الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاكاديمي المتحجر ديفيد كريستل !

ماجد عبد الحميد الكعبي

2015 / 3 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ديفيد كريستل (لمن لا يعرفه ) لغوي انكليزي معروف على نطاق واسع في العالم منذ سبعينات القرن الماضي بوصفه اكاديميا مهتما باللغة وعلومها على الرغم من انه قد صرح في اخر محاضرة له والتي القاها في جامعة ليدز بتاريخ 9/3/2015: ان اهتماماته موزعة بين الادب واللغة و اصناف المعرفة الاخرى ، فهو لم يكن لغويا صرفا. وعلى الرغم من ان عمره يبلغ (74) عاما إلا ان حيويته تخيب ظن السامع الذي لم يره ويشاهده عن قرب. لقد كانت حركاته تفيض بروح الدعابة والشباب ، فلم يكن متزمتا عبوسا مكفهرا يتنفس من ابطيه كما يفعل كثير من الاكاديميين العرب الذين ينحدرون من سلالة الاصمعي. لم يكن النحوي المتنطع المتشدق الذي يتلاعب لسانه بغريب اللغة وشواذها. لقد كسر كريستل الصورة النمطية التي تحتفظ بها اذهان الناس منذ سنيين عن شخصية معلم اللغة العربية المعروفة. لم يكن صوته خفيضا ولم يكن جهوريا مرتفعا اجشا مرعبا بل كان يتمايل متناغما مع حركاته علوا وانخفاضا في صياغات لغوية تعبيرية وكأنه يمثل دورا لاحدى شخصيات شكسبير على المسرح. لذلك تسمع بين الحين والآخر ضحكات الصبايا اللواتي ملئن القاعة تعلو على صوته وترتفع. لقد كان معظم الحضور من الشباب ولاسيما الفتيات في المراحل الدراسية الاولية اللواتي كن محتفيات بهذا العجوز المرح ومرحبات ، تماما كما تحتفي شاباتنا بأحد المغنيين الشباب! لكن بأدب عال وخلق رفيع واستحياء ينم عن معنى الروح الاكاديمية.
كريستل لم يكن مهتما بهيئته او شكله كيف يبدو للعيان ، لم يكن يحب الاستعارة والزخارف واللمعان . فبدلته الزرقاء القديمة التي تعكس صورة شكلية مغبرة تلف جسما نحيلا قويا ناصع البياض. اما حركاته الجسدية فتعكس طبيعة عقله المتنورة المتحررة ، لذلك وضعوا له ميكرفونا شخصيا مخفيا ليسهل حركته الدرامية المستمرة. لم يكن زمن المحاضرة ساعة بل شعرنا انها لحظات قليلة لأن الزمن قد تبخر في فضاء التنوع المعرفي وطريقة الالقاء الممسرحة.
لماذا يلقي محاضرته بهذه الطريقة التي لم نعتد على رؤيتها في قاعاتنا الدراسية سابقا في دروس شيوخنا الاجلاء ؟
لانه يؤدي دورا ويتقمص شخصية ، لقد كان حريصا على ايصال المعلومة الى جمهوره ، فهو مشغول بهم ولم يكن مشغولا بنفسه. كان يحدثهم ولم يكن يتحدث مع نفسه. كان معجبا بهم ولم يكن طاووسا يتلفت حول نفسه معجبا بها ينفش ريش خيلائه امامهم. كان تلقائيا لانه ينهل من معين لا ينضب من التنوع المعرفي والثقافي. وكان يقظا واعيا متحسبا لما يقول منتقيا مفرداته بعناية لتعطي قدرا اكبر في دلالاتها. لقد كان عملاقا جبارا بافكاره وطفلا صغيرا في ايماءاته وتعبيراته الجسدية.
لقد كان نجما بكل ما تعنيه الكلمة ولم يكن استاذا جامعيا متخصصا بالنحو واللغة و الادب. لذلك انتهت المحاضرة بالتصفيق الحاد الذي تجاوز المعتاد ، وطلبات المعجبات بالتقاط الصور معه. وقد شعرت حينها و ادركت ان كريستل قد طوع وجسد الفكرة التي طرحها اربري في ستينيات القرن الماضي حول كيفية تحويل المعرفة الاكاديمية المحضة الى معرفة جماهيرية دون ان تفقد قيمتها العلمية وطابعها الاكاديمي. نعم هذا ما اكدته المحاضرة من بدايتها وحتى خاتمة الحفل الذي خلا من مظاهر البذخ والترف في المأكل والمشرب والذي اقيم على شرفه بعدما اعلنت عريفة الحفل ان التوقيع على الكتب والتقاط الصور الاضافية سيكون في قاعة اخرى لا تبعد كثيرا. لقد استمهلني صاحبي وقال : لا تعجل سنجد مكانا فالصبايا لا يحفلن بالكتب ، لقد تفرق الجمع ! . لكن الرغبة القديمة بالاستحواذ على الكتب لم تمنعني من تعقب الاثر خلف كريستل الذي كنت احمل احد كتبه في حقيبتي. نعم صحيح يا صاحبي من يحفل ؟ انظر خلفك الركب المتمهل الذي لاحقنا حيث حفل التوقيع! ( قلت مازحا ) . لقد وجدنا المكان مكتظا بالطلاب من الجنسين بيد ان الصبايا هن اللواتي من كن يقفن في الطابور منتظرات الظفر بتوقيع كريستل المتحجر !!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن


.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص




.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح