الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سيرة ذاتية عن رئيس جهاز المخابرات الأمريكية السابق ألن دالاس ونظرته المتعمقة ذات البعد التحليلي

راوية رياض الصمادي

2015 / 3 / 28
سيرة ذاتية


(الجزء الأول)

مقدمة
الن دالاس ترجع اصوله إلى عائلة امريكية عريقة في عالم السياسة، فالأب - دالاس - كان من ابرز رموز السياسة الأمريكية في اوائل القرن الماضي، اما ابنه الأكبر - جون فوستر دالاس - فقد كان من أشهر وزراء الخارجية الأمريكيين الذين لعبوا دورا بارزا في السياسة الخارجية الأمريكية في الخمسينيات من القرن الماضي.

ولقد نهج الن دالاس طريقا آخر للتحكم في صنع السياسة الأمريكية ، عن طريق العمل في جهاز المخابرات المركزية الأمريكية، وبداياته كانت عندما عمل خلف خطوط النازيين في الحرب العالمية الثانية، وبعدها بدأ يرتقي في سلم العمل المخابراتي إلى ان اصبح رئيسا للمخابرات المركزية الأمريكية، في فترة تعتبر من أهم فترات عمل هذا الجهاز، وهي فترة الحرب الباردة بين العملاقين، حيث شهدت ساحة المخابرات الشرقية والغربية عمليات كر وفر، وعمليات اختراق عظيمة، كانت البديل للحرب الساخنة التي تخوضها الجيوش في ساحة الحرب.

أن المخابرات الأمريكية بجميع فروعها وشعبها داخل وخارج الولايات المتحدة تلعب دوراً كبيرا في تشكيل وصياغة القرار الأمريكي، والإشراف على تنفيذه ومراقبة أدائه. ويعتبر القرار الأمريكي لما يمثل من تجسيد لمصالح واهتمامات الولايات المتحدة في شتى أنحاء الأرض. يعبر ولا ريب عن الصورة الكاملة للسياسة الدولية في الشرق والغرب. فتعتبر وكالة المخابرات المركزية (الأمريكية) CIA مؤسسة هائلة اجتمعت لها إمكانيات غير محدودة لمراقبة وتقدير الصراع الكوني بين القوتين العظمتين من جهة، وبين الدول الموالية أو المتحالفة مع الولايات المتحدة من جهة أخرى، ودول الستار الحديدي التي اصطلح على تسميتها كذلك لتبعيتها لروسيا السوفيتية في ذلك الوقت، ومن خلال هذا تتمثل صورة من صور الصراع الدائم التي تؤثر على مجريات الأمور في أرجاء الكرة الأرضية الأربعة.

أنني هنا اريد أن أبين للقارئ العربي اانني لا اتبني بالضرورة الآراء الواردة في سيرة الن دالاس، ولا أروج لفكر دون آخر، أو تجربة دون أخرى، إنما أحاول أن اضع تجربة رئيس وكالة المخابرات الأمريكية السابق بين يدي القارئ العربي لكي يطلع على الحرب الساخنة التي كانت تدور بين أجهزة المخابرات الغربية والشرقية. وأن يعرف كيف كانت هذه الأجهزة تتحكم في سياسة العالم الخارجية والداخلية.

المقال هو وثيقة يجب قرأتها، ويجب أن تكون قراءة تحليلية متعمقة تستطيع ان تضع اليد على كل المغالطات التي حاول ألن دالاس تمريرها من خلال سيرته الذاتية.


نبذة شخصية

ألن دالاس بدأ اهتمامه بالشؤون الدولية في فترة مبكرة من حياته، وترجع إلى أيام طفولته، لقد تفتح وعيه على القصص التي كانت تسرد في رحلات جده لأبيه والتي استغرقت 131 يوما في مركب شراعي من "بوسطن" في الولايات المتحدة إلى "مدراس" في الهند حيث ذهب للعمل كمبشر في تلك المنطقة، وقد كادت سفينته أن تتحطم كليا وهو في الطريق إلى هناك.

قضي معظم فترة شبابه في "واشنطن" مع جده وجدته لأمه وكان جده جون فوستر وزيرا للخارجية مع الرئيس الأمريكي "هاريسون" عام 1892. وبعد أن أصبح جنرالاً خلال الحرب الأهلية تم ايفاده إلى المكسيك ورسيا وأسبانيا حيث كان مبعوثا للولايات المتحدة في تلك البلدان، قضت أمه معظم سنوات شبابها في عواصم هذه الدول، أما الده فقد كان يدرس في الخارج. فقد نشأ في جو يسوده المناقشات الأسرية حول كل ما يدور في أحوال العالم.

ذكرياته الأولى كانت تدور حول حروب الأسبان وأبناء جنوب أفريقيا من أصل هولندي. في عام 1901 م عندما كان عمره 8 أعوام كان يستمع لجده ولزوج أبنته "روبرت لانسنج" الذي أصبح قيما بعد وزيراً للخارجية في عهد الرئيس "وودورو ويلسون"وهما يتناقشان بحدة عن أحقية قضايا البريطانيين والجنوب الأفريقي من أصل هولندي.

بعد أن تخرج ألن دالس من الجامعة وقبل أشهر قليلة من اندلاع الحرب العالمية الأولى في عام 1914م، كان في ذلك الوقت يسود مناج من الجهل العام بالأحداث المأسوية التي كانت عن وشك الحدوث، بدء ألن دالاس حياته ممتهنا، التدريس في مدراس الهند ثم الصين، بعدها سافر للتعمق داخل الشرق الأقصى، ثم عاد إلى الولايات المتحدة عام 1915 م، وقبل اشتركة في بعام واحد أصبح عضواً في السلك الدبلوماسي.

خلال السنوات العشر التالية خدم في عدد من المناصب المرموقة أولها في النمسا – المجر حيث شاهد في عام 1916 / 1917 م بداية انهيار الملكية في هابسبورج ..... ثم في سويسرا خلال الحرب. في ذلك الوقت عمل ألن على أبلاغ المخابرات بما يحدث خلف جبهة القتال في ألمانيا وفي النمسا – المجر وفي البلقان. كان عمله الحقيقي ضابط مخابرات أكثر من عمله كدبلوماسي، وقد تم تكليفة بالذهاب إلى مؤتمر السلام الذي عقد في باريس عام 1919م لحضور مفاوضات معاهدة فرساي حيث ساعد في رسم حدود تشيكوسلوفاكيا الجديدة وشارك في القضايا المتعلقة بالثورة الروسية والتسوية السلمية في وسط أوروبا.

عندما إنتهى المؤتمر كان ألن دالاس هو أحد اذين أفتتحوا أول سفارة في برلين بعد الحرب عام 1920 وبعد رحلة عمل قضاها ألن في القسطنطينية، عمل لمدة أربع سنوات رئيساً لقسم الشرق الأدنى في وزارة الخارجية.

ومن الجدير بالذكر أنه في عام 1926م تحول إلى ممارسة المحاماة في شركة للمحاماة في نيويورك الذي كان أخوه أحد كبار الشركاء فيها. وهذه الفترة عمل لصالح الحكومة كمستشلر قانوني في مؤتمر عصبة الأمم حول موضوعات الحد من التسليح وفي هذه الفترة الحاسمة من حياته إلتقى هتلر، وموسيليني وليتفينوف وزعماء فرنسا وبريطانيا.

ولقد أوضح ألن في مذكراته الشخصية أن مهنة المحاماة لم تكن السبب الوحيد في تقوية صلته بأخيه جون فوستر دالاس، الذي كان يكبره بخمسة أعوام بل أكد بأنه قضي معظم فترة شبابه معه ففي فصول الصيف في أوائل العقد من القرن العشرين كان هو وفوستر يقضي الصيف في المصيف الريفي للعائلة في هيندرسون هاربر على الساحل الغربي من بحيرة "أونتاريو"، وكان جون فورستر هو من بدأ بيتشيد هذا المصيف النائي والذي كان يهوى الصيد والذي تعلم منه هذه الهواية وأصبحا يصطادان معاً.

وفي مذكراته يذكر أنه قد تعلم منذ نعومة أظافره عن الأستماع والتعلم من المناقشات التي كانت تدور في ذلك المصيف وكانت هذه المناقشات لا تنتهي حول القضايا والمشكلات الرئيسية في العالم والتي كانت البلاد في ذلك الوقت على مواجهتها. ويؤكد أن هذه المنقاشات كانت لهت الثقل الأكبر لنضجه نظرا لأشتراك وزير سابق للخارجية وآخر على وشك أن يصبح وزيراً للخارجية فيها أبعد الأثر في تشكيل فلسفته الخاصة وهو مع مرور الوقت أصبح من أحد المشاركين الأقوياء والتي جعلته في ما بعد له ثقله في المناقشات الدولية وكان أخوه فوستر دالاس المتحدث بأسم الشباب في هذه المناسبات.

كان هو وأخوه دائماً معاً في باريس منذ عام 1908 - 1909 عندما كان أخوه فوستر ملتحقا بالسوربون وهو كان يعد العدة لدخول المدرسة الألزاسية. وبين عامي 1914 - 1919 أفترقا بسبب أن ألن سافر حول العالم وانتقل بعد ذلك لتسلم وظيفته الدبلوماسية في فينا، ولتقيا مرة أخرى في مؤتمر باريس للسلام 1919م. إلا أن مهامهما في ذلك المؤتمر كانت مختلفة، فقد كان فوستر يعمل في الموضوعات الأقتصادية والمالية للسلام، أما ألن فقد كلف بالموضوعات السياسية، وعملا سوياً في ما بعد عندما أصبح عام 1953م وزيرا للخارجية للرئيس أيزنهاور، وفي ذلك الوقت رقي ألن من نائب – في الفترة التي عمل فيها مع الرئيس ترومان – إلى مدير المخابرات المركزية.

أستقرأ فوستر مبكراً المخاطر الجديدة التي تهدد السلام في فلسفة وسياسة المذهب الشيوعي، وأصح مقتنعاً ومؤيداً لعمل وكالة المخابرات المركزية الجديدة وأراد أن يتحقق من صواب انطباعاته الشخصية وانطباعات مساعديه في وزارة الخارجية حيال المشاكل التي كانت تواجهه وتواجه الرئيس، لم يكمن يحمل سياسة خارجية تحت قبعته بل كان يسعى إلى اختبار آرائه مقابل الحقائق الصعبة لأستنتاجات وتقدير المخابرات التي كانت تعمل على تنظيم عناصر كل موقف متأزم، فمهة المخابرات هي تزويد الرئيس ووزير الخارجية بهذه الأمور.

كان ألن دالاس وأخوه فوستر متأثرين بمبادئ ودور ويلسون، وكان يهزمهم الهدف الأسمى الذي كان ينتجهه في مفاوضات باريس للسلام الذي هدفه الأول والرئيس هو إنشاء عصبة الأمم للمحافظة على السلام، وكان شعورهم بالأحباط مشتركاً عندما فشلت مفاوضات فرساي، في ذلك لم يدخر الرئيس ويلسون وسعا من أجل بناء قاعدة حقيقية للسلام.

وقد وقف فوستر وزملاؤه في وفد السلام بقوة ضد فقرات التعويضات المبالغ في بنود المعاهدة، وعمل ألن في هذا الوقت على تقريب للقرارات الأقليمية غير المرضية والعوائق التي وضعها المنتصرون أمام معاهدة فرساي، وهذا عمل على أحياء روح المرارة والعداوة التي أتت بهتلر إلى السلطة والتي أدخلت أوروبا في الحرب عام 1939م.

في عام 1941م استدعى الرئيس "فرانكلين دي. روزفلت" الكولونيل (ميجور جنرال) "وليام جي دونوفان" إلى واشنطن بمهام مخابرات شاملة. واعتقد "بيل دونوفان" الذي عمل منظما ومديرا لمكتب الخدمات الأستراتيجية (OOS) خلال الحرب العالمية الثانية الذي يعتبر بحق أبا المخابرات الحديثة في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي طلب من ألن الأنضمام إليه بعد واقعة "بيرل هاربور" الذي عمل معه في مكتب الخدمات الأستراتيجية (OSS) حتى انتهت الحرب ضد ألمانيا واليابان.

عمل ألن خلال هذه السنوات الأربعة القاسية في سويسرا، وبعد الهدنة الألمانية في برلين أصبح ألن يؤمن بأن القضايا التاريخية هي التي تكسب المرء حرفة ..... فبعد توقيع اتفاقية الهدنة مع اليابان عاد إلى نيويورك لممارسة المحاماة إلا أن هذا لم يمنعه من لعب دور فعال في إعداد التشكيل والبناء الشرعي لوكالة المخابرات المركزية في عام 1947م.

في عام 1948 طلب منه الرئيس "ترومان" أن يرأس لحجنة مكونة من ثلاثة أعضاء – العضوان الآخران هما "وليام . هـ . جاكسون" الذي كان يعمل في المخابرات الحربية أثناء الحرب و "ماثياس . أف . كوريا" الذي كان يعمل مساعداً خاصاً لوزير البحرية "جيمس فورستال" – أن نقدم تقريراً عن فعالية وكالة المخابرات المركزية (CIA) التي نشأت بموجب قانون في عام 1947 م والعلاقة بين أنشطة وكالة المخابرات المركزية (CIA) وأجهزة المخابرات الآخرى التابعة للحكومة.

وتم تقديم هذا التقرير إلى الرئيس "ترومان" عند إعادة انتخابه، ثم عاد ألن بعدها إلى ممارسة المحاماة من جديد.

كتابة التقارير إلى الحكومة يكون لها عواقب غير متوقعة، فقد طلب من ألن أن يساهم بتوصيات، فقد تضمن التقرير اقتراحا بإجراء بعض التغيرات الجذرية في تنظيم الـ (CIA) وخاصة في عملية الأستنتاج والأستنباط الاستخباراي.

الجنرال "ولتر بيدل سميث" الذي أصبح مديرا للـ (CIA) عام 1950 والذي عين "جاكسون" نائبا له، على دعوة ألن لكي يناقش معه التقرير، وعلى أثره ذهب ألن إلى واشنطن للبقاء مدة ستة اسابيع إلا أنه بقي مع الـ (CIA) مدة أحد عشر عاماً، منها تسعة اعوام مديراً لها.

في نوفمبر عام 1961 عاد إلى الحياة الخاصة، في هذا الوقت شعر ألن بأنه يجب على أحد حتى وإن كان من أكبر مؤيديها، أن يقوم برواية ما يمكن أن يقال عن المخابرات كعنصر حيوي في بناء الحكومة في العصر الحديث.

وكل ما جاء يعبر عن آراء ألن المحضة وأنها لم تخضع أو يتم الموافقة عليها من قبل وكالة المخابرات المركزية (CIA) أو أي سلطة حكومية أخرى. وهو يعتقد أن المخابرات هي من أقل الدوائر فهما لطبيعتها. بل من أكثر الدوائر إساءة لفهم طبيعة عملها. وذلك لسبب واحد عبر عنه الرئيس كنيدي عندما جاء في 28 نوفمبر 1961م لأفتتاح مقر قيادة الـ (CIA) الجديد ولتوديع ألن كمدير للوكالة عندما قال :"إن نجاحكم لا يسمع عنه أحد أما فشلكم فنقرع له الطبول".

وهذا لسبب واضح وهو أنه لا يمكن الكشف عن العمليات الناجحة أمام العمليات الفاشلة فهي عادة ما تفضح عن نفسها. ثم أضاف الرئيس في كلمة تشجيعية لعدة آلاف من الرجال والنساء العاملين في الـ (CIA) ولكنني متأكد من أنكم مدركون لأهمية العمل الذي تؤدونه وضرورته، وسيكشف التاريخ البعيد مدى أهمية المجهودات التي تقوم بها. لذا أود أن اعبر عن امتناني وتقديري إليكم الآن وإنني واثق أنكم في المستقبل سوف تواصلون العمل كي تستحقون تقدير بلدنا كما استحققتموه في الماضي".

يؤكد ألن أنه من غير المعقول أن نتوقع تفهما صحيحا وتأييداً لعمل المخابرات في هذا البلد إذا كان العليمون ببواطن الأمور أو الطلعون – وهي مجموعة قليلة من الأشخاص داخل الفروع التنفيذية والتشريعية – يعرفون كل شيء عن الـ (CIA). بينما يواصل الآخرون استقاء معلوماتهم من القصص الداخلية المزعومة التي يكتبها مؤلفون لم يسبق لهم دخولها.

ومن خلال خبرتي الشخصية في جهازي المخابرات في مختلف أنحاء العالم، ومن خلال مشاهدتي الشخصية لواقع ما يحدث هناك أسباب قوية لعدم نشر أسرار المخابرات لأنه من المعروف جيدا أن ما ينشر على العامة لا بد أن يقع في أيدي أعدائنا، مهما كانت النظم والوسائل التقنية لما نطلق عليه حرفة الأستخبارات معروفة بصورة واسعة النطاق في هذه المهنة.

إن ما لا يجب كشفه – والذي لن يكشف عنه هنا – هو أين وكيف ومتى تم أو سيتم استخدام مهنة المخابرات في عمليات بعينها إلا إذا كان هذا الأمر قد تم كشفه الفعل في مكان آخر كما هو في موضوع (U-2) على سبيل المثال.

وعند التعمق في مدى سرية وكالة المخابرات المركزية سيجد أنها ليست عملية سرية، فكل ما يتعين على المرء هو أن يقرأ القانون – قانون الأمن القومي لعام 1947م – ليتكون لديه صورة عامة عن سبب أنشائها، بالطبع لها جانب سري، ويسمح القانون لمجلس الآمن القومي – المعني الرئيسي في الأمر بأن يوكل للـ (CIA) مهام ووظائف خاصة في مجال الإستطلاع، إلى جانب المهام الأخري المنصوص عليها في القانون، وبالطبع هذه الوظائف لايتم الكشف عنها.

يجب التنويه إلى أن الـ (CIA) ليست الوكالة الحكومية الوحيدة التي تعد فيها السرية مسألة هامة. فوزارتا الخارجية والدفاع تحيطان معظم مهامها بالسرية التامة.

يقول ألن دلاس أن من أهم مبادئ الرئيسية في العمل بالمخابرات عندما كان مديرا للمخابرات المركزية هو استخدام كل الوسائل البشرية لحماية سرية وأمن هذه الأنشطة. وهذا كان يحدث فقط عند الضرورة وليس لأضفاء الغموض على معلومة أو أمر عادي معروف للأصدقاء والأعداء على حد سواء.

وبعد أن أصبح ألن دلاس مديرا للـ (CIA) بفترة قصيرة تكونت لديه صورة واضحة جدا لعدم جدوى أنواع معينة من الأسرار.

وأشار إلى أن الدكتور "ملتون أيزنهاور" شقيق الرئيس على موعد لمقابلة ألن دلاس، وقد تطوع الرئيس بتوصيله إلى مكتب ألن دالاس، فبدأ في البحث عن مكتب ألن دلاس، وكان ألن دلاس في ذلك الوقت قد طلبه بدون إخطار مسبق للخدمة السرية ومع محاولات الرئيس وأخوه إلا أنهم لم يعثروا على مكتب ألن دلاس، في أثناء ذلك تلقى ألن دالاس مكالمة تلفونية تطلب منه وصف الأتجاه الصحيح. وهذا الأمر جعل ألن دالاس إلى التحري عن سبب كل هذه السرية التي لا جدوى منها، في ذلك الوقت كانت بوابة الـ (CIA) تحمل شعارا كتب عليه، "مكتب الطباعة الحكومي"، وعلى أية حال فإن سائقي أتوبيسات السياحة في واشنطن اعتمدوا التوقف خارج بوابتنا الرئيسية حيث يقوم المرشد بإخبار راكبي الأتوبيس بالمعلومات عن حقيقة ما يقع خلف هذا السور من الأسلاك الشائكة فهو يعتبر من أكثر الأماكن سرية في واشنطن، فهو قيادة منظمة التجسس الأمريكية – وكالات المخابرات المركزية.

أكتشف ألن دالاس أن كل سائقي التاكسي في واشنطن يعرفون هذا المكان، وبمجرد أن وضع الشعار الصحيح على البوابة اختفت علامات الدهشة والتعجب. فلم نعد أشرارا أو غامضين أمام زوار العاصمة بل أصبحنا مجرد مكتب حكومي آخر.

إن الأفراط في التكتم قد يضر بالنفس تماما مثل خطورة الإفراط في الكلام. وهذا اثبته ألن دالاس من حادثة وقعت خلال الحرب العالمية الثانية، فقد أثبت له شخصيا أن إفشاء الأمر أكثر فائدة في جميع المعلومات فقد تم إرسال ألن دالاس إلى سويسرا عند الجنرال "دونوفان" ومكتب الخدمات الاستراتيجية الـ (OSS) في نوفمبر عام 1942م. وكان منصبه في البعثة الأمريكية مساعداً للوزير، ونشرت احدى الجرائد السويسرية الهامة موضوعا يقول بأنني وصلت إلى هناك كمبعوث سري وشخصي للرئيس فرانكلين دي روزفلت. وقد يعتقد الكثيرون الذين تعوزهم الكياسة أن هذا الأعلان الذي لم يسعى إليه ألن دالاس قد أعاق عمله، غير أن الحقيقة كانت العكس تماماً. لقد نفي ألن دالاس القصة بتواضع ولكن بصدق ولكن بصدق إلا ان الجميع صدقوها، وعلى أثر ذلك احتشدت جماعات من المخبرين والمرشدين على شبكتي بعضهم مهووسون، وهذا أمر حقيقي – إلا انه كان بينهم أشخاص أمدونا بمعلومات هامة للغاية.

ويشير ألن دالاس أنني إذا لم أستطع أن أفصل القمح عن القشر بدرجة معقولة من الخطأ فأنني لن أكون صالحا لعملي لأن القدرة على الحكم على الناس وتقييمهم هي واحدة من أهم الصفات التي يتميز بها ضابط المخابرات.

يقول ألن دالاس "عندما افكر كثيراً في محاولة أن أكشف غموض كل شيئ يتعلق بالمخابرات فإنني سأنصرف إلى تشتيت جهودنا للإبقاء على أمن العمليات التي تكون السرية فيها ضرورية لكي تنجح". لذلك يجب دراسة كل موقف طبقا للحقائق مع الآخذ في الاعتبار مبدأ حجب كل المعلومات عن أي عدو محتمل، وهذه المعلومات التي قد تفيده في عمليات المخابرات السرية، أو الأشخاص الذين يعملون لها.

ومن ما أشار إليه ألن دالاس في مذكراته عن النصيحة التي بعث بها "جورج واشنطن" إلى الكولونيل "إلياس دايتون" في 26 يوليو 1777م، لا تزال تطبق على عمليات المخابرات حتى اليوم "إن أهمية الحصول على معلومات طيبة شيئ واضح ولا يحتاج لأي إلحاح آخر. وكل ما بقي لي لكي أضيفه هو أن تحتفظ بالأمر كله سرا بقدر إمكانك لأنه بفضل السرية والتكتم يأتي النجاح في معظم الآعمال التي من هذا النوع ولحاجتهم إليها فإنهم عادة ما ينهزمون على أية حال مع أحسن التخطيط وأتوقع لك نتيجة أفضل".

ويؤكد ألن دالاس في كثير من قول "إجمالاً يتضح أن الأمريكين يميلون للأفراط في الحديث عن الأمور التي ينبغي أن تكون سرية، وأعتقد أننا نفشي الكثير من أسرارنا وخاصة في مجال الأستخدامات العسكرية والسلاح وأننا غالبا ما نفشل في التفريق الجوهري بين أنواع العمليات التي ينبغي أن تكون سرية وبين تلك التي بطبيعتها لا تكون ولا يمكن أن تكون سرية، وأشار إلى أن الصحافة تتجاوز حد الحماسة أثناء سعيها وراء الأنباء فيما يتعلق بالتحركات العسكرية والسياسية والدبلوماسية القادمة".

لقد تعلم ألن دالاس أهمية التكتم أثناء الحرب على الرغم أنه كانت هناك آنذاك حماقات خطيرة في ذلك الوقت. لكن من العدل أن نعترف بأنه في الحرب الباردة كان عدونا يستغل كل فرصة تسنح له للأستفادة مما نخفي أو نذيعه على العامة من أسرار.

ألن دالاس في مذكراته ذكر أنه لكي تتاكد – في ضوء حكومة مثل حكومتنا – وفي ضوء المصالح الشرعية للشعب وللصحافة، فإنه من المستحيل أن نبني حائطا حول عمل المخابرات بأكمله، كما أنني لم أقترح أن نفعل ذلك هذا لأنه لا الكونجرس ولا الجهاز التنفيذي كانا ينويان فعل هذا عندما وافقنا على قانون عام 1947م، وعلاوة على هذا فإنه يجب الكشف عن قدر معين من المعلومات إذا كانت ثقة الشعب في عمل المخابرات ستقوى وإذا كانت مهنة ضابط المخابرات سيتم تقديرها بالصورة الحقيقية. وأهم ذلك كله من الضروري أن يشترك كل المطلعين – الذين يعملون في المخابرات والشعب في الاقتناع بأن عمليات المخابرات يمكنها الإسهام في حماية الأمة.

















التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن.. هل سيؤسس -الدعم السريع- دولة في د


.. صحف بريطانية: هل هذه آخر مأساة يتعرض لها المهاجرون غير الشرع




.. البنتاغون: لا تزال لدينا مخاوف بخصوص خطط إسرائيل لتنفيذ اجتي


.. مخاوف من تصعيد كبير في الجنوب اللبناني على وقع ارتفاع حدة ال




.. صوت مجلس الشيوخ الأميركي لصالح مساعدات بقيمة 95 مليار دولار