الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حواء العصر الحديث

مصطفى فؤاد عبيد

2015 / 3 / 8
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


حواء العصر الحديث
The Modern Era Eve

بقلم: مصطفى فؤاد عبيد
التاريخ: 8 آذار، 2015
بمناسبة اليوم العالمي للمرأة

احتلت المرأة مكانة متميزة في كل الأديان السماوية، وقد خص الدين الإسلامي تحديداً المرأة في كثير من المواضع ليميزها عن الرجل، ومن أمثلة هذا التمييز قول الله تعالى في كتابه الحكيم "وليس الذكر كالأنثى" كدليل واضح على الأفضلية، وحتى في أحاديث ووصايا الرسول عليه الصلاة والسلام وآخرها في حجة الوداع التي استوصانا فيها بالنساء خيراً، وقد أظهرت بعض الأحكام والتشريعات في القرآن الكريم وجود اختلاف بين طبيعة الرجل والمرأة وفق تقديرات الخالق عز وجل في عدة مناحي، مثل وجوب وجود شاهدتين اثنتين مقابل كل شاهد من الشهود الذكور وذلك حتى تُذكر إحداهن الأخرى في حالة النسيان، وكذلك تحديد نصيب الذكر في الوراثة الذي يُعادل مثل حظ الأنثيين وغيرها من الأمور المتعددة.

وبالرغم من أن البعض يرى في كثير من تلك الأمور، على اختلافها، تفضيلاً للذكر على الأنثى إلاّ أنها تُعبر عن إنصاف خفي وتفضيل حقيقي للمرأة بأشكال متعددة قد لا يُقدرها حق قدرها إلاّ من يدرك ما تعنيه حقاً تلك الاختلافات، فمسألة اختلاف الشهود مثلاً تعكس حجم "المسؤولية" التي يقتضيها قول الحق في الشهادة عند الله سبحانه وتعالى والضرر المتوقع الذي يمكن أن ينتج عن احتمالات الخطأ فيها، وهو بذلك إنما يخفف عن المرأة هذا الضرر ويشترط لقبول شهادتها أن تكون معززة بشهادة امرأة أخرى معها لتذكرها في حالة النسيان لكي يجنبها ذلك الضرر، حتى أننا نستطيع أن نستخلص هذا التفضيل بنفس الأسلوب إذا أقرت إحدى المدارس الثانوية، مثلاً، بالسماح لكل تلميذتين في كل صف دراسي الاشتراك في حل الامتحانات النهائية والتشاور فيما بينهن أثناء الامتحان، مع عدم السماح للطلاب الذكور بذلك، والمؤكد أن في هذه الطريقة تفضيل واضح للطالبات على الطلاب وتمييز ومراعاة لهن لتجنيبهن الرسوب في الامتحانات، وقد ينادي عندئذٍ الطلاب الذكور بالمساواة مع الطالبات ويطالبون بالمعاملة بالمثل!

وبنفس الطريقة، يمكن استخلاص الكثير من نقاط التفضيل للمرأة في كثير من المواضع، حتى تلك التي تختص بوراثة نصف نصيب الذكر إذا ما تم ربط هذه المسألة بقول الله سبحانه وتعالى أن المال فتنة، فهو بذلك إنما يخفف من فتنة المال على المرأة بمقدار النصف رحمة بها. بالطبع تبقى هناك اعتبارات أخرى كثيرة تتعلق باختلافات بين طبيعة الرجل والمرأة وهناك دوماً حكمة لا يعلمها إلاّ الله سبحانه وتعالى قد تستلزم المزيد من البحث والدراسة لاستنباط ما فيها من إنصاف للمرأة وحتى تفضيل على الرجل قد يكون ظاهراً أو خفياً، ومنها ما يتعلق بطبيعة المرأة واهتماماتها وقدراتها الذاتية المتميزة في العديد من الشئون المختلفة.

وفي الوقت الذي تُعتبر فيه المرأة في كل دول العالم محوراً أساسياً ومؤشراً لمسألة "الرقي" والحضارة الإنسانية بكافة أشكالها، باعتبارها المحرك الأول والنموذجي لهذا التوجه الذي يسعى لتبسيط سبل الحياة والحد من مشكلاتها وصعوباتها المتنوعة وتنميتها في كل المناحي وعلى كل الأصعدة وفي كل المناطق، الريفية والحضرية، وصولاً للمستوى الذي يتناسب مع إمكاناتها العضلية وضعفها وأنوثتها وحتى جمالها أمام تلك التحديات المتنوعة، إلاّ أنه جرى تحوير هذا الأمر في الكثير من المجتمعات العربية بحيث تم توجيه معظم مشكلات المرأة لتتمحور حول مسألة "العُري" بدلاً من أن تكون محوراً أساسياً ودافعاً للرُقي العربي في كافة مناحي الحياة مثلما كانت في الغرب بغض النظر عما ترتديه أو مكان معيشتها أو مستوى دخلها، كما انشغلت في البحث عن المساواة مع الرجل في أمور تكاد أن تكون جميعها محسومة لصالحها أصلاً في الدين الإسلامي الذي فضلها على الرجل، والغريب في هذا التوجيه أنه محاولة لاستنساخ وتقليد أسلوب حياة بدلاً من استنساخ الأهداف والغايات الإنسانية والاجتماعية والحضارية النبيلة التي تزامنت مع هذا الأسلوب وفق ما يناسب تلك المجتمعات على مر التاريخ!!

إن معركة حواء الحقيقية في المجتمع العربي في هذا العصر تحديداً هي معركة بنائية حضارية اجتماعية سياسية فكرية ثقافية اقتصادية علمية فنية أدبية وتربوية، وسائر المجالات الأخرى التي تستطيع أن تثبت جدارتها فيها وتأخذ دورها لتكون بمثابة الرافعة الأساسية للمجتمع العربي بكل أركانه ومكوناته وكافة مناطقه لمواجهة التحديات وحل مشكلاته والوصول إلى مستوى الرقي والازدهار والحضارة الذي وصلت إليه دول الغرب بإرادة وطموح النساء اللاتي يعشن فيها بكافة ألوانهن وأساليبهن في الحياة، حتى وإن كانت الإنجازات باسم الرجل إلاّ أنها كانت بإرادة المرأة ولأجلها هي كأم وأخت وزوجة وابنة قبل أي أحد آخر، والتي لولاها، باعتقادي، لما اُخترعت الكثير من الاختراعات ولكنا جميعاً مستمرون في ركوب الخيل والبغال في السفر والترحال بلا كلل أو ملل حتى يومنا هذا، وبلا أية رغبة أو حاجة للرقي أو التطور والحداثة.. أو حتى لكتابة هذه السطور!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منظمة سارا تطالب بوقف الانتهاكات الممارسة بحق النساء ومحاسبة


.. -لن نتراجع عن احتجاجنا ما دامت مطالبنا لم تتحقق بعد-




.. استشهاد امرأة وإصابة آخرين بقصف إسرائيلي على منزل بحي السلام


.. الإهمال والتمييز يفاقم معاناة نساء غزة




.. إحدى النازحات في أماكن اللجوء ذكريات المعصوابي