الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عمال الصناعة ووهم التفاوض

قاسم علي فنجان

2015 / 2 / 1
الحركة العمالية والنقابية


الأحداث التي تشهدها الساحة العمالية في العراق تسترعي كامل اهتمامنا وانتباهنا, ذلك لما تحتويه من تجارب مفرحة وممارسات تدعونا للتوقف عندها, أن المطالب الملحة والعاجلة التي يتفانى العمال من اجل تحقيقها، هي تؤكد مرة أخرى أن عمال العراق وبالأخص عمال وزارة الصناعة هم دائما في المقدمة وهم اللبنة الأساس للاحتجاج على ممارسات الطغمة المالية الحاكمة, وهنا يحضر في الذاكرة عمال الميكانيك (الدوكيارد) عام 1918 الذين طالبوا شركة "لنج" النهرية لتصليح البواخر والزوارق برفع الحيف عنهم ومساواتهم بالعمال الأجانب من ناحية الأجور والإجازات, ونفذوا إضرابات بطولية, اليوم يتكرر هذا المشهد الايجابي بعد اقل من مئة عام, فهاهم عمال الصناعة في هذه الأيام وهم يجسدون التاريخ المشرق لإسلافهم ويعتلون منصة المسرح الثوري ويطالبون بدفع رواتبهم المتأخرة منذ شهور ومساواتهم ببقية الوزارات ورفع الحيف والظلم الذي لحق بهم, وعليهم ايضاً تقع مسؤولية كبيرة وتاريخية في جر كل القطاعات العاملة إلى هذا التقليد الرصين والراسخ في ذهنية ونفسية الطبقة العاملة ككل.
لقد أصبح من البديهي أن حرية التظاهر والتنظيم والإضراب غير مسموح بها, وكل العمال بدئوا يدركون أنها لا تمنح -بدليل البقاء على القوانين السابقة- لكنها تفرض كواقع حال, وهو ما يريد انجازه العمال في هذا الوقت, فهم يعلمون أن هذه الحقوق إذا ما أخذت فإنها ستكون أداة فعالة لجمعهم وتوحدهم, مع أن السلطة القائمة تتوخى سياسة تضرب بها على وتر الأوهام الطائفية والقومية وهو ما ينجر إليه بعض النقابيين والذي يشكل ضرب لهذه الوحدة، وأيضا يشكل الجانب المحزن والمرير والمؤلم في هذه الحركة الاحتجاجية المتقدمة, قيادات العمال هذه كونت لنفسها وعلى مدار ما شهدناه من حركات احتجاجية, فكرة أن الحقوق المراد أخذها تسترجع بالذهاب إلى (مرجع ديني, نائب برلماني, وزير ما) أي تكونت لديهم عقلية "تفاوضية" مع من يرونه مؤثر في القرار السياسي داخل هرم السلطة, وبما إننا كنا مشاركين لا مراقبين فسنذكر تجربة مررنا بها لنؤكد أن مسار التفاوض مع هكذا حكومة وبرلمان غير مجدي بالمرة، بل انه يفرض تراجعا وتشتتا على وحدة العمال.
حضرنا اجتماع ممثلي العمال أبان تصاعد الاحتجاجات على مخصصات "الفرو قات" وناقشنا كيفية مواجهة تعنت الحكومة، وبالأخص تعنت الوزير "الجوكر" باقر صولاغ الذي وسمنا في حينها بأننا "أزلام النظام السابق", وكانت الآراء كثيرة ومتنوعة بالتصعيد والاعتصام وو الخ, وانبرت مجموعة من قيادات العمال لتطرح رأي مفاده "أن يذهب كل نقابي "حسب طائفته وقوميته" إلى "رجل دين- وزير أو برلماني" عنده معرفه به ليشرح له الوضع والمأساة والحيف الذي لحق بعمال وزارة الصناعة دونا عن بقية الوزارات, ذهبت الوفود "برغم تحفضنا على ذلك" ورجعت خائبة ولم تأتي ألا بتبريرات وأعذار واهية لم تقنع احد وأيضا لم تحصل على شيء, مع أننا كنا نتوقع ذلك, ألان يتكرر المشهد العمالي السلبي, أيضا وفود ذهبت لتلتقي المذكورين آنفا, ما الذي جرى, ما هي النتيجة, كانت هذه المرة مؤلمة جدا وعلى كل القنوات الإعلامية, فما فعلته النائبة حنان الفتلاوي بالوفد العمالي كان فضيحة كنا قد حذرنا منها.
مشكلة هذه العقلية أو لنقل بشكل أفضل هذا الميل داخل أوساط العمال هي عدم اتعاظه بالماضي -ستكون لنا فرصة أخرى لنسلط الضوء على هذا الميل-، لكن ما نود قوله الآن هو أن مسار المفاوضات وبهذا الشكل "المذل والمهين" هو وهم يتعلق به بعض النقابيين, هكذا مفاوضات أو كما وصفها أحد العمال بأنها "استجداء" لن تكون مجدية وسيكون مصيرها الفشل في كل مرة, أيضا بهذه العقلية فلن نستطيع قطف ثمار هذه الحركة التصاعدية (دفع الرواتب المتأخرة, تحويل الصناعة من تمويل ذاتي إلى مركزي)، أو حتى تطوير الاحتجاجات لإلغاء قوانين سنت أو التي في طور التشريع ضد العمال, وجعل الحكومة ومستشاريها الاقتصاديين والبرلمان يفكرون ألف مرة قبل أن يحاولوا سن مثل هكذا قوانين.
لاشك أن ما حققه العمال في مظاهرة "الفرو قات" والذي ترك المفاوضات والمساومات واللقاءات جانبا مع تحقيق النتائج المرجوة "صرف هذه الفرو قات"، يؤكد لنا أن التفاوض وهم وعلى هؤلاء النقابيين التخلي عنه, أن سجل المعارك والنضال الذي يخوضه العمال في وزارة الصناعة ضد تصفية القطاع الصناعي في العراق -والذي يجري بناءاً على شروط صندوق النقد الدولي-، هذه المعارك هي استكمال لاحتجاجات قاموا بها على مدى السنوات الماضية, وإزاء هذه الأحداث العنيفة التي يواجه بها العمال طغمة مالية فاسدة, ومع تلك المصاعب والانتهاكات والاتهامات لهم من قبل هذه الطغمة الخسيسة والسريعة الثراء..
يجب علينا أن لا ننسى تلك الكوكبة الرائعة من النقابيين الطليعيين الذين قاموا بتثقيف العمال بطرق الاحتجاج وأساليب أدامتها, لهؤلاء نقدم خالص تقديرنا ونشد على أياديهم, وللذين يدعون إلى التفاوض والمساومة واللقاءات نذكرهم بأن الحل ليس بيد رجل الدين أو عضو برلماني أو وزير أو زعيم طائفي أو قومي. الحل بيد العمال أنفسهم, أنها أزمة اقتصاد رأسمالي عالمية, ومواجهتها تكمن بالنزول إلى الميدان ولا غير ذلك.
وفي النهاية نقول للذين يتقدمون الصفوف, للطليعيين والمتحمسين والمنشدين المعتلين منابر العمال نقول تعريفاً (ملائكتنا سيدي, أحسن بعضهم معرفة البعض الآخر, فلم يكن هذا لقاءهم الأول, لا تنسى: ما كانوا يحملون ساعات, ولذا فدائماً يتقدمون كل موعد) ريلكه..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حديث السوشال | فتاة تطلب أغلى كعكة للتصوير.. ورد فعل غير متو


.. الإسرائيليون يتعاملون مع الشهيد -زاهدي- أنه أحد أركان غرفة ا




.. لماذا يلوّح اتحاد الشغل في تونس بالإضراب العام في جبنيانة وا


.. الشركات الأميركية العاملة في الصين تشكو عرقلة المنافسة




.. الشركات الأميركية العاملة في الصين تشكو عرقلة المنافسة