الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التناص مع الخيال والقبول بواقع مغاير -الشاعر علي مجبل - والحلم المضني

احسان العسكري

2015 / 2 / 8
الادب والفن


التناص مع الخيال والقبول بواقع مغاير
"الشاعر علي مجبل " والحلم المضني

بذريعة قلبي ..
سيمتد السديم
سيمتدُ خريفُك يا جسدي
لجيادِ الكلام
لتقودَ الايامَ الى عنقِ الحنين

*ان المستمع للشاعر علي مجبل المليفي وهو يترنم بقصائده على منصة الشعر تتملكه حالة من الاندهاش فقوة لغته وترافة حضوره نقيضان لا يجتمعان الا به فهو اكثر الشعراء ايجاداً للذرائع حتى في تناصه مع الخيال ,
أي سديمٍ الذي يشير اليه هنا في هذا المقطع ؟ انه بارع فعلاً في جعل المتلقي بين مطرقة المفردة وسندان المعنى فتجدُ كل من اقترب لنصوصه متسلحاً بشيء من ثقافة الكلام واللغة سيقول (هذا الشاعر لسان حالي) فالفلاح سيقول هذا موسم السدر ايها المغسّلُ لجثمان الرحيل وسيجد المتعبُ انه قضية وهوية في شعر علي مجبل وعلى مقربة منهما سيجد العطش انه وقع في مصيدة الافول وهو يراقب هذا التدفق العذب , انه سديم علي مجبل هذا الطامح لركوب القمر تلك الهالة الجميلة التي تبدو للناظرين غيمة من النجوم ,سيجد كل شخصٍ ضالته في هذه المفردة الا الشاعر نفسه سيكون في عالمٍ آخر فهو الخارج بعد تيهِ في الضباب الى خريف مفاجئ لعمره مع انه مازال شاباً مفعماً الحب والأمل لكن الخريف الذي يخشاه علي مجبل هو خريف الكلام الذي سيجره بلا تجرد الى حنينه الازلي لربيع الهوى ونشوة الجنة المـــــــــــــــــــــــــــــــخزلة في روحه الحالمة .

" يا ايها الصهيلُ
الماكثُ بين خريفِ الملائكةِ
وعظام المعنى
لا تفزع من وجهي منكسراً
كحديدٍ مبحوح
إنه تظاهرَ بشواطئهِ الرحيمةِ
بعدما اوصلني
الى طفولةِ الذهب "

*العتق من ذكرى الالم توجد للشاعر فسحة من التساوق مع خيال العاشق فاذا كان الشاعر عاشقا تفوق على الم الفراق وجر حرقة الاشتياق الى هاوية الخريف وهنا يوضح هذا المقطع أي خريف الذي كان يخشاه الشاعر ؟! انا وانت في خطر يا صديقي اذا ما أفصحتُ بصراحة عن مكان خريفك فكلانا في دوامة اسمها الله المنتقم وكلانا ينشد الرحمة ونعتبر ان الملائكة الحارسة هي حارسة وليس محض مخابرات تعمل لصالح السماء , ان التطور الآني في النص شيء مما يقال عنه ثورة في الشعر فتجد حينما تقرأ نصاً لعلي مجبل تجد انه يتطور ويتسامى ويمتد نحو الاعلى وكأنه يغازل السماء طارقاً باب التشفي بالألم بلا صوت فقد بح صوت الالم ولم يثنه كثرة الطرق عن التمسك بصلابته السومرية المعهودة تلك الصلابة التي ما انفكت تسور نفسها بجدار من الرحمة ولم تك يوماً من المنتقمين الحاسدين لأن علي مجبل يدرك ان الطفل داخله لما يزل بعدُ يتوق الى عصره الذهبي , وهنا يأتي تأثير البيئة في شعر علي مجبل فهو ابن تلك المدينة الشاعرة المزدهرة ادباً وثقافةً في كل العصور ارضعته دواوينها الحياة وسقته اغانيها الوجع وأطعمه فراتها الحنين , لذا فمن الصعب التكهن بما يريده الشاعر من العودة لعصر الطفولة الذهبي ومن الصعب ايضاً ان يقال انه يحلم لان الشعراء لا يسوّقون الاحلام الى قصائدهم بل قصائدهم هي من يسوق الاحلام لقارئها لكن الشاعر يتدارك الموقف بقوله :

" انه الموتُ
فلتكن انتِ يافجريَ العاريَ من الغرقِ الحميم
مَنْ يكشفُ براءاتي
كي اصنَعها لكِ انتِ
ايتها السعاداتُ المشتبكةُ في ماء الروح
هناك حيثُ الزهورُ التي تهرمُ
في رمادِ الصمت
وتعبثُ بها سيقانُ الليلِ
كنهرٍ هجرَ وقتَه "

*صعبٌ ان تتخيل ان شاعراً يحمل كل هذا الامل ويؤمن كل هذا الايمان بالمستقبل ويحن كل هذا الحنين للماضي , يبدو انه متجه نحو الموت ..!
ماالذي يجبر الشعر علي مجبل على النزول الى باحة الغياب ومالذي يدعوه لأن يعود للتيه التي تركه في المقطع الاول وتعلق بسديم المجرات ؟ يبدو ان شيئاً ما جلفَ حلم الشاعر ومنحَ جلد الحلم لواقع منهوم بالبحث عن الرداء الثمين وما اثمن رداء الشاعر فهو المتكون من ثلاث طبقات تبدأ بالطفولة الذهبية مروراً بالشباب العاشق لتنتهي بالنجومية العظيمة ثم الخلود الابدي , ولا ينفك الشاعر يبحث عمن يعلن له براءته من قصّاب الجهل فنشر السعادة التي تمتليء بها روحه الفتيه التي مازالت تبرق وتومض ايذانا ببدء موسم المطر السعيد لأنه وببساطة لايمكن ان يتغاضى عن الطفولة المسروقة المنهوبة في رماد الحروب والصراعات فهو شاعر الحياة والحياة بلا زهور تزينها محض كتاب لم يقراه أحد وسوف لا يكون علي مجبل الشاعر الا نفسه ولا يرضى ابداً ات تذوي احلامه وأحلام جيله بليل بائس او تجري نحو بركة الضياع ممتطيةً نهراً حزينا , وهنا يقلي الشاعر بثقل الانتماء ويستعد لصياغة مستقبله الخاص هناك حيث ستتمدد هذه الاحلام المحمولة لتصل الى (أهوار) الحنين ليتكور من جديد هالة من سديم التألق وهنا تبرز قوة شخصية الشاعر ببراعته في ايجاد الحلول الناجعة دائما لأي معضلة ولأي عقدة وهذا هو علي مجبل كما عرفناه حين نجد انفسنا مثلقين بشيء من الحيرة سعينا اليه (ابو ديار – شنو الحل) ؟

" كُفّ عنّا ياجرساً باركتهُ الخسائرُ
والقتْ علينا مساميرَ،اكتافِها
إني امنعُك أن تبتلعَ اطلاقةَ عقلِك
لأني رأيتهُم قد باعوا… الستائر
واشاروا الى شتاءِ القلب
انه الموتُ او الصرخةُ التي تفيضُ
لتنسدلَ الجهات "

*وأخيراً وليس آخراً تنسدل جهات الوجع في مسرح الحياة المهجور على تاريخ مضن من التشفي بألمنا وتسابق سمج للزمن مع وجعنا وآنم للأبواق الحروب ان تقف عن حد فما القتل الا بداية النهاية وما نهايته الا نهاية التمسك بالحياة فتارة تجدها تفتح لنا فضاءا بعيداً لنحلق عبر الافاق واخرى تجدها طوقتنا بياسمين صناعي واحيانا تفتح ابواب الغرق على مصراعيها لنتفنن بايجاد الخسارات التي يتوق اليها غالبيتنا , الشاعر علي مجبل صورة متفردة من صور الجمال وايماءة بائنة من التطور الحقيقي لذات الشعر , وما للخبز من بقية فالمسرح هجروه اهله والخبر اضحى ارخبيل الصراعات من اجل البقاء وسبباً وجيها لامتهان الفناء حينما بيعت الستائر وتركوا القلوب التواقة الى الحياة الآمنة في مهب الشتاء المريض ,
هكذا يسامق الشاعر الاستاذ علي مجبل الأبداع وكانه يعلن انه متواجد في كل مكان وقد توج وجوده بكونه المربي الفاضل والانسان الشاعر والآدمي الحالم الذي رفض ومازال يرفض ابتلاع رصاصة الغدر لانه وببساطة واجه الحياة بحقيتها والموت بتاثيره وكانه يشير الى القيمة الاسمى والاغلى في الوجود (الانسان)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان أحمد عبد العزيز ينعى صلاح السعدنى .. ويعتذر عن انفعال


.. االموت يغيب الفنان المصري الكبير صلاح السعدني عن عمر ناهز 81




.. بحضور عمرو دياب وعدد من النجوم.. حفل أسطوري لنجل الفنان محمد


.. فنانو مصر يودعون صلاح السعدنى .. وانهيار ابنه




.. تعددت الروايات وتضاربت المعلومات وبقيت أصفهان في الواجهة فما