الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أرواح ظامئة للحب ، رواية ، الجزء الأول

صبيحة شبر

2015 / 2 / 20
الادب والفن


أرْواحٌ ظَامِئَةٌ للحُبِّ

رواية


صبيحة شُبّر

الاهداء
الى كل نفس تتطلع الى ان يسود الحب عالمنا وتسعد القلوب ، ويجد كل انسان ان كل البشر اخوة له ، يتضامنون معه لتخفيف الألم ، تعالوا أحبتي لنبن وطنا يسع الجميع فبالحب وحده ننتصر على المستحيلات











(1)
قالت لك احداهن :
أحضروا البسط الكثيرة ، كل امرأتين تمسكان ببساط ، خوفا من سقوطك المحتمل ، والذي قد يودي بك، لم يجر على بال احداهن انك يمكن أن تسقطي على الأرض بدلا من وقوعك على أحد البسط المرفوعة ، كن متأكدات ان العناية الالهية سوف تسهر على حمايتك ، وحفظك من كل سوء قد تتعرضين له ، انك ابنتهم الكبرى ، ولم يكونوا مستعدين الى التضحية بك وقد انتظروا قدومك اليهم طويلا ، ترقبت وصولك الأيدي الكثيرة ، وكانت أمك في فراشها تسعدها كلمات الجارات والصديقات انك تشبهينها كل الشبه ، وستكونين مثلها في قادم أيامك ، سعيدة ومبتسمة تتحمل كل شيء من أجل أسرتها السعيدة ، وتضحي بوقتها وصحتها لتكسب رضا الناس الكبار الذين تعيش في كنفهم ، بسط كثيرة ، ارتفعتْ الأيدي كي تحملك وتجنبك السقوط ، تساءلت أمك عن جدوى هذه العادة، أجابتها اِحدى الصديقات:
- نحارب الشياطين التي أنبتت لها أسنانا في الفك العلوي..
يظهر الاستغراب على محيا أمك ، فتسارع الجارة :
- من المألوف أن تخرج الاسنان أولا في الفك السفلي.
ارتفعت الأيدي لانتشالك من السقوط ، وقد سُدت كل الاحتمالات المؤدية الى ذلك ، ومنعت صديقات أمك ببسطهن كل طرق موتك ودمارك ، أنت ابنتهم الوحيدة ، عمرك أربعة شهور وسوف يطهرك عملهن من براثن الشيطان وارادته الجهنمية ، أمك تنتظر بخوف يظهر على وجهها بوضوح :
- لماذا انت خائفة ؟
- لم يوافق أبوها على فكرتكن...
- سوف ننتهي من عملنا قبل ايابه من العمل.
ما زالت النساء تمسك بالبسط ،وانت مدللة ، يخشين عليك من أية لمسة قد تخدش نفسك او بدنك
تتعالى صرخاتهن بسم الله الرحمن الرحيم ، وأمك تجد انك قد قذفت من السطح الى احدى هذه البسط المفروشة أمامها ، تستبد بها الفرحة ، انتهى خوفها وها أنت تعودين الى ذراعيها سالمة من كل أذى ، وان مخاوفها لم تكن مبررة ، صحيح ان الخوف قد سيطر عليها كل الوقت ، وان الهلع الشديد أرعبها ،ولكنك عزيزتها قد عدت اليها موفورة الصحة والجمال ، تضحكين لمشرق الشمس وتغنين لغروبها كما تصفك الألسن الكثيرة لتسعد أمك الولهى بحبك.
عاد ابوك مستفسرا:
- أين بسمة حبيبتي ؟ لم أرها منذ الصباح.
- انها في فراشها تضحك ، سوف تبتسم لك حين تتحدث معها.

(2)
كل الأطفال يخافون من الاستحمام الا انت ، ما ان تجدين احداهن قد استعدت لدخول الحمام حتى تذهبين اليها متوسلة :
- هل اتي معك يا خالة ؟
تفكر المرأة مليا ، ثم تجيبك :
- مرحبا بك صغيرتي
تسكب عليك المرأة الماء الحار ، وانت لا تتحملين ، ولكنك تخجلين من التعبير عن خوفك ، ألم تطلبي انت بنفسك ان تحممك هذه المرأة ولماذا تحبين الاستحمام هذا الحب الكبير ، تحملي اذن ما تحرق به النساء جسدك الصغير ، وما يهرقنه على ام رأسك، تفرك المرأة ام رأسك بقوة ، هل تنتقم منك ؟ هل لأنك طلبت منها ان تحممك ؟ لماذا لم تطلبي من أمك ؟ ولماذا وافقت المرأة الغريبة ان تقوم بالمهمة العسيرة ؟ انها تفيدك بقوة الدعك ولن تضرك، وأنت مستسلمة ، لا تعبرين عن مدى ألمك ، الدعك قوي ، لماذا تطلبين منهن ما لا يرغبن به ؟ ولمَ توافق احداهن على طلبك ، سؤال يظل يحيرك وانت لا تملكين الجواب الشافي
- رمت عليك الماء الساخن ، فغاب عنك الوعي ، ظنت انك مت ، وضعتك على ارض الحمام الساخنة ، خافت ان يوبخها والداك :
- ماتت ....طفلتكم ماتت
- ماذا ؟
تتحرك احدى يديك ، يدرك الباقون انك ما زلت حية ، كيف تميتك ولم تبلغي من العمر سوى ثلاث ....
- ابنتكم كالقطة لها سبع أرواح
- ماذا ؟ أتهاجميننا ؟ ماذا تقولين ؟
- اني امزح معكم ، احب صغيرتكم كما تحبونها
- لا تنفذي رغبتها بالاستحمام مرة أخرى . ولا تتعبي نفسك !
- لن اتعب نفسي ! انها صغيرة
وتقول لك أمك :
- لا تطلبي من احد ان يغسل رأسك مرة أخرى ، لا تتعبيهم ، سوف اغسلك كلما أحببت !
وتتكرر توسلاتك للكبيرات ان يقمن بتحميمك كلما وجدت واحدة منهن تتهيأ للاستحمام بتجميع ملابسها وحمل منشفتها وبعضهن يأخذن معهن ما يلذ تناوله من أنواع الفواكه ليقمن بتقشيره وأكله وهن قد فرغن من غسل الشعر ولم يبدأن بعد بتنظيف الجسم ، يقشرن البرتقال او النومي حلو ، تقولين للواحدة منهن :
- عمتي ، هل تغسلينني معك ؟
- لماذا اغسلك ؟ أليس عندك ام ؟
وتلتفت المرأة فتجد بعضهم يسمع ما تقوله من أعذار ، فتسارع الى القول :
- بالطبع حبيبتي ، يسرني ان أغسلك.
وتسكب الماء الساخن جدا على أم رأسك ، وانت لاهية ، لا يخطر في بالك ان واحدتهن تتعمد ايذاءك حتى لا تضايقيها بالطلب منها مرة أخرى ان تغسل لك رأسك وجسمك ، ولكنك لا تتعظين ، وتعيدين الكرة مرات أخر ، وانت لا تعلمين ما يخبئنه لك في القادم من الأيام..

(3)
زائرات عمتك يجتمعن كل اسبوع في منزل احداهن ، وقد اخترن هذه المرة البيت الكبير لجدك ، تتكلم النساء المجتمعات بما يلذ سماعه من فنون الكلام ، معلمات وزوجة مدير الناحية ، وزوجات أطباء المستوصف الوحيد في مدينتك والشخصيات النسائية المعروفة ، افراد منزل جدك معروفون ، ما ِان توجهت الى أحد الأمكنة حتى وجدت الناس يرحبون بك .
أحاديث النساء تتعالى وأصواتهن الضاجة بالفرح تنتشر في أرجاء المنزل ، كنت تدخلين الى تلك الاجتماعات فتجدين ترحيبا ، تسر له نفسك ، ولكن هذه المرة ، لم تعثري على كلمة تدل على الحب من ِاحدى الزائرات ، ما ان دخلت غرفة الاستقبال ، حتى بادرتك أقوال بعض الحاضرات :
- اخرجي من هنا ، انت لست جميلة !
- .......................
- كنا نظن انك حلوة ولكن اتضح اننا خاطئون ، فلا تملكين ذرة من الحسن!
- ...........
- أختك هذه أجمل منك ، هيا اخرجي من هنا!
- ...........
تظلم الدنيا في عينيك ، لم تكوني تعرفين انك بهذا القبح قبل هذه اللحظة ، كنت محل التقدير والاعتزاز ، ولكن ما بالهم هذه الساعة ينثرون قبح كلماتهم ، فتنزل كالسياط على ام رأسك؟
تخرجين من الغرفة وتتوجهين الى مهد اختك الجديدة ، ماذا سوف تفعلين ؟ لقد سرقت منك الاهتمام ، وجعلتك بعيدة عن الحب ، يدخل ابوك ، يرى دموعك منسكبة على وجهك وشفتيك :
- ما بها حبيبتي هذا اليوم حزينة ؟
- لا شيء بي
- ولمَ أراك مهمومة ؟ مَن ضايقك ؟ هل أسمعوك كلاما سيئا ؟
- ........
- لا تبالي بما يقولون ، انهم يمزحون ، ويلذ لهم ان يروا دموع الأطفال تنهمر كالمطر ، انت حبيبتنا كلنا ، واختك تحبك مثلنا ، وربما اكثر منا جميعا..
تتجففين الدموع المنسكبة ، وتتوجهين نحو لعبك التي صنعتها بيديك ، وتبثينها همومك ، فرغم كل مظاهر الاهتمام ، فأنت وحيدة ، واختك ما زالت صغيرة على اللعب معك ، تتوجهين الى السطح وتركضين بكل سرعة لتطردي شعورا بالقهر استبد بك ، الكبار لا يمكنهم ان يفهموا ماذا يجول في ذهن الصغار ، يرون ابتسامتك فيظنون انك سعيدة ، تلعبين احيانا مع ابنة عمك التي تقاربك في السن ، ولكنها لم تصنع لعبا تتحدث معها مثلك ، وتخبرها بالمتاعب التي تواجهها ، عشرات من اللعب صنعتِها كي تتحدثي معها بما يتعبك ويشجيك ، تركضين في السطح ولا تسمعين النداء :
- بسمة ، بسمة
فيتوالى النداء :
- من يناديني ؟
- انهم في غرفة الاستقبال يريدون ان يتحدثوا معك .
- هل أذهب اليهم ؟
- نعم انزلي
- هل صدقتِ بما قلنا لك ؟ كنا نمزح عزيزتنا بسمة ، لا تبتئسي بما قلنا ، وارسمي بسمة على وجهك كي تكوني اسما على مسمى ...
تمتثلين لما يقلن لك ، تعودين الى بسمتك المعهودة وتنسين كل الأحزان التي تجرعتها قبل قليل ، انت فرحة رغم ما قيل ،
تركضين خلفَ العصافير ، تقلدينها في التغريد ، تمسكين عصفورا صغيرا تلعبين معه ثم تعيدينه الى امه ، فيزداد سرورك ، العصافير جميلة ، لماذا يذبحها الناس ، ويفتكون بالمخلوقات الصغيرة بدلا ان يعتنوا بها ،
ذبح أهلك اليوم خروفا مسكينا كنت تلعبين معه ، وتطعمينه مما يحب أن يأكل ، تجدين من حولك من هو مسرور باللحم الذي أمامه ، وأنت لا تحبين هذا النوع من الأطعمة ، فما بالهم يقدمون على ما لا يروق لك ؟
يقولون انك نحيفة جدا ، ما ان يحملك أحد والديك من يديك الرقيقتين الى صدره ليقبلك ، حتى يستبد به الخوف أن تنخلع يداك من فرط النحافة والهزال ...
- كلي يا ابنتي الحبيبة ، أي نوع من الطعام تحبين ؟ سوف أوفره لك ...
تطلبين أنواعا كثيرة من الحلويات اللذيذة ،تبتعدين عن اللحوم ، يقول الطبيب :
- ابنتك ضعيفة جدا ، وفروا لها ما تحب من طعام.

(4)
أبناؤك على الجدار ، تناجينهم وتتحدثين معهم ، لا أحد بقربك يخفف عنك وصعوبة الحياة وأعباءها، الجميع يضحكون :
- هل نام أولادك؟
- سأحكي لهم حكايات تجعلهم ينامون
- احكي بصوت عال ، لنتمكن من سماعها
- المعزى الشريرة لم تسمع كلام امها ، ارادت ان تخرج الى خارج المنزل ومياه الأمطار تنهمر عليها ، نصحها والدها الا تغادر البيت وان تنتظر حتى تشرق الشمس وألا تدع المياه تبلل ثيابها ، فتصاب بالأمراض ، فخرجت ولم تستجب للنصيحة ، فهطلت عليها الامطار بشدة ، وفقد شعرها الأسود لونه الجميل اللامع ، واحتارت اين تذهب ؟ لتقي نفسها من غضب الله عليها ،وقد اراد ان يعاقبها بأرسال المطر العنيف ، يضربها ويؤدبها ، وقفت تحت شجرة كبيرة الجذع ، كثيفة الاغصان ذات اوراق خضراء
- لا يوجد اوراق خضراء في الشتاء يا بسمة ، كل الاخضرار يتحول الى لون اصفر ، فتتساقط الاوراق وتصبح الشجرة ذات لون بائس تصبر على اللعنات التي حولتها الى مخلوق لا جمال فيه ، اجعلي المعزى تقف قرب أحد البيوت لأنها لم تستمع الى والديها ، او تعود الى منزلها وتعتذر عن عدم سماعها لنصيحتهما
- عادت المعزى الى منزلها ، دقت الباب ، وسمعت السؤال :
- من الطارق ؟
- انا المعزى ..
- سوف افتح لك .
تفتح الأم الباب ، وتصرخ :
- من أنت ِ؟
- انا ابنتكم !
- كلا ، لست ابنة لنا ، انت بيضاء الشعر ، وابنتنا كان شعرها أسود لامعا وبراقا ...
- المطر غيّر شعري وسرق لونه !
- وكيف أعرف أنك ابنتنا ؟
- هذا الفستان انت خطته لي ، وانا ارتديه الآن!
- اه .صحيح ، انه نفس الفستان الذي خطته
- هل ادخل ؟
- نعم ادخلي ، وحذار من عدم استماع نصيحة الوالدين ، فهما من ربياك ويعرفان اكثر مما يعرف الصغار!
- المعذرة يا أمي ، لن اعيد ارتكاب المعصية مرة اخرى ، وسوف أعمل بالنصيحة
تواصل بسمة حكايتها :
- وهكذا أولادي الصغار ، الصغير يجب ان يطيع الابوين ولا يعصي لهما امرا
- تعالي يا بسمة هل نام اولادك ؟
- انهم على وشك ان تسيطر عليهم الغفوة
- هل تغطينهم وقاية من البرد ؟
- وضعت اللحاف عليهم
- اين هذا اللحاف ؟ لم أره
- انا اراه
- اتركي اولادك الان نائمين وتعالي لتناول طعام الفطور
- لا أريد .
- ماذا تحبين ؟
- لا شيء
- كيف لا شيء ، الطعام ضروري لبناء الاجسام
- حسن ، سوف اتي
تطمئن بسمة الى راحة أولادها المرسومين على الحائط ،وتتوجه الى الاسرة التي اجتمعت حول مائدة الطعام ..
(5)
الجميع ينامون ، أرغمتهم المرأة الكبيرة على الاضطجاع على الفرش امام المروحة الوحيدة في الساحة الصغيرة ، الهواء لهّاب في شهر آب ، توقف المرأة الكبيرة المروحة القديمة أمامها ،كي تستأثر بنسمات الهواء القليلة ،القادمة من اشتغال المروحة برتابة تبعث على النوم .
أنت لا تحبين ان تنامي في الظهيرة ، تفضلين أن تذهبي الى السطح لتلعبي مع رفيقاتك بنات الجيران ، او لتطيّري الطيارة الورقية التي قمت بصنعها من الورق الأسمر ، تنظر اليك المرأة الكبيرة بغضب ،يدعوك الى التظاهر انك في سبات عميق
تعود المرأة الى نومها امام مروحتها المطيعة ، وتتركك حائرة ، هل يمكنك ان تعصي أمرها وانت الضعيفة النحيفة التي تجد نفسها عاجزة عن كل فعل يسبب عدم الرضا من الكبار المسيطرين، على مقاليد الأمور في منزلكم الكبير ، والذي اعتاد جميع أفراده على احترام الكبار فهم الأصل وتقديرهم يعني الخلق الرفيع.
تتمنين ان تتركي التظاهر بالنوم ، تلبية لما يراد منك دائما ، ولكنك تخشين ردة الفعل دائما ، بإمكان الكبار ان يألبوا من تحبين ويحولونهم من موقف التعاطف معك الى موقف لا تحسدين عليه.
يكفي ان النساء الكبيرات يبكين بدموع غزيرة مشتكيات منك ، مدعيات انك لم تعامليهن كما يستحققن من احترام وتبجيل..
تتحرك المرأة الكبيرة في فراشها ، تجلس لتشرب كأسا من الماء ، تتظاهرين انك في سابع نومة ، وتتساءلين هل يمكنك يوما ان تعلني حالة العصيان على أمر لم تكوني تحبينه ؟ ابوك يقف دائما مشجعا لك ساندا اياك ان كان تصرفك لا يتنافى مع السلوك القويم ، ولكن ان اشتكت احدى الكبيرات انك تجاسرت عليها بكلمة انطلقت منك من غير تعمد ، فالويل لك!
قبل عام فقط كانت كلمات الكبيرات تبعث الى نفسك الصغيرة الخوف والرعب:
- نامي والا نادينا العفريت كي يعاقبك!
- ولماذا يعاقبني ؟ وأنا لم أذنب!
- لأنك لست مطيعة!
- وكيف أكون مطيعة ؟ وأنا ألبي ما تطلبونه مني!
- صه ، اصمتي والا جاءتك السعلوة !
- وأين هي السعلوة ؟
- انها أمامك هناك ، تسمع كلام الكبيرات ، وتعاقب الصغيرات ان بدرتْ منهن الهفوات !
- أبي يقول انه لاوجود للسعالى!
- السعالى لا تهاجم الرجال .
- وماذا تهاجم اذن ؟
- انها تعاقب الصغار .وخاصة البنات اللاتي وجب عليهن اطاعة الكبار ،
فهم الأعلم والأفضل..
تخافين ان تهاجمك السعالى ،وانت المخلوقة الضعيفة النحيفة التي ما ان يراها الناس حتى يقولون محتجين :
- ابنتكم الصغيرة هذه ، لماذا نجدها بهذه النحافة وهذا الهزال ؟
- من كثرة الحركة
- بناتنا الصغيرات يتحركن أيضا ، ولم يكنّ بهذا الضعف!
تتحرك المرأة الكبيرة ، تتظاهرين انك تستغرقين في النوم ، ألم يغرسوا في نفسك ان الخوف من السعالى فضيلة كبرى؟
تعود المرأة الكبيرة الى نومها ، تغادرين فراشك ، تذهبين الى السطح ، تتأرجحين على الخشبة المعلقة على الدرج ، لعبك ينسيك واجبك ،انه عليك اطاعة الكبار والبقاء في الفراش متظاهرة بالنوم حتى يستيقظ أولئك الكبار من نومهم..
تسمعين النداء :
- بسمة ! هاتي الرقّي الذي سبق لك وان قشرته ليبرد..
تسارعين الى ترك ارجوحتك المفضلة ، تنزلين الدرج راكضة تحاولين ان تحملي الرقية ولكنك لا تستطيعين لآنها ثقيلة ، تضعين الصينية أمام المرأة الكبيرة ، وتقولين :
- الرقية ثقيلة لا أقدر على حملها:
يناديك فتذهبين اليه :
- اجلسي بقربي .
- .............
- هل تحبينني ؟
- نعم ..
- كم ؟
- لا أدري ....
- من تحبين أكثر ؟ انا أم أباك ؟
يحيرك الجواب ، ماذا يمكنك ان تقولي ؟ أبوك تحبينه أكثر من أي مخلوق آخر ، لأنه يمنحك الحب والرعاية والاهتمام ، ويلبي ما تحبين بترحاب..
- أجيبي .. من تحبين اكثر ؟ انا أم اباك ؟
- نفس المقدار!
- أتكذبين ؟ أعلم ما تخبئين في قرارة نفسك ! ، صارحيني . من تحبين اكثر؟
- أحب أبي بالطبع!
- أيتها المجنونة ! ألا تحبينني ؟!
- أحبك ! ولكني أحبُّ ابي اكثر مما احبك أنت !
- ولماذا كذبتِ في البداية ؟
- لأنني خفتُ منك !
- والآن ؟ أنت لا تخافين ؟!
- ماذا تفعل لي ؟
- سأضربك بهذه العصا !
تسمعين النداء من بعيد :
- بسمة !
فتهرعين وتنقذي نفسك ..


(6)
يتهاوى الجدار ويسقط ابناء بسمة بدون ان يودعوا امهم التي أكثرت من العناية بهم والسهر على راحتهم ، يأتيها الاقتراح :
- لا تحزني حبيبتي ان فقدت من تلعبين معهم يمكن ان تفكري بأساليب أخرى تجعلك تنعمين بأوقات سعيدة ، مع أشياء تبتكرينها ، هل تحبين الرسم او صنع البيوت او خياطة الملابس ؟ يمكنك ان تختاري بعض هذه الأشياء ،سأجلب لك المواد التي تحتاجينها في عمل الأشياء التي تريدينها ..
- أحب ان أرسم ..
- حسن... سوف آتيك بالألوان والورق
يأتيك ابوك بما تريدين ، ترسمين صورته المعلقة على الجدار في غرفة الضيوف ، تفرحين بما تظنين انك حققت به نجاحا ، تسارعين الى ان يرى الكبار ما اقدمت عليه ، تقول لك احدى النساء :
- الله ما اروع هذه الصورة ؟ من رسمها ؟
- انا
- من غير المعقول ان ترسمي بهذه القدرة ،مَن علمك ؟
- رأيت الصورة وعملت مثلها ، رسمت دائرة الوجه ووضعت العينين والأنف وووو
- ولكن الصورة ناجحة جدا ، أنصحك ألا تكرري الرسم مرة أخرى ،
- لماذا ؟
- لأنه من الأمور المحرمة جدا .
- لماذا ؟
- لأنك رسمت بدقة ، سوف تطالبك الصورة بوضع روح لها ، هل تستطيعين ؟
- وما معنى الروح ؟
- لا أعرف ، لا أحد من البشر يعرف .
- ومن يمكنه ان يعرف ؟
- الله وحده العليم بكل شيء .
- ولماذا يكون الرسم حراما ؟
- لا أدري ، حين تكبرين سوف تتعرفين الى الأسباب..
تذهبين الى أبيك :
- لا أريد ان أرسم مرة أخرى ، سوف أصنع البيوت وأثاثها من الورق المقوى ..
- لماذا غيّرت رأيك بالرسم، وانت قد أحسنته ؟
- لأنه حرام .
- لا تصدقي كل ما يقولون لك بنيتي ، التي اخبرتك ان الرسم حرام كانت تحاول ان تمنعك من عمل شيء تحبينه ، لأنها بصراحة لا تحسن ان تكون رسامة ..
- لكني لا أريد ان افعل شيئا يحرمه الله
- لكن الرسم ليس حراما ، ومع هذا سوف لن اجبرك على عمل شيء تخافين من عمله ، سوف اشتري لك الورق المقوى والصمغ..
يشتري لك ابوك ما وعدك به ، تصنعين قصرا كبيرا من ورق المقوى ، تضعين فيه الكراسي والأسرّة وتفرشين الأرضية ببساط من القماش المتبقي من ماكنة الخياطة التي تستعملها امك ..
- ما هذا ؟ أهذا قصر كبير ؟ و لماذا هو فارغ من البشر ؟ سوف لن اسكن بقصر ليس فيه احد ..
يتعبك موقفهم ..
- بنيتي ، لا تنزعجي ، سوف تجدين الكثير ممن لا يرضيه ما تقومين به من أعمال ، فلا تبتئسي ، الناس هكذا ، ولا يمكن ارضاؤهم كلهم في وقت واحد
- لكنهم يضحكون على ما أصنعه !
- وما الضير في هذا ؟ دعيهم يضحكون واستمري في صناعة القصور
- لكن قصوري خالية من البشر !
- لا تجعليهم يشاهدون قصورك ! لماذا تسارعين الى ان يطلعوا على ما تفعلين، اصنعي الأشياء بعيدا عنهم

(7)
كنت فرحة جدا في صباح هذا اليوم ، يسعدك ان تتمكني من تقديم المعونة لمن تحبينه ويحبك ، وكثيرا ما قمتِ بأعمال لا تتناسب مع عمرك الصغير لأن احدا ممن تحبين ناشدك ان تقفي بجانبه ، وتساعديه في العمل الذي يقوم به ، كثيرا ما تقومين بكنس المنزل الكبير ورشه بالماء ليتلطف هواؤه ، وتعتنين بأخوتك الصغار من اجل ان تسمعي كلمة تتطلعين الى سماعها في القلعة التي تعيشين بها..
أمك أرادت أن تساعديها في غسل الملابس الكثيرة ،التي خلعها افراد المنزل الكبير ، وأنت سباقة الى المسارعة في الاستجابة للنداء ، مهما يكن العمل صعبا ، فأنت ترحبين به..
أمُك وضعت أمامكما أكواما من الملابس المتسخة ، التي يتطلع الكبار الى ان تكون نظيفة ومرتبة في صناديق ملابسهم ، تحدثك أمك عن الأقوام الذين لم يصبهم الذل لأنهم تعاونوا فيما بينهم ..
أكوام الملابس ثقيلة تشي انك سوف تتعبين كثيرا هذا اليوم ، وكثيرا ما سمعتِ احدى النساء الكبيرات وهي تقول :
- من تلد ابنة في صغرها ، كأنها جلبت خادمة من بيت اهلها!
وانت حريصة على ان تقومي بالمهمة التي تعهدتِ القيام بها ، علك تسمعين الكلمة الجميلة التي تتطلعين اليها ، ترنو نفسك الى كلمة محبة وحنان لتطفئ ظمأك الى من يحنو على ضعفك ، كلمة واحدة تتطلع نفسك الى سماعها ، وكثيرا ما تعبتِ في أعمال مرهقة قمتِ بها ولكن انتظارك يخيب وتوقك لا يتحقق..
أكوام الملابس ثقيلة وقد اوشك التعب ان يتسلل اليك ، فماذا يمكن ان تفعلي لتنقذي نفسك من تعهد أنت أصغر بكثير من الالتزام به ، أمامك الكثير من السنين كي تصبحي مستعدة لتحقيق ما قطعت العهد بتنفيذه ، ولكن ماذا باستطاعتك أن تفعلي وأنت العطشى الى كلمة محبة ، والجميع يحبونك ويتعاطفون مع صغرك وقلة حيلتك.، لكن الكلمات لا تنطلق منهم كما تشتهي نفسك.
في الأيام التي تغسلان فيها الملابس، انت وأمك ، لا يمكن ان يتم طبخ الطعام، فأكوام الملابس يثير منظرها التعب في قلبك الصغير ، في الظهيرة ، يأتي أبوك بما لذ وطاب من ألوان الطعام ، فتتناولان طعامكما وتعودان الى غسيل الملابس المرهق..
الطعام لذيذ ، انتهيتما من تناوله ، شربتما الشاي ، ووجب عليكما أن تعودا الى أكوام الملابس الثقيلة كي تنهيا الواجب ، قالت لك أمُك :
- بسمة ، لقد أصابني التعب ! هل يمكن ان أذهب للنوم وأنت تكملين ؟
- نعم يا أمي ، سأفعل !
- يذهب الجميع الى نوم القيلولة ، وأنت وحدك تقومين بعمل متعب يرهقك والملابس الوسخة لا يبدو انها ستنتهي قريبا ، فأي شيء تتوقعين حدوثه بعد هذا العمل المضني ؟ وأي نوع من الجزاء سوف تحصدين مكافأة على الجهد الذي تبذلينه ؟ تزعجك الوحدة وانت بمفردك تقومين بأعمال الكبار.
تسمعين دقا على الباب
تنظرين
- من الطارق؟
- أنا ..
انها صديقتك سلمى
- بسمة ! لماذا تأخرت في الحضور الينا ، نريد ان نلعب وأنت تشاركيننا اللعب..
- لكن عندي شغل
- ما هو شغلك ؟
- أساعد أمي في غسل الملابس.
- كلنا نساعد أمهاتنا ، وحين نتعب نتوقف ، ونسرع الى ألعابنا ، نحن ما زلنا صغيرات!
- ولكني تعهدت لأمي أن أقوم بهذا العمل.
- حسن ، لا تتأخري، متى ستلتحقين بنا ؟
- بعد ساعة !
- بعد ساعة يستيقظ الكبار ، ولكن لابأس ، سوف ننتظرك ، لأن اللعب لا يحلو بدونك!..
تستمر بسمة في غسل الملابس التي ترى ان أكوامها تتناقص شيئا فشيئا ، تغسل الملابس من الصابون ، وتصعد الى السطح لتنشرها على الحبال الكثيرة الموجودة هناك ، الوقت يركض وهي تريد اللحاق برفيقاتها كي تلعب معهن في الوقت القليل المتبقي لاستيقاظ الكبار ، تسمع نداء :
- بسمة ، عفاكِ ..كأسا من الماء.
تناول الطالب كأسا من الماء ، وحين تجده قد عاد الى قيلولته ، تسارع الى مغادرة المنزل والذهاب الى بيت سلمى ، تجد اللعب قد انتهى وان اسرة سلمى قد استيقظت من قيلولتها هذه الظهيرة ، وبدأت باعداد الشاي ، تقول سلمى :
- بسمة ، لقد تأخرت كثيرا ، وحين وجدناك لم تلتحقي بنا ، قمنا باللعب ، مرة أخرى يا بسمة ! تعالي الينا مبكرة..





(8)
خرجتِ في الصباح الباكر ، كي تجلبي قناني الحليب ، انتعلت النعال الجديد ، قلدت النساء الكبيرات في ارتداء العباءة ، كانت فضفاضة ، كبيرة عليك ، تكادين تغرقين فيها بجسمك الصغير الضامر ، وأنت فخورة بها ، طلبوا منك ان ترتديها اسوة بما تفعل البنات في مدينتك ، رحبتِ بالفكرة ، ووضعتها عليك وانت تتعثرين في مشيتك ، ذهبت الى العم أبي محمود ، استقبلك بترحاب فرحت به كثيرا ، يبهجك كثيرا ان يسمعوك الكلمات الحسان ، التي تهفو إليها نفسك المتعطشة الى الكلام العذب ، عاملك وكأنك بنت كبيرة ، وأسبغ عليك الصفات الجميلة ، وطلب منك ان تبلغي تحياته الى عزيزه أبيك ، وأنت تسيرين في طريق عودتك الى المنزل رأيت أم سميرة تلك الأرملة الحسناء ، التي كانت تتجنبها النساء ، خشية من إعجاب أزواجهن بها ، قالت لك جدتك مرة
- احذري أم سميرة..
- لماذا ؟ يا جدتي .
- إنها خطافة ....
- ما معنى خطافة ؟ جدتي
- انها تخطف الرجال
- وأين تذهب بهم ؟ كيف تخطفهم وهم الأقوى ، ويستطيعون ان يقاوموها
يضحك الكبار لكلماتك القليلة ، والتي تدل على جهلك بما يعنون ، وعدم استطاعتك ادراك مدلول الكلمة كما يعرف الكبار ، ترحب بك أم سميرة وتقبلك ، تسعدك قبلاتها ، فقد كان رأي اهلك ان القبلات تفسد البنات ، وتجعلهن طعما يمكن التغلب عليه والضحك على جهله وافتراسه من الذئاب بعد سماع كلمة جميلة واحدة ، او من قبلة تستطيع ان تأتي بما لا يمكن للكلمات ان تفعله في القلوب الظمأى الى المعاملة اللطيفة
- أهلا بسمة ، الى أين تسيرين ؟ في هذا الصباح الجميل
لم تعتادي ان تمكثي في الطريق ، دائما يستفسرون عن سبب التأخر ، حتى لو كان دقائق معدودة ،
- سأمر عليك اليوم ، وأمنحك هدية تفرحك
تنتظرين كل ساعات النهار ، وتتساءلين ما نوع الهدية التي يمكن ان تقدمها لك جارتكم الأرملة ؟ لم تعرفي الهدايا الا من أبيك ، الذي يسافر في بداية كل شهر الى المدينة الكبيرة جالبا لك معه هدية جميلة وبسيطة في الوقت نفسه ، تفرحين بها ، وتخبئينها في مكان لا يصل اليه الآخرون خشية من حرمانك منها ، يمضي النهار وأنت تتشوقين الى معرفة نوع الهدية ،التي يمكن ان تتحفك بها تلك المرأة ، هل تكون فستانا من ذلك النوع الذي ترتديه بعض صديقاتك ؟ لا ، لا يمكن ، ان ام سميرة لا يمكن ان تقدم شيئا لا يرضى عنه اهلك ، أيكون حذاء مثل الذي تلبسه سميرة في قدمها الصغيرة ؟ ولكن لا ، ان اهلك لا يقبلون بمثل هذه الهدايا ، هم دائما يقولون ان الهدية يجب ان ترد بأفضل منها ، والأحسن دائما الا نقبل الهدايا الا اذا كنا قادرين ان نردها ، وام سميرة هذه رغم إنها جارة، والإحسان الى الجيران من الضرورات التي حث عليها الإسلام ، الا ان أهلك ما كانوا يسمحون لك ان تذهبي الى بيتها الملاصق لبيتكم للزيارة ، قائلين انها يجب ان تأتي لزيارتكم ، فانتم كثيرو العدد وهي لوحدها ، لها ولد واحد كبير ، يسافر دائما..
تحبين ان تستمعي الى ام سميرة وهي تقص عليك القصص الطويلة ، عن النساء القويات الساحرات ، اللاتي يعملن كل شيء يرغبن فيه ، ولا يستطيع الرجال المناقشة، او الرفض كما كن نساء منزلك الخائفات دائما من الرجال ، والممتنعات عن أي تصرف قد يؤدي الى إثارة غضب أولئك الأحباب....
قصصها جميلة وأنت تحبين سماعها بلهفة ، حين تبتدئ الكلام ، يصغي الجميع ، ويجلسون في دائرة كبيرة ،أمام القاصة المتمكنة ، التي تجيد فنون الحديث ، وتجعل السامعين يتركون كل ما في أيديهم منصتين الى الحديث العذب الجميل:
- خرجت المرأة من المنزل وفي يدها صرة صغيرة وضعت فيها رغيفا من الخبز ، وقنينة من الماء ، والأوامر القاسية تتبعها:
- خبز لا تقطعيه ، وماء لا تشربيه ، وكلي حتى تشبعي
تخرج المرأة كل صباح ، وتنفذ الأوامر ، وتعود في المساء وهي تكاد أن تموت عطشا وجوعا ، تمضي ثلاثة أيام ، ثم يقولون لها
- ابقي هنا ، لن تنفعي..
تشتد حيرتك ، وتحبين ان تطرحي سؤالا يستبد بك ، عن كيفية التصرف الصحيح في مثل هذه الحالات ، تجدين ان الجميع مصغون الى الحكاية ، فتسكتين على مضض ، وتصممين على طرح السؤال في فرصة أخرى..
(9)
عدت الى منزلي مسرورا ، هذا اليوم ، فقد استطعت ان أبيع الكثير من الحاجات التي طلبها المشترون ، وان احصل على نقود استطيع بها تلبية حاجات أسرتي الصغيرة ، اعطي ما احصل عليه من البيع في الحانوت الى أبي ، ليقوم بشراء ما يحتاجه المنزل الكبير من اشياء ، وهي عديدة ، وابقي بعض النقود القليلة ، لأ سرتي الصغيرة ، ابنتي الصغيرة لا تطلب عادة الا بعض الحلويات ، احرص على شرائها لها حين اشرع بالعودة ، اليوم كنت فرحا حين اشتريت لابنتي بعض قطع البقلاوة التي اعرف انها تحبها كثيرا ، أوقظها من نومها وادخل الفرحة الى نفسها الصغيرة ، انتظر حتى تنتهي من اكل قطعة البقلاوة التي اخترتها لها بعناية ، أطلب منها ان تغسل فمها بعد الانتهاء ،وان تفرّش أسنانها التي بدأت أضرار تناول الحلويات تصيبها بالتلف ... فرحتي هذه الليلة لم تدم ، فقد أنبأتني زوجتي ان جارتنا ( ام سميرة ) احضرت معها بعض الهدايا لأبنتي بسمة ، استفسرت:
- ماذا احضرت ؟
- مكحلة ، وطبلة صغيرة
- طبلة ؟
- نعم اّلة موسيقية.
استولى علي الغضب ، كيف تتجرأ الأرملة التي لم تجد من يوقفها عند حدها على جلب هذه الأشياء ؟ والى منزلي ، والى ابنتي الصغيرة ؟ هل تريد ان تعلمها ومنذ الآن قلة الادب وسوء الخلق ، وعلى الغواية والدق والزمر؟
ماذا تريد من ابنتي ان تكون حين تكبر ؟ وانا الحريص على التربية ، واحب ان اغرس نبل الأخلاق في نفس ابنتي ، واذا بجارتي تحاول جاهدة ان تنبت غرسة شائنة في نفس صغيرة ، ما زالت لا تملك القدرة على التمييز بين الخير والشر..
- ألم تعرفي منها لماذا أحضرت هذه الأشياء ؟
- نعم سألتها ، أجابت ان ابنتكم جميلة وصوتها رخيم
- عذر أقبح من ذنب ، ماذا تقصد ؟ ، هل علمت بسمة بالأمر ؟
- لا ، اردت ان اعرف موقفك ، أخبرت أم سميرة بسمة انها ستحضر لها هدية ، لكنها لم تخبرها ما نوعها ؟ وحين عادت ابنتنا الى المنزل سألتني عن هدية ( ام سميرة) أخبرتها إنها لم تحضرها بعد.
- حسنا فعلتِ ، لا تخبريها.
تناولت المكحلة وكسرتها ، ورميتها في سلة القمامة ، وأخذت الطبل ومزقته ، لا أحب لابتني أن تتعرف الى مثل هذا السلوك الشائن ، وسوف أحارب العادات الذميمة حالما أجد ميلا في نفس ابنتي نحوها ، او اشم رائحة رغبة لدى احدهم في تعريفها لها.
الناس دائما يقولون ان ابنتي جميلة ، وأنا لا أدعهم يذكرون هذه الحقيقة أمامها ، سوف أحاول ان اجعلها تدرك ان الجمال المطلوب ليس بالشكل وانما في القلب ، وفي الاتصاف بالأخلاق الفاضلة والسلوك القويم ، وقول الحق والشجاعة وغيرها من الصفات السامية ، التي رُ بيت انا عليها ، وسوف اجعل ابنتي أيضا تتصف بها ، ورغم ما عانيت من فقر في طفولتي ، وحرمان جعلني أقدم على ترك صفوف التعليم رغبة في مساعدة أسرتي ، الا أنني سوف اجعل ابنتي متمتعة بالكثير من الأمور التي وجدت نفسي محروما منها ، والمهم انها نشأت في أسرة تحبها ، وتمنحها الدفء والحنان ، وسوف تكون مهمتي في التربية سهلة ، وسوف اعلم ابنتي وأوجهها الا تأخذ شيئا من أحد مهما كانت قرابته إلينا ، وان تخبرني بما يقع لها ، كما وجهت زوجتي ان تخبرني بكل ما يحدث لابنتي وان تكون قريبة منها..

(10)
تتعالى اصوات الضحك ، وانت وحدك نائمة في احدى الغرف ، تتمنين أن تلتحقي بالضاحكات ، وتلعبي معهن ، ولكن قوتك تخذلك ، تسيطر عليك الدوخة وترغمك على البقاء في الفراش .الضحك يتكرر والرغبة بالمشاركة باللعب تستبد بك ، تحاولين النهوض ، والدوخة تحول بينك وبين ما ترومين النهوض بعيد المنال، أتعبك المرض اللعين الذي جعلك طريحة الفراش ، عاجزة عن الالتحاق بركب اللاعبات المسرورات ، تناديك احداهن :
- كفى بك رقادا ، هيا انهضي وشاركينا اللعب
- سوف آتي معكن ...
تحاولين النهوض ، والدوخة تقف بالمرصاد ، تعودين الى فراشك وشعور بالعجز يضنيك ، ماذا جرى لك ؟ ولماذا أنت عاجزة عن فعل أمر بسيط ، كنت تقدمين عليه بكل يسر ، سألت امك :
- لماذا انا مريضة ؟
- سوف تشفين قريبا حبيبتي ، أصابك مرض التيفوئيد ، وعليك ان تلتزمي بتعليمات الطبيب ، الذي أوصى بضرورة البقاء في الفراش، ايام قليلة يا ابنتي وتغادرين الفراش وتعودين الى صحتك .
- أريد أن ألعب معهن..
- اصبري قليلا يا حبيبتي ، سوف تشفين وتستطيعين ان تقومي بما تريدين.
الضحك يتواصل وانت ريشة في مهب الرياح ، تحاولين الوقوف ، تمسكين بالحائط ، تذهبين الى الغرفة التي تنطلق منها أصوات السعادة :
- مرحبا ..زغرودة لك ، لقد شفيت ِ
تحاولين ان تلعبي ، توشكين أن تقعي على الأرض ، تمسك احداهن، تضحك الصغيرات ، تقول لهن التي أمسكت بك قبل قليل خشية من السقوط :
- حرام عليكن ، انها مريضة ، ولا تستطيع مجاراتكن في اللعب ، انتظرن أياما قليلة وسوف تشفى وتشارككن المرح .
تجلسين على الأرض المفروشة ، والصغيرات يواصلن الضحك واللعب .

ترين رغيفا ساخنا من الخبز ، تسارعين الى أخذه ،تقطعينه بفمك ، تجدينه ألذ من كل الأطعمة .
- لا تأكلي كثيرا ، منعك الطبيب من تناول الخبز ، أخاف أن يعود المرض اليك ، اصبري قليلا .
ولكن الخبز الساخن يدعوك الى تناوله رغم تحذيرات الطبيب ، تلتهمين رغيفا آخر ، تواصل الصغيرات ضحكهن ،تنتهين من اكل الرغيف الثاني ..
- الحمد لله عادت اليك الصحة بعد عناء المرض ، العبي الآن ولكن لا ترهقي نفسك كثيرا ...
تشعرين ان صحتك تحسنت كثيرا ، وانه بإمكانك ان تلعبي معهن
تضربين النصائح بعرض الحائط وتصعدين الى الدراجة التي كانت البنات يلعبن بها ، يتواصل الضحك من جديد تقودين الدراجة الهوائية في الغرفة اولا ثم تخرجين بها الى الممر قرب باب الخروج والضحكات تتوالى ،لقد عاد اليك الفرح من جديد
قالت امك :
- بسمة كانت ضعيفة جدا ، لا تحب تناول الطعام ، الطبيب الماهر الذي عالجها استطاع أن ينقذها من الضعف الشديد، الذي كانت تعاني منه وأصبحت الآن قوية قادرة على ان تفعل ما تحب هل زالت الدوخة عنك ؟
- نعم ، ذهبت بعيدا
- لا ترهقي نفسك كثيرا ، وحين تشعرين بالتعب عودي الى الفراش..
ركوب الدراجة الهوائية يبعث في نفسك السرور ، ويجعلك مرحة ، تقودين الدراجة بمهارة كبيرة والطفلات معك يصفقن بحرارة لحثك على مواصلة اللعب...



(11)
خرجت مع صديقاتك ، تتمشين على شاطئ النهر ، تغسلن ما جمعته امهاتكن من ملابس وصحون ، لقد انقطع الماء في المنازل ، وكان من مهام الصغيرات ان يقمن بالواجب ، تنظيف الصحون بعد وجبة طعام الغداء ، وغسل ملابس إخوتكن الصغار..
النساء الكبيرات لا يمكنهن الخروج في المدينة الصغيرة ، يشتري لهن الرجال ما يحتجن اليه من حاجات..
يأتي جدك كل صباح ، وفي يده القفة:
- ماذا تريد سيدتي هذا اليوم ؟
تضحك جدتك ، وينبعث صوتها الخفيض
- ما تحب أن نطبخ لك في الغداء ؟
تعلو الابتسامة على وجه الرجل الجاد ، نادرا ما ترتسم الابتسامات على محياه ، لقد تعلم وهو صغير وعلم الأولاد جميعا وخاصة البنات ، ان كثرة الابتسام تجعل المرء خفيفا ، لا يستحق الاحترام ، جميل ان يكون الوجه منشرحا ، ولكن الابتسام قليلا ما يعلو الوجوه الجادة.
يقول جدك بعد ان يئد تلك الابتسامة قبل ان يسمح لها طريقا للانتصار
- هل تطبخين تبسي الباذنجان ، أم المحشي ؟
ولأن جدتك هي المديرة على هذا المنزل ، بكل أفراده الكبار والصغار ، تسارع الى القول:
- اليوم سنأكل مرق القيمة مع الرز
- كما تحبين..
ولأنك كنت حاضرة تستمعين الى الحديث ، لم يكمل جدك كلامه ، فقد كان معتادا ان يقول
- كما تحبين مولاتي..
يعود جدك وفي يده القفة وقد امتلأت بما لذ وطاب من طعام ، يعرف ان الجميع يحبونه في هذه الدار الكبيرة..
النهر في جزره وأنت ترافقين صديقاتك ، تضعين الصحون على الشاطئ ، وتمسكين بالصابونة ، وتليفين الأواني ، ثم تصبين عليها الماء للشطف ، تغسلين ملابس أخوتك الصغار ، ككل فتاة صغيرة اعتاد ذووها على تدريبها على أعمال المنزل ، لأنها حتما سوف تتزوج ، وتصبح ماهرة في أداء الأعمال المنزلية ، وكسب رضا الزوج.
تتحدث رفيقاتك بحديث طويل ، لم تعرفي كيف تشاركين فيه ، اعتدت على قلة الكلام ، والإجابة تكون على قدر السؤال ، لا تبادرين الى فتح أبواب الحديث او إلقاء بعض الأسئلة ، والا اتهموك بتهم شتى ، منها انك لم يحسن تربيتك ، وأنت فتاة يجب الا تكثر الكلام ، وان تكون حيية ، مطيعة ، مبتعدة عن الهذر ، والكلام الفارغ.
تغسلين الصحون ، وتكونين البادئة في إكمال عملك ، تهتمين بالقيام بما عهد إليك من أعمال ، ورفيقاتك يكثرن الكلام ، فتتأخر اعمالهن..
تعودين الى المنزل ، تضعين ما أنجزته من أعمال أمام أنظار الكبار ـ تتطلعين الى كلمة تشجيع ، تقوي من عزيمتك ، وتبعث اليك حب تلك الأعمال التي يكلفونك القيام بها ، ويطول انتظارك ، وكأن تلك الأعمال كانت واجبا عليك اتمامه على خير وجه ، والا صعرت لك قلوب الناس قبل وجوههم ، وأظلمت الدنيا في عينيك ، وأرتك وجهها الكالح ، وطبيعتها الغادرة ، تسيرين قرب الجدار ، وعباءتك فوق رأسك تغطي أجزاء جسمك الصغير ، الذي ما زال ضعيفا نحيفا رغم عناية أبيك وأمك بصحتك ، وعرضك على الأطباء مسرعين حين يجدان بادرة من مرض يوشك ان يهاجم ابنتهما العزيزة..
تجدين أختك الصغيرة في انتظارك ، تحملينها وتلاعبينها ، وترقّصينها على يديك الصغيرتين ، وسرعان ما تنطلق كلمة محذرة
- انت كبيرة الآن ، لا تلعبي كثيرا..
يسعدك كلامهم رغم ما فيه من تعنيف ، وتتساءلين
- متى أكون كبيرة ، فأصبح حرة أعمل ما أحب ؟


(12)
شجعت ابنتي على الخروج مع صديقاتها البنات ، لتكتسب الجرأة ، وتثق بنفسها ، وتتعلم أصول الحديث ، وتدرك المهارات التي تفيدها في الحياة، التي لا تحب من يغمض العيون عن الوصول الى حقوقه ، ومن يدع الآخرين يسلبون منه ما سال عرقه من أجله ، لم استطع في البداية ان اعلمها الفنون التي حرمت منها ، فالدنيا تغيرت ، وأجد رغبة في إكسابها المهارة التي لم أتعلمها ، ورغم انها فتاة ، وعليها ان تمكث في المنزل ، كعادة أهل المدينة هذه ، وتنتظر قدوم البعل الذي يقصف لها جناح الإرادة ، استغل كونها صغيرة لأعلمها بعض المهارات ، والخروج مع صديقاتها البنات قد يجعلها مقدامة ، أحب ان تتعلم السباحة ، والا تجد استحالة في القيام بما تحب ولا يتعارض مع قوة التقاليد التي تكبل أنفسنا ، أصحبها معي في السفر ، الى المدن الكبيرة ، لتطلع على العائلات المتطورة ، والتي تعلمت نساؤها ، ولم يبقين أميات كما هن النساء في مدينتي الصغيرة..
في سفرتي الاخيرة ، تركتها عند اسرة صديقي عماد ، وخرجت واياه لنجلس في أحد المقاهي التي احرم منها في مدينتي هذه..
- واين بسمة ؟
- تركتها عند أم احمد ، لتتعلم فنون الحياة..
اخشى ان تكبر وهي جاهلة ، اعلمها كل شيء ، ورغم انها ما زالت دون سن المدرسة ، الا انني يجب أ ن أقف بجانبها ، غارسا في نفسها كل المبادئ التي تربيت عليها من كرامة وثقة وأمانة واعتزاز بالنفس .. نشأتُ انا محروما مما وجد الأولاد في سنّي أنفسهم يتمتعون به ، ورغم الحرمان الذي كان سائدا ، الا ان حرماني فاق الجميع ، وعلي ان أبذل جهدي للتعويض ، في أن تصبح ابنتي الشيء الذي لم أكنه ، وان تحققْ الأحلام التي كنت اطمح إليها ، لكن الأيام لم تساعدني في الوصول الى مبتغاي ، أبي كان فقيرا ، حتم علي فقره ان اترك تعليمي لأكون مساعدا له في توفير الرزق لأسرتنا الكبيرة..
يقطع عليّ الحديث مع أبي أحمد ما جال في خاطري من ذكريات أيام الطفولة..
- لو صحبتها معك!
- في مدينتنا لا يسمحون بان يصحب الآباء بناتهم الصغيرات..
- لكنها طفلة!
- بذلتُ جهدا استثنائيا لتكون معي ، أنت تعرف تقاليدنا ، الفتاة تعلّم منذ الصغر ، حب المكوث في البيت. ، وأنا اُعتبر في نظرهم خارجا على القاعدة..
- تبدّل العالم اليوم ، بناتي يخرجن ، ويستقبلن الصديقات ، ولهن هوايات ، يبذلن الوقت في اكتساب المهارة ، وانا امنحهن المال اللازم للتعلم...

ما زلتُ أذكر ذلك اليوم الذي صحبني أبي فيه للصلاة ، ولم أكن املك الملابس التي يجب ان أرتديها في صلاة الجمعة ، التي يحرص فيها المصلون على المظهر الجميل والرائحة الزكية تنبعث منهم ، ارتديت دشداشتي البالية ، ثم لبستُ السروال المتهريء الذي تنازل عنه أخي الكبير ، حين رأيت الإمام يجلس لأداء السجود وعمل المصلون مثله ، نفذت ما كان عليّ تنفيذه ، وسجدت مع الساجدين ، تذكرت تلك اللحظة ان سروالي كان مقطعا ، ودشداشتي كذلك، وان السجود قد يجعل الناس يشاهدون ما خفي من أجزاء جسمي ، التي يحرص الناس جميعا على تغطيتها ، ومنذ ذلك الحين ، حرصت على أداء صلاتي في المنزل ، وعدم اصطحاب أحد في أداء هذه الفريضة، حتى تحسّنَ وضعي المالي ، واستطعت شراء بعض ما أريد.
- من هذه ؟ انظر!
أجد ابنتي بسمة أمامي ، أسائل نفسي كيف استطاعت ان تعثر على المكان وهي لم تره الا مرة واحدة ؟ ثم اجبت نفسي عن السؤال
- الاطفال يتعلمون أسرع من الكبار ، لان ذهنهم خال تماما مما يشغل الكبار ويصعّب عليهم الحياة.
يداعب صديقي ابنتي:
- عمو.. هل تعلمت السباحة ؟
- طلبت من البنات ، قلن لي هذا عيب.
أخشي ان تنشأ ابنتي خائفة مترددة ، البيئة غلابة ، وأنا حلمت بعدة أمور ووجدت نفسي عاجزا عن تنفيذها ، في مدينتنا كل شيء عيب، ان لم يكن حراما قد اتت الآيات لتحريمه، وجعله من الاشياء التي لا يباح التقرب منها ، لقذ تعبت نفسي من المحرمات العديدة التي تحيط بحياتي وتكبل إرادتي
سألني صديقي
- لماذا لا تعلمها أنت ؟
سؤال وجيه تماما ، ولكن كيف أعلمها ؟ وفي مدينتي كل شيء محرم على الرجال ، فكيف بالبنات الصغيرات ، ينشأ المرء وأمامه كم هائل من الممنوعات ـ لا يستطيع ان يتقرب منها ، والا حورب ، من أقرب الناس ، وهُددت سلامته ، وعد مارقا ، خارجا على القواعد ،التي اتفق على صوابها الجميع ، وتوارثوا الرأي بصحتها ، وانها مناسبة لكل الناس ، مهما اختلف الزمان وتبدل المكان ، الكثير من أصدقائي يظنونني متقاعسا ، او مترددا لا أحسنُ الدفاع عن وجهة نظري ، ولا استطيع ان اربي ابنتي كما ارى انه صالح ، وبإمكانها ان تستفيد من المعلومات التي اغرسها في نفسها الصغيرة ، جيوش من المحرمات تكبل يدي ، أنظر الى الناس الآخرين ، في أمكنة قريبة من مدينتنا او في العاصمة ، يتمتعون بكثير من الأمور التي أحرمُ انا منها ، ولا أحب ان تكون ابنتي ايضا اقل من البنات الأخريات ، صحيح ان النساء في بلادي مقموعات ، يعشن مهمشات ، مهما بلغت عوائلهن من الرقي والتقدم ، وان الأب يحسن معاملة بناته ويربيهن ، ثم يأتي الزوج ، ويتحكم في حياتها ويأمر وينهى ، وينسيها رعاية أهلها ومحبتهم ،وعلى عائلتها الاصلية ان ترضى وترحب...
ينظر صديقي متعجبا من وضعي ، كيف أتردد في إكساب ابنتي المهارات التي حرمت منها ، لقد تركت تعليمي كي اساعد والدي في إعالة الأسرة الكبيرة التي تسكن بيتنا الكبير ، والأسر الصغيرة والتي تعتبر فروعا من الأصل..

(13)
الطيارة الورقية تتعالى في السماء ، تطوّلين الخيط لتبتعد اكثر ، تربطينها في غصن احدى الأشجار ، الهواء يدفعها عاليا وانت مسرورة من عملك الذي تحبينه كثيرا ، كل يوم في وقت الغروب تصعدين الى السطح ، وبيدك الطيارة الورقية ، التي تطيرينها في الأعالي ، علمك عمك ان تضعي على سطحها الشموع المشتعلة ، وتربطينها او تمسكين بخيطها بيدك وانتِ تراقبين تنجمها حيث تصبح احدى النجمات المتلألئة في أعالي السماء ، في الليالي المقمرة يحلو لك ان تمسكي طيارتك الورقية ، وترين طيارتك وكأنها احدى النجوم ، ترنو نفسك الى جمالها الأخاذ ، وتتطلع عيناك الى منظرها الأخاذ ،نجمتك الحبيبة ساطعة تبعث الفرح الى داخل نفسك ، تلعبين وتكثرين من اللعب وحدك ، وأحيانا يصحبك عمك الذي يكبرك بخمس سنوات ، تركضان في السطع وتجعلان طيارتيكما عاليتين كنجمتين جميلتين لا يمكن ان تنالهما الأيادي وتسلب فرحتكما منكما ، كل الأماسي وبعد ان تغيب الشمس ويخلو السطح من أفراد العائلة الكبيرة ،وانتما وحدكما في البقعة الكبيرة الشاسعة ، لا أحد يشارككما اللعب بالطائرات الورقية المتوهجة بالشموع المشتعلة ، لم تخبرا احدا بما تفعلان ، لئلا يتفوه بالعبارات التي تجعلكما تخافان :
- كيف تضعان الشمعة المشتعلة فوق الطائرة وهي تطير ؟ الا تخشيان ان تتسبب في حدوث الحرائق ؟
- لا توجد حرائق ..
- كيف تعرفان ؟ الشمعة المشتعلة ان وقعت على الخشب او الورق قد تحدث حريقا ، ماذا يمكن ان تفعلا حينئذ ؟
- لن ندعها تقع ..
- وكيف يمكن لكما ان تمنعاها من السقوط ؟ الا تفكران ؟ يجب ان نفكر بعاقبة الأشياء والا نرتكب العمل السيء الذي يأتي بالأخطار الى الناس .
يمضي الناصحون الى حال سبيلهم وانتما لا تتركان لعبتكما المفضلة في جعل الطيارة الورقية تصبح نجمة في السماء وفوق سطحها شمعة مشتعلة ، يسألك احد الناصحين :
- اين كنت ؟
- في السطح .
- ماذا كنت تفعلين ؟
- اجعل طائرتي الورقية تطير ..
- هل وضعت على سطحها شمعة مشتعلة ؟
- لا ، لم أفعل ، نفذتُ نصيحتكم ولم أشعل شمعة لأضعها فوق سطح طائرتي.
- حسنا فعلت . انت نبيهة تسمعين النصيحة وتستفيدين منها ، وعمك هل استفاد من النصيحة أيضا ؟
- نعم نفذ كل نصائحكم.
- جميل جدا ، الانسان العاقل يستفيد من نصائح الكبار المجربين..
تذهبين الى السطح وتجعلين طائرتك نجمة محلقة في السماء ،تلمع ككل الأنجم الجميلة التي يحلو لك في الليالي المقمرة ان تقومي بمعرفة أعدادها ، يصل العدد الى مائة ويغلبك النعاس ، ثم تحاولين ان تتغلبي على رغبتك بالنوم ، وتحاولين ان تعرفي عدد النجوم اللامعة في السماء ، تجمعين نجمات كل مجموعة ، ثم تكتشفين ان عددا من النجوم فاتك ان تجمعيها ، تبدئين بالجمع ، وتصلين الى العدد مائة ويغلبك النعاس ، تعلمت اليوم العدد مائة ويسرك ان تتمرني على ما تعلمت لئلا تنسين ما علمك الكبار والمعلمون
احسنتِ صنع الطيارات الورقية المربعة والمستطيلة ، كما تعلمتِ صنع الفرّارات من الورق الملون ، تمسكينها بيدك وتركضين ، والفرارة تدور وتدور ، لم تعجبك هذه اللعبة كثيرا ، تفضلين عليها صنع الطيارات الورقية من الورق الأسمر فهي صديقتك التي تطيعك ، اين ما توجهينها تلبي طلبك بسرور ، فهي مخلوقة تحبك وانت تبادلينها الحب والمودة.
يزور عمك بعض أصدقائه وتبقين انت وحدك في السطح تطيرين طائرتك الورقية الى اعالي السماء ،تراقبين علوها وهي لا تستطيع ان تبتعد عنك او ان يسرقها احدهم منك ، فانت تربطينها على غصن شجرة او جذعها ، وهي لعبة جميلة تجدين في نفسك الميل اليها كل مغرب، وتستمر لعبتك حتى أواخر المساء ، حيث يناديك أهلك :
-بسمة ، ألم تشبعي من اللعب ؟
- لم أشبعْ ، كيف يشبع المرء من شيء يحبه ؟
- يكفي لعبا هذا المساء ،وتعالي ..
- الى أين أتي ؟
- الى العشاء ..
تنزلين الدرج وتذهبين لتناول لقيمات مما وضعوه على المائدة :
- كلي يا ابنتي!
- شبعت !
- لم تتناولي شيئا ، هل تحبين هذا النوع من الطعام ؟
- نعم أحبه !
- ان كنتِ لا تحبينه ، سوف أجلبُ لك طعاما آخر..
- غدا هاتِ لي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن