الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(الدرزن) الاخير والوانه القاتمة

مفيد بدر عبدالله

2015 / 3 / 4
المجتمع المدني




عبارات ترد على السنة البعض تشكل عناوين بارزة وعريضة تختزل حقبا زمنية عاشها العراقيون بحلوها ومرها، لها دلالات كبيرة، أكثرها مؤلمة ،فيقال ان الأحداث الفلانية حدثت في" سنوات الطواعين"، أو "سنوات القحط" أو "عام "الفيضان "،أو (عام الجراد) من يتأملها يجدها عناوين قاتمة لا تبعث على امل، ففي العنوان الاخير "عام الجراد"، غزا فيه الجراد المزروعات واجهز على المحاصيل برمتها، فلم تكن آنذاك المبيدات الزراعية منتشرة ومعرفة. أما في الماضي الاقرب فقد ظهرت عناوين اشد قسوة مثل "أيام حرب الشمال" أو " أيام الحرب مع ايران"، ومن ثم "حرب الكويت" و "أيام الحصار"، أما الايام التي نعيشها فلها عنوان عريض وبارز فتسمى " ما بعد السقوط".
منشغلون بهمومنا واسباب معيشنا، تمضي بنا الايام مسرعة، ، لكن بعض محطاتها ترغمنا أحيانا على تذكر الماضي، يمر بمخيلتنا مثل شريط سينمائي، ونتذكر معه عناوينه بارزه. أحد أصدقائي يعمل أجيرا في أحد معارض بيع الملابس الجملة، في معرضهم لغة "الدرزن" سائدة وينطقها عشرات المرات في اليوم الواحد، حتى صارت لازمة ملتصقة بلسانه، وتستحوذ على أكثر عباراته داخل المعرض خارجه، يسمي صديقي أعوام بعد السقوط بالدرزن، وهو محق فبعد ايام ستكمل سنتها 12 ، فالأعوام مضت بسرعة كبيرة.
ان لهذا (الدرزن) الوانه وطعمه المميز، أحداثه السريعة والمتلاحقة سيما أعوامه الاخيرة التي تتشابه أحداثها ببعض تفاصيلها بما نشاهده في افلام الهوليود، فلقد رسم لنا القدر أسوء سيناريو خيالي، أذ لم يكن بالحسبان أن تحتل اراض بهذا الحجم، وما أحدثه هذا الاحتلال من ماس وويلات، مثلما لم يكن بالحسبان أن يتدهور الاقتصاد على هذه الشاكلة. حتى غدة أيامنا سوداء قاتمة، لا كما رسمناها عام 2003. أن الحديث عن هذه الحقبة بحيادية، يحتم علينا عدم فصل تلك المرحلة عن سابقتها، فالعراق لم يشهد استقرارا منذ عقود، خاض حربين من اشرس الحروب، أجهزت على اليابس والاخضر، فعواقب الحربين كما هو معروف مدمرة اقتصاديا واجتماعيا، هذا ليس تبريرا لإخفاقات الحكومات المتتالية هذا (الدرزن) المركزية والمحلية، فكثير من البلدان مرت بأسوأ مما مر بنا، وتجاوزت محنها ونهضت واليوم تقف صلبة امام الهزات الاقتصادية، لكن حكوماتنا عجزت عن القضاء على السبب الاكبر للفشل (الفساد الاداري) المستشري في كثير من مؤسسات الدولة، فآفة الفساد اعادتنا لسنين القحط ما هو أخطر التي كانت تسببه اسراب جراد الفتاكة، لكن الفساد اشد فتكا فلا يستثني اليابس والاخضر، بل أمتد تأثيره ليشكل عامل احباط قوي للمخلصين واصحاب والايدي النظيفة.
أن غياب الرؤيا الاستراتيجية، والتخطيط الواقعي والمدروس القادر على استيعاب المتغيرات والمفاجئات من اهم اسباب ما نحن فيه من ضائقة مالية، فقد اختفت من أسواقنا العبارة الجميلة والتي تبعث على الامل الكبير (صنع في العراق) ، فجميع الخطط الاستراتيجية بنيت على عائدات النفط، والانجاز الاكبر صار زيادة الصادرات النفطية، التي ستخل حتما بخزين الاجيال القادمة، فكل الدراسات توكد بان النفط سينضب عما قريب، وان عشرات الاعوام تعتبر لحظة في عمر البلدان، هذا ما تنبهت له ببلدان لها ريادة نفطية وتمتلك مخزون هائل من العملة الصعبة واخذت تبحث ان استثمارات في مشارق الارض ومغاربها، مستثمرة عجز امتلاك البلدان الفقيرة لراس المال رغم توفر الاراضي الشاسعة والايدي العاملة الرخيصة، أن البلدان التي وضفت رؤوس اموال كبيرة في هذا المجال لم تتضرر مثلنا من انخفاض اسعار النفط .
ان لم يستوعب سياسيونا دروسا من اخطاء( الدرزن)الماضي، (فالدرازن) اللاحقة لن تكون ألوانها وردية، وستنقضي سنين العمر بالوان قاتمة عناوينها القحط والموت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل


.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون




.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة


.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟




.. اعتقالات في حرم جامعة كولومبيا خلال احتجاج طلابي مؤيد للفلسط