الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة الاسلامية و دورها الاجتماعي و السياسي

حسن عجمي

2015 / 1 / 10
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الفلسفة الاسلامية تبني عقائدنا الاجتماعية و السياسية. لذا لا بد من دراسة كيف تنجح الفلسفة الاسلامية في أن تأخذ هذا الدور الأساس في تكويننا فكرياً و تشكيل مجتمعاتنا.
بالنسبة إلى إبن سينا , الإدراك يُحدِّد المعنى. و بذلك الإدراك يُحدِّد معاني القرآن. لكن من الممكن إدراك المعاني فلسفياً. لذا اعتمد إبن سينا على الفلسفة من أجل تحليل و فهم القرآن. لكن الاعتماد على الفلسفة كي نفهم مضامين الدين و مقاصده هو التأويل في حد ذاته ؛ فالتأويل دراسة النص الديني من خلال نصوص أخرى كالنصوص الفلسفية أو العلمية. من هنا , وصل إبن سينا إلى قبول التأويل الباطني للدين بدلا ً من قبول التفسير الظاهري من جراء نظريته في المعنى. مثل ذلك أن , بالنسبة إلى إبن سينا , الجنة حالة سيكولوجية حيث الفرد يشعر بالسعادة المطلقة و ليست حالة بيولوجية. فالجنة , من منظوره , روحية و ليست مادية ؛ فلا بعث للأجساد في الجنة لأن الجنة إرتقاء روحي بدلا ً من إرتقاء جسدي. و هذا تأويل فلسفي للجنة. و بما أن نظرية إبن سينا في المعنى أوصلته إلى التأويل الباطني للإسلام , إذن نظرية المعنى لها دور محوري في بناء نظريتنا في الدين. فالصراع ليس صراعاً على الدين بل هو صراع على المعنى.
من هذا المنطلق أيضاً , نظرية إبن تيمية في المعنى أدت به إلى قبول التفسير الظاهري للدين. بالنسبة إلى إبن تيمية , السياق يُحدِّد المعنى , و السياق يتضمن كل الخطاب و ما يحيط به من أحداث في الواقع المعاش. لذلك معاني القرآن , من منظور إبن تيمية , لا بد من تحديدها من خلال السياق القرآني بدلا ً من تأويلها من خلال النصوص الفلسفية أو العلمية. من هنا , وصل إبن تيمية إلى قبول التفسير الظاهري للإسلام علماً بأن التفسير الظاهري للدين يعتمد على سياق الخطاب الديني نفسه و يقبله حرفياً كما هو من دون إضافات بدلا ً من الاعتماد على نصوص مختلفة عن الدين كالنص الفلسفي مثلا ً. كل هذا يشير إلى أن نظرية إبن تيمية في المعنى أوصلته إلى قبول التفسير الظاهري للدين ما يؤكد على أن اختلافنا حول نظرية المعنى سبب اختلافنا في فهم الدين. و بذلك صراع المسلمين فيما بينهم صراع على نظرية المعنى. و بما أن إبن تيمية يقبل التفسير الظاهري للدين نتيجة نظريته في تحليل المعنى , إذن من الطبيعي مثلا ً أن يعتبر الجنة مادية كما وصفها القرآن حرفياً على نقيض من موقف إبن سينا. فالقراءة الحرفية للدين تعتمد على تحليل المعنى على أنه مُحدَّد من قبل السياق كما لدى إبن تيمية بينما القراءة المجازية للدين تعتمد على تحليل المعنى على أنه مُحدَّد من قبل الإدراك أو العقل البشري كما لدى إبن سينا. هكذا تختلف القراءات الدينية باختلاف نظرياتنا في المعنى.
أما في نموذج الغزالي الفلسفي فالمعاني مُحدَّدة من قبل الحقائق في العالم الواقعي. فمثلا ً , حقيقة الشمس تحدِّد معنى مفهوم " الشمس ". لكن الحقائق غير موجودة فقط في العالم الواقعي خارج الإنسان بل من المفترض وجودها أيضاً في الدين و الفلسفة و العلوم لكون الأخيرة من المفترض أن تعبِّر عن الحقائق. من هنا , تتضمن نظرية الغزالي في المعنى أن المعاني مُحدَّدة من قِبَل الحقائق في العالم الخارجي و من قِبَل سياق الدين و سياق الفلسفة و العلم. و بذلك معاني القرآن مُحدَّدة من قِبَل الحقائق في العالم و من قبل سياق القرآن نفسه و سياق الفلسفة و المعارف. لكن اعتبار أن سياق القرآن يُحدِّد معاني القرآن يؤدي إلى التفسير الظاهري كما رأينا بينما اعتبار سياق الفلسفة يُحدِّد معاني القرآن يؤدي إلى التأويل الباطني. لذا وصل الغزالي إلى قبول كل من التفسير الظاهري و التأويل الباطني للدين من جراء نظريته في المعنى. و لذلك تقلب بين فقيه ظاهري و متصوف باطني و فيلسوف يجمع بين الظاهر و الباطن معاً. كل هذا يرينا أن نظرية الغزالي في المعنى شكّلت فلسفته في الدين. من هنا , نظريتنا في المعنى تحدِّد مواقفنا الدينية ؛ قراءتنا للدين و فهمنا له نتيجة التفكير في مفهوم المعنى. لا دين بلا قراءة , و لا دين بلا موقف فلسفي.
بالإضافة إلى ذلك , بالنسبة إلى إبن رشد , العقل يُحدِّد المعنى. لكن الدين مجموعة معان ٍ. بذلك العقل يُحدِّد الدين. لذا , من منظور إبن رشد , العقل معيار الحقيقة و المعرفة. من هنا , نظرية إبن رشد في المعنى القائلة بأن المعنى مُحدَّد من قبل العقل أدت به إلى صياغة المذهب العقلاني في الحضارة الاسلامية الذي أسس لنشوء النهضة و من ثم الحداثة في الغرب. هكذا فلسفة المعنى هي المصدر الأساس لبناء مواقفنا الفلسفية الأخرى. أما إذا كان المعنى محدَّداً من قبل السياق كما لدى إبن تيمية فحينها السياق الديني يحدِّد معاني مفاهيم و عبارات الدين. لكن إذا كان السياق الديني يحدِّد معاني الدين , و بما أن معاني الدين من المفترض أن تتضمن الحقائق و المعارف , إذن الدين أي النقل هو معيار الحقيقة و المعرفة. و هذا ما يميل إبن تيمية إلى قبوله رغم محاولته التوحيد بين العقل و النقل. على هذا الأساس , الموقف التقليدي الظاهري و الحرفي المتمثل في فلسفة إبن تيمية مبني على نظرية معينة في المعنى ألا و هي تحليل المعنى من خلال السياق تماماً كما أن الفلسفة العقلانية المتحررة مبنية على تحليل المعنى من خلال العقل. كل هذا يشير بقوة إلى مركزية فلسفة المعنى في عمليات صياغة النظريات الفلسفية المختلفة.
لقد وجدنا أن الاختلاف الفلسفي حول تحليل المعنى سَبَّبَ الخلاف العقائدي في الاسلام ما أدى إلى نشوء مذاهب و اتجاهات فكرية متنوعة. من هنا , الفلسفة الاسلامية , و خاصة ً فلسفة المعنى في الحضارة العربية الاسلامية , تلعب دوراً رئيسياً في تكويننا اجتماعياً و سياسياً و في تشكيل تاريخنا و حاضرنا. و هذا الخلاف الفلسفي هو السبب الأساس وراء حروب المسلمين ضد بعضهم البعض. اليوم ينقسم المسلمون إلى ثلاثة تيارات أساسية تجري بينها حروب دامية : إتجاه أول يتبع التأويل العقلي و الباطني متأثراً بأمثال إبن سينا و إبن رشد , و اتجاه ثان ٍ يتبع مدرسة الجمع بين التأويل الباطني و التفسير الظاهري متأثراً بأمثال الغزالي , و اتجاه ثالث يتبع التفسير الظاهري فقط كما يقدّمه إبن تيمية و أمثاله. الاتجاه الأول يتمثل في الليبراليين المسلمين الذين يعتبرون الدين رمزاً و مجازاً فيؤكدون على أن العقل معيار الدين ما مكنهم من فصل الدين عن الدولة و المجتمع. و الاتجاه الثاني يتمثل في معظم المسلمين و هم المسلمون المحافظون و أهل التقليد الذين يقبلون بظاهر التفسير الاسلامي لكنهم يضيفون إليه تأويلات عقلية و باطنية بين حين و آخر و لذا هم معتدلون. أما الاتجاه الثالث فيتجسد في المسلمين الأصوليين الذين يقبلون فقط التفسير الظاهري للدين فيرفضون كل ما هو جديد في العلم و الفلسفة و المعارف ما أدى بالعديد منهم إلى رفض الآخر.
الصراع اليوم صراع بين هذه التيارات الاجتماعية و الدينية و السياسية الثلاث. لكن هذه التيارات معتمدة على مواقف فلسفية مختلفة حول كيفية تحليل المعنى. فالاتجاه الأول يعتبر أن العقل يحدِّد المعنى فيغدو متحرراً و منفتحاً فليبرالياً. و الاتجاه الثاني يؤكد على أن كل السياقات الدينية و الفلسفية و العلمية تحدِّد المعاني فيصبح معتدلا ً. أما الاتجاه الثالث فيصر على أن السياق الديني وحده يحدِّد المعنى فيمسي أصولياً. و بما أن هذه الاتجاهات تكوّنت على ضوء فلسفة المعنى كما وردت في الحضارة العربية الاسلامية , إذن صراعنا حالياً , أي صراع هذه التيارات الاجتماعية و السياسية , هو صراع فلسفي و تحديداً صراع حول فلسفة المعنى. كل هذا يرينا كيف أن الفلسفة الاسلامية تشكّل مجتمعاتنا و فكرنا الاجتماعي و السياسي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تفكيك حماس واستعادة المحتجزين ومنع التهديد.. 3 أهداف لإسرائي


.. صور أقمار صناعية تظهر مجمعا جديدا من الخيام يتم إنشاؤه بالقر




.. إعلام إسرائيلي: نتنياهو يرغب في تأخير اجتياح رفح لأسباب حزبي


.. بعد إلقاء القبض على 4 جواسيس.. السفارة الصينية في برلين تدخل




.. الاستخبارات البريطانية: روسيا فقدت قدرتها على التجسس في أورو