الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المرحلة الفمية لمجلس النواب

قاسم علي فنجان

2015 / 1 / 18
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


لم نعتد على سماع أعضاء مجلس النواب يتحدثون عبر شاشات التلفزيون من قبل فلقد كان المجلس فيما مضى شكليا جدا، وكان هناك متحدث واحد فقط –إن سمح له بالتحدث– وهو رئيس المجلس (سعدون حمادي) ولم يسمعه احد يدلي بتصريح إلا ما ندر أما بقية الأعضاء فلم يعرفهم احد أو يتعرف عليهم لا في المسموع أو المقروء ولا المرئي. تلك كانت نعمة لم نشعر بها إلا بعد سقوط ذلك المجلس الصامت، الذي كان يطبق –بالقوة– تلك (الحكمة البدائية )التي تقول (يا ليت رقبتي كرقبة البعير) والظاهر –والأنثروبولوجيا اعلم– إن تلك الأقوام كانت تعتقد بان الكلام يحتاج إلى مسافة حتى يصل إلى الفم .لهذا كانت رقاب أعضاء ذلك المجلس طويلة بالضرورة ، حتى أطول من رقبة الزرافة. فلم نسمع لهم يوما تصريح أو أجريت معهم مقابلة.
لقد اتضح إن صمتهم مفيد أكثر . لكن الحياة لا تبقى على ما هي عليه ، فقد تغيرت الأمور كثيرا ، وتحرك التاريخ وأزال ذلك الصمت وتلك المأساة التي كنا نعيشها وأعاد التاريخ لنا –دائما يعيد نفسه بصورة مهزلة- مجلس نواب كله يتحدث كله يصرح ، مجلس اقل ما يقال عنه انه لم يجتاز تلك المرحلة الطفلية المسماة (المرحلة الفمية) بعد.. وهذه المرحلة هي كما يقال في التحليل النفسي أنها نتائج زمن رضاعة غير ممتعة، أنهم يستعملون الكلام للتعبير عن اتجاهاتهم الغريزية.
مجلس يضم 315 نائبا عندما يخرجون إلى الصالة بعد جلسة (كلامية) تجد الكاميرات والمايكات بانتظارهم فلدينا وسائل إعلام تقريبا بعدد الأعضاء، وهؤلاء الأعضاء مستعدين للإجابة عن كل التساؤلات الصحفية لأنهم يعرفون كل شيء أو يجب عليهم أن يعرفوا، أليس هم ممثلي الشعب؟لا توجد في قواميسهم تلك الكلمة التي نسمعها بعد خروج المؤتمرين في أوربا (no comment) أي لا تعليق. لكن تصريحاتهم مؤتمراتهم الصحفية أحاديثهم (ثرثرتهم) في صالة المجلس لا تسترعي الكثير من الاهتمام، ما يلفت الانتباه هو عندما يأتي المساء وينهي الناس أعمالهم أو ينتهوا منها بعد يوم طويل وشاق من العمل وضجيج وزحام الشوارع وسماع دوي الانفجاريات من عبوات ومفخخات. يعودون –الناجي منهم– إلى بيوتهم ليستريحوا وليشعروا ببعض الهدوء والاسترخاء وينالوا قسطا من الراحة وليشاهدوا التلفزيون ليروا ويسمعوا أخر الأخبار والمستجدات عن امرلي، كوباني، القصير، والموازنة، والإعدامات الجماعية والخطف، ولان هذه الأخبار تمس حياتهم بالصميم فأنهم مجبرين على متابعتها شاءوا ذلك ام أبوا..
هنا تجد أعضاء مجلس النواب في كل قناة تشاهدها فهم يشغلونها كلها، العربية منها والمحلية، يتحدثون يتناقشون يتحاورون، الكثير الكثير من الكلام، فتجدهم مرة مبررين ومرة مشككين وأخرى ناقدين ومادحين ووو... لكنك لن ولم تراهم يوما صامتين. ويتبادر إلى ذهنك سؤال ترى لماذا هذه الثرثرة. وتستدرك أنها ليست ثرثرة أو لغو بقدر ما هي عمل يؤدونه خلال أربع سنوات أو أكثر –ودائما أكثر– لأنهم متحدثين باسم الشعب الذي انتخبهم وتتخيل انك عندما تدخل إلى قاعة مجلس النواب فأنك ستجد كلمة مكتوبة بالخط العريض (جئنا لنتحدث).
الصعوبة لا تكمن في فهم ما يقولون-لأنهم ليسوا من أعمدة الحكمة– ولكن لماذا يقولون, لماذا هذا الاستفزاز هل يستطيع احد أن يتحمل ذلك اللغو وتلك الثرثرة، أنهم بهذيانهم ولغوهم يريدون إضفاء المنهجية والصواب على تجربة غير سوية وفاشلة بكل المقاييس فثرثرتهم هي نتيجة طبيعية لتبرير هذا الخطأ التاريخي. ترى هل قدر لنا أن نعيش مع مجموعة عندها خلل نفسي لتستفزنا يوميا ولتكدر علينا الحياة فوق ما فيها من الم وقهر.. وهل سنودع هذه الحياة يوما ونحن ممتلئين غيضا من حكومة وخلفها برلمان لا يجيدون إي شيء إلا الكلام إلا الثرثرة ولغو لا طائل منه إلا تدمير نفسيتك أو ما تبقى منها. هل من الصعب إذا الاعتراف بان المجتمع العراقي لم ينتخب برلمان بمعنى الكلمة بقدر ما هو مرض نفسي يجب معالجته..
بالعودة إلى تلك المرحلة الطفلية "الفمية" فأن لها سمات تظهر عند الكبار منها "السلبية والجشع والأكل بنهم, بالإضافة إلى الحديث الزائد "اللغو", وهي سمات وصفات نجدها واضحة لدى أعضاء مجلس النواب الذين لم يمروا بشكل سليم بمرحلة "الفطام" نتمنى يوما إن نتبنى برلمانا خاليا على الأقل من هذه العقد والأمراض النفسية. أخيرا يحق لنا إن نردد مع شكسبير (ما الكلمات إلا كلمات, فانا ما سمعت يوما أن جراح القلب التأمت عن طريق الإذن, أرجوكم الآن عليكم بشؤون الدولة).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تونس.. زراعة الحبوب القديمة للتكيف مع الجفاف والتغير المناخي


.. احتجاجات متزايدة مؤيدة للفلسطينيين في الجامعات الأمريكية




.. المسافرون يتنقسون الصعداء.. عدول المراقبين الجويين في فرنسا


.. اجتياح رفح يقترب.. والعمليات العسكرية تعود إلى شمالي قطاع غز




.. الأردن يتعهد بالتصدي لأي محاولات تسعى إلى النيل من أمنه واست