الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


داخل حدود وطن وهمي ...

سلمان محمد شناوة

2015 / 2 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


داخل حدود وطن وهمي

هل المواطنة ممكنه أم مستحيلة ...

سؤال يثار بقوة في وضع الظروف الراهنة والتي يمر بها الوطن العربي والعراق ؟

ما هي المواطنة , المواطنة هي بكل بساطة حالة تعايش بين مجموعة بين الناس داخل حدود وطن واحد , يتساوون بالحقوق والواجبات , لا فرق بينهم على أساس الدين أو الجنس أو اللون أو القومية , ومعظم قوانين العصر الحديث والتي نشأت في القرن العشرين تحديدا حرصت على وضع المواطنة شرطا أساسيا في بنود دستورها ...

ومعنى ذلك إن كل المواطنين داخل الدولة لهم نفس الحقوق السياسية والاجتماعية , من ترشيح وانتخاب وتولى سلطات سيادية في البلاد ...

والمواطنة كما هو معلوم هي نتاج الثورة الفرنسية , والتي نادت بالمساواة والحرية ....

وهذا بكل تأكيد تختلف عن شكل التعايش في الشرق أو الغرب قبل الثورة الفرنسية ... فكان الشرق الإسلامي يقتصر المواطنة على أتباع الخلافة بكل أشكالها منذ الأمويين لغاية العثمانيين ... فالمسلم له درجة اكبر من الديانات الأخرى والذين يسمونهم أهل الذمة , فهؤلاء ليست لهم حقوق المواطنة , فلا يحق لهم الترشيح لأي منصب سياسي أو اجتماعي , إلا إذا اضطرت لذلك الظروف القصوى , وهؤلاء يدفعون الجزية وهم صاغرون , ودائما يتم التأكيد على هذه الكلمة " صاغرون " والتي تعني مدى رضوخ الذميون لسلطة الدولة المسلمة , وعلاوة على ذلك كل من لا يتبع ديانة سماوية , لا حقوق له ويجب محاربته .

حتى في الغرب قبل الثورة الفرنسية , فلا يعترف بالحقوق المتساوية لمن اختلف بالدين , فلم يكن للمسلم إي قيمة تذكر , بخلاف الشرق الإسلامي والذي كان يعطي إتباع الديانات الأخرى حقوقا ولكنها لا ترقى أبدا للحقوق المسلمين , لا بل كان الغرب لا يعترف بالحقوق لمن اختلف مذهبياً , كلنا يعلم حرب المائة عام بين البروتستنت والكاثوليك , هذا لأنهم ولمدة طويلة لم يكن احدهم يعترف بحق الأخر , وكلنا يعلم انه في عهد الملكة ماري تيودور ملكة بريطانيا تم حرق أكثر من 300 شخص بدعوى أنهم مخالفون مذهبيا .

إما الغرب الأمريكي , فكانت هناك تفرقة عنصرية بين الأسود والأبيض , وان هناك صراع سياسي حدث حتى استطاع السود إن ينتزعوا حريتهم 1863 أثناء حكم الرئيس أبراهام لنكولن , والسود رغم نيل حريتهم إلا أنهم ولمدة قرن من الزمان بعد ذلك إلى عهد الرئيس جون كنيدي1963 , لم ينالوا حقوقهم السياسية بالترشيح والانتخاب , حتى إن المحكمة الأمريكية العليا كانت أقرت قانونا أشبه بالدستور الذي لا يمكن تجاوزه والذي يقول (( إننا متساوون اجل , ولكن مختلفون )) ويعني ذلك إن هناك مساواة ولكن ليس لدرجة الاختلاط , فالسود لهم أماكنهم والبيض أيضا لهم أماكنهم والتي لا يمكن إن يتجاوزها السود أبدا ...


في ظل ما يحدث للايزيدين من سبي وتقتيل وتهجير ومحاولة صهرهم في بيئة غريبة عنهم بجعلهم مسلمين بالقوة , وبظل ما يحدث للمسيحيين من هجرة جماعية منذ 2003 وما قبل ذلك , وكذلك ما يحدث للصابئة من تهجير كذلك ومضايقة بحيث , لم نعد نرى بين الناس المجتمع تلك الصورة الرائعة بين الأشخاص المختلفين دينيا أو مذهبيا أو حتى المختلفين بالقومية ....

في وقت مضى كان يحكى لنا إن هناك يهودا في العراق , واليوم اختفوا تماما من العراق بفعل قوانين صدرت بحقهم , وبفعل غضب جماهيري خلال فترة أربعينيات القرن الماضي , هذا الغضب الجماهيري قادته رموز دينية وسياسية كان من مصلحتها إلغاء التواجد اليهودي والذي استمر لمدة 3000 سنة منذ السبي البابلي ليهود فلسطين ...

كنا نسمع عن تجاور المسيحي مع المسلم ومشاركة الصابئ بأعياد المسلم , ومشاركة المسلم في أعياد الصابئة والمسيحيون بشكل رائع وجميل ....

لم نعد نرى هذا اليوم , المسيحيون تقوقعوا في مناطقهم في شمال العراق , والباقون منهم في بغداد وجنوب العراق , سعوا إلى هجرة أما إجبارية اضطرتهم لها الظروف أو اختيارية , حتى لا يضطرون يوما ما إلى المفاضلة بين أرواحهم وأموالهم , لذلك بادروا بالهجرة بأنفسهم قبل إن يقع المحظور .

التعايش السني والشيعي بات نادرا ألان , لم نعد نسمع بتزاوج بين الطائفتين , وعملية التقارب بين الطلاب في المجتمعات بين السنة والشيعة , بات يضع له الأهل والمجتمع ضوابط شديدة حتى لا يتهور الطلاب يوما إلى التمادي بعلاقات تؤدي يوما إلى زواج بين سنة وشيعة ...

أكثر ما يشعر بذلك اليوم , هم الأبناء نتاج الزواج الشيعي السنة , حين يجدون إن هويتهم ضائعة , وحين يشاهدون هذا التقاتل الشيعي السني , وحين يجلسون يسمعون مقالات أهلهم الشيعة , ثم يعودن يسمعون مقالات أهلهم السنة , وكلا الطرفيين يطلب منهم بشدة إن يتخذوا موقفا , أما مع أو ضد , وكم هذا يسبب لهم تمزقا في هويتهم الاجتماعية ...

الخوف من المستقبل بات رهيبا , فهل تستطيع عائلة سنية أو شيعية , إن تخاطر وتزوج ابنتها من الطائفة الأخرى , وتضطر بسببها إلى الانتقال بيئة مخالفة للحياة فيها , لا اعتقد اليوم الأسلم إلا تكون هناك علاقات اجتماعية بين الطائفتين حتى لا يتورط احد بالتزامات تكون صعبة في المستقبل...

حين تم تفجير مرقد العسكريين في سامراء , حدثت موجه ارتد الناس إلى طوائفهم ومللهم أكثر من ارتدادهم إلى أوطانهم , وأصبح الناس فريقين ينظر احدهم للأخر بريبة وشك , وبدأت حالة القتل على الهوية , فكما يقتل شيعي هنا يقتل سني هنا وإذا احرق مسجد هنا يحرق مسجد هنا , وأصبح في الناس من يرفض تواجد إي شكل شيعي في المنطقة الغربية , وبنفس الوقت سمعنا عن حرق أكثر من جامع سني في المنطقة الجنوبية , هذا يدل إن هناك من الناس يرفض تواجد إي شكل سني في المنطقة الجنوبية ...

المناطق في العراق عُزلت أو تم عزلها طائفيا , بات ألان مقبول بشكل كبير إن تكون هناك مناطق كأمله تمتاز طائفيا , وعملية الاختلاط الموجودة سابقا لم يعد لها وجود أبدا , كثير من العائلات الشيعية رحلت إلى مناطق الجنوب لأنها تشعر انه لم يعد من الأمان إن تبقى في أماكنها , بسبب حالة التهديد اليومي في أماكن سكناها هناك , وهذا ما حدث أيضا في تلعفر الشيعية ... والتي هاجر معظم سكانها بسبب سيطرة جماعات داعش السنية هناك ....

وكذلك وجدنا كثير من العائلات السنية أيضا ترحل إلى أمكان تواجدها طائفيا , ليس هذا فحسب , باتت المناطق تتوزع قوميا بالإضافة إلى توزعها طائفيا , فالعرب في كركوك اخذوا بالهجرة والأكراد اخذوا بالهجرة إليها ... هذا حال كركوك ...

ماذا حدث حتى يتحول المجتمع إلى هذه الصورة الفظيعة والمؤلمة والتي لا نرضى عليها أبدا , وحين نجلس ونتحدث ونمعن في ذكريات الماضي , نجد أنفسنا نميل بشدة إلى تلك الأيام الرائعة .. والتي لم يعد لها وجودا أبدا ...

أتذكر مقولة شهيرة الملك فيصل الأول حين قال :

" أقول و قلبي ملآن أسىً... أنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة، سمّاعون للسوء ميالون للفوضى، مستعدون دائماً للانتفاض على أي حكومة كانت، فنحن نريد والحالة هذه أن نشكل شعبا نهذبه وندرّبه ونعلمه، ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف يجب أن يعلم أيضا عظم الجهود التي يجب صرفها لإتمام هذا التكوين وهذا التشكيل.. هذا هو الشعب الذي أخذت مهمة تكوينه على عاتقي " .
ويقول لي صديقي
أثناء فترة الحكم السابق , كان النظام يفرض على كل المجموعات التعايش قسرا وبقوة القانون ومن يرفض ذلك كان يعاقب بشدة , وكل من ينادي بأصوله المذهبية سواء سنية أو شيعية أو إسلامية أو مسيحية كان يعاقب , لذلك وجدنا حالة الاندماج بين مختلف الفئات في المجتمع , ولكن في اللحظة التي أزيلت بها القسوة في دمج المكونات والطوائف وأعطيت تفرقت المجموعات البشرية فرقا وأحزابا , ولم يعد العراق قادر على تحمل أبنائه , أو كما قال الملك فيصل الأول إن في العراق مجموعات بشرية مختلفة أجبرت على التعايش معا , وفي اللحظة التي أزيلت القوة في هذا الإجبار اختلفت وتباعدت ...

الكل كان يتلكم عن وطن واحد , ولكن اعتقد انه اليوم الكثيرون سواء في الشمال كردستان أو الجنوب البصرة والناصرية والعمارة أو حتى المنطقة الوسطى والغربية , يشعرون بميل شديد للاستقلال و وان الكلام على تمزيق العراق بات مقبولا أكثر من إي وقت مضى ...
خصوصا ما يشاهد اليوم , من الثمن الكبير والذي يتم دفعه لبقاء العراق موحدا ...

فهل الوطن هو وهم عشناه طويلا ثم صحونا فجأة على حقيقة مؤلمة إن هناك لا وطن ... وان المذهب او الطائفة يجمعنا أكثر مما يجمعنا الوطن , أسئلة حائرة ومربكة , والإجابات مرعبة ولها ثمن كبير , إن يوماً سوف نشاهد أنقسام الوطن الواحد إلى عدة اوطان , ويكون ذلك حقيقة لا مفر منها ...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكونغرس الأمريكي يقر مشروع قانون مساعدات لإسرائيل وأوكرانيا


.. لازاريني: آمل أن تحصل المجموعة الأخيرة من المانحين على الثقة




.. المبعوث الأمريكي للقضايا الإنسانية في الشرق الأوسط: على إسرا


.. آرسنال يطارد لقب الدوري الإنجليزي الممتاز الذي غاب عن خزائنه




.. استمرار أعمال الإنقاذ والإجلاء في -غوانغدونغ- الصينية