الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملاحظات اولية حول مسار الثورة السورية-لماذا لم تنتصر الثورة؟

مروان عبد الرزاق
كاتب

(Marwan)

2015 / 3 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


مازالت الثورة تراوح في المكان، بعد اربعة سنوات من الصراع المفتوح بين النظام والشعب. الاسئلة كثيرة، والاجابات غامضة. ليس لأن الاسئلة صعبة، بل لأن الاجابات تأتي في الغالب، جزئية وفق مقاس الشخص ومفاهيمه الخاصة، وليست نتيجة قراءة موضوعية لتاريخ الثورة. والحلول غائبة لانعدام الارادة الوطنية لكافة رموز المعارضة، التي اقامت دكاكينها المغلقة، ثم استراحت بانتظار العصا السحرية القادمة من البعيد.
الانجاز الاساسي الذي حققته الثورة السورية هو، كسر جدار الخوف، وتحطيم، أو تفجير النفق المظلم الذي حفره الاستبداد عبر التاريخ الطويل الممتد لآلاف السنين. وايضا استمرار الثورة رغم مرور السنوات الاربع القاسية دون أن تنتصر حتى الآن.
-1-
وهذا ينقلنا إلى اهم تحديات الثورة التي واجهتها، وفشل الثورة في الاستجابة لها، وبالتالي وجدت نفسها أمام اشكاليات عديدة تلخص عدم انتصار الثورة حتى الآن.
اولا: الاشكالية السياسية، حيث أن الثورة السورية هي ثورة سياسية بالدرجة الاولى. والاساس في الاشكالية السياسية, هو عدم تشكل البديل السياسي الوطني الديمقراطي الممثل والقائد للثورة, خلال السنوات الاربع الماضية. حيث فشل شباب الثورة وتنسيقياتهم في الارتقاء الى الفعل السياسي الحزبي، أو الجبهوي. وكذلك رهنوا أنفسهم الى "المجلس الوطني"، ثم "الائتلاف الوطني"، الذي عمل كل الموبقات، دون أن يعمل في السياسة، وخاصة حين اختار موقعه في الخارج، كمتسول فقد كل مقومات الكرامة الوطنية. بمعنى آخر، لم ترتق العفوية السياسية التي بدأ بها الثوار انطلاقتهم الثورية، الى النضج السياسي المطلوب لقيادة الثورة. بحيث يمكن القول، ان الواقع الراهن للثورة يُشير الى "ثورة بدون ثوار". اذن كيف يمكن لثورة أن تنتصر بدون ثوار؟.
إن الائتلاف الذي تشكل بإرادة الخارج، واغلب عناصره من الاسلاميين المقيمين في الخارج، وبعض المتسلقين والانتهازيين، والقليل من الوطنيين، لم يعمل على تشكيل قيادة للثورة. انما راهن على التدخل الخارجي لإسقاط النظام، بهدف استلام السلطة. وجعل من نفسه، والحكومة المؤقتة، مع وحدة التنسيق والدعم، ليشكل الثلاثي سلطة جديدة يتصارعون على قيادتها بهدف التسلط والارتزاق، وما يرافقه من فساد وافساد، عبرت عن الوجه الآخر للنظام. وكان ممكنا تشكيل القيادة السياسية للثورة، في العام الاول من عمر الثورة، وخاصة بعد تحرير مدينة الرقة لو توفرت الارادة الوطنية. والفشل في ذلك افرز تحديات كبرى, واشكاليات عديدة على المستوى العسكري والاجتماعي.
-2-
ثانيا: الاشكالية العسكرية: وانتقال الثورة من المرحلة السلمية الى الكفاح المسلح. وهذا الانتقال ليس سلبيا، أو نقيصة في مسار الثورة كما يدعي البعض الذين يرسمون الثورات وفق مزاجهم الخاص، وليس وفق الظروف الموضوعية التي تفرزها. حيث يقدم التاريخ نماذج لا تحصى من الثورات العنيفة. لكن الاشكالية العسكرية في الثورة السورية ظهرت الى السطح بعد العام الاول المزدهر من عمر الثورة، حيث لم ترتق العفوية العسكرية التي بدأ بها الثوار الكفاح المسلح، الى النضج العسكري الذي كان يمكن أن يتجسد بتشكيل قيادة عسكرية محترفة على رأس جيش وطني ثوري، يعمل بالتوازي مع قيادة سياسية الى جانبها. ولذلك لم يكن ممكنا اسقاط النظام، بالعنف العفوي، المتشرذم، الذي لا يملك المقومات الاولية للكفاح المسلح، وهي القيادة السياسية والعسكرية، والجسد التنظيمي الثوري.
ان تراجع "الجيش الحر" وصعود المتطرفين التكفيريين يُشير بقوة الى أن الثورة دخلت في نفق مظلم، وأن الثوار لم يعد بمقدورهم التحكم بمسارها التي رسمته منذ انطلاقتها. يضاف الى ذلك بروز عدو جديد للثورة ضمن المعارضة العسكرية، وهم "التكفيريون" بكافة تسمياتهم، والذين نالوا الرضا من بعض اعضاء "الائتلاف" العتيد، الذي يبحث عن الشيطان لإسقاط النظام. كذلك بروز أعداء جدد للثورة تمثل في بحث الدول الكبرى، عن تسوية سياسية، واختيار رموز سياسية تقبل ببقاء النظام، كما يجري حاليا في حوارات مصر وموسكو، ومبادرات التسوية المرافقة مثل مبادرة دي مستورا وغيرها.
-3-
ثالثا: المناطق المحررة. فالفشل السياسي والعسكري أدى بدوره إلى الفشل في ادارة المناطق المحررة, والذي أفرز نتائج كارثية: اولها الفشل في تقديم نموذج واقعي للثورة يمكن البناء عليه وتعميمه على كافة المناطق المحررة. وثانيها: مراوحة الثورة في المكان, وخسران الثورة لحاضنتها الاجتماعية كما توضحت في العام الاول. وثالثها: اختلاط الاوراق, وفوضى السلاح, وتداخل الثوري مع قاطع الطريق, وامراء الحرب وتجار الحروب. ورابعها: صعود المتطرفين التكفيريين حيث وجدوا الوضع الملائم لدخولهم الى ساحة الصراع, وسيطرتهم على مساحات واسعة من سوريا. وتشكل بما يمكن تسميته بمستنقعات الثورة التي اصبحت عائقا حقيقيا امام تقدمها. وتعاظم معاناة الشعب في الداخل والمهجر. الخ.
-4-
رابعا: أسلمة الثورة. وهذه "الأسلمة" لم تكن واضحة خلال الشهور الاولى. وتسمية أيام الجمعة خلال (2011) كانت معظمها تسميات وطنية تعبر عن مطلب الحرية والعزة والكرامة. وكانت شعارات وهتافات المتظاهرين في اغلبها تعبر عن الحرية ووحدة الشعب، كما وجدناه بشكل خاص في اعتصام حمص ومظاهرات حماه الكبرى، وكذلك في كل المدن السورية. لكن مع الانتقال الى الكفاح المسلح بدأت الكتائب المسلحة الاسلامية المعتدلة بالظهور في كل الريف السوري الذي وجد فيه حاضنة شعبية رائعة شعرت للمرة الاولى بالحرية.
"والأسلمة"، أو تديين الثورة، يعود بشكل عام الى:
1- عدم وجود قوى ديمقراطية سياسية وعسكرية مسلحة.
2- مواجهة الموت خلال الصراع مع النظام بحاجة لعقيدة تحمل السلاح، كما حصل في كل الثورات المسلحة في العالم. وفي سوريا لم تكن سوى العقيدة الدينية القادرة على حمل السلاح. وهي نتاج التاريخ الطويل من الثقافة الاستبدادية المسيطرة على مجتمعاتنا منذ آلاف السنين.
3- القمع والقتل الفظيع الذي مارسه النظام ضد الثوار، لا يفسره الا الدوافع الطائفية، مما جعل ردة الفعل على نفس المستوى، وأعاد الى الأذهان المجازر الطائفية للنظام في حلب وحماة، في ثمانينات القرن الماضي، والتي مازالت آثارها تخيم على الجميع حتى الآن. لكن من المفيد أن نلاحظ أن النظام فشل حتى الآن في جر المجتمع الى حرب طائفية بغيضة، وذلك بسبب التدين المعتدل للشعب السوري بكل طوائفه.
4- المال السياسي والعسكري والذي تم تقديمه للثوار من دول الخليج والسعودية، كان يشترط التدين، أو "تسنين" الثورة في مواجهة النظام الذي اضيفت اليه الصفات الطائفية العلوية والشيعية والصفوية، اضافة الى الاستبداد.
5- ومع تزايد التطرف في العنف من قبل النظام، من الطبيعي أن يزداد ويتعمق اكثر التطرف العقائدي الحامل لهذا العنف. وبالتالي تحولت الكثير من الكتائب المسلحة المعتدلة، نحو التطرف الديني، ورافق ذلك دخول كتائب "القاعدة" التكفيرية، مثل "النصرة وداعش"، حيث وجدت المناخ الملائم لنموها وانتشارها الواسع.
-5-
خامسا: المجتمع الاقليمي والدولي
تاريخيا وفي كل الثورات في العالم، لم يكن الصراع الداخلي المجتمعي بقوى داخلية فقط، رغم أن اسباب الصراع قد تكون داخلية صرف. ودائما كان هناك قوى خارجية تنضم الى الصراع، وقد يكون لها الدور الاكبر في حسمه لصالح احد الاطراف. ومأساة الشعوب العربية التي ابتليت بأنظمة ما بعد الاستقلال الاستبدادية، توصلت الى نتيجة بسيطة بأنها غير قادرة على اسقاط هذه الانظمة بقواها الذاتية. وتُطل "الجبرية" من جديد، والقابعة في نفوسنا من آلاف السنين، لكي تنفي عن الشعوب أية قدرة على الفعل، وتحيله الى القوى العظمى وخاصة امريكا التي يمكن أن تقول للشيء "كن فيكون".
ولكن "الساسة" السوريون الذين احتكروا تمثيل قوى الثورة والمعارضة "المجلس الوطني ثم الائتلاف"، ذهبوا بمبدأ الجبرية الى ابعد مدى. فرهنوا الثورة منذ البداية الى السعودية ودول الخليج العربي وامريكا، معتمدين على القراءة السطحية لمواقف هذه الدول الاعلامية ضد النظام مستلهمين التجربة العراقية والليبية كأمثلة يمكن اعادتها في سوريا، دون ان يلتفتوا الى ساحة المعركة الاساسية، واهمية تنظيم قوى الثورة في الداخل. اضافة الى أن هذه الدول معروفة تاريخيا بأنها ضد الثورة واهدافها. وينفرد "الائتلاف" السوري بأنه الوحيد من بين المعارضات في دول الربيع العربي الذي اختار مركز اقامته خارج الثورة، متسولا حتى مصاريفه الشخصية، وكأنه يريد قيادة الثورة عن بعد، حتى دون ان يمتلكوا جهاز الاتصال "الروموت كونترول". ومع ذلك يتباكى اكثر اعضاء الائتلاف على فقدانهم القرار الوطني المستقل، وهم الذين يدعون أن "الثورة عروستهم الفاضلة"، وهم الذين ادخلوا "كل زناة العالم الى حجرتها"، وسحبوا "خناجرهم الخشبية" للدفاع عن "بكارتها"، دون أن يعرفوا أن "المغتصبة ستصرخ" وستفضح كل المتسلقين والانتهازيين الذين قبضوا ثمن شرفها وكرامتها، وبالإذن من "مظفر النواب".
-6-
سادسا: خريطة الثورة
إن التعرف الى خريطة الثورة "قوى الثورة والقوى المضادة للثورة" وتحولاتها خلال مسار الثورة مهم للغاية. حيث تشكلت قوى الثورة عند انطلاقتها من الشباب الذين ينتمون لكل الطبقات والطوائف والقوميات. وأغلبهم من طلبة الجامعات أو خريجيها. ورغم أن الشباب عبروا عن الثورة بأنها ثورة كل الشعب بكافة فئاته وطبقاته. والرأي العام للمجتمع السوري كان يميل الى الحلم بإسقاط عائلة الطاغية بما فيهم اغلبية الطائفة العلوية التي يدعي الدفاع عنها. لكن هذا الحلم الذي كان يراود كل السوريين، تحول باتجاهات مختلفة مع اعلان النظام الشعار الوجودي " اما انا، او احرق البلد". والعفوية السياسية عند الشباب، وكذلك قوى المعارضة القديمة البائسة، فشلوا في استقطاب قوى المجتمع التي كان يجب أن يكون لها الدور الاكبر في ثورة الحرية والديمقراطية، وهي بشكل خاص البرجوازية والطبقة الوسطى. فالبرجوازية "طبقة التجار والصناعيين الجدد" التي نشأت في حضن النظام، والمستفيدة من شبكة الفساد ونهب المال العام، من الطبيعي أن تقف ضد الثورة. وكذلك وقفت الطبقة الوسطى "المحامين، الاطباء، المهندسين، تجار وصناعيين"، على الحياد مترقبة تطور الصراع على الارض، والتي وجدت مصالحها في الوقوف على الحياد، خوفا من بطش النظام من جهة والذي حول النقابات المهنية الى ابواق للطاغية، وعدم وضوح آفاق الثورة وبرامجها من جهة اخرى. وعدم انضمام هذه القوى الفعالة للثورة، ومن ضمنها المثقفين الذين ينتمون في اغلبيتهم للطبقة الوسطى، وبالتالي عدم نهوض المدن الكبرى "حلب ودمشق"، كان له دور سلبي ومؤثر على مسار الثورة. وكذلك العفوية السياسية للشباب فشلت في استقطاب الاقليات الدينية، والاكراد. اذ لا يكفي أن تتم تسمية أسماء يوم الجمعة مثل "الجمعة العظيمة، صالح العلي، آزادي" حتى تنضم هذه الطوائف الى الثورة.
-7-
سابعا: النظام
من الطبيعي أن لا يخطر في ذهن الاوائل الذين فجروا الثورة مدى قوة النظام وطبيعته وبنيته، وهل بإمكانهم اسقاطه ام لا، لأنهم كانوا يشعرون في انفسهم بقوة الشعب البركانية المخزونة ضد الاستبداد التاريخي، القادرة على اسقاط الطغاة، كما حصل في تونس ومصر. وفي الشهور الاولى، كانت ثقة الشعب بقوته كبيرة، وكانت ذروتها مظاهرات حماة المليونية خلال (تموز2011)، والتي رفع فيها الثوار، شعار "ارحل"، ثم "لا للحوار". لكن العنف الفظيع للنظام ضد المظاهرات، وايقاف مظاهرات حماة المليونية بعد احتلالها من قبل النظام في نهاية تموز، وبداية التفكير بالتسلح، بدأت الانظار تتجه الى دعم المجتمع الدولي، منذ جمعة "صمتكم يقتلنا"، ثم اكمل "المجلس الوطني" الذي صنع لنفسه خطابا ذو مفردة واحدة وهي "تحميل المجتمع الدولي المسؤولية عن المجازر التي يرتكبها النظام ضد الشعب السوري". وهذا يعني شيئا واحدا عدم الثقة بقوة الشعب لإسقاط النظام. وايضا يعني التغطية على عجزه تجاه مواجهة التحديات التي تواجه الثورة في الداخل.
ومن ضمن نفس المدرسة التبريرية لضعف قوى الثورة، وتبرير عدم التقدم للأمام، تم اضافة لازمة جديدة اضافة لخذلان المجتمع الدولي للثورة، وهي ان النظام منهار، ولكن الثورة تقاتل ايران التي اصبحت محتلة لسوريا! وقد يكون لهذا التوصيف قسطا من الواقع. لكن أن يُستخدم هذا التوصيف الجزئي، كمبرر لاستمرار ضعف قوى الثورة، فهذا يعني على الاقل بأننا لم نتعلم شيئا من الدروس التي قدمتها لنا الثورة السورية، وثورات الربيع العربي المحيطة بنا. وهذا يجعلنا ان نغمض عيوننا عن اشكاليات الثورة التي تواجهها، ونقاط الضعف التي تعاني منها، والعمل على تجاوزها، بدلا من تعليقها على مشاجب الآخرين.
النظام هو العدو الاول للثورة. ومن المنطقي القول، بأنه بقدر ما تتقدم الثورة، يتراجع النظام، كمقدمة لانهياره. ومؤشرات الانهيار الرئيسية للنظام هي تفكك القوة الامنية والعسكرية، وانهيار اقتصاد النظام.
وتشير تجارب الثورات في العالم الى أن الثورة لن تنتصر اذا "لم يتم تفكيك المنظومة الامنية والعسكرية للنظام، أو عدم قدرته على استخدامها بشكل فعال"، كما يلاحظ "كرين برينتن" مؤلف كتاب "تشريح الثورة" في دراسته للثورات الكبرى في امريكا وروسيا وفرنسا وبريطانيا. وهذا كان واضحا في التجربتين التونسية والمصرية، حيث رفض الجيش اطلاق النار على المتظاهرين. وانقلاب الجيش على العملية الديمقراطية في مصر هي مرحلة مؤقتة، خلال مخاض الثورة الديمقراطية الطويل، ولا تعبر عن فشل الثورة بالكامل. ورحيل النظام العراقي والليبي لم يتم الا بتدمير منظومته الامنية والعسكرية.
وفي سوريا تقدم الثورة، لم يؤدي الى تفكيك النظام وانهياره. من جهة اولى، على المستوى العسكري، ورغم الانشقاقات الفردية في صفوف الجيش، ورفض اغلب السوريين الالتحاق بالخدمة الالزامية، الا ان ذلك لم يؤدي الى تفكك المنظومة العسكرية للنظام. وذلك لأسباب عديدة: اولا، بسبب التركيبة الطائفية "العلوية" المسيطرة على القرار في المنظومة الامنية والعسكرية. وهذا منع من انشقاق الوحدات الكبيرة مع اسلحتها، ثانيا. قدرة النظام على تعويض الانشقاقات الفردية بتطويع عشرات الآلاف من الشبيحة ، وكذلك تدخل حزب الله والميليشيات الطائفية العراقية والايرانية الى جانب النظام، ثالثا. ومن حيث النتيجة استطاع النظام تعويض الخسائر والحفاظ على القوة العسكرية لاستمرار وجوده. بالإضافة الى الدعم الروسي المستمر بالسلاح. ومن السذاجة القول أن النظام منتهي لولا ايران، لأنه يُنظر الى العلاقة بين النظام وايران كعلاقة تحالف مؤقت، في حين انها علاقة عضوية "طائفية" وجودية لا تنفصم حتى بالانتصار العسكري الساحق للمعارضة. وطالما النظام قادر على استخدام آلته العسكرية بشكل فعال، وقادر على ترميمها بشكل متواصل، سواء بالمساعدات الخارجية او بدونها، لا يمكن وصفه بالانهيار.
وبالمقابل، رابعا، لم تستفيد المعارضة من الانشقاقات العسكرية الفردية المهمة والتي كان يمكن ان تجعل "الجيش الحر" اكثر قوة، ويحقق مكاسب اكبر، وذلك بسبب سيطرة عقلية "امراء الحرب" الانانية الفردية، وكذلك العائلية والمناطقية على "الجيش الحر" منذ بداية تشكله العفوي. بالإضافة الى أن الوافدين من خارج سوريا للقتال الى جانب المعارضة انضموا الى منظمات القاعدة التي شكلت العدو الثاني للثورة، بدلا من ان يكونوا مع الثورة.
من جهة ثانية، كذلك لم يحصل الانهيار الاقتصادي للنظام. والمؤشرات على الانهيار كما يعرضها البعض مثل: انخفاض اسعار العملة خمسة اضعاف بعد اربعة سنوات، وتوقف اكثر من نصف مؤسسات الدولة الانتاجية، وتوقف واردات الضرائب، والاستيراد والتصدير، والعجز في الميزانية، فقدانه لآبار النفط.الخ الا ان هذه المؤشرات بمجملها لم تؤدي الى انهيار اقتصاد النظام كما يتمنى البعض. فالنظام مازال متماسك اقتصاديا، ويدير اقتصاده الحربي بشكل كامل على المستوى العسكري، وعلى المستوى الاجتماعي يدفع رواتب الموظفين والجنود، ويعمل على تأمين المواد التموينية الاساسية للعيش، وذلك بفضل الاموال التي نهبها عبر التاريخ، وسيطرته على كافة أموال المؤسسات والنقابات وغيرها، واجبار البرجوازية المحلية على تقديم الدعم، بالإضافة الى الدعم الايراني والروسي على المستوى الاقتصادي والعسكري.
وهنا يجب التفريق بين اقتصاد النظام الحربي الذي مازال متماسكا كما نراه على الارض، والواقع الاقتصادي للمجتمع السوري بشكل عام، وهو في حالة انهيار مستمر ويشمل كل الطبقات الاجتماعية. والمؤشرات على ذلك لا تُحصى: توقف العملية الانتاجية، والغلاء، وتزايد نسبة الفقر والبطالة، وأن اكثر من نصف الشعب يعتمد على الاعانات الدولية..الخ. الا أن كل ذلك لا يهم النظام، ولم يؤثر على اقتصاده الحربي، وايضا لم يساهم في توليد حركة احتجاجية للشعب في المناطق التي يسيطر عليها النظام، بفعل الخوف الذي يفرضه التسلط الامني الفظيع على رقاب الشعب. اما المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، لم يعد ينظر اليها كجزء اقتصادي واجتماعي من سوريا، ولذلك فهو مستمر في تدميرها بالكامل.
من جهة ثالثة، ورغم فقدان النظام للمشروعية الانتخابية، او الشعبية، لكن النظام نجح في خرق شعار الثورة "الشعب السوري واحد"، ونجح في تقسيم المجتمع طائفيا. جعل منه حاميا للاقليات وخاصة "العلوية"، مقابل الحركات التكفيرية "السنية". حيث اطمأن لعدم وجود اية حركة احتجاج في المناطق التي يسيطر عليها.
وايضا لم ينتبه الكثير من المراقبين الى أن النظام نجح -حتى الآن- في الحفاظ على المدن، بقصد استمرار عمل مؤسسات الدولة، كمؤشر لاستمرار اعمال الدولة بشكل طبيعي، وترك الريف للثوار الذين وجدوا حاضنتهم الاجتماعية، مع استمرار تدمير هذا الريف عن بعد. لكن المعارضة لم تكن قادرة على حماية هذه الحاضنة من التدمير، وانعدام الامن، فلم يجدوا امامهم سوى النزوح، او الهجرة الى دول الجوار. وبالتالي ليس مؤشرا واقعيا لانهيار النظام القول بأن النظام لا يسيطر الا على 30% من الاراضي السورية، وهذا صحيح. لكن المهم انه مازال يسيطر على الاجزاء الاهم وهي المدن، وخاصة حلب ودمشق. وربما يصح التصور بأن فقدان النظام لمدينة حلب بالكامل هي المقدمة الكبرى لانهيار النظام على الارض.



-8-
ثامنا: التباكي
ظاهرة التباكي على الوطن في الخطاب السوري المعارض ملفتة للنظر. التباكي، والندب على فقدان القرار الوطني المستقل، وأن سوريا اصبحت كالعاهرة تعمل كل دول العالم لتنفيذ اجندتها في رحمها. يقابله استجداء التدخل الخارجي، والتباكي المعاكس على خذلان المجتمع الدولي، أصدقاء الشعب السوري!.
تتحمل دول الخليج والسعودية مسؤولية تشرذم الكتائب المسلحة لأن كل دولة تدعم الكتيبة المواتية لأجندتها، ونتباكى اذا توقف هذا الدعم!. يتباكى "طعمة" و"الخوجة" على موظفيه ومريديه لانقطاع رواتبهم وارزاق اطفالهم، ويذهبون للدوحة للتسول بضعة ملايين فقط تكفي لسد رمق الاطفال! واما المخيمات فهي مسؤولية المجتمع الدولي!!.
نتباكى على الوطن لاحتلاله من قبل ايران، وحسبي الله ونعم الوكيل!. نتباكى لأننا اصبحنا عاجزين عن تحرير سوريا!
التباكي على سرقة الثورة، وكأن الثورة بضاعة مركونة في مستودع مهجور وابوابه مفتوحة للعموم!. والذي سرقها الاسلاميين والتكفيريين!. لكن اليس الاسلاميين والتكفيريين من صميم ثقافتنا التاريخية؟ يقابل ذلك "تمسح" الديمقراطيين بالإسلاميين والتحالف معهم حتى يكونوا مقبولين من السعودية ودول الخليج.
واخيرا الرحمة للشهداء، والشفاء للجرحى!.
هل نحن امام خطاب الضعيف الذي لا يجد من يعينه؟. هل يُعقل ان الشعب السوري، والعقل السوري ضعيف الى هذه الدرجة من الانحطاط؟
لا اجد وصفا لهذا المتباكي؟ هل هو المتحذلق بالسياسة، او حرامي البيت، أم المدعي الانتهازي، او المتسلق العاجز؟ لا ادري..
-9-
تاسعا:نتائج
حتى الآن توصف الثورة السورية بالعظيمة لجسامة التضحيات التي قدمها الشعب السوري. لكن تقييم الثورة ونجاحها او فشلها لا يعتمد على الاهداف، والتضحيات، والمقدمات التي انطلقت منها "انما بنتائجها وما تحققه من أهداف". وهنا نجد أن النتائج مأساوية. مئات الآلاف من الشهداء والجرحى والمعاقين والمعتقلين، اكثر من عشرة ملايين نازحين ومهاجرين، واكثر من نصف اطفال سوريا بدون تعليم ورعاية صحية. الخ. وقد وصفت المأساة السورية هي الاعظم في العصر الراهن. ولم تحقق الثورة أي من أهدافها: الحرية والكرامة والدولة المدنية الديمقراطية.
لكن الثورة بالمقابل لم تفشل. هي ثورة مستمرة إلى أن يسقط الطاغية, وكافة أشكال الاستبداد القديمة والجديدة. وخاصة أن الطاغية لم يعد قادرا على إعادة الشعب إلى حظيرة الطاعة من جديد.
انها ثورة دائمة, مازال يحمل لواءها العديد من الكتائب المسلحة الثورية, والتي لم تختلط باللصوص والانتهازيين, وان يكن صوتهم اصبح خافتا في هذه المرحلة. ومجموعات سياسية جديدة ستبرز من رحم المخاض الجديد الذي تمر به الثورة, والتي سيفرزها النقد الشعبي الحقيقي والنابع من معاناة الملايين من السوريين المشردين في دول الجوار, والنازحين في الداخل الذين لا يجدون قطرة ماء, والمنسيون في السجون. وستلفظ صيرورة الثورة كل من تسلط عليها من تكفيريين واشباههم إلى مزبلة التاريخ, وستنتج من جديد صفحتها المشرقة رغما عن الجميع. ان من يبشر بانتهاء الثورة -مع حسن النوايا-لا يرى إلا ذاته الفاشلة والتي لم تكن الثورة وفق مزاجه الضيق والمهزوم. فالثورة أكبر من أي فرد مهما كان.
-10-
عاشرا: خاتمة
لا يوجد حلول سحرية لإشكاليات الثورة. كما انها ليست بحاجة الى شعارات خطابية لا فائدة منها، او كلام انشائي مثل الفقرة التاسعة السابقة. الثورة بحاجة إلى نهضة حقيقية من شباب الثورة, فحواها العمل الفعلي للإجابة على أسئلة الثورة, ولماذا لم تنتصر الثورة حتى الآن, وقراءة حقيقية للواقع الراهن, وكيف يمكن الانطلاقة من جديد. ومن جديد نُعيد أن بداية العمل على الاشكالية السياسية، والعسكرية بالتوازي، هي المقدمة الكبرى لإعادة انطلاق الثورة من جديد، ورفع رايتها عاليا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. واشنطن تفرض عقوبات جديدة على طهران بعد الهجوم الإيراني الأخي


.. مصادر : إسرائيل نفذت ضربة محدودة في إيران |#عاجل




.. مسؤول أمريكي للجزيرة : نحن على علم بأنباء عن توجيه إسرائيل ض


.. شركة المطارات والملاحة الجوية الإيرانية: تعليق الرحلات الجوي




.. التلفزيون الإيراني: الدفاع الجوي يستهدف عدة مسيرات مجهولة في