الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المتطرفون في الفيس بوك

سمير الحمادي

2015 / 1 / 30
الصحافة والاعلام


من الظواهر المثيرة والمقلقة التي تنتشر ويتعاظم أثرها وخطرها في شبكات التواصل الاجتماعي، وتحديداً الفيس بوك، ظاهرة التطرف الفكري والتعصب الأعمى للرأي التي تصدمنا كل يوم في تفاعلنا مع كثير من الأصدقاء الافتراضيين الذين لا نعرف في الغالب معظمهم معرفة شخصية. هذه الظاهرة نادراً ما ينجو منها أحد من الفيسبوكيين المداومين، خاصة إذا كان ناشطاً فكرياً اختار أن يمارس قليلاً من حريته في العالم الافتراضي بعد أن تعذر عليه ــ لأسباب معلومة ــ ممارستها في العالم الواقعي..

الواحد من هؤلاء المتطرفين / المتعصبين، وعلى نحوٍ مثير للتعجب.. والشفقة، يتوقع وينتظر ويطلب منك، بل يفرض عليك فرضاً، أن تفكر كما يفكر هو، وتتكلم كما يتكلم هو، وتكتب ما يريده هو، وتعبر عن رأيك في الاتجاه الذي يحدده هو، وبالطريقة التي تناسبه وتناسب أفكاره ومعتقداته، سواء كانت هذه الأفكار والمعتقدات دينية أو سياسية أو فكرية أو حتى مجرد وجهات نظر حول مسائل بسيطة وثانوية يمكن الاتفاق أو الاختلاف عليها دون مشاكل، وإلا فإنه لن يتردد في التكشير عن أنيابه بلا مواربة وإشهار عدائه في وجهك، وإعلان الحرب عليك بحسب الاستطاعة، وذلك من خلال طريقتين:

الأولى: أن ينقض عليك وأنت آمن مطمئن في صفحتك، فيغلظ لك في القول، ويمارس عليك ما يسمى في الأدبيات الفقهية التراثية "التثريب على المخالف"، فيوجه لك كلاماً لاذعاً وقاسياً، ويستنكر بشدة وعنف ما أنت فيه وعليه من ضلال مبين، ويعيب عليك بألفاظ خارجة عن الأدب وقد تكون جارحة ومسيئة ما تُدرجه في صفحتك من تفاهات ونفايات وهرطقات تسيء إلى هذا المقدس أو ذاك، والمقدس هنا هو بالضبط قناعاته التي يؤمن بها، والتي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، ولا يمكنك حتى مناقشته في بعض من تفاصيلها وشبهاتها، إذ عليك أن تقول له آمين في كل ما يقوله على طول الخط وعرضه، وأن تحرص على تأثيث صفحتك بالأثاث الذي يقترحه هو، ويعجبه هو، في كل وقت، وإذا تمردت مرة، أو أبديت اعتراضاً هنا أو ساورك شك هناك، فأنت في نظره بدأت تحيد عن الصراط المستقيم، وتزيغ عن طريق الحق وجادة الصواب، ولك واجب النصح والوعظ مرة أخرى، وإذا لم تمتثل، ولم تثب إلى رشدك في الحين والتو واللحظة، فهنا تكون قد اخترت أن تصبح خارج مداره، إذ سرعان ما يتم إقصاؤك نهائياً من الوجود بحذف اسمك من قائمة أصدقائه / أصحابه المبشرين بالجنة.. ولا اعتراض على أمر الله.. وأمره.

الطريقة الثانية هي أن يتولى عنك صاحبنا مرة واحدة دون مقدمات، أي أن يبادر إلى حذفك من قائمة أصدقائه بلا إشعار بالطرد، مع العلم أنه في الغالب هو من طلب إضافتك إلى صفحته بعد أن توسم فيك الخير والتقوى والصلاح، ثم اكتشف بعد أن قرأ لك موضوعاً أو تعليقاً عابراً أنك خُلُوٌّ من هذه الفضائل، ولست سوى اسماً جديداً في قائمة الضالين المشبوهين، وبالتالي لا مكان لك في صفحته الشريفة العفيفة التي لا يستحق الانتساب إليها إلا المطهرون من أولي الإيمان، الذين لا يعيرون السمع والبصر والفؤاد للشيطان، ولا يدنسون صفحاتهم بنشر الضلالات الدينية أو السياسية أو الفكرية...الخ، وهذه الطريقة في نظري هي الأفضل، لأنها توفر عليك أياماً وربما شهوراً طويلة من المماحكات والاستفزازات، والقيل والقال، وافعل هذا ولا تفعل ذاك، ولماذا كتبت هذا ولم تكتب ذلك، وكيف سمحت لنفسك.. وكيف صَدَّقْتَ.. ولماذا لا تُصدّق.. ومتى.. وأين.. ويا أيها الذين.. ولعنة الله على الذين.. وقال الشيخ فلان.. وأفتى الشيخ علان.. واتق الله هنا.. ولا تتبع الهوى هناك.. ولا تكن من الذين قال فيهم الله.. وكن من الذين قال فيهم الرسول.. طبعاً كل هذه النصائح والمواعظ والاتهامات مبنية على زاوية رؤية وفهم وإدراك هذا الشخص / الفرد / العبد / الضعيف للأمور: أي اجتهاده الشخصي الذي يخصه وحده، ولا يخص أحداً غيره، ولا يمكنك هنا أن تفترض مثلاً أنه مخطئ أو أنه هو الضال الشارد الهائم على عقله الذي يحتاج إلى من يأخذ بيده ويهديه إلى سواء السبيل، أبداً، إذا صارحته بهذا الافتراض أو حتى فكرتَ في التفكير فيه فانتظر أن تسمع منه ما لا أذن سمعت من صنوف الكلام البذيء الذي لا يقيم اعتباراً لأخلاق أو قيم، حتى تلك التي يدعي هو نفسه أنه يمثلها، وأنه مبعوث من السماء خصيصاً لنشرها بين الناس.. في الفيس بوك .

أعرف أن التطرف موجود في كل مكان، وأن الانترنت هو مرآة تعكس وجوهنا وملامحنا وأحوالنا وأمراضنا وعقدنا النفسية التي نحملها معنا من العالم الواقعي إلى العالم الافتراضي كما هي، لكني كنت أتمنى أن تكون هذه التكنولوجيا المتطورة جداً والخطيرة.. الخطيرة جداً دافعاً لنا للتحرر والانعتاق من أسر الماضي والحاضر بكل رواسبه العفنة العالقة فينا، التي وُلدنا وعشنا ونحن ننوء بثقلها يوماً بعد يوم. كنت أتمنى أن يكون الفيس بوك بوابتنا للانفلات من إسار هذا الانحطاط العربي الذي يلُفُّنا من كل جانب، في كل لحظة، لكن يبدو أننا حقاً لا نتعلم الحياة إلا لكي نتخلف أكثر، ونتراجع أكثر، وننهزم أكثر، وننهار أكثر، ونظل كالمخمورين البائسين نقعي على أرصفة الجهل والخرافة والبؤس أكثر.. وأكثر.

إنها الحقيقة.. مع كامل الحزن والأسف.
















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المتطرفون من كل ملة ومذهب
عبد الله اغونان ( 2015 / 1 / 30 - 21:21 )

التطرف ياسيدي ليس قاصرا على نوع واحد مما وصفته

بل في كل دين وملة ومذهب فكري متطرفون من أقصى اليمين الى أقصى اليسار

قبل التيار الاسلامي كان القوميون والثوريون والماركسيون والحداثيون والملاحدة

واللبراليون والمسيحيون والانقلابيون----الخ

جلهم مارس التطرف والتعالي والسب والشتم بل القتل المادي

تعرف جيدا تاريخ الصراعات

اخر الافلام

.. مليار شخص ينتخبون.. معجزة تنظيمية في الهند | المسائية


.. عبد اللهيان: إيران سترد على الفور وبأقصى مستوى إذا تصرفت إسر




.. وزير الخارجية المصري: نرفض تهجير الفلسطينيين من أراضيهم | #ع


.. مدير الاستخبارات الأميركية: أوكرانيا قد تضطر للاستسلام أمام




.. وكالة الأنباء الفلسطينية: مقتل 6 فلسطينيين في مخيم نور شمس ب