الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهزلة البحث عن داعش في متحف الموصل

سلام عبود

2015 / 3 / 7
المجتمع المدني


قسّم النسّابون قبائل العرب، في سالف العصور، فصيلين: عرب عاربة ومستعربة. أما عرب اليوم فهم فصيلان أيضاً: عرب "دواعش"، وعرب "لا دواعش". الفروقات بينهما عظيمة، رغما عن تحدرهما من أب واحد وأم واحدة. أبرز هذه الفروقات، الاختلاف في مفهوم استخدام السكاكين. "داعش" يستخدمها لذبح البشر من رقابها على الطريقة الإسلامية، و"لا داعش" يستخدمها لتقطيع البصل والطماطة على الطريقة المدنية، من دون حاجة الى بسملة أو أدعية. اختلاف آخر يتعلق بالتقوى والحياء، وما يرافقهما من طقوس شكلية: "داعش" يلبسون الجلابيب والنقاب ويرفعون رايات سودا، و"لا داعش" يلبسون الملابس الزاهية ويرفعون أعلاماً ملونة. اختلاف ثالث، دولي وإقليمي: ينتمي "داعش" الى فريق الإرهاب، في حين أن "لا داعش" ينتمي الى جبهة مقاومة الإرهاب العالمية. لذلك اعتقد بعض علماء الأنساب أن "داعش" كوجود وأفعال، و"لا داعش" كوجود وأفعال، وجهان لأمّة ثقافية واحدة، لا يختلفان إلا في الملابس واللحى وطرق استخدام السكاكين.
هذه هي خلاصة واقعنا الراهن، التي يجيد "اللاداعشيون" جميعاً، بمهارة وإخلاص، مهمة ممارستها سراً. على الضد من "داعش"، الذي يجيد، بمهارة وإخلاص، مهمة ممارستها واشهارها علناً. ربما لكي يُرينا داخل الأمة المموّه والمنافق على حقيقته.
ولأن أمتنا فريقان، لا ثالث لهما، سنحاول في هذه العجالة التمييز أكثر وأكثر بين "داعش" و"لا داعش"، وعدم الاكتفاء بالمظاهر السطحية، كالملابس والسكاكين واللحى والحياء والتقوى.
الى أي الفريقين ينتسب القائد السياسي اللبناني الذي يؤكد، بثقة وحيادية حسابية مطلقة، أن "داعش" لا يخيف أحداً، لأنه مجرد رقم هامشي، لا قيمة له "لا يزيد على خمسة بالمية" من مجموع المعارضة السورية؟ لا نريد أن نكون "داعشيين" ونسأله: من أين أتيت بهذا الحساب المحايد؟ وما ضرورة إشاعته بين الناس؟ وما أهميته للوجود المسيحي، قبل الوجود الإسلامي، وجنود لبنان يؤخذون "سبايا" بموافقة من أعلى مرجعياتهم العسكرية والسياسية؟
ولكي نحصل على جواب شاف وواف، يجب أن نربط معادلة "الخمسة بالمية" بما يفسرها، أي نربطها بالتوضيح الذي جاء على لسان رجل من الفريق ذاته، من القوات ذاتها، من المستشار العسكري للقائد السابق، الذي يرى أن ما يحدث - ازدياد عدد الهجمات الإرهابية على مناطق لبنانية محددة- هو تعبير أمثل عن بلوغ الموقف أو الأزمة ذروتها، التي يتحتم أن تصل الى نهايتها المرجوّة: القضاء التام والفوري على الخصوم السياسيين الداخليين، بصرف النظر عن صحة أو خطأ حساباتهم.
القائد السياسي يُصغـّر، ومستشاره العسكري يُهوّل! مناكدة أم تمنّ؟ كيف يغدو الوجود (الوطني والشخصي) عبارة عن جمل منتقاة بمرونة ضميرية مرعبة، هدفها مشاكسة الآخرين واستفزازهم. أي مناكدة الآخر، بأعلى درجات تصنـّع البرودة واللامبالاة، لغرض تعظيم جرعة إثارته. البعض يسمّي هذا السلوك ستراتيجيا المرحلة العصابية الراهنة، المرحلة "الداعشية". بصرف النظر عن المسميات، هنا تنهدم الأسوار بين "داعش" وبين "لا داعش"، رغما عن الفوارق الكبيرة في الأشكال والألوان وطرق حمل السكاكين وأوقاته.
إذا كان السياسي يناكف مازحاً لإخفاء خطر البربرية الواقفة على أبواب بيوتنا وعلى رقابنا، ففي الجانب الآخر، من الفريق نفسه، نجد المستشار يرفع الخطر الى مستوى الضرورة التاريخية والحتمية السعيدة. المستشار العسكري يعتبر أن الهجوم الإرهابي التكفيري على الضاحية والجرود الحدودية هو اللحظة المفصلية الأهم في تاريخنا، وفي صفحة وجودنا الحاضر والقادم، علينا الاسراع بالتقاطها وتفعيلها وإيصالها الى سقفها الأعلى: إلحاق الهزيمة بخصوم أقوياء، حتى لو تم ذلك على حساب التاريخ كله، التاريخ الفردي والجماعي، والوجود الفردي للأشخاص والأعراق والطوائف والأديان والجغرافيات. لذلك كله، أقول جازماً، لو أن السيد المسيح بين ظهرانينا الآن، لتحتم عليه تغيير معادلاته الأخلاقية الصارمة وجعلها تقول: من لم يكن "داعشيا" فليرم "داعش" بحجر.!
القائد يصغـّر الصورة، لكي لا يراها أحد، ومستشاره العسكري يكبّرها لكي تبتلع الجميع. بين التكبير والتصغير يظل "داعش" الحقيقة الواقعية الأعظم في تاريخنا الراهن.
الساعة العاشرة صباحا بتوقيت غرينتش من يوم الأحد 26 تشرين الأول 2014، عقب تأجيل إعدام جندي لبناني أسير من الساعة العاشرة الى الثانية ظهراً، وربط التأجيل بانسحاب "حزب الله" من سوريا. تنهض قناة تلفزيونية لبنانية سياسية من نومها، وتشرع في نقل بيان "داعش" نصاً وروحاً وصوتاً وصورة وكتابة وتعليقاً وإيماء وانفعالاً، اقتداء بالحكمة الشرعية القائلة: ناقل الكفر ليس بكافر! هنا يكتفي "داعش" بإعلان أهدافه من على موقع الكتروني مجهول، ويترك مهمة شرحها وتفصيلها وتقريبها من مذاق الجماهير وحواسها وعواطفها الى تيار التطرف في النأي عن النفس. هنا يصدق "داعش" حينما يقول إنه يمثل ضمير الأمة. نعم، هو يمثله حينما يكتفي بالتلخيص ويتولى تلفزيون الدولة المدنية، نيابة عن "داعش"، الإطناب والتبحبح في التفسير والتأويل ورمي السهام. حينما تغدو السياسة الوطنية حفلة علنية للمناكدات الكيدية المسليّة، يصبح شعار "كلنا داعش" حقيقة وطنية وحيدة مسيرة لمعركة كسر العظم. وعند تثوير الغرائز والعواطف وتفعيلها يتضاءل وجود الوطن، ويتضاءل وجود المدنية والحضارة والتاريخ والقيم الى حد مشين ومرعب.
في موقع الكتروني عربي مشهور، يتنادى مروّجوه- هم مزيج من مؤمنين بالوهابية والأمركة، مسخرين في خدمتهم مزيجاً من يساريين وعلمانيين وحداثيين - لغرض إشاعة الذعر في أوساط الناس، المحشورين بين "داعش" و"لا داعش"، واستباق "داعش" في اجتراح الجرائم. ممارسون إعلاميون اهتباليون يضعون في فم "داعش" مقترحاً - مخططاً إعلامياً- بربريا يرمي الى هدم آثار مدينة نمرود في نينوى. لسان حالهم يقول لو تحقق حلم التدمير لصدقت نبوءتنا الإعلامية وصحّت فراستنا الثقافية. ها هو "داعش" يهدم صرحاً ثقافياً تاريخياً عظيماً آخر، بعد متحف الموصل.
لا فراسة ولا ثقافة هنا. هنا يوجد "داعش" ويوجد "لا داعش"، وكلاهما وجه كريه ومشين للعملة الغبية، الأنانية، ذاتها. هنا موت مطلق للضمير. "داعش" لا ينتظر أحداً لكي يجترح البربرية. "داعش" يفعل كل ما يستطيع فعله وتخيّله. ولكن أن نكون نحن مبشرين استباقيين بما سيفعله، وقد لا يفعله، فإنما نكون أداة البربرية الرساليين، وطليعتها العقلية والمثالية، وأدواتها الثقافية والإعلامية والحربية أيضا. باختصار: نلبس جوهرها، وتلبس إهابنا (ملاحظة: الإهاب هو جلد الحيوان)
لو تركنا هذا الفريق وذهبنا الى الخندق المقابل، نجد "اللاداعشية" تمد برأسها بقوة إعجازية من على صحيفة لبنانية مقاومة. تحت عنوان "عدوان اسرائيلي يستهدف سلاحاً كاسراً للتوازن"، تخبرنا الصحيفة أن قصف الطائرات الإسرائيلية لمطار دمشق، في كانون الأول 2014 كان حرصاً اسرائيلياً صادقاً - حرص إرغامي، نلاحظ هنا نزعتي التصغير والتكبير مختلطتين إحداهما بالأخرى، بطريقة أسطورية أو سوريالية - على التزام قواعد اللعبة القتالية. الدليل الأكيد على تقيّد اسرائيل الاخلاقي بالقواعد القتالية الشريفة يكمن في أنها قصفت "هنغارات" للصواريخ خارج محيط المطار، وليس داخله. يقول الخبر: "يبدو واضحاً أن تل أبيب كانت حريصة على إبقائه ضمن قوانين اللعبة وعدم حشر دمشق أو حلفائها بشكل تضطر من خلاله إلى الرد. حرص جرى التعبير عنه بالعمل على ضمان عدم سقوط أي إصابات بشرية، وباختيار أهداف من خارج البنى العسكرية الرسمية للنظام". هل من دليل أقوى على تفوقنا في لعبة كسر التوازنات العسكرية والأخلاقية والعقلية؟! وإذا تركنا الأهداف، وعدنا الى دروس الحساب، نجد أن عدد الطائرات المغيرة كان طائرتين، وربما أربع ضمن تشكيلين، وقد يكون ثماني طائرات! هنا ندرك جيداً قضية تربوية مهمة: إن الفشل في دروس الحساب لا يقتصر في مجتمعاتنا على تلاميذ المدارس وحدهم، حتى أجهزة الرصد الجوي عندنا تعيش الأزمة المعرفية والأخلاقية والتربوية ذاتها.
لمزيد من التسلية في عملية البحث عن "داعش"، يفعل الغرب ما هو أخطر من مهازلنا، لكي يرضي نزواتنا "اللاداعشية". يختزل الغرب لنا "داعش" كله في شخص واحد سمّوه "سفاح داعش"، أو "الجهادي جون"، الذي تطارد كبريات الصحف الغربية أشباحه ليل نهار، لكي يتولى بعدها الإعلام العربي المهمة المقدسة: إعادة اكتشاف قصص يهوذا الأوروبي وهو يقبّل خد الأمّة المستباحة، ونشرها واستهلاكها.
رئيس وزراء العراق السابق، وقائد القوات العراقية المسلحة، أهدى إلى "داعش" أكثر من ألف وسبعمئة ذبيح في مجزرة معسكر "سبايكر" وحدها، حينما تحدّث عن سقوط 186 قتيلا فحسب. وأهدى إليه أكثر من خمسة وستين ألف عسكري، يكوّنون أربع فرق وعدداً من الألوية، حينما تحدّث عن هرب "عدد" من المتخاذلين. ولم ينس القائد الكريم، غير المتخاذل، إهداء "داعش" نصف مليون قطعة سلاح، من الخفيف والمتوسط الى أثقل أنواع الصواريخ والدبابات والمدرعات وأحدثها، حينما تحدث عن وقوع "عدد" من الأسلحة والاعتدة في قبضة "داعش". هذه الأخطاء في الحساب ليست نقصاً في دروس الرياضيات البسيطة يقع فيه تلميذ خائب. هذه المقدرات الحسابية المتدنية، خطأ جسيم في منظومة القيم المتعلقة بالكرامة والمواطنة وبالحقوق المدنية، السياسية والاجتماعية والثقافية. بدرجة أعمق، دليل على نقص جسيم في محتوى الضمير الفردي والجماعي للمجتمع بأسره.
ما وجه الاختلاف بين "داعش" و"لاداعش"؟
لا نريد أن نغرق أنفسنا في تحليلات تافهة لتحديد الفوارق العشرة، بين الرسمين، فنكرر القول: كيف يجوز لدولة أن تجمع بين محاربة الإرهاب وإقامة ممرات ومعسكرات للإرهابيين؟ كيف تستطيع دولة أجنبية أن تصنع الإرهابي وتقضي عليه في الوقت عينه؟ وكيف تجمّد الهيئات الدولية أموال الإرهابيين من دون أن تجرّم أولاً مموليهم ومؤسسات دعمهم؟ وكيف تستطيع منظمة مرتزقة متخلفين عقلياً تصدير شحنات من النفط بقيمة مليار دولار؟ تحت أي طاقية إخفاء تمرر الشحنات؟ والى أي كوكب ترسلها؟
العمى!
مثل هذه السخافات العقلية لا تقال أمام أية أمة، حتى إذا كانت أمة ميتة أو متعفنة. لكنها تقال في وجوهنا نحن العرب، ويتم تداولها علنا، على أعلى المستويات من اليمين واليسار، من الحاكم والمحكوم، من المتنور والجاهل، كأنها حقائق صادقة مؤسِّسة لوجودنا القومي الكاذب.
محافط نينوى السابق، الذي سلّم الموصل الى "داعش" بسلاسة، ثم لبس إهاب الأسد المحرر، بعد افتضاح دوره في صفقة احتلال الموصل، يقول: ليس جميع- لاحظ نزعة التصغير!- الآثار المهدمة في متحف الموصل أصيلة! كثير - لاحظ التكبير - منها نسخ جبسيّة. نعم، كثير منها نسخ من جبس! ولكن، الغايات الوجودية المكوّنة للهوية التاريخية لا تتحدث عن كثير وقليل، لا تتحدث عن جبس وطين، ولا تتحدث عن معدودات، وإنما تتحدث عن اغتيال التاريخ بشقّيه الحسي والروحي، تتحدث عن الموجودات (مكونات الوجود) الأثرية، مهما كانت ضئيلة، باعتبارها الإرث المتبقي الأصيل من علامات بقائنا أمة حيّة، تتمتع بذاكرة طبيعية.
حينما نعود الى قضية الآثار العراقية نجد أن البكاء على متحف نينوى ضرب من الهوس "اللاداعشي" الخالص.
لنتأمل بالأرقام، ما حدث في العراق:
لقد تم، عمداً وعن سابق قصد، إغراق مكان حفظ "الأرشيف اليهودي" بالماء الآسن، لكي يجد "الداعشيون" الحاكمون، حجة وجيهة، لبيع هذا الإرث الثمين ونقله وتقاسم عمولات تهريبه!
لم يفعل "داعش" ذلك. "داعش" براء من هذا الفعل اللئيم.
متحف نينوى ليس أكثر أهمية من موقع بابل الأثري، ومن مواقع سهل نينوى وكركوك الأثرية، التي عسكرت فيها قوات من مختلف بقاع العالم لعشر سنين، عملت فيها نبشاً وتخريباً، من دون أن يبكي عليها أحد. لم يفعل "داعش" ذلك. "داعش" براء من هذا الفعل الخسيس.
في أي مدرسة يجري تعليم سياسيينا ومثقفينا قواعد الحساب البسيط؟
الأرقام التي تداولتها الجهات الرسمية حول عدد اللقى المسروقة، المرقـّمة رسمياً، أو المنهوبة مباشرة من المواقع الأثرية العراقية عقب الاحتلال، بلغت ما يقرب من خمسة آلاف قطعة. لكن الرقم بدأ بالانفجار الفوري. ففي نهاية رحلة نبش المتاحف والمقابر تم الاعتراف بـ"مئة وإحدى وسبعين ألف قطعة مسروقة"، منها ثلاث عشرة ألف قطعة مرقـّمة متحفيّاً. أكرر الرقم: مئة وإحدى وسبعون ألف قطعة! بين الرقم الأول والثاني اختلاف خيالي قدره 165 ألف قطعة فقط. إذا كنا أمة تخطئ في الحساب على هذا النحو المشين، فنحن أدنى من مرتبة الجهلة. إذاً، لماذا نلوم "داعش" على جهله وبربريته؟
ليس الجهل والبربرية وحدهما ما ينخر نفوسنا ويغلّ ضمائرنا. يوضح لنا شاعر عراقي تقدمي سبب إخفاق الأميركان في حماية متحف بغداد، قائلا: ذلك يعود الى ضخامة الدبابات الأميركية وضيق شوارع بغداد! الى أي فصيل "داعشي" ينتسب مثل هذا الضمير الفنيّ المستباح؟
لقد غدت الكلمات في أفواهنا بطعم رمال السواحل، التي فقدت بكارتها الفطرية: رمادية، مالحة، خشنة، زلقة، زنخة، تتساقط من أفواهنا مثل ديدان ميتة.
كيف ندافع عن وجودنا ونحن نعيش غزواً ثقافياً مركـّباً، من الداخل. غزو في قلب وجودنا، وغزو في قلب أرواحنا ونفوسنا وضمائرنا.
حينما تهوي الأمم فإنها تسقط بفعل انشطار داخلي يمزقها طولاً وعرضاً. بيد أن تمزقنا تجاوز المقاييس الهندسية. تشققنا تفكيك داخلي للبناء الخلوي، هدم حيويّ لمكوّنات الأنا التاريخية، وتكسير لغلف جغرافيا الهوية الجامعة. معاول "داعش" و"لا داعش" لم تتسابق على الآثار، تعمل فيها تهشيماً؟ لقد تسابقت قبلها، بإرادتنا الخيّرة والشريرة، على تهشيم ضمائرنا وإراداتنا وعقولنا وكرامتنا. معاول "داعش" في متحف نينوى هي الصورة البشعة، التي نصرّ على إنكار وجودها في أفعالنا وسلوكنا وأخيلتنا وأحلامنا المريضة. معاول "داعش" معاولنا، لأننا "داعش" و"لاداعش". "داعش" هو استعراض حيّ، علني، بالصوت والصورة، لخبايا "اللاداعشيين" المضمرة والمستترة. "داعش" هو نسختنا الجبسيّة، وما نحن سوى الأصل.
ختاماً، لنحاول الاقتراب من الكفر قليلاً: هل "داعش" من ملـّة الإسلام؟
لا، وألف لا. هكذا يصرخ معارضو "داعش" من اليسار الى اليمين. أما الفريق الآخر فلا يرى فيها سوى ذخيرة عقائدية وسياسية، ضرورية الى حد الحتمية، في مواجهة الآخر، ولو على سبيل النكاية.
الحرب التي تشنها تنظيمات "داعش" أو "النصرة" أو "القاعدة" أو غيرها هي حرب من داخلنا، من انتاجنا؛ وما "داعش" سوى فريق إسلامي خاص، لا يختلف عن غيره من الفرق سوى في طبيعة الممارسة، وفي الدور السياسي المناط به، وفي ردود الافعال المترتبة على سلوكه الاستعراضي.
أولاد "داعش"، القادمون من أرقى العواصم الأوروبيّة، لكي يَذبحوا ويُذبحوا، هم أولادنا. الرجال والنساء، الذين هرعوا الى جبهة "داعش" السوداء، طوعاً أو كرهاً، هم رجالنا ونساؤنا، الذين فرّوا من لا منطقية توزيع العدالة والكرامة والعقل في أمتهم.
استعراضات "داعش" البربرية هي الوجه الدعائي الأصيل لمضمرات الـ"لاداعش"، التي هي نحن، نحن بخيرنا وشرّنا، نحن سواء أكنا تماثيل أصيلة، أم كنا نسخا من جبس أو طين أو قش.
نحن أمة تنقسم قسمة عادلة الى "داعش" و"داعش"، ولا توجد "لا" فاصلة بينهما، إلا على الورق: "داعش" ببربرية استعراضية، حماسية، مبرمجة ومفعـّلة، و"داعش" ببربرية غبية، منوّمة، كاذبة، منافقة، وفارغة ولكن أصيلة، أو متأصلة في أفضل الافتراضات.
"داعش" هو عدستنا المكبرة، عدسة تصوير خيباتنا وتخلفنا وانكساراتنا وهزائمنا الداخلية. إنها عدسة هوليوودية لتصوير لحظة سقوط الأمة في هاوية سوء المصير.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة تدعو بريطانيا لمراجعة قرار ترحيل المهاجرين إلى


.. هل واشنطن جادة بشأن حل الدولتين بعد رفضها عضوية فلسطين بالأم




.. وزير الخارجية الأيرلندي: 100% من الفلسطينيين بغزة يواجهون شب


.. ثورات في الجامعات الأمريكية.. اعتقالات وإغلاقات وسط تصاعد ال




.. French authorities must respect and protect the right to fre