الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في اصداءُ القلق. الشاعر عامر ضايف السلمان بين عشق العزلة وانطلاقة المنتصر ....

احسان العسكري

2015 / 2 / 11
الادب والفن



" فجرالدماءِ من الظنونِ وليدُ
..والموجعاتُ من الخفاءِ وعودُ
وأقمت يصحبني الطريق بغايتي
... وقبلتُ صبرا والسكوتُ نشيدُ "

*قيل في ما مضى (ماالحبُّ الا للحبيب الأولِ) وأنا اعتقد ان ما العرفان الا للمعلم الاول .. عامر ضايف السلمان شاعر يتقن البراءة كإتقان العاشقة للحنين وليس غريباً عليه فهو الاكثر براءةً في الشعر من بين كل من جايله , هو شاعرٌ يعتبر الشعر شيء مقدس وينظر اليه بنظرة النبي المكلف برسالة سماوية ولاعجب ان يمتلك السلمان هذا الشعور فهو الوحيد من بين كل اساتذتنا الرافض وبإصرار ان يعتلي منصة للشعر في اي مكان في سوق الشيوخ او خارجها فهو المنشدُ الساكت صبراً وغايته كانت : ان يكون الشعر شعراً لا غير وعدم اعتلاءه لمنصة الشعر جعل لقصائده اجنحة تحلق بعيداً لتحط رحالها في ارقى واهم المجلالت والصحف العربية وما فجر الدماء الذي ولد من رحم الظنون اخذ شاعرنا هنا الى انتقالة من مكون قضية الموت الى فضاء التحرر بعده وكانه يرسل الى الراحيلن رسائل تعدهم بنعيم الخلود والتخلي عما تسببه ارهاصات القلق ..فهو الذي ما انفك يشكو:
" من آهةٍ تدنو بأنواع الاسى
والانتظارُ على الجراحِ صمودُ "
*الصمود الحقيقي عند الشاعر الممتليء براءة وانسيابية يكمن في تحديه لصعوبات التشدق غير المبرر لبعض الطواريء على المشهد الثقافي في كافة المجالات وهو الشاعر بالأسى على مختلف اوجهه وبما يضمن لمن يراقبه اشراقة الجرح العميق في نفسه التواقة للتحرر من معاناة الانسان الذي ما انفك يزاول الوجع حتى ان لم يجد له مبرراً .

"وشربت نورا والظلامُ مخاوفٌ
وتمزقت تحت العيونِ سدودُ
وقف الرصيفُ برغم كلِ فضاءه
وتحطمت في الواحتينِ ورودُ
لا للحياةِ يقولها في رهبةٍ
وضميرهُ فوق الفراغِ سعيدُ "
*كم هو جميل هذا التحلي بالهدوء وسط كل هذا الصخب في هذه القصيدة ؟
كيف تمكن الشاعر من تمزيق مخاوف جيل بأكمله فقط بنظرة الانسان التواق للتحرر ؟ حتى انه اوقف الزمن وجعل من زحف الرصيف سداً منيعاً لتجاوزه خطى التقدم نحو هاوية الهلاك رغم ان زحفه هذا حطم الكثير من اسيجة الجنائن وتسبب بكل ما اوتي ن قوة بسحق ازهارها واعتدى بسماجة على براءتها , ومن الممكن ان يجد القاريء لهذه الابيات سبباً غير مقنع ربما لأن الشعور بالسعادة رغم كل هذا الفراغ من الأمل هو السعادة الحقيقية . مذ عرفت السلمان شاعراً حينما كان عمري اربعة عشر عاماً وكان بيتنا مجاوراً لبيته وابنه اثير الذي يصغرني بـبضعة اشهر كان يقول لي (ابوي شاعر) قررتُ ان اتجه اليه حاملاً في جيبي دفتري الغير منسّق والممتليء بابيات من الشعر العربي .وحين كلمته وجلست معه بين افراد عائلته المحترمة تلك الايام التي كان بها الجار (من اصحاب البيت) كان يقرأ ويهز راسه وكنت انظر اليه كيف ينقل بصره بدقة بين الأوراق فتارة يذهب لآخر الدفتر وأخرى يعود لأوله الى ان قال لابنه اعطني قلماً ورايته وانا بكامل صمتي يكسوني التعجب والرهبة رايته يضع ما يشبه الدائرة هنا وهناك في بعض صفحات الدفتر الذي تركته عنده وكان ابنه الشاعر أمير السلمان يعانق رقبته من الخلف ويقلده في النظرات لدفتري .. ان انسانية عامر ضايف السلمان شيء جديرٌ بالتوقف عنده طويلاً فهو صديق حتى لاطفاله الصغار وصديق لتلك المراة العراقية بامتياز فهو اكثر الشعراء اتقانا للمحاورة اللطيفة واقلهم تعلقاً بـ أنا الشاعر لذا عندما تقرأ قصائده ستجد انك في بحبوحة من الجمال والتألق لأنه غالباً ما كان ناعياً لنفسه وحينما تكون النفس بكل هذا البهاء مؤكد ان النعي سيكون عبارة عن ( ترنيمة تشبه كثيراً اغنية كمال محمد – معاتبين )

" اين الحقيقة والعمائمُ لا ترى
الا الضلالة والحليمُ وحيدُ
نامت عن الفقرِ الذبيحِ عيونهم
من ذا يفيقُ وافقهُ التهديدُ
صبحٌ حبيسٌ بين اردان اللحى
رسموا القبيح وفي الحياة شهودُ
شربوا من الفكرِ العقيم سمومهُ
وتسابقوا ان القريب بعيدُ "
*العظمة الحقيقة للمبدعين الخلاّقين تكمن في رفعة انتمائهم للذات الانسانية , ان الشاعر عامر السلمان في قصيدته هذه وعدد آخر من قصائده يذكر القاريء دائما باسلوب الجواهري رغم تفرده باسلوبه الخاص الا انني اقصد هنا اسلوب الثائر صاحب القضية والذي يتجلى بقصيدته (اتعلمُ ام انت لاتعلمُ ..بأن جراح الضحايا دمُ) حتى تتفاجأ في نهاية المطاف انك امام قصيدة رثائية كتبها الجواهري لأخيه جعفر الشهيد , ان السلمان رغم كل هذا القرب من ابداع الجواهري العظيم الا انه لم يكن متأثراً به ابداً والدليل انه يسوّق وجعه متخذاً من اللغة السلسة البسيطة العذبة طريقة لإيصال دعوته للحرية وكان قد كتب اجمل واعذب قصائده في فترة زمنية مُنع فيها حتى ذكر اسم الجواهري وكان كل الشعراء يبحثون دائما في الخفاء عن آخر ما كتب وكانوا غالباً ما يصابون بخيبة الأمل, لذا فان السمان كان الرافض لكل انواع السموم ان تتجذر في مجتمعه فهو الاشتراكي في المنطق والليبرالي في الحب والشمولي في التحلي بالصمت وهو الشاهر سيفه بوجه الجهل بكل عزيمة قائداً لثورة مساكين الوجع والباحث دوماً عن اشراقة شمس الحرية على شواطيء فرات روحه الذي اضحى يناغي ظلاميات بعض المرضى بداء الدين السلطوي , ان الحقيقة التي يبحث عنها عامر ضايف السلمان مطوقة بشهادات تاريخية موقّعة من اعتى عتاة الحكم الجائر وأرباب الفتاوى الغريبة والذين حكموا على الفجر بحبس روحه في ليالي من الغّرور المعتق .

" قرب القطافُ وكم احاورُ فكرتي
الداءُ دائي, فالطبيبُ بليدُ
هذا التعري والحياءُ مسافرٌ
يأتي قريبا والرهانُ قصيدُ
لا تبتئس نزفُ العراقِ حضارةٌ
وأديمه فوق الاثيرِ حشودُ
يسمو الاصيلُ على الحقوق جميعها
مهما استشاطت فالضياءُ حميدُ "

*ان نظرية التعالي على الجهل اعتبرها خير علاج ناجع للخلاص من مضاعفاته على شخصية الانسان السوي لذا ان الشاعر هنا له كل الحق بالتحدث بلغة التهديد والوعيد لهذا الفكر الذي عاث خراباً بالمجتمعات وحول الدين الى سلعة يتاجر بها النفعيين والوصوليين والانتهازيين بل تعدى ذلك فشمل هذا الفكر بعض كتاب الشعر والنثر والذين لايليق بالشعر والأدب بصورة عامة . ان معاناة الشاعر الانسان عامر السلمان من بلادة الطب وعدم كفاءة العلاج الذي يقرره اطباء السياسة ليست وليدة صدفة او نتاج التألم من واقعة معينة , فالقاريء لفكرة الشاعر في هذه القصيدة يجد ما لاشك فيه أنه يدعو لاحترام الحقوق وعدم التعدي على الانسانية واحترام مباديء الحرية وعدم الايمان بما يشاع عنها انها ان تفعل أي شيء دون الخوف من شيء وانما لكل فعل خلق يزينه ولكل زينة فعل ايجابي اذا ما صُنعت بحرفة الأنسان الفاعل للخير دائما .ان الشاعر يراهن بالشعر فالشعر هو لغة الاحساس وميزان الحياة هذه الحياة التي كانت في مضى والدة لحضارات علمت الانسانية الحرف و (مسرحت) ثقافاتها عبر الآلاف السنين,
الارضُ ميراثُ الفراتِ ودجلةٍ
حرفُ وحقٌ والكبيرُ مجيدُ
من عهدِ ابر اهيم ينطقُ عاشقٌ
هذا الترابُ وحلمه التجديدُ
الفكرُ وهجٌ والمناهلُ جمةٌ
من اصغريهِ الشاعرُ الغريدُ
*الله يـــــا عشق ابراهيم ذلك النبي الاب ! كأنه يقول اين انتم من تلك الحضارات ومن تلك العصور وكيف تنتمون لهذه الارض وانتم تتقمصون جهلاً متسوردا ؟ وارى ان عزاءه الوحيد في دوامة اليأس من ايجاد الخلاص هو ان الاصالة المتجذرة في نفس الانسان المحترم هي التي ستكسب الرهان مهما استطال الضياع ولابد لاشراقة ما ان تغزو مكامن الظلام يوماً .

" ماكان في ارضِ النبوغِ مكابرٌ
الحبُ لحنٌ والضفافُ تجودُ
من كلِ مسكٍ والجميلُ معطرٌ
جلّ المفدى فالسحابُ رعودُ "








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كل يوم - لقاء في الفن والثقافة والمجتمع مع الكاتب والمنتج د/


.. الفنان أحمد سلامة: الفنان أشرف عبد الغفور لم يرحل ولكنه باقي




.. إيهاب فهمي: الفنان أشرف عبد الغفور رمز من رموز الفن المصري و


.. كل يوم - د. مدحت العدل يوجه رسالة لـ محمد رمضان.. أين أنت من




.. كل يوم - الناقد الرياضي عصام شلتوت لـ خالد أبو بكر: مجلس إدا