الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نكبة فلسطين وإرهاصاتها

يسرا محمد سلامة

2015 / 2 / 15
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


حتى سنة 1928، تعاملت الحكومة الإنجيزية مع فلسطين كأنها دولة واقعة ضمن نطاق النفوذ الإنجليزي، دولة يُمكن أن يتحقق فيها – وبرعاية إنجليزية – الوعد المُعطى لليهود (وعد بَلفور) جنبًا إلى جنب مع طموحات الفلسطينيين، لكن لم ينجح مبدأ المساواة هذا؛ لأن الغلبة دائمًا كانت للجانب اليهودي، وقد وافق الجانب الفلسطيني – الذي خشى من نمو الهجرة اليهودية وتوسع المستعمرات – على قبول مبدأ التكافؤ أساسًا للمفاوضات، لكن رفضتها القيادة اليهودية، الأمر الذي نتج عنه ثورة الفلسطينيين 1929، خاصةً بعد رفض إنجلترا الإيفاء بهذا المبدأ.
بعد ذلك وفي عام 1937 قام اليهود بقبول ما أقرته لجنة بيل الملكية البريطانية، من منح اليهود جزء صغير من الأرض الفلسطينية، وفي هذا السياق يقول ديفيد بن جوريون (1886-1973) "إنني لا أشعر مُطلقًا بالإهانة من جراء إقامة دولة يهودية حتى وإن كانت صغيرة، أنا لا أرغب بالتأكيد في تقسيم الأرض، لكن هذه الأرض التي تُقسم ليست في حيازتنا بالفعل، إنها في حيازة العرب والإنجليز، ونحن نملك منها جزءً صغيرًا فقط، أصغر من الجزء المقترح لإقامة دولة يهودية عليه، لو كنت عربيًا لشعرت بإهانة كبيرة، ففي اقتراح التقسيم هذا سوف نحصل على أكثر مما نملك – علمًا أنه أقل وأقل بكثير مما نستحقه ومما نريده – إلا أن السؤال المطروح هو، هل سنحصل بطريقة أخرى غير اقتراح التقسيم على أكثر من هذا؟ وإذا ما بقيت الأمور كما هى عليه الآن، فهل هذا من شأنه أن يرضى مشاعرنا؟ نحن لا نريد لهذه الأرض أن تبقى كاملة وموحدة، بل نريدها أن تكون أرضًا يهودية كاملة وموحدة، فأنا لا أشعر بأى رضا عندما تكون أرض إسرائيل كاملة ولكن عربية، بالنسبة إلينا فإن الوضع الراهن عبارة عن سُم قاتل، ونحن نريد تغيير الوضع القائم، فكيف لهذا التغيير أن يتم؟ وكيف لهذه الأرض أن تُصبح لنا؟ إن السؤال المصيري هو، هل إقامة الدولة اليهودية تساعد أم تُعرقل تحويل هذه الأرض إلى يهودية؟"
ويستطرد "أنا متحمس جدًا لإقامة الدولة – حتى وإن كانت تلزمنا الموافقة على قرار التقسيم – لأنني أرى أن الدولة اليهودية المنقوصة ليست النهاية، بل هى البداية"، بعدها أدرك بن جوريون أهمية إقامة علاقات سياسية سرية مع جهات عربية، كانت أشهرها مع الملك عبد الله الأول، وحاول مندوبو بن جوريون حينها موشيه شاريت (1894 – 1965)، وجولدا مائير (1898 – 1978) بتوجيه منه إقامة علاقات من هذا النوع قبل إنشاء الدولة اليهودية وبعدها.
ظهر في أجواء هذه الفترة رأيان نادى أولهما بضرورة ترحيل الفلسطينيين وتشجيعهم على الهجرة إلى البلدان العربية وكان صاحب هذا الاقتراح حاييم وايزمان (1874 – 1952) رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، وخطا بالفعل خطوات في طريق تحقيق هذا الاقتراح حين بعث إلى فيلكس جرين أحد المسؤولين في الوكالة اليهودية في 1930 يطلب منه أن يُرسل إليه فورًا تفاصيل عن أراضٍ يمكن شراؤها في شرقى الأردن؛ لإعادة توطين من قد يتم نقلهم من الفلسطينيين ، وطلب من بنحاس روتنبيرج (1879 – 1942) عضو الهيئة التنفيذية للوكالة اليهودية إعداد خطة مُفصلة لترحيل الشعب الفلسطيني إلى شرق الأردن، إلا أن بريطانيا لم توافق على ترحيل الشعب الفلسطيني لأسباب تتعلق بالتكاليف الباهظة الناتجة عن قرار الترحيل وعدم موافقة العرب على الفكرة، أما الرأى الثاني فقد كان مع أرض إسرائيلية كاملة في ظل وجود دولة ثنائية القومية .
بعد الإعلان عن تقرير لجنة بيل دعم بن جوريون ضرورة الترحيل الإجباري للعرب والاستعداد لتطبيقه، فكتب في يومياته بتاريخ 12 يوليو 1937 "إن ترحيل العرب قسرًا عن الأودية التابعة للدولة اليهودية المقترحة يمنحنا شيئًا لم يكن قط لنا حتى عندما وقفنا على أقدامنا خلال أيام الهيكل الأول والثاني، أى أن يكون الجليل خاليًا من السكان العرب، وعلينا أن نُحضّر أنفسنا للقيام بالترحيل"، وبناءً على ذلك شَكلت الوكالة اليهودية 1937 بتوجيه من قرارات المؤتمر الصهيوني أول لجنة ترحيل الشعب الفلسطيني من وطنه إلى البلدان العربية المجاورة، كما أيدت الوكالة خطة بن جوريون في التفاوض مع الدول العربية المجاورة لكى يتم توقيع اتفاقيات تضمن ترحيل الفلسطينيين إلى خارج الدولة اليهودية، وأكدت على أن العرب لن يرضخوا ولن يتفقوا معها إلا عندما يواجهون بالأمر الواقع، ثم بدأت العصابات اليهودية المسلحة الهاغاناه والأرغون وشتيرن بممارسة الإرهاب وحرق وتدمير القرى العربية وارتكاب المجازر الجماعية لترحيل العرب من مدنهم وقراهم وتحقيق المخططات الصهيونية لاقتلاع العرب من أراضيهم ومنازلهم ومدنهم وقراهم وإحلال مهاجرين يهود بدلاً منهم وتهويد فلسطين والمقدسات العربية الإسلامية والمسيحية، ويجب أن نذكر في السطور التالية الصناعة العسكرية الإسرائيلية التي اعتمد عليها بن جوريون في خطته الماضية في ترحيل الفلسطينيين ....
تُساهم صادرات الأسلحة مساهمة كبيرة في الاقتصادى الإسرائيلي، ويعود إنشاء أول مصنع للسلاح إلى عام 1933، وقد أُنشئ عام 1948 في الجيش الإسرائيلي فرع يُسمى "سلاح العلوم" الذي تحول فيما بعد إلى "قسم البحوث والتخطيط التابع لوزارة الدفاع".
في بداية الأمر تم إنتاج أول قنبلة يدوية يهودية في فترة الحرب العالمية الأولى ثم طُوّرت هذه القنبلة بعد الحرب، وقد اُستخدمت هذه القنابل ضد المتظاهرين العرب في أعوام 1921 و 1929، ووقتها قام اليهود بصنع 500 قنبلة المماثلة لقنابل "ميلز" الإنجليزية، وفي نفس العام (29) قاموا بصنع قنابل مُسيلة للدموع، وبعدها قاذفة اللهب الذي يقذف لمسافة 20 مترًا، وفي سنة 1931 جرى تطوير القنبلة التي ترمي بالبندقية والمشابهة للنموذج الروسي، وفي عام 1932 تم إنتاج حوالي 800 قنبلة بندقية من نوع "ميتس".
وقد قام تنظيم "الهاغاناه" بإنشاء دائرة سرية خاصة أطلق عليها "فرع الإنتاج الحربي"، فاستطاع اعتبارًا من 1933 إنتاج 100 قنبلة في اليوم، وفي العام التالي بدؤوا في صناعة الألغام، وبعد الحصول على الدعم الكافي من أوروبا، قاموا بإنتاج 15000 طلقة رصاص يوميًا عام 1939، وطوروا مدفع الهاون.
وبإنتهاء عام 1945 كان هناك مجموعة من المصانع اليهودية الحديثة، التي تمتلك خبرات فنية كافية، وخلال الفترة من 1947 حتى 1948 أنتجت الصناعة العسكرية الإسرائيلية 10404 رشاشًا و 2115000 رصاصة، و 77000 قنبلة يدوية، و 31 مدفع هاون، و 31994 لغمًا.
كانت الوكالة اليهودية أواخر سنة 1946 قد شرعت في مفاوضات مُكثفة مع ملك الأردن، عبد الله الذي توصل بعد الحرب العالمية الثانية إلى اتفاق من حيث المبدأ مع الوكالة اليهودية بشأن كيفية اقتسام فلسطين بينهما بعد انتهاء الانتداب، وعد الملك عبد الله ألا ينضم إلى أية عمليات عسكرية ضد الدولة اليهودية.
إن هذا الاتفاق الضمني مع الأردن شَكّل، من نواحٍ عديدة، الخطوة الثانية في اتجاه ضمان أن تتقدم عملية التطهير العرقي من دون عوائق، وزاد الأمر سوءًا أن الملك عبد الله، استخدم الوضع الجديد لتكثيف مفاوضاته مع الوكالة اليهودية من أجل اتفاق مشترك بشأن فلسطين ما بعد الانتداب، وتكشف مذكرات فوزي القاوقجي(1890 – 1977) الضابط السوري وقائد جيش الإنقاذ عن، الإحباط المتنامي لدى ضباط جيش الإنقاذ من عدم استعداد وحدات الفيلق العربي، المرابطة في فلسطين للتعاون مع قواته، في أثناء العمليات اليهودية ما بين يناير ومايو 1948، عندما طُرد ما يُقارب 250.000 فلسطيني من بيوتهم، لم يحرك الفيلق العربي ساكنًا، وفي أوائل فبراير 1948 ، سافر رئيس الحكومة الأردنية إلى لندن لاطلاع البريطانيين على التحالف الضمني المبرم مع القيادة اليهودية بشان تقسيم فلسطين ما بعد الانتداب بين الأردنيين والدولة اليهودية ويضم الأردنيون معظم المناطق المخصصة للدولة العربية في قرار التقسيم، وفي المقابل لا يشتركون في العمليات العسكرية ضد الدولة اليهودية، وبارك البريطانيون الخطة.
والجدير بالذكر أن الفيلق العربي، أي الجيش الأردني، كان أفضل الجيوش تدريبًا في العالم العربي، وكان يُعادل القوات اليهودية، بل حتى كان يتفوق عليها في بعض المناطق، لكن نشاطه اقتصر، بناء على أوامر من الملك عبد الله ورئيس هيئة أركانه البريطاني، جون غلوب باشا(1897 – 1986)، على المناطق التي اعتبرها الأردنيون لهم: القدس الشرقية، والمنطقة المعروفة حالياً باسم الضفة الغربية
مصر والاشتراك في حرب 48
قررت القيادة السياسية المصرية مُمثلة في الملك فاروق ورئيس وزرائه النقراشي باشا دخول حرب فلسطين عام 1948 قبل نهاية الانتداب البريطاني على فلسطين بأسبوعين فقط، و أقر البرلمان المصري دخول الحرب قبلها بيومين فقط.
و نظرًا لضيق الوقت و القصور الشديد في السلاح و العتاد الحربي اللازم لدخول الجيش الحرب، تم تشكيل لجنة سُميت لجنة احتياجات الجيش يوم 13 مايو كانت لها صلاحيات واسعة بدون أي قيود أو رقابة؛ لإحضار السلاح من كل المصادر و بأسرع وقت ممكن.
و كان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قد أصدر قرارًا بحظر بيع الأسلحة للدول المتحاربة في حرب فلسطين. و هو قرار كان يقصد منه الدول العربية بالذات. لذلك اضطرت الحكومة المصرية للتحايل علي هذا القرار أن تجري صفقات الأسلحة مع شركات السلاح تحت غطاء اسماء وسطاء و سماسرة مصرييين و أجانب، مما فتح الباب علي مصرعيه للتلاعب لتحقيق مكاسب ضخمة و عمولات غير مشروعة. فكان التلاعب يتم في شيئين أساسيين هما: سعر شراء السلاح الذي كان مُبالغ فيه بدرجة كبيرة، و مدى مُطابقة السلاح للمواصفات و صلاحيته للاستعمال.
أما عن مدي تسبب الأسلحة الفاسدة في هزيمة الجيش المصري في حرب 1948م ، فقد ثبت بالدليل القاطع و من خلال تحقيق أكثر من جهة و شهادات الجنود و الضباط أن الأسلحة الفاسدة التي تم توريدها في صفقات سلاح مشبوهة والتي قام بها السماسرة، لم يكن لها تأثير في مجريات الحرب.
فعندما وجدت لجنة احتياجات الجيش أن الوقت ضيق جدًا للحصول علي السلاح الذي يحتاجه الجيش للحرب، قررت اللجوء إلي مصادر كثيرة و منها مصادر سريعة و غير مضمونة لتوريد السلاح، و هي:
أولاً: تجميع الأسلحة و المعدات من مُخلفات الحرب العالمية الثانية في الصحراء الغربية و اختيار الصالح منها وإرساله للجيش، و لقد وصلت من هذه المعدات إلى أرض المعركة، ذخيرة مدافع عيار 20 رطلاً، و التي ثبت في التحقيق أنها كانت غير صالحة للاستعمال و تسببت في انفجار أربعة مدافع يومى 7 و 12 يوليو 1948م، مما أدى إلي مقتل جنديين و جرح ثمانية.
ثانياً: كان الجيش المصري يحتاج إلى دبابات لاقتحام المواقع الحصينة التي أقامها اليهود في مستعمراتهم، ولكن رفضت إنجلترا أن تقوم ببيع دبابات للجيش المصري خوفًا أن يستخدمها ضد قواتها في القناة.
لذلك قامت لجنة الاحتياجات بارسال ضباط في زي مدني لشراء دبابات انجليزية من طراز "لوكاست" تُباع خردة في المزاد العلني في معسكرات الإنجليز بقناة السويس بعد نسف فوهات مدافعها، وبالتالي كان مدى إطلاق كل مدفع يختلف حسب الطول المتبقي من الفوهة، و لقد أدى استخدام هذه المدافع في ميدان المعركة إلي سقوط قتلى كثيرين في الوقت الذي كان فيه الجيش الإسرائيلي مُزود بأحدث الدبابات.
ثالثاً: تسببت قنابل يدوية إيطالية الصنع في جرح جندي واحد هو النقيب مختار الدسوقي يوم 4 يناير 1949، وهى القنابل اليدوية التي وردها أحد سماسرة السلاح للجيش المصري، وهي تعد صفقة السلاح الوحيدة المشبوهة التي ظهر ضررها في أرض المعركة.
و لكن يجدر الإشارة أيضًا، أن لجنة احتياجات الجيش قد نجحت في توريد أسلحة أخرى كثيرة متطورة أنقذت الجيش المصري من هزيمة أبشع و من سقوط قتلى أكثر مما حدث. فبسبب الحظر علي توريد السلاح لمصر، لجأت اللجنة إلي تهريب السلاح من دول كثيرة أوروبية، و بلغ مقدار ما استطاعت أن تورده للجيش الذي يحارب ما يعادل جملة ما تسلمه الجيش المصري من إنجلترا خلال العشرين عامًا التي سبقت الحرب.
و من المهم أن نورد رأي الحاج أمين الحسيني مفتي فلسطين في الأداء العربي في الحرب، و الذي أرسله لمحمد حسنين هيكل، و ذكره الأخير في كتابه(العروش و الجيوش): "أن بعض المسئولين في الدول العربية الذين كانت في أيديهم مقاليد الأمور، لم يكونوا جادين و لا مصممين في مواجهة هذه المشكلة و لم يعالجوها بما تتطلبه خطورتها من الحزم و الاهتمام، بل كانوا هازلين، خائرين، مترددين، بينما كان اليهود جادين كل الجد"
و نقطة أخرى مهمة أوردها الحاج أمين في شهادته تستحق أن نذكرها ”أنه بينما كان اليهود يعملون بقوة و تصميم بوحى من مصالحهم العامة و تنفيذًا لبرنامجهم الصهيوني الخطير، كان بعض المسئولين في بعض الدول العربية يعملون إما بوحى الاستعمار الأجنبي أو بتأثير مصالحهم الخاصة، و قد نتج عن تضارب الأهواء و المصالح، و تباين الغايات و الأهداف و التخاذل بين دول الجامعة، وقوع هذه الكارثة الأليمة".
وفي النهاية، لا عجب في أن رئيس هيئة أركان الفيلق العربي الانجليزي، غلوب باشا، قد أطلق على حرب 1948 في فلسطين "الحرب المزيفة"، وكان يعلم، مثل المستشارين البريطانيين للجيوش العربية – وكانوا كثيرين – أن التحضيرات الأساسية التي كانت تقوم بها الجيوش العربية الأخرى من اجل عملية إنقاذ في فلسطين كانت عقيمة – بعض زملائه وصفها بأنها "مثيرة للشفقة"- التغيير الوحيد الذي نجده في السلوك العربي العام فور انتهاء الانتداب كان في الخطاب البلاغي "طبول الحرب أصبح ضجيجها أعلى واكثر صخباً من ذي قبل" لكنها فشلت في تغطية التقاعس والارتباك والفوضى التي كانت سائدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في زلة لسان جديدة.. بايدن يطلب من إسرائيل ألا تقتحم حيفا


.. اعتصام أمام البرلمان في المغرب للمطالبة بإسقاط التطبيع مع إس




.. ما طبيعة الرد الإسرائيلي المرتقب على هجوم إيران؟


.. السلطات الإندونيسية تحذر من -تسونامي- بعد انفجار بركان على ج




.. خيمة تتحول لروضة تعليمية وترفيهية للأطفال في رفح بقطاع غزة