الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على أرصفة الصحافة الصفراء

فراس جركس

2015 / 2 / 3
الثورات والانتفاضات الجماهيرية




لم أكن بصدّد التوقّف عند بوست كتبه د.غسان عبود على صفحته الشخصيّة وافتتحه بكلمتيّ «بوست مؤلم»، رغم ما أثاره من ردود وردود مضادة على صفحات التواصل، ورغم خطابه التعميمي التخويني للأرمن والشركس منذ قدومهم إلى سوريا حتى الآن. فما يُكتب على الصفحات الشخصية، قد يكون مجرّد ردّة فعل عن حدث ما تحت تأثير الانفعال والتوتر والحالة النفسية، إذ ليس الجميع قادرين على ضبط انفعالاتهم. أما ما أعقبه من مقال نُشر على موقعه الإلكتروني «أورينت نت»، تحت عنوان: «ليس دفاعاً عن غسان عبود: الشركس...حكاية الغرباء الشقر» فيستوجب التوقف عنده، ليس من باب الدفاع عن الشركس أو غيرهم، إنما من باب التعرّف على حجم الانهيار الفكريّ الذي يُؤْثر البعض أن يجعلوه ماركة حصريّة مسجّلة باسمائهم.
ينطبق على المقال المثل الشعبي الذي يقول: « أجى ليكحلا عماها»، حيث حاول كاتبه تجاوز النظرة التعميمية للسيد عبود، فجاء فيه: «هذا العنوان بالضبط لا يقع تحته شرفاء الشركس أو أية أقلية مهاجرة أخرى». لكن التردّي الفكري الذي يُفصح عنه العنوان بحدّ ذاته، أكثر سلبية من النظرة التعميمية.
المقال موقّع باسم «ناصر علي». اسم مجهول الملامح، يظهر في عشيّة وضحاها، مسترسلاً بما جاء في البوست، متسلّلاً من سرداب جاهليّة عصور الظلمات، مستنهضاً من خلالها معايير التمييز على أساس لون البشرة. ليترك مقالاً أصفراً على أرصفة الصحافة الصفراء. ربما يريد صاحب المقال أن يتفوّق على الصحفي اللبناني حسين الحزوري، الذي يندب على شارع الحمرا بعد أن طغت على تفاصيله الشقراء البيضاء الناصعة، ملامح السوريين السمراء القاحلة، فحولته من منارة إلى ظلام. كلا المقالين يجسّدان مدى العقم في الارتقاء الانساني وعمق التردي الاجتماعي.

«حكاية الغرباء الشقر». هم الشقر في سوريا، السمر في بيروت، الإرهابيون في أوروبا ككل السوريين. أوروبا التي لم يستطعوا أن ينسوا أصولهم المنحدرة منها، فظلوا مترفّعين فوقيين متعالين عن السوريين الأصليين من وجهة نظر الكاتب.

في سنة /2004/، وفي «بييل» أثناء معرض الكتاب في بيروت، ألقت بثينة شعبان التي كانت وزيرة لشؤون المغتربين محاضرة عن واجبات المغتربين السوريين واللبنانيين تجاه أوطانهم. بعد أن انتهت، من ضمن الأسئلة التي توجّهت لها من قبل الصحفيين، ما قاله إعلامي لبناني بارز: «لقد وضّحتِ لنا واجبات المغتربين تجاه أوطانهم وكيف يجب أن يتعاملوا معها، ولكن كيف يمكن للحكومتين السورية واللبنانية أن تتعاملان مع المغتربين اللبنانين في لبنان والمغتربين السوريين في سوريا»؟
غالبية السوريين كانوا مغتربين في وطنهم، وكانت الثورة لانهاء حالة الاغتراب، فإذا بمن يحسبون أنفسهم جزءاً منها يروّجون لما هو أسوأ من الاغتراب والتغريب، ويعتمدون معيار لون البشرة لتقسيم المواطنيين إلى أصليين وغرباء، وبموجب هذا المعيار سيكون هناك الكثير من الغرباء. فسوريا بلد توالت عليه الحضارات والأعراق واختلطت وتداخلت فيما بينها.

لطاما سعى نظام الأسد إلى تشويه الثورة وتشتيتها، وكانت داعش ملبّية مطواع، وكان سياسيين ثورجيين بالصفوف الأولى وإعلاميين بالصفوف الأولى ملبّين،إماعن قصد لكثرة الاختراقات، أو عن جهل لكثرة التحليقات الفكرية المبدعة بالقدرة على تشتيت المشتت.

الشركس كغيرهم من السوريين، منهم المعارض والمؤيد والصامت، ومنهم من استشهد ومنهم من نزح ومنهم القابعين في معتقلات الأسد. فالانقسام السياسي عصف بالعائلة الواحدة وبالأسرة الواحدة. أما حديث الكاتب عن سفن روسية أقلت بعضهم على متنها لأنهم من مواطنيها، فلا يمثل إلا تحريضاً صريحاً على القتل في ظل العداء السوري الثوري- الروسي. وقد حدثت قبل ستة أشهر عمليات خطف لمواطنين « سوريين عرب» فقط لأنهم يحملون الجنسية الروسية، ومازالوا مجهولي المصير. السفن الروسية أقلت رعاياها الروس، أما عشرات أسر الشركس الذين عادوا إلى موطنهم الأصلي إنما عادوا عبر الخطوط الجوية على نفقاتهم أو عبر تركيا، على غرار ملايين السوريين الذين فرّوا من آلات الموت والدمار.

مشهد الرجل السوري الذي قال:« خذوني إلى إسرائيل»، وتداولتها وسائل الإعلام لا تعني أنه خائن، بقدر ما تُعبّر عن القهر والألم واليأس والظلم لمن لا حول ولا قوة له، وانسداد الأفق والبحث عن ملاذ يعصمه من مجازر ووحشية نظام الأسد واجرام أمراء الحرب، فنظام الأسد أوصل السوريين لمرحلة الارتماء بحضن عدوهم. ثم تخرج فئة لتنظّر عليهم وتقيّمهم وتخوّنهم وهي قابعة خلف الحدود.

المؤسسات الإعلامية التي تهمّها مصداقيتها وحفظ ماء وجهها، قبل أن تستنبط وتستقرئ وتستنتج، تتحرّى ولا تكتب وفق أهوائها وخيالها. والغيرة على سوريا وثورتها ووحدتها تتجلى من أفعال كل من يستطيع الفعل البنّاء في مجاله للمحافظة عليها، لا من خلال التهكم وسلوك الإسقاط النفسي لدرء الفشل عن طريق تحميله للآخرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا