الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجزرة حلبجه .. وصمة عار أبدية في جبين البعث وسلاحه الجبان (2-2)

كاظم المقدادي
(Al-muqdadi Kadhim)

2015 / 3 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


حالات مرضية قاتلة ومعاناة شديدة

في عام 1998،أي في الذكرى العاشرة للمجزرة البشعة،زار الصحفي العراقي عدنان حسين حلبجه وإلتقى بأحد الأطباء في مستشفاها،الذي أخبره بان النسبة الكبيرة من المراجعين في ذلك الوقت كانوا يشكون من حالات مرضية ذات صلة بالهجوم الكيمياوي، وتوقع ان بعضهم سيموت في غضون سنوات قليلة، بينما سيظل الآخرون يعانون مدى الحياة. ويبدو ان ذلك الطبيب لم يكن بالقدر من المعرفة والخبرة التي تؤهله لكي يخبرني- والكلام للأستاذ حسين- ان مدى الكارثة سيكون بمرور الأيام أبعد من موت ذوي الحالات الخطيرة وإستمرار معاناة ذوي الإصابات الأخف.فأخبر كشف أستاذة جامعية بريطانية عن جانب أكثر مأساوية للكارثة التي وقعت قبل 10 سنوات،إذ وجدت ان الآثار والأعراض المرضية إنتقلت الى الجيل الثاني من بنات وأبناء الذين أصيبوا في هجوم حلبجة الكيمياوي[11].

وكشف عن هذه الحالة فيلم وثائقي بثته القناة الرابعة للتلفزيون البريطاني في مطلع اَذار 1998، ضمن برنامجها الشهير Dispatches وعنوانه" قنبلة صدام الموقوتة السرية"، وهو الفيلم الثاني للمخرج جوين روبرتس عن كارثة حلبجة بعد فيلم " رياح الموت". وظهر المخرج في الفيلم الأخير برفقة البرفسورة كريستين جوسدين - أستاذة الطب الوراثي Genetics Medicine في جامعة ليفربول، التي أجرت في حلبجة أبحاثاً اولية حول اَثار القصف الكيمياوي على الذين أصيبوا فيه مباشرة وعلى أبنائهم.

من الضحايا الأحياء، كان يوجد في مطلع عام 2012 نحو 500 مصاب بالأسلحة الكيمياوية ما زالوا على قيد الحياة- حسب الإحصائيات الرسمية لوزارة صحة الإقليم وتجمع ضحايا الأسلحة الكيمياوية- من بينهم 245 إصاباتهم شديدة، إسوة بآخرين فارقوا ببطءٍ الحياة خلال السنوات الماضية إثر تأثيرات تلك المواد السامة.وقال لقمان عبد القادر، رئيس التجمع لـ " نقاش":" في كل سنة نفقد عدد من المصابين، متأثرين بإصاباتهم"[12].

وأعلنت البرفسورة كريستين جوسدين إن ما وجدته في حلبجة، بعد 10 سنوات من إستخدام السلاح الكيمياوي ضد سكانها، كان أسوأ بكثير مما كانت تتصوره.وهي بحكم معرفتها وخبرتها كانت تتصور أنها ستلاحظ على بعض السكان أشكالاً من السرطانات والتشوهات الخلقية والعقم والعمى والتلف العصبي.وفعلاً وجدت كل هذا في حلبجة، وفي حالات أكثر خطورة، وأوسع نطاقاً مما كانت تعتقد.وإستطردت:عملنا مع الأطباء، وأجرينا تحديداً لنسبة حالات العقم والتشوهات الخلقية والسرطان، بما في ذلك سرطانات الجلد، والرأس، والعنق، والجهاز التنفسي، والصدر، وسرطانات الأجنة، لدى سكان المدينة، الذين كانوا فيها يوم الهجوم ، وقارناها مع سكان مدينة أخرى في المنطقة.فوجدنا ان هذه النسبة تفوق بـ3-4 أضعاف على الأقل لديهم حتى بعد 10 سنوات على الهجوم.ولاحظت الباحثة ان عدداً من أطفال حلبجة يموتون كل عام متأثرين بأمراض سرطان الدم (لوكيميا) وأورام الغدد اللمفاوية.وأن نسبة إصابة الأطفال والشباب بالسرطانات أعلى مما في أي مكان اَخر في العالم.وأضافت ان مما يزيد الأمر سوءاً هو النقص الكبير في وسائل الجراحة الخاصة بأمراض الأطفال لمعالجة العلل القلبية الخطيرة وتشققات الشفتين واللثة والتشوهات الخلقية الخطيرة الأخرى لدى الأطفال، ما يعني ان الكثيرين منهم يموتون بينما كان بالإمكان إنقاذ حياتهم.
وأشارت العالمة الى الآثار النفسية والعصبية للهجوم على حلبجة بالسلاح الكيمياوي،فقالت: تواجهك المحنة الإنسانية هنا في كل شارع وبيت وردهة في المستشفى.أشخاص ينتحبون ويشعرون بضيق نفسي شديد بسبب ما يعانون من كاَبة حادة، وتكون محاولات الإنتحار بشكل مرعب.
وفي ضوء أبحاثها إستنتجت ان التشوهات الخلقية والأعراض المرضية الخطيرة، التي ولدت مع الأطفال، الذين جاءوا الى الحياة بعد سنوات عديدة من الهجوم الكيمياوي، تشير الى ان هذه الآثار تنتقل الى الأجيال اللاحقة.والكثير من أطفال حلبجة الصغار يعانون من مشاكل في التنفس، وفي البصر، وفي الجلد، ومن سرطانات وتشوهات خلقية وعاهات وإضطرابات عصبية، وتخلف عقلي،وشلل دماغي. وأضافت: ان هذه السلسلة الواسعة من الأعراض المرضية يمكن عزوها الى التلف طويل الأمد للحامض النووي DNA للذين أصيبوا في حلبجة ولأبنائهم[13]

وأكد هذه الإستنتاجات البرفسور حسين الشهرستاني، بعد 3 أعوام، عند زيارته لمدينة حلبجة، وقال: نحن اليوم نتحدث بعد 13 عاماً على الحادث وهناك من أهالي المدينة الذين بقوا على قيد الحياة ظهرت عليهم أعراض صحية سلبية، فالرجال أصيبوا بالعقم. أما النساء فيعانين من حالات الاسقاط، كما ظهرت حالات تشوه خلقي في المواليد الجدد وأنواع من مرض السرطان لم تكن معروفة في تلك المناطق. ان التأثيرات الصحية السلبية لم تظهر فقط على الذين تلقوا الضربة بشكل مباشر، بل ستظهر هذه الأعراض حتى على الأجيال المقبلة[14].

مخاطر " الكيمياوي" ما تزال قائمة

رغم مرور 27 عاماً على قصف حلبجة ما تزال مطمورة في أراضي كردستان العراق، حتى في المناطق السكنية، بقايا قنابل وصواريخ السلاح الكيمياوي البعثي، وهي تشكل خطراً كبيراً على السكان. فقد أعلنت بلدية قضاء حلبجة العثور على صاروخ كيماوي في طائرة سقطت في القضاء بعد قصفه بالأسلحة الكيماوية خلال العام 1988[15].واعلنت جمعية ضحايا القصف الكيمياوي لمدينة حلبجة، أن فرق البحث الخاصة بها قد عثرت على قنابل غير منفلقة في 5 دور في حلبجة ، 4 منها داخل حدود مدينة حلبجة، والخامس يقع في قصبة خورمال[16].وفيما بعد أعلنت العثور على قنبلة كيمياوية غير منفلقة في احد المنازل بحي (مرزة بوتو) في مدينة حلبجة[17].وعثر فلاحون عن طريق الصدفة على قذيفة محشوة بالغازات الكمياوية السامة من مخلفات النظام السابق ، في مزرعة مهجورة بقرية ( تكية ) التابعة لناحية خورمال القريبة من بلدة حلبجة ضمن محافظة السليمانية . وتعتبر هذه رابع قذيفة كيمياوية يتم العثور عليها في المنطقة منذ مطلع العام[18].واوردت صحيفة "روداو" الكردية ان تأثير غاز الخردل الذي ضربت به مدينة حلبجه عام 1988 لا يزال تاثيره موجود على المواطنين في المنطقة. ونقلت الصحيفة عن خبير بريطاني في الاسلحة الكيمياوية يرأس فريقاً لاجراء تحقيق ببقايا الغازات السامة في حلبجة قوله ان مخلفات غاز الخردل لا تزال موجودة ومؤثرة، داعياً قائممقامية المدينة الى تنبيه المواطنين بعدم استخدام سراديب البيوت التي ضربت في السابق بهذا الغاز. واضاف الخبير ان عمليات الحفر في المدينة تطلق الغاز الموجود في الارض ويؤدي الى نفس النتائج [19].

وكان خبير الحرب الكيمياوية البريطاني هاميش دي بريتون-غوردون، الذي دأب على العمل في مؤسسة بورتون داون، وهي منشأة علمية عسكرية بريطانية، قد بحث مع حكومة كردستان العراق طرق منع التلوث الكيمياوي في حلبجة.وقال:"نواجه مشكلة هنا عندما يبنون ابنية جديدة، فهم يحفرون الاساسات ويصلون الى جيوب غاز الخردل هذه، وسرعان ما يموت كل من يقوم بهذه المهمة".واضاف "انها مهمة واحدة نأمل في تقديم مساعدة بشأنها، مع توفير مراقبة مشددة، واذا لدينا اي دليل على وجود غازات في المنطقة فسرعان ما سنتخذ التدابير اللازمة لضمان عدم تعرض المواطنين لها، وبمجرد تطهير حلبجة ستكون القدرة على تنمية المكان ممكنة مقارنة بمعدل التنمية في بقية البلاد".وقال انه" ربما يكون من الممكن ايضا تحديد الاطراف التي امدت حكومة صدام حسين بالكيمياويات اللازمة للاستخدم في حلبجة".واضاف:"نتوقع ان نعثر على عينات من غاز الخردل في المقابر الجماعية كما فعلنا في المخابئ. واذا استطعنا ان نحللها الى عناصر جزيئاتها الرئيسية، سيكون بمقدورنا تحديد الجهة وحينئذ سيكون بامكاننا مضاهاتها مع العينة"[20]..

الى هذا، وعدت وزارة البيئة قبل قرابة العامين بانها ستنفذ اجراء فحوصات لمقابر حلبجة ودراسة ما تبقى من تلوث كيمياوي، وذلك بطلب من وزارة حقوق الانسان في حكومة اقليم كردستان. وقال مدير عام دائرة التوعية والاعلام البيئي بالوزارة ان مقابر حلبجة الشهيدة لا تزال غير مفتوحة وغير مسجلة وان عملية الفتح ودراسة التلوث الكيمياوي فيها سيتم باشراف وزارة البيئة وبالتعاون مع وزارة حقوق الانسان الاتحادية باعتبارها الجهة المسؤولة عن المقابر الجماعية بالاضافة الى الصنف الكيمياوي في وزارة الدفاع الجهة المختصة بالاسلحة الكيمياوية [21]..
فما الذي نفذته ؟

• أكاديمي عراقي مقيم في السويد

الهوامش:
1-معد فياض،عالم الذرة العراقي حسين الشهرستاني: حلبجة الكردية قصفت بـ3 أنواع من الغازات السامة، "الشرق الأوسط"، 19/3/2001.
2- د.علي حنوش، ملف "البيئة في العراق"،"المؤتمر"، العدد 174، في 25/10/1996.
3- "عين العراق نيوز" ،22/10/2014
4- د.علي حنوش، مصدر سابق.
5- راجع: جاسم ولائي، نتائج واَثار إستخدام النظام اللعراقي للسلاح الكيمياوي،"الثورة" السورية،في 10/2/1990
6- آكانيوز"، 26/1/2012
7- معد فياض، مصدر سابق.
8- جاسم ولائي،- مصدر سابق.
9- كارل فيك- قوبتبه: أكراد العراق يتوقون للمشاركة في الحرب ضد صدام للانتقام لمئات الآلاف من ضحاياهم،"الشرق الأوسط،"، 21/2/2003
10- "المواطن"،23/1/2012.
11- عدنان حسين،10 سنوات على قصف حلبجة:أمراض الأسلحة الكيمياوية تنتقل من جيل الى اَخر، " الشرق الأوسط "، 17/3/1998.
12-"المواطن"،31/1/2012.
13- عدنان حسين،مصدر سابق.
14- معد فياض، مصدر سابق.
15- السومرية نيوز"،14/9/2011
16- " شفق نيوز"، 14/11/2011
17- "السفير نيوز"،2/8/2012
18- " أورنيوز"،7/4/2012
19- " السفير نيوز"،31/12/2012
20- وكالات: "طريق الشعب"،4/12/2012
21- (صوت العراق)، 13/8/2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - من ضرب حلبجة
سليم عيسى ( 2015 / 3 / 16 - 23:28 )
تحية استاذي العزيز, مقدما لست لابعثي ولا محسوب على النظام السابق. الرجاء ان تجيبني عن الاسئلة التالية: اميركا اعلنت مرتين, بعد الضربة باسبوع وبعد وقف اطلاق بشهر على ما اتذكر ونتيجة اختبارات على الارض بان الغاز المستخدم في حلبجة هو السيانايد والعراق لايمك هذا الغاز.كانت كتلة القوات الايرانية وجماعة الطالباني الى الشرق من حلبجة فلماذا تضرب الحكومة مدينة امنة وتترك العدو ؟ في طول فترة الحرب لم يستخدم العراق هذا الغاز وفي ضروف خطرة جدا, نهر جاسم والفاو مثلا. اثنا عشر عاما من التفتيش وثمانية اعوام من الاحتلال لم يعثر على اية مادة من السيانايد او مركباته في العراق. اين هو الطيار امر سرب السو 25 المكلف بالقصف الكيمياوي وكيف اختفى فجأة؟ اخيرا الم يكن من الاقضل محاكمة صدام عن تهمة حلبجة او الانفال بدل الدجيل التي ( قانونا) لا دخل له يها؟ لماذا لم يحاكم المتسببين بقتل عشرون الف من الاكراد في معارك ام الكمارك كما يسميها احبتنا الاكراد اي معارك الاخوين جلال-مسعود ؟ البعث مجرم وهذا صحيح وان لم يكن باجرام من جاء بعده, وكوننا نكره البعث فلا يعني اننا نغير الحقائق. احترامي

اخر الافلام

.. انفجارات أصفهان.. قلق وغموض وتساؤلات | المسائية


.. تركيا تحذر من خطر نشوب -نزاع دائم- وأردوغان يرفض تحميل المسؤ




.. ctإسرائيل لطهران .. لدينا القدرة على ضرب العمق الإيراني |#غر


.. المفاوضات بين حماس وإسرائيل بشأن تبادل المحتجزين أمام طريق م




.. خيبة أمل فلسطينية من الفيتو الأميركي على مشروع عضويتها | #مر