الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في كتاب -أغرب زواج-

عبدالله دعيس

2015 / 3 / 26
الادب والفن


عبدالله دعيس
قراءة في كتاب "أغرب زواج"

يحاول الكاتب جمعة السمان أن يحشد في كتابه "أغرب زواج" خبرات سنوات عمره المديد، في نصوص ممتعة ومفيدة، فيها الحكمة والعظة والتسلية. نصوص الكتاب تتضمن القصة القصيرة، والخاطرة، والحكاية التي تخلط الحقيقة بالخيال، وتأخذ القارئ إلى أزمان غير محددة وأماكن غريبة لا يراها إلا في هذه النصوص، وفي ثنايا هذا الكتاب. هذه الحكايات المكتوبة بلغة أنيقة، وجمل قصيرة محكمة، تعيد إلى أذهاننا ذلك الزمن الجميل، عندما كنّا نجتمع تحت جناحي الجدّة أمام الكانون في فصل الشتاء، لنستمع لخبرات عمرها والتجارب التي تناقلتها الأجيال.
في "أغرب زواج" يتناول الكاتب جمعة السمّان العديد من المواضيع، أغلبها تحمل في طياتها النصيحة والموعظة، خاصة للشباب الذين قد يقعون في الخطأ نتيجة انعدام خبرتهم في الحياة وعدم اطّلاعهم على تجارب من سبقهم. فيحاول الكاتب في هذه التوليفة الجميلة من الحكايات، أن يقدم لهم هذه التجارب على طبق من ذهب بأسلوب شيّق لا يكلفهم عناء البحث ولا يعرضهم للتعلم من تجاربهم الخاطئة.
الموضوعات التي يتطرّق لها الكاتب في معظمها اجتماعية، وهو يخصّ الحياة الزوجية بالكثير، حيث يتناول المشاكل التي قد تنشأ بين الزوجين من جوانب متعددة، ويحكي لنا قصصا متنوعة عن أزواج تاهت بهم السبل وتفرقوا حاكمين على أبنائهم بالتشرّد والشقاء، ثمّ يعود القدر أحيانا ليجمعهم أو يبقيهم تائهين. نرى في طيّات الكتاب السعادة والهناء كما نرى الندم والشقاء. وفي الكتاب دعوة للابتعاد عن التشاؤم والتطيّر، والعزوف عن أمور قد تفسد الحياة الزوجية، وفيه نصيحة للفتيات ألا ينسقن وراء وعود كاذبة من شاب طائش، وعدم التسرع في الحكم وتصديق الشائعات، والصبر في طلب الرزق، وعدم الانقياد وراء الشهوات والرغبات أوالسعي وراء الزائف من الأفعال وتناسي الهدف من هذه الحياة.
والمرأة هي البطلة في معظم نصوص الأستاذ جمعة السمّان. فالكاتب يرصد الظلم الاجتماعي الذي يقع على النساء من أزواجهن ومن آبائهن وعائلاتهن، حيث تُجبر المرأة على الزواج ممن لا ترغب، وتتعرض للظلم والضيم والاعتداء من الزوج والأب والأخ دون رحمة أو شفقة، أو نظرة إلى إنسانيتها، أو غفران لزلة قد تكون وقعت بها. فالكاتب يقف هنا أمام المرأة منافحا عن حقها منتصرا لها، لكنه لا يصورها بصورة مثالية بعيدة عن الخطأ، فهي سبب الغواية أحيانا، وهي السبب في تشتيت الأسرة في بعض نصوصه، وإن كانت الضحية في معظمها.
يختار الكاتب جمعة السمان أن يُبقي الزمان والمكان في معظم قصصه مبهمين، فالقارئ لا يمكنه أن يحدد الزمن الذي تجري فيه الأحداث، ويحتار في تخيّل المكان، فكثير من هذه الأمور هي خبرات إنسانية قد تحدث في كل زمان وفي أي مكان. وربما قصد الكاتب من هذا أن يعطي طابع الإنسانية لكتاباته دون أن يحددها بزمان ومكان، فالقيم والمثل الإنسانية المشتركة تشتعل بها روح الإنسان في أي زمان وفي كل مكان. لكن هذا الأسلوب قد يرهق القارئ أحيانا، فما أن يبني خيالا في عالم بعيد وزمن في أعماق التاريخ حتى تظهر له بعض الأحداث أو الأمور التي تنقله إلى الزمن الحاضر وإلى الحضارة الحديثة، فيتشوّش في ذهنه الزمان والمكان ويفقد الخيط الذي كان يقوده خلال الكتاب.
تتنوع قصص الكاتب جمعة السمان، فهو تارة يحكي قصة واقعية، وأحداثا يمكن أن نلمحها في حياتنا اليومية، وتارة ينطق الحيوانات والجمادات ويأخذنا إلى عالم الأساطير والخيال، لكنه يستعمل نفس اللغة ذات الجمل القصيرة والنسق الممتع. يتكلّف الكاتب السجع أحيانا في جمله القصيرة المتتالية، ويعمد أيضا إلى بعض التشبيهات التي تفقد النص جماله. مثال ذلك في صفحة 107:
"وإذا بألسنة النار تمتدّ إلى البضاعة.. وتشتعل فيها النار.. ليصبح الحانوت.. وكل ما فيه أسودا.. له لون جناح الغراب." فتشبيه الحانوت المحروق بجناح الغراب لا يضيف إلى النص شيئا من جمال أو أي تأكيد لمعنى. وفي بعض النصوص يأتي بأحداث غير مقنعة للقارئ. ففي قصة "الغروب الحزين" يصحبنا الكاتب مع عاشقَيْن في رحلة جميلة في قارب في عرض البحر، ينقلب القارب وتوشك الفتاة على الغرق، تيأس من النجاة، لكن الفتى يؤمن أنه بالإرادة والعزيمة يمكن لهما أن يصلا إلى الشاطئ، وهناك تظهر بعض الدلافين الصديقة للإنسان تحملهما إلى برّ الأمان. كان بإمكانهما أن ينجيا إذا أصرّا على التشبث بأهداب الحياة وأن يتعلقا بشيء يوصلهما إلى الشاطئ، أما أن تظهر تلك الدلافين فجأة فهو غير مقنع برأي.
معظم القصص والنصوص تحمل في ثناياها قيما تربوية عميقة يريد الكاتب أن يوصلها إلى المتلقي، لكن بعض النصوص تحمل طابع الوعظ والنصيحة المباشرة والتي قد لا يستسيغها القارئ، فمن طبيعة البشر العزوف عن سماع الموعظة وتقبل النصيحة، أما الدرس المستقى من القصة فهو الذي يرسخ في ذهن القارئ ويشحذ مشاعره. ومع أن معظم النصوص تحمل في طياتها قيما تربوية عظيمة، إلا أنّني لم ألمح هذه القيم في بعضها: فمثلا قصة "ذات ربيع" التي تحكي عن شابين التقيا تحت شجرة في الربيع، وأغواهما الشيطان ومارسا الرذيلة، ثم تزوجا وأنجبا طفلا وعادا بالطفل إلى ذات المكان في فصل الربيع ليرى المكان الذي بدأت حياته فيه. أتساءل: ما الفائدة التربوية من هذه القصة؟ وهل يمكن أن يكون نتاج الرذيلة سعادة وجمال؟!
وُفّق الكاتب في اختيار عناوين قصصه، فهي جميلة وترتبط بشكل مباشر بأحداث القصص. ولوحة الغلاف معبرة تنطق الجماد وتدمج بينه وبين العالم الحسيّ تماما كما يفعل الكتاب. تُظهر الجذور الثابتة في الأرض والأغصان العارية التي تتقاذفها الرياح، تماما كالإنسان الذي يضل طريقه في هذه الحياة لكنه دوما يعود إلى جذوره. هذا الإنسان هو الذي حدثنا عنه الكاتب جمعة السمان في طيات كتابه.
رحلة القارئ في ثنايا هذا العمل الأدبي الرائع هي بلا شك رحلة شيّقة لا تخلو من عظيم متعة وجزيل فائدة، يلمح فيها حكمة الشيوخ وروح الشباب. نتمنى من كاتبنا الرائع الأستاذ جمعة السمّان أن لا يضن علينا بالمزيد مما يجود به قلمه، سائلين الله له طول العمر وجزيل العطاء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شراكة أميركية جزائرية في اللغة الانكليزية


.. نهال عنبر ترد على شائعة اعتزالها الفن: سأظل فى التمثيل لآخر




.. أول ظهور للفنان أحمد عبد العزيز مع شاب ذوى الهمم صاحب واقعة


.. منهم رانيا يوسف وناهد السباعي.. أفلام من قلب غزة تُبــ ــكي




.. اومرحبا يعيد إحياء الموروث الموسيقي الصحراوي بحلة معاصرة