الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عم سعيد ليس سعيدا.

أحمد سعده
(أيمï آïم)

2015 / 2 / 8
حقوق الانسان


على الرصيف هناك يجلس على حجر صغير وبجواره عكاز، وأمام وجهه يضع البشر أقدامهم، ليقوم هو بتلميع أحذيتهم بينما يستمتعون هم ويشعرون برفاهيتهم وسيادتهم..


بجانبه ركن به بعض الأواني الصغيرة، وكرسي خشبي متهالك يقف على ثلاثة أرجل، وبطانية قديمة.. تأكدت بعد ذلك أن هذا المكان هو بيته ومحل رزقه ومكان نومه وصحوه..


على مدار أيام أراقبه، وأشعر بمسئولية تجاهه. يوما ما كان شابا وسيما وقويا ولديه فتاة تحبه، حال الفقر دون زواجهما لتتزوج من آخر أقل منه فقرا.. يوما ما كان يحمل أحلاما وطموحات إنتهت به هاهنا. على الرصيف.. يمسح الأحذية من الصباح وحتى آخر اليوم، وينتهي بقليل من الجنيهات يأكل منها وجبته الوحيدة. ثم يضع شالا فوق رأسه في الليل لينام جالسا حتى الصباح..


اليوم قررت التخلي عن حذائي الرياضي وارتداء آخر جلدي.. ومررت عليه واقتربت منه، جلست بجواره، وخلعت حذائي ووضعته أمامه، وتحدثت معه. سألته عن حاله وبيته وماضيه الحزين وكيف انتهى به الحال هكذا في ركن على جانب الطريق..


- أنا أصلا نجار مسلح، وكان عندي بيت في المقطم وقع بعد زلزال 92 وبقى صعب إنه يتبني تاني وكمان الأرض اللي كان عليها بتاعة الدولة.. ومراتي ماتت تحت الأنقاض، كان نفسي أعملها حاجة حلوة في الدنيا تعوضها عن سنين الغلب والشقا.. وأنا زي ما انت شايف خسرت رجلي..


معندكش أولاد؟


- مراتي كان عندها ورم في الرحم ولازم عملية، ومش عارفين نعملها بسبب الفقر..


ربنا يرحمها يارب ويدخلها جنته.. كنت بتحبها شكلك..


- كانت مصبراني عالدنيا ومستحملاها معايا.. الليلة اللي قبل الزلزال جالنا مزاج أنا وهي نعمل "جنس" وكان بقالنا فترة طويلة معملناش كده.. وبعد ما قلعنا هدومنا جالها وجع جامد في بطنها وفضلت تعيط وأنا مش عارف أعمل حاجة وفضلت اعيط جنبها..

- والله شكلنا كان يصعب عالكافر.. فقرا وعريانين ومرضى وبنعيط بالليل... وبالنهار مراتي تموت وأنا رجلي تروح..


لكن ليه سبت النجارة. كان ممكن تشتغل برجل واحدة ياعم....؟


- إسمي سعيد.. أنا عديت الستين خلاص ومبقاش فيه صحة ولا طاقة، جربت أبدأ من جديد في أي حاجة تناسب وضعي لكن منفعش.. أجرت أوضة تحت سلم وقعدت فيها كم سنة لكن مقدرتش على إيجارها وخفت تقع عليا هي كمان من الرطوبة اللي نحتاها..


مبتاخدش أي حاجة من الدولة يا عم سعيد؟


- رحت كتير للضمان الاجتماعي، وجريت ورا بتوع الحزب الوطني وبتوع الإخوان وتعبت يا ابني والله ومخدتش حاجة وآخر مرة كشفت الدكتور قاللي عندك تليف كبد، والله كنت هاخد يومها سم فيران وارتاح..
....


يا الله! هنا يجلس رجل تعدى الستين. لا بيت، ولا زوجة، ولا أولاد، ولا صحة، ولا مصدر رزق..


ألتفت حولي فأشعر بقلة حيلتي. أريد أن أصرخ في كل البشر.. في رجال الدولة، ورجال الدين.. في كل من قست قلوبهم وصارت كالحجارة أو أشد قسوة..


آذان العصر يصرخ في كل مكان، لينبهني أننا في مجتمع مسلم.. مساجد خمس نجوم، بناء مآذنها فقط يتكلف ملايين الجنيهات، ومليئة بأجهزة التكييف والسجاد الفاخر والنجف والرخام والنقوش المذهبة و و و.. بينما هناك رجل مشرد ينام في الشارع أليس هو أولى بهذه الأموال؟.. لحم الناس مرمي على الرصيف وأنتم تركعون وتسجدون.!


الرسول كان يصلي في مسجد من الطوب اللبن، ويسجد على أرضية من الحصى.. لكن على ما يبدو أنكم أكثر إسلاما من الرسول نفسه..

إطمئنوا، لن تنفعكم صلواتكم، ولا زياراتكم للبيت الحرام كل عام طالما ضاعت إنسانيتكم وفقدتم القدرة على التكافل والتراحم وإنقاذ المحتاجين..


في أحد الكتب قرأت أن "برنارد شو" الكاتب الإنجليزي الشهير كان رجلا ثريا، ويمتلك سيارة "رولز رويس"، ورغم ذلك كان يشعر بمسئولية كبرى تجاه الطبقات المهمشة والفقيرة، بل كان أحد مؤسسي الجمعية الفابية التي صارت بعد ذلك حزب "العمال" البريطاني المدافع عن حقوق البسطاء والمهمشين.. فمن في مصر يدافع عن عم سعيد؟


يا سيادة رئيس الجمهورية، سمعت عنك كثيرا، لكن لا يهم ما يقال. المهم أنك المسئول أمامنا عن عم سعيد وغيره من ملايين السعداء التعساء في الشارع وعلى الرصيف..


عم "سعيد محمود عبدالكريم" ضحية سوء الإدارة.. عم سعيد ضحية مجتمع أنهكه ظلم الطغاة والمستبدين.. عم سعيد ضحية مجتمع أغرقه رجال الدين في متاهات الحديث عن عذاب القبر وطهارة الحائض، وزي المرأة..

عم سعيد أبدا ليس سعيدا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. برنامج الأغذية العالمي: معايير المجاعة الثلاثة ستتحقق خلال 6


.. اعتقال طلاب مؤيدين لفلسطين تظاهروا في جامعة جنوب كاليفورنيا




.. -الأونروا- بالتعاون مع -اليونسيف- تعلن إيصال مساعدات إلى مخي


.. عنف خلال اعتقال الشرطة الأميركية لطلاب الجامعة في تكساس




.. تأييدًا لغزة.. طلاب وأساتذة يتظاهرون في جامعة سيدني