الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جاري صاحب الكيف: علاقة آثمة مع الخليفة البغدادي

وليد الحلبي

2015 / 3 / 1
كتابات ساخرة


بعد غيبة طالت أكثر من شهر، لمحت جاري صاحب الكيف يجلس في المقهى الذي اعتدنا أن نلتقي فيه، فاقتربت منه محيياً متسائلاً عن سبب غيبته الطويلة تلك، وبعد أن سحب نفساً عميقاً، قال مع ابتسامة غمرت وجهه:
- ولا شيء، كنت في ضيافة فرع المخابرات المحلي لبضعة أيام.
- قلت: وتضحك أيضاً؟.
- قال: اسمع القصة من الأول إلى الآخر، وبعدها ستعرف لماذا أضحك. هل تعرف أن أبا بكر البغدادي، خليفة المسلمين دام ظله، قد اتصل بي؟.
وقبل أن يكمل جملته، أطبقت بكفيَّ على فمه كما يطبق فكا الأسد على عنق الفريسة: يخرب بيتك، وطّي صوتك، ألا تعلم أن الرجل مطلوب من جميع أجهزة المخابرات في العالم؟، هل تريد أن تلقي بنا وراء الشمس؟.
أزاح يدي عن وجهه، وتابع بثقة:
- نظراً لخدمتي الطويلة في دائرة المساحة في وزارة التخطيط، فقد اتصل بي الخليفة، نصره الله، طالباً مني أن أرسم له خارطة بلاد الشام والعراق كما يراها، وبطريقة فذة لكي يعممها على جميع الدول والأمم المتحدة. وبينما كنت جالساً هنا في هذه المقهى، رسمت له ما طلب وزيادة، فلم أمسح الحدود بين العراق والشام فقط كما اقترح سابقاً، بل مسحت الحدود بين بلاد الشام الأربعة كذلك، فظهرت على الخارطة دولة تمتد حدودها من شاطيء البحر المتوسط غرباً إلى حدود إيران والخليج العربي شرقاً، غير أنني لم أنتبه إلى أن جرسون المقهى كان يتلصص عليَّ ويراقب ما أرسم، وما هي إلا دقائق معدودات حتى وجدتني مرفوعاً عن الأرض عدة سنتيمترات بقبضتي رجلين كأن كلاً منهما أبو الهول في ضخامته،،، ألقوا بي في صندوق سيارة، ومنه إلى زنزانة إنفرادية تحت الأرض.
- قلت: والله تستاهل قطع رأسك،،، هل أنت مجنون لكي تقيم علاقة مع مجرم مثل البغدادي، رأسه مطلوبة من جميع دول العالم حياً أو ميتاً؟.
- قال: لا تستعجل الأمور، واستمع إلى تتمة القصة. مكثت في الزنزانة أسبوعاً كاملاً دون أن يستدعيني رئيس الفرع لأنه كان مشغولاً بالتحقيق مع بعض المعتقلين، وخلال هذه الفترة انتبهت إلى حجم الجريمة التي ارتكبتها، فسارعت إلى إدخال تعديلات هامة على الخارطة. في نهاية الأسبوع استدعاني المدير، فوقفت أمامه واثقاً من براءتي، فسألني عن موضوع الخارطة التي قمت برسمها، فأجبته بثقة مطلقة: وماذا في ذلك ياسيدي؟، فهي الخارطة التي يجب أن تكون عليها دول المنطقة، والتي يفضلها جميع الرؤساء ووزراء الداخلية والخارجية في العالم بأسره. طلب مني المدير أن أعطيه الخريطة،،، أخرجتها من جيبي، فتناولها مني وبسطها أمامه على مكتبه الفخم، فارتسمت على وجهه ابتسامة عريضة، وقبل أن يكلمني، استدعى الموظفين اللذين قاما باعتقالي، ومسح بكرامتهما بلاط المكتب:(كيف تعتقلون هذا الرجل المحترم، وما هي الجريمة التي ارتكبها؟،،،ألا تتحققون من الأمر قبل اعتقال الأبرياء يا بجم؟).
على الخارطة التي عدّلتها بينما كنت في الزنزانة، والتي تتمدد الآن على مكتب المدير، رسمت الحدود بين العراق وسوريا بخط أحمر عريض، أما دول العراق وبلاد الشام الأربعة، فقد قسمتها نفسها إلى عدة دول: العراق أصبح ثلاث دول: شيعية في الجنوب قسمتها إلى عدة دويلات حسب عدد المرجعيات، وسنية في الوسط مكونة من عدة دويلات حسب المذاهب الأربعة (الشافعي والمالكي والحنفي والحنبلي)، وكردية في الشمال ضمت دويلتان: واحدة للحزب الوطني الكردستاني والثانية للحزب الديمقراطي الكردستاني ، أما سوريا الحالية، فقد رسمت فيها حدوداً لخمس دول: واحدة للسنة فيها أربعة دويلات حسب المذاهب السنية الأربعة، وأخرى للعلويين بقسمين: واحدة لآل مخلوف والثانية لآل الأسد، وثالثة للأكراد، ورابعة للدروز وهي قسمان: واحدة لآل جنبلاط والثانية لآل أرسلان، وخامسة للإسماعيليين، أما لبنان فقد رسمت فيه حدود ثلاث دول: شيعية وهي قسمان: واحدة لحسن نصر الله، والثانية لصبحي الطفيلي، وسنية بدويلات حسب المذاهب الأربعة، ومسيحية ودويلاتها بعدد المذاهب (كاثوليك – موارنة – أرمن) إلخ، وفي الأردن رسمت حدود دولتين: أردنية في الجنوب وهي قسمان: واحدة للبدو، وواحدة للحضر، وفلسطينية في الشمال، واحدة لليسار الفلسطيني، وواحدة لفتح، أما فلسطين، فقد محوت اسمها تماماً عن الخارطة وكتبت عوضاً عنه (إسرائيل) بالخط الكوفي العريض. عاد المدير لكي يتأمل الخارطة المعدلة، واتسعت ابتسامته قائلاً: هكذا تكون الخرائط الصحيحة وإلا فلا، ثم أمر لي بفنجان قهوة، وعرض عليَّ العمل مديراً لقسم الخرائط السياسية في جامعة الدول العربية للعمل على تعديل خرائط باقي الدول العربية كما فعلت في العراق والشام، فاعتذرت عن قبول هذا العرض بأدب، حيث لا يمكن لي أن أسيء إلى سمعة عائلتي بالعمل مع مثل هذه الهيئة التافهة، لكنه مع ذلك أصر على مكافأتي، فأعطاني بطاقته التي تحمل اسمه ومنصبه وأرقام هواتفه، وكتب على خلفها توصية:(إلى جميع تجار الحشيش وغيره من أنواع الكيف في كافة أنحاء القطر، بضرورة تسهيل مهمة حاملها، وتزويده بكافة أنواع المخدرات التي يطلبها دون تأخير وبأفضل الأسعار، تحت طائلة المسؤولية عن تأخيره)، ثم منحني هذه الكأس الذهبية.
بالفعل، أخرج جاري المجنون من جيبه كأساً صغيرة من ذهب، نقش عليها عبارة (كأس المواطن العربي الأول).
- سألته: وماذا تريد أن تفعل بهذه الكأس الآن؟.
- قال: يعني هل تتصور أنني سوف أفتخر بها وأضعها في خزانة زجاجية لكي يشاهدها كل من يزورني؟، بالطبع لا، بل سوف أبيعها، وأشتري بثمنها كمية من الحشيش لا بد ستكفيني إلى آخر يوم في حياتي كي أواصل إبداعاتي.
لم أنطق بأية كلمة، فالموقف كان أجل وأسمى من أن يحتاج إلى تعليق.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة


.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با




.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية