الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل الحكومة التونسية قادرة على الردّ الحضاري؟

محمد الحمّار

2015 / 2 / 8
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


حضاريا، ليست أمورنا على أفضل ما يرام. حين يكون الإسلام كنزنا الذي لا ينضب ويكون في الآن ذاته مقدّما على أنه هو داعش، هو الذبح، هو قطع الأوصال، هو الحرق، هو الإرهاب فالمطلوب كشف النقاب عن الآلية العجيبة اللي اخترعت هذا التناقض ووظفته كأبشع ما يكون التوظيف.

وفي الوقت الذي تشتغل فيه الماكينة العالمية على تحريف رسالة الإسلام التي جاء بها إلى الإنسانية و على تشويه صورته وصورة المنتمين إليه وإلى ثقافته، قادة الرأي عندنا ماذا عساهم فاعلون من أجل تصحيح هذا المسار الأعرج والخطير؟! ألم يخطر ببالهم أنّ غياب الرد الثقافي و الفكري والسياسي المضاد هو السبب الأصلي والخفيّ الذي جعل من الحكومة المصادق عليها في يوم 5 من شهر فيفري لا شيئ سوى هيكلا بلا روح؟! بل هل بقيت للعرب و المسلمين روح؟!

لم تبق للعرب والمسلمين روح، ولا لمجتمعاتهم روح، ولا لدولتهم روح طالما أنّ الحياة الروحية صارت هي بدورها (فضلا عن المؤسسات)خاضعة لمعايير العولمة التجارية والمادية والحسية: مضخم الصوت في المسجد صار أقوى من صوت الحق الذي ينادي به الدين الحنيف. شعر الذقن بات أكثر كثافة من إنجازات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. الخمار أضحى يحجب عن المسلمات (والمسلمين) رؤية المناهج العلمية والعقلانية التي جاء الإسلام ليحثّ على كشف النقاب عنها.

وكانت نتيجةُ هذا التشييئ للمعنى وللروح أن تحوّل الإسلام إلى "اصطلاحٍ " تصاغ بواسطته خطابات إنشائية لا تغني من جوع (وهي مسألة لم تغب عن تفكير كبار العلماء على غرار يورغن هابرماس) . بل إنّ خلوّ الخطاب - الثقافي العام والسياسي- من كل مضمونٍ "إنجازي" (بمفهوم علم انثروبولوجيا اللغة) ينصُب المكائد ويحيك المؤامرات للمجتمع. هاو الصهيوني ماك كاين في زيارة "عمل" لتونس في اليوم الذي ستتسلّم فيه أول حكومة للجمهورية الثانية مقاليد الحكم (6-2-2015) والذي يصادف الذكرى الثالثة لاغتيال شهيد الشعب المناضل شكري بلعيد. "تصوروا ما معنى أن يقابل ماك كاين رئيس الحكومة الجديد قبل أن يدخل هذا الأخير مكتبه"، تقول الإعلامية فاطمة بن عبد الله كراي (في برنامج حواري بثته قناة "نسمة" الخاصة في ليلة 6-2-2015). وتستطرد السيدة فاطمة متسائلة: "ما معنى أن يفتكّ ماك كاين منّا أيقونتنا -شكري بلعيد- ويعِد بأن يحارب الإرهاب معنا؟!" (المصدر نفسه)

كما أنّ الإسلام أصبح موظّفا في عالم السياسة وكأنه علامة مسجلة أو ورقة بإمكانها أن تجلب الكسب لبعضهم والخسارة للبعض الآخر. وإلا ما معنى أن يحرص رئيس الحكومة على إقحام أعضاء من الحزب الإسلامي في تشكيلته؟ إنّ تونس ليست بحاجة إلى من يحمل لائحة الإسلام ضمن التشكيل الحكومي ولا لفكر سياسي إسلامي منفصل عن الفكر السياسي العام وعن السياسات العامة. نحن نحتاج إلى أن تكون الروح والقيم الإسلامية حاضرة في السلوك الفردي والجماعي لعموم السياسيين ولكافة الأحزاب المشاركة في تسيير الحياة بما فيها الحكومة. لكننا نحتاج أيضا إلى أن تكون هذه الروح متقاطعة مع ما يتضمنه -بالضرورة- النسيج السياسي من تنوّع عقدي و ثقافي ومتفاعلة معه لأنّ الميز بين إسلامي وغير إسلامي لا يكرّس إلا التعصب و رفض الاختلاف وبالتالي يولّد الإرهاب. نحن نتشوّق إلى حكومة تتحلى بقيم نبيلة مثل الاستقامة والعدل والمساواة بصفتها مخرجات التلاقح بين مختلف الأطياف والعقائد.

بالكاد، لم تعد إشكالية التقدم متوقفة فقط على حكومة جديدة ومصادقٍ عليها من طرف برلمان منتخَب بحرية ونزاهة وشفافية. لم تعد أيضا رهنا بتجديد الخطاب الديني إذا ما حدث ذلك بمنآى عن الإنعاش الروحي. بل إنّها رهنٌ بمراجعة العلاقة بين ما هو مادي/حسي وبين ماهو معنوي/روحي. وهذا الرهان ليس سياسيا بقدر ما هو فكري و فلسفيّ. لكن هل سنربح الرهان الأصلي في بلد لا يرى إلا بعيون المتراهن السياسي؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Read the Socialist issue 1271 - TUSC sixth biggest party in


.. إحباط كبير جداً من جانب اليمين المتطرف في -إسرائيل-، والجمهو




.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة كولومبيا


.. يرني ساندرز يدعو مناصريه لإعادة انتخاب الرئيس الأميركي لولاي




.. تصريح الأمين العام عقب الاجتماع السابع للجنة المركزية لحزب ا