الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سد النهضة: غموض الإتفاق الإطاري....بؤس الدراسات (1-2)

محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)

2015 / 3 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



إن ” إتفاق إعلان مبادئ حول سد النهضة الاثيوبي“ الذى وقعه رؤساء السودان وإثيوبيا ومصر فى 23 مارس 2015 هو بمثابة إطار لالتزامات وتعهدات تضمن التوصل إلى اتفاق كامل بين الدول الثلاث حول أسلوب وقواعد ملء خزان السد وتشغيله السنوي بعد انتهاء دراسات مشتركة قيد الإعداد.

والمفاجأة التى حملها إتفاق إعلان المبادئ هى تغير الموقف المصرى 180 درجة متنازلاً عن شروطه لإقامة السد وأهمها المطالبة بسد أقل حجماً، فالإتفاق لم يعكس تغيراً فى موقف اثيوبيا الخاص بتنفيذ السد على اساس مكوناته التى أعلنتها فى العام 2011 عند بدئها العمل في بنائه بغتة والمضى قدماً فى إكمال 44% من إنشاءاته حتى الآن.

إن توقيع مصر والسودان على وثيقة إعلان المبادئ يعنى قبولهما بمواصفات بناء السد كما هى (بدون تغيير) لأن الدراسات الاضافية التى اتفقت الاطراف الثلاثة على تكوين لجنة فنية لإجرائها هى تحصيل حاصل؛ فمهمة اللجنة وهى دراسة الآثار المتوقعة للسد على دولتى المصب كان من المفترض القيام بها كجزء أساسى من دراسة جدوى المشروع قبل الشروع فى إنشائه. والآن بعد أن إكتمل إنجاز 44% من أعمال السد سيكون تنفيذ نتائج عمل اللجنة فى أضيق الحدود بل مستحيلاً فى حالة إنتهاء اللجنة الى أن للمشروع اضراراً بيئية وإنعكاسات سلبية بالغة على الدولتين.

حملت وثيقة المبادئ قبول القاهرة والخرطوم بحق إثيوبيا فى تشييد السد من دون أى ذكر لإدارة مشتركة لتشغيله أو آلية مشتركة لرقابة إدارته؛ فالوثيقة فيما يخص إدارة السد إقتصرت على الحديث عن إنشاء ” من خلال الوزارات المعنية بالمياه، آلية تنسيقية مناسبة فيما بينهم“. وجدير بالذكر أن السودان منذ تاييده الكامل لقيام السد فى العام 2013 ظل موقفه يتأرجح بين الوساطة بين القاهرة واديس أبابا وبين صورته كضيف مراقب؛ ونتيجة لهذا الموقف لم تعد الخرطوم تهتم بدراسة وتقويم آثار بناء السد على السودان. وعدم الإهتمام هذا يتضح من قبول السودان للفقرة (3) من الإتفاقية، تحت العنوان الفرعى (مبدأ عدم التسبب في ضرر ذى شأن)، التى جاء نصها كلاتى:

” سوف تتخذ الدول الثلاث كافة الإجراءات المناسبة لتجنب التسبب في ضرر ذى شأن خلال استخدامها للنيل الأزرق/ النهر الرئيسي........ على الرغم من ذلك، ففي حالة حدوث ضرر ذى شأن لإحدي الدول، فان الدولة المتسببة في إحداث هذا الضرر عليها، في غياب اتفاق حول هذا الفعل، اتخاذ كافة الإجراءات المناسبة بالتنسيق مع الدولة المتضررة لتخفيف أو منع هذا الضرر، ومناقشة مسألة التعويض كلما كان ذلك مناسباً.“

من هذه الفقرة يتضح أن المقصود بإحداث الضرر خلال إستخدام النيل الازرق هما إثيوبيا والسودان اللتين يجرى النهر فى أراضيهما. وكان من المفترض تحديد الاضرار المتوقعة بربطها حصرياً بقيام السد (موضوع الإتفاق) بشكل واضح خلافاً للصيغة الغائمة الواردة فى الفقرة المشار اليها والتى قد تزج بالسودان فى نزاع مع مصر حول استخدام المياه المتدفقة فى اراضى البلدين.

إن قرار موافقة مصر والسودان على قيام سد النهضة تم بسرية وتكتم وفى نطاق رئاستى الدولتين اللتين يغيب فيهما التمثيل الشعبى والاستجابة للرأي العام في عملية صنع القرار. والإلتزام الوحيد فى وثيقة إعلان المبادئ هو قبول مصر والسودان بحق إثيوبيا فى بناء سد النهضة مع تجاهل تام لمخالفتها للمعايير الدولية (المتبعة فى حالة إستخدام مجارى الانهر العابرة للحدود) وتعاملها بعقلية سيادتها المطلقة على نهر النيل الأزرق.

إن الإتفاق الثلاثى هو إعلان مبادئ فقط وليس معاهدة دولية تتعلق بإدارة مياه النيل، ولكن يبدو أن مصر قد تمركز محور إهتمامها على تبنى إستراتجية تضمن عدم المساس بحصتها فى المياه من خلال الحرص على:

1. أن لا يؤثر الإتفاق النهائى حول سد النهضة على إستدامة الاطار القانونى الموروث من حقبة الإستعمار المباشر والمُنظِّم للعلاقات المائية لدول حوض النيل الذى وضعته اتفاقية تقاسم مياه النيل-1959. فالإتفاق الإطارى يؤكد فى فصله الاول على مبدأ تعاون البلدان الثلاثة على اساس مبادئ القانون الدولى، وكما ذكرنا فإن بنوده إنحصرت فى المسائل التى تتعلق بفترة ملء السد ونُظم تشغيله ولم تتطرق للإتفاقيات القائمة التى تنظم إستخدام مياه النيل.

2. أو وضع إتفاقيات جديدة تضمن لمصر الإحتفاظ بحقها "المكتسب" من مياه النيل، وهى الرغبة التى جاءت فى كلمة الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى التى ألقاها في القمة الثلاثية في الخرطوم حيث دعا إلى إبرام اتفاقات تفصيلية لحل القضايا العالقة بخصوص حوض النيل.

تجدر الإشارة هنا إلى أن الحديث عن إتفاقيات المياه مع إثيوبيا كإتفاقية 1902 يكون لا معنى له بعد موافقة مصر والسودان على سد النهضة.

وقد كان السودان أكثر وضوحاً فى الرغبة على الحفاظ على الحالة الراهنة لإتفاقية 1959 وعدم الدفع بإعادة تقسيم مياه النيل؛ ففى حديث للرئيس السودانى عمر البشير لصحيفة ”اليوم السابع“ المصرية فى 24 مارس 2015 جاء ما يلى:

” ....الدول الإفريقية تشهد الآن محاولة لدفعهم إلى الدعوة بتقسيم مياه النيل أنصبة بين الدول، وهذه الدول لن تستخدم نصيبها من المياه، لأن لديها أمطارا، وبالتالى سيقول إن نصيبه لن يعطيه للسودان أو لمصر، ومن الممكن أن يتم بيعه لإسرائيل، وهم قالوا إن العرب يبيعون البترول، ونحن نريد أن نبيع المياه، وبالتالى لا مانع من أن نساعدهم فى مشروعات للرى، وهذه المنشآت التى لن تؤثر على حصتنا من مياه النيل، ولا يفترض أن نقف ضدها بل من الممكن أن ندعمها، لكن لن نسير إلى اتجاه تقسيم مياه النيل بين الدول، لأنه فى هذه الحالة سنكون فى موقف لا نحسد عليه.“

وكلمة أخيرة: هل يتمخض التعاون بين إثيوبيا ومصر والسودان عن السير الى أبعد من إتفاق حول تشغيل سد النهضة الى تكتل ثلاثى فى حوض النيل يحافظ على الوضع الراهن الخاص بإقتسام المياه ولو فى شكل إتفاقيات سرية تمليها طبيعة أوضاع البلدان الثلاثة السياسية المار ذكرها؛ وما هو رد فعل دول إتفاقية عنتيبى التى تهدف لتأسيس إطار قانونى جديد لتخصيص مياه النيل إذا ما أخذت التطورات هذا المنحى.


نواصل تحت العنوان الفرعى" دراسات وتنفيذ المشروع"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رئاسيات موريتانيا: ما هي حظوظ الرئيس في الفوز بولاية ثانية؟


.. ليبيا: خطوة إلى الوراء بعد اجتماع تونس الثلاثي المغاربي؟




.. تونس: ما دواعي قرار منع تغطية قضية أمن الدولة؟


.. بيرام الداه اعبيد: ترشّح الغزواني لرئاسيات موريتانيا -ترشّح




.. بعد هدوء استمر لأيام.. الحوثيون يعودون لاستهداف خطوط الملاحة