الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرسول وشارلي إيبدو.

أحمد سعده
(أيمï آïم)

2015 / 1 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


السؤال الذي يطرح نفسه: كيف كان سيتعامل الرسول مع الأسبوعية الساخرة "شارلي إيبدو" ؟


بعيدا عن الفتاوي اللي أنا مليش أصلا فيها، خلونا نستعرض مشهد مهم من التاريخ.. لكن قبل المشهد ده لازم نبقى عارفين إن على مدى 13 سنة لم يستجب لدعوة الرسول غير ناس قليلة أغلبهم من المستضعفين والعبيد والفقراء وتحملوا من قريش أذى يفوق طاقة البشر اضطرهم للهجرة للمدينة.. وهناك أسس الرسول دولة تقوم على الإخاء والرحمة والإنسانية..


المعارك استمرت بين الرسول وبين قريش، لحد ما عملوا "صلح الحديبية" واللي كان من بنوده هدنة 10 سنين بدون حرب، وإن المسلمين يرجعوا المدينة عام الصلح بدون زيارة الكعبة، ولما يدخلوا مكة للعمرة بعد كده يدخلوا بدون سلاح وميقعدوش فيها أكتر من 3 أيام وكمان إن الرسول يقر على الصلح بصفته البشرية وليس بصفته رسول الله وغيرها من الشروط المجحفة...


إعتبرت قريش أن قبول الرسول للصلح بهذه الشروط المجحفة ضعفا منه، فتبجحوا واشتركوا بعدها بسنتين مع قبيلة إسمها (بكر) في قتل رجال من قبيلة (خزاعة) الموالية للرسول.. فسافر الخزاعي "عمرو بن سالم" إلى الرسول وشرح له ما كان من غدر قريش وخيانتها ونقضها للعهد المنصوص عليه في الصلح...
..

نأتي إلى المشهد العظيم..


جمع الرسول الجيوش وأمر بالزحف إلى مكة ليكون الجواب ما ستراه قريش لا مالا تسمعه، إلى مكة تحركت جيوش المسلمين بعشرات الآلاف تدب الأرض بأقدامها، تبث الرعب في قلوب قريش.. مشهد لن تراه في فيلم "Troy" أو فيلم "300"...


وفجأة يأمر الرسول الجيوش بالتوقف...! الرسول القائد وقاضي القضاه والمعلم، رأى "كلبة" تُرضع صغارها ورأى الخوف والفزع على وجهها، خاف عليها من أن يسحقها الجيش فحول مسارهم جميعا تفاديا للكلبة وصغارها.. يا الله على الرحمة..


وصلت الجيوش إلى أبواب مكة.. تتقدمهم "الكتيبة الحديدية" بقيادة "سعد بن عبادة"، متحفزين تملأهم الحماسة ويعتريهم الانتقام لماضي الظلم والإهانة والطرد من الديار.. وصاح "سعد بن عبادة" بكلمات حماسية وقال: "اليوم يوم الملحمة، اليوم تُستحَل الحرمة، اليوم أذل الله قريشًا"...


غضب الرسول وسحب الراية من سعد وأعطاها لذاك الشاب العاقل الحكيم"علي بن أبي طالب"، وقال الرسول: "لا يا سعد، بل اليوم يوم المرحمة، اليوم تُقدّس الحرمة، اليوم أعز الله قريشا"..


وأعلن الرسول بصوت القائد الواثق "من دخل داره فهو آمن" .. ودخل الرسول بلده ومسقط رأسه وطأطأ رأسه في الأرض في تواضع عجيب.. وأعلن العفو عن مجرمي قريش بمنتهى الرحمة والكرم: "إذهبوا فأنتم الطلقاء"..


هكذا تعامل الرسول مع من أهانوه وظلموه... فالسيوف إن فتحت مكة فلن تفتح القلوب.. والإيمان يستوجب الحرية والاقتناع والاختبار والتفكير والتأمل.. وكلها أمور لا تتوفر سوى في مجتمع آمن يعلي قيم الرحمة والسلام والصفح والحياة الهادئة..
نعود لرسومات شارلي إيبدو...


يقول الله في سورة المزمل: "واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا" .. الهجر أحيانا يكون جميلا دون الاشتباك والصراعات وسفك الدماء..


ويقول الله في سورة النساء: "قد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يُكفر بها ويُستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره"


لو سمعت ناس بتستهزيء بالله وبآياته وده أشد بالمناسبة من اللي بتعمله شارلي إيبدو إوعى تجيب سلاح وتقتلهم بحجة إنك بتدافع عن الله ورسوله، ولكن انسحب في صمت وحتما هيغيروا الموضوع وينصرفوا لما هو أهم.. لأن مجرد اشتباكك يخلق دافع لاستمرارهم.. الآية تكرس للعقلانية والفصل بين القضايا وعدم إلباس الدنيا لباس الخصومة الدينية، وتنوع سبل العلاقات بين البشر...


وقال الله أيضا في سورة التوبة: "يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزئوا إن الله مخرج ما تحذرون"
الله يخبر رسوله أن المنافقين يستهزؤون به ويطلب من الرسول ألا يفعل أكثر من أن يقول: "استهزئوا" دون أن يأمره بعقابهم أو قتلهم، رغم أن الرسول هنا يملك كل الصلاحيات والسلطات التنفيذية والقضائية بصفته الحاكم السياسي وقاضي القضاة قبل أن يكون الرسول..


وعندما حاول أحدهم قتل "عبدالله بن أبي" زعيم المنافقين نهاه الرسول وقال له: "أخشى أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه" .. يا رسول الله تقبل الإساءة وتتنازل عن حقك، حفاظا على سمعة الإسلام والمسلمين.. قارن بين ما تفعله القاعدة وداعش باسم الله والرسول.!!


وعندما سب اليهود الرسول وقالوا له : السام عليك. بدلا من السلام عليكم، أي: الموت عليك.. فرد الرسول: وعليكم... لكن عائشة زوجة الرسول لم تتحمل إهانته ووقفت لترد عنه وقالت: بل الموت عليكم وغضب الله عليكم ولعنكم، فقال لها الرسول: "يا عائشة إياك والعنف إياك والفحش وعليك بالرفق".. كم أنت متسامح أيها الرجل.!! تلك هي أخلاقيات الرسول في التعامل مع يهود متطاولين يسبونه علنا وهو حاكم المدينة أمام زوجته بل ويرفض أن ترد زوجته الأذى بمثله ويكتفي بالصمت..


المنطق يقول أنك لن تفرض السلام إلا وأنت تمتلك قرار الحرب، وهذا تحديدا ما فعله الرسول في بدايات تأسيس دولته التي احتاجت لسنوات من الحرب ومواجهة أمور الدنيا بأساليب الدنيا لحماية دولته، وهو أمر مقبول في ظل أنه كان يتحرك في إطار دولة لها سياساتها الواضحة وليست مجموعة من اللصوص الملثمين الإرهابيين.. وما أن استقر الأمر وانتهى الصراع تفرغ النبي لإرساء الحقوق والتشريعات وتنظيم المعاملات بين البشر داخل الدولة، وترك للناس تنظيم أمور الدنيا وأقر ببشريته وقال " إذا أمرتكم بشئ من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشئ من رأيي فإنما أنا بشر"...



وخطب الرسول خطبته الأخيرة قبل مماته بعين دامعة مخاطبا عقول وقلوب وأرواح البشر وضمائرهم، ويشعر أن أيامه اقتربت وقال: "عسى ألا ألقاكم بعد عامي هذا"
ووجه خطابه لعامة الناس دون أن يختص المؤمنين منهم قائلا:
"أيها الناس إن دمائكم وأموالكم عليكم حرام" فعصمة الدم والمال حق للجميع
وقال أيضا: "لا تعودوا من بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" .. فالرسول هنا يربط الكفر بالقتل ويؤكد على عصمة الدم... فيكفي فقط لأن تصبح كافرا أن تقتل روحا بشرية مهما حملت من شعارات..


وتابع خطبته وقال: "أيها الناس آباكم واحد. كلكم لآدم وآدم من تراب، لا فضل لعربي على أعجمي ولا أبيض على أسود"... يا مُعلم تؤكد على المساواة بين البشر دون فضل لأحد، وأنت القائد والرسول المتصل برب السماوات..! فكل البشر واحد مهما اختلفت هويتهم أو عقائدهم أو جنسياتهم... يكفي أن تعرف أن دستور الولايات المتحدة الذي وضعه الأب توماس جيفرسون في القرن الثامن عشر لم يعترف بمثل هذه الحقوق سوى في خمسينيات القرن الماضي...


واختتم الرسول خطبته التاريخية بتلاوة آيات الله: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا"... كتأكيد على دور الرجل والمرأة في الحياة وتعمير الأرض، وأن القيمة الحقيقية تكمن في التواصل والتعارف بين الشعوب..


تلك هي تعاليمه ووصاياه لو كنتم تعلمون، أو لا تعلمون... إنه يشرع لدين الإنسان العاقل المتواضع الرحيم... المثقف والمبصر لشئون الدنيا بعيدا عن ضيق الأفق ومتاهات تجار الدين وكهنوتهم وخرافاتهم... هذا هو الرسول القائد المتصل بالجماهير، الذي يجلس على بساطهم ويعمل يدا بيد معهم ويحفر الخندق معهم...


ذاك هو رسول الإسلام.. رسول الرحمة والسلام يا من دوما تبحثون..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - أنا محمد , لست مدمم
عبد الله اغونان ( 2015 / 1 / 20 - 20:38 )

يروى أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وزاده تعظيما وتشريفا في الدنيا والاخرة

كان في بداية الدعوة الاسلامية مارا وشخص يناديه بلقب قدحي

يامدمم, يامدمم!!

وسمعه الرسول وفهم قصده ولكنه لم يلتفت اليه

فنبهه شخص ان ذاك الرجل يناديك ألم تسمعه؟

فقال النبي الكريم سمعته, هو لايناديني أنا محمد , انه ينادي شخصا اسمه مدمم

وأنا محمد

اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد