الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحرير الأرض أم تحرير العقل - قطاع غزة بين الصحوة والحلم ..!

عماد يوسف

2005 / 9 / 20
القضية الفلسطينية


لاشك أن الإنسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة يعتبر حدثاً إستثنائياً هاماً بكل المعايير السياسية التي تحكم الصراع العربي الإسرائيلي، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأهم ما يميز هذا الإنسحاب، هو ذاك التحول في بنية العقل الإسرائيلي، في أسلوبه، وأدواته في إدارة هذا الصراع منذ مايزيد على الخمسين عاماً، وربما يبدو للوهلة الأولى، بأن سياسة الإلغاء والقتل للشعب الفلسطيني في محاولة لإبادته قد ولّت إلى غير رجعة، وحلّت محلها سياسة الرضوخ لواقع مرير فرضه الشرط الفدائي الفلسطيني على الإسرائيليين، تللك السياسة التي حملت في جنباتها غصّة كادت تقتل أصحابها من أعضاء الليكود . وبالرغم من أن الإنسحاب من غزة يعتبر نصراً، كنتيجة لعمليات المقاومة الفلسطينية في الداخل، ويتعامل معه الفلسطينيون على هذا الأساس ، إلاّ أن الأسئلة الكبيرة تبقى أسيرة التعليب السياسي الإسرائيلي، وهم الطرف الوحيد الذي يمتلك مفتاح الأجوبة عليها، والمرتكزات التي بنى عليها الإسرائيليون خطوتهم في التخلي عن الأراضي والمستوطنات في هذا القطاع ..
أحد هذه الأسئلة غير الواضحة، هو ؛ إلى أين يسير الإسرائيليون في مخططاتهم ؟ و رؤيتهم الإستراتيجية للعالم العربي الذي يحيط بدولتهم المزعومة، ولماذا تزامن هذا الإنسحاب مع المحاولات الحثيثة من الأمريكان لتجفيف الوحل العراقي، وإعادة صياغة دستور عراقي له رونق أمريكي، يباركه وينقطّه السفير الأمريكي في العراق زلماي خليل زاده ، بدلاً من أشخاص من سلالة أبو الأسود الدؤلي ! وهل تندرج هذه المعادلة ضمن ارهاصات مشروع الشرق الأوسط الكبير، الحلم الكابوس الذي ألهم المحافظين الجدد الذهاب بعيداً نحو المجهول في أرض الشرق، دون أن يحملوا المشاعل الخاصة بظلمات هذه المنطقة من العالم ؟؟ أم يندرج ذلك كله في بنية العقل الإسرائيلي، الذي بات ينشد سلاماً وطمأنينة لأبناء قومه بعد الرعب الذي عاشه من مناظر الأشلاء البشرية التي تناثرت هنا وهناك !؟
تقول حادثة حصلت في العراق ؛ بأن ضباطاً من الموساد الإسرائيلي، قد توجهوا إلى متحف بغداد بعد سقوطها على يد الأمريكان في 9 نيسان" أبريل" 2003، ليتوقفوا أمام تمثال نبوخذ نصر ويقولوا : " ها قد عدنا يا نبوخذ نصر" ، ما يؤكد بأن الإسرائيليين لم يصلوا بعد " وربما لن يصلوا يوماً " ! إلى مرحلة تحرير العقل الإسرائيلي من نزعته الإستعمارية، الإستيطانية والإقصائية الفوقية ، التي تندرج تحت قانون " شعب الله المختار " ، ومقولة " الأرض الموعودة " ! ولو افترضنا بأن سلاماً شاملاً قد قام في المنطقة، وانسحبت إسرائيل خلفاً، بوداعة الحمل حتى حدود 5 حزيران " يونيو" 1967، فما هي صيغ التعايش التي ستطرحها إسرائيل على شعوب المنطقة !؟ هل ستكون الصيغة المصرية الغنية بالمذلاّت بعد اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979، أم هي رؤية جديدة مبنية على الحبّ، والتآخي والتعايش السلمي والإنساني بين شعوب هذه المنطقة كافة ؟ وهل ستدفن إسرائيل مقولة " شعب الله المختار" بجانب قبر نبوخذ نصر إلى الأبد ؟ وتندمج في الإطار الجغرافي والثقافي والاقتصادي لشعوب المنطقة الذين يتقنون فن الصفح، والعفو عند المقدرة، كما يحملون في مورثاتهم الأدبية والجينية منذ أقدم العصور ..؟!
يمكن إعتبار تحرير غزة نصراً، ولكن؛ في الوقت ذاته تستطيع إسرائيل العودة إليه في ساعات قليلة ؟ وهل نستطيع اعتبار الإستراتيجية الإسرائيلية الجديدة بمثابة نهج جديد للقيادات الإسرائيلية المتعاقبة بين عمل وليكود، وبين يمين ويسار، ومتطرف ومعتدل، وبين يهودي وصهيوني، و مواطن ومهاجر؟! أم أن القضية أعقد من أن ’ترى بهذا المنظار الواسع، وأن ما يقوم به الإسرائيليون هو خطوة بإتجاه الظهور بمظهر رسول المحبة والسلام، وهو الذي يبادر إلى تقديم التضحيات العظمى لشعوب المنطقة التي لا ترضى به وريثاً ومتحدثاً بلغة الكنعانيين من أجداد الساحل السوري الكبير! ليتزامن ذلك كله مع تمرير مخططات التفتيت والدمار لبلد عربي مثل العراق، فيحوله دستورياً، وبموجب عقد اجتماعي شرعي إلى دويلات اللادولة، وطوائف اللاّدين، وتبعية الإنتماء إلى كل شيء إلاّ الإنتماء الوطني العراقي ؟! فتحقق أمريكا من وراء ذلك غرضها في سحب أوراق اللعبة الأساسية في المنطقة، لتنقلها من أيدي الفلسطينيين، والسوريين " تحديداً " ، والمصريين وغيرهم من شعوب المنطقة العربية، إلى أوراق بيد شارون ، وبوش ومحافظيه الجدد ، ليعيدوا خلطها لاحقاً بعد الإنتهاء من السيناريو السوري واللبناني ؟ وتسوية الجبهات المذكورة بالجبهة العراقية المنتهية الصلاحية .!
لن يستطيع العقل الإسرائيلي إنتاج صيغة توازن تقيه شرّ المراكمات التاريخية التمييزية، العنصرية والإستعمارية التي مارسها خلال السنوات الطويلة التي جثم " ويجثم " فيها على أرض فلسطين، وقد أثبتت التجربة مراراً بأن الحلول السياسية >، وحتى العسكرية في هذه المنطقة، ليست مجدية ولن تكون يوماً كذلك، فالتناقضات المكونة لمجتمعات هذه البقعة من العالم أعقد من أن يستطيع بعض الذين حفظوا الإنجيل غيباً في أمريكا، من أن يتبنّوا تحضير الدواء لها، وقد حوّل الإسرائيليون ومن خلفهم الأمريكيين الصراع في المنطقة إلى صراع بقاء، ومعركة وجود أو لا وجود، أكثر ماهو صراعاً بين شعب محتَــَل، وآخر يرزخ تحت هذا الاحتلال، وبين شعب أراد الحياة، وآخر أنكر عليه حقه في الحياة، والعيش الرغيد، واستباح كرامته، واغتال براءة أطفاله في كل مناسبة إهتدى فيها السبيل لذلك !
ربما يعتقد الإسرائيليون بأن الإنسحاب من غزة، ونقل بعض مستوطناتها إلى الجولان السوري المحتل هو خطوة على طريق السلام، أو أن الإسرائيليين كعادتهم، يستمتعون بلعبة الشطرنج من لاعب واحد ؟ فإلى أي مدى يرتبط تحرير الأرض بتحرير هذا العقل من نزعته الإستعمارية، قبل طرح مشروع سلام منقوص المعنى، بالغ التعقيد، وفاقداً نتائجه قبل أن يولد بعملية قيصرية على يد ِ جراح من اختصاص آخر! وهل وصل الإسرائيليون ومعهم الأمريكيون إلى قناعة بأن سندويش الهمبرجر الذي يقدمونه لشعوب المنطقة، بدون شريحة اللحم الأساسية في قلبه، سيبقي البطون جائعة، مما يضطر هؤلاء إلى ملئها بثلاث وجبات يومية رئيسية، من الأحزمة المتفجرة ..؟!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أصفهان... موطن المنشآت النووية الإيرانية | الأخبار


.. الرئيس الإيراني يعتبر عملية الوعد الصادق ضد إسرائيل مصدر فخر




.. بعد سقوط آخر الخطوط الحمراءالأميركية .. ما حدود ومستقبل المو


.. هل انتهت الجولة الأولى من الضربات المباشرة بين إسرائيل وإيرا




.. قراءة عسكرية.. ما الاستراتيجية التي يحاول جيش الاحتلال أن يت