط لاغير

اخر الافلام

.. يهود أمريكا: نحن مرعوبون من إدارة بايدن في دعم إسرائيل


.. مجلس الشؤون الإسلامية في أمريكا: الرد القاسي على الاحتجاج ال




.. نحو 1400 مستوطن يقتحمون المسجد الأقصى ويقومون بجولات في أروق


.. تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون




.. الجزائر | الأقلية الشيعية.. تحديات كثيرة يفرضها المجتمع