الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ما بعد عاصفة الحزم

أحمد حمدي سبح
كاتب ومستشار في العلاقات الدولية واستراتيجيات التنمية المجتمعية .

(Ahmad Hamdy Sabbah)

2015 / 3 / 30
مواضيع وابحاث سياسية



استلهمت السعودية اسم العملية العسكرية التي تقودها في اليمن من تلك العملية التي شاركت فيها في عام 1991 لتحرير الكويت ، فالى جانب الفارق الزمني بين العمليتين فانه كذلك لا يفارق الفارق النوعي بينهما ، فعملية عاصفة الصحراء استطاعت تحرير الكويت واعادة الحرية من الاحتلال العراقي واعادة الاستقرار للكويت ، ولكن عاصفة الحزم من المرجح انها لن تضع اليمن على طريق الاستقرار بل ستعمق جراحه وتلقي به الى اتون حرب اهلية اكثر استعارآ ستقض مضاجع اليمنيين لسنين قادمة ، ومن الواضح الآن ان هذه الحرب الاهلية سيخوض غمارها اليمنيون الشماليون بشكل أكثر حدة من اخوانهم الجنوبيون .

فالمتوقع انه بعد انتهاء غارات التحالف السني الذي تقوده السعودية ، ان يتوافر لدعاة الانفصال الفرصة المواتية لاعلان انفصالهم عن اليمن الشمالي الذي سيكون غارقآ في مستنقعات الحرب الاهلية وكوارثها ؛ ولا يعني هذا التحليل ان اليمن الجنوبي بدوره سيكون غائبآ عن مشاهد هذه الحرب الأهلية وآثارها بل انه هو نفسه من المرجح أن تشتعل فيه حرب أهلية أقرب الى المناطقية تغذيها العصبيات القبلية

والأسر الذهني لمفهوم الزعامات القبلية وما يستتبعه من احتكار قبائل وعائلات بعينها للزعامة والسيطرة والنفوذ على مناطق واقاليم واعتبارها بالاساس تابعة لهذه القبيلة او تلك في ظل غياب معهود لمفهوم الدولة ومؤسساتها والمواطنة وحقوقها وواجباتها
خاصة وان البترول المتمركز في الجنوب في محافظتي شبوه وحضرموت سيكون وقودآ لحرب أهلية جنوبية بعد أن كان مطمعآ ومسعى للفاسدين من المسؤولين في صنعاء .

ويزداد ذلك اتضاحآ مع عدم سعي الجنوبيين الى مطاردة الحوثيون وأتباع صالح الى خارج الجنوب اليمني ، فجل تركيزهم على ابقائهم خارج الجنوب تمهيدآ لعزله عن الشمال ، وكذلك عدم وجود قيادة موحدة حقيقية للجنوبيين أو حتى رغبة في ذلك الا ما يسمى الحراك الجنوبي الذي يسعى منذ فترة طويلة الى الاستقلال بالجنوب عن الشمال دون ان يرى الوضع الحقيقي للجنوب فيما بعد الوحدة فالتوحد هنا مرحلي مؤقت فقط باعلان الاستقلال لتستلم اليمن الجنوبي بعدها الحزازيات والصراعات القبلية .

فيما سيغرق اليمن الشمالي في حرب أهلية وردها شهوة الجلوس على كرسي السلطة وشوكها فزع الجلوس على كرسي الاعدام ، فالحديث عن مصالحة ومسالمة ان كان به قول فسيظل حديثآ لا محل له من الاستماع والاعراب ، فالحوثيون وحليفهم الرئيس السابق علي عبد الله صالح الطامع هو وأسرته ومواليه في العودة الى السلطة وجاهها يعلمون تمامآ الآن أنهم سيكونون محل رفض وهدفآ لانتقام من قبل البقية أو على الأقل أغلبية البقية ، وهو ما سيدفعهم الى مكانة محارب لا يملك ما يبكي عليه فيقاتل حتى النهاية أو حتى يلوح في الأفق بريق أمل بعيد .

سيعمد الحوثيون وقوات صالح في المقابل الى زيادة تمركزهم في المناطق المدنية تجنبآ لغارات التحالف السعودي السني لاعبين على عامل الوقت وتقهقر التأييد الدولي لغارات ستوقع مزيدآ من الضحايا المدنيين وفتور في عزيمة التحالف بعد استنفاذ الأهداف الأساسية التي تستهدفها أية غارات جوية وانتهاء تأثير عنصر المفاجأة ، فالغارات الجوية وحتى البحرية تظل على أهميتها مجرد مدخل لزحف بري أساسي اذا كان الهدف تحقيق انتصار نهائي واقعي ، وهو بالطبع ما ستسعى السعودية وحلفائها الى عدم الخوض فيه واثارة الرمال تحت جنازير الدبابات والمدرعات لأن ذلك يعني دخولآ في حرب طويلة الأمد وتكاليف كبيرة في ظل تضاريس شديدة الوعورة توفرها الأرض اليمنية لأهلها الأدرى بشعابها ولجوء الحوثيون وأعوانهم لحرب العصابات وهو ما سيكبد السعوديين الغير متمرسين خسائر جسيمة ، هذا بالاضافة الى تمكين الحوثيين وصالح من العمل على استثارة نخوة اليمنيين وحميتهم باسترجاع ماضي أليم من الحروب اليمينية السعودية السابقة والتي استولت فيها السعودية على أراضي يعتبرها كثير من اليمنيين ملكآ لهم ، وكذلك حروب ومشاكل أهلية يمنية تدخلت فيها السعودية لصالح طرف ضد آخر مما يحملها بارث من العداوة الدفينة لدى كثير من اليمنيين .

كما أن الايرانيين لن يتركوا حلفائهم وحيدين في مرمى النيران السعودية دون أن يقدموا لهم الدعم والعتاد والتدريب وهو ما سيغض الظهير والحليف الأمريكي الطرف عن بعض أو كثير منه من أجل الاتفاق النووي مع ايران وعدم تمكين الخليجيين من الشعور بالامان من ما يحسبوه البعبع الايراني بالاعتماد على انفسهم فيظلومن بحاجة دومآ للأمريكيين ؛ فحتى مع الحصار البحري للأسطول السعودي والمصري للسواحل اليمنية لقطع الطريق على الامدادات الايرانية للحوثيين وحلفائهم ، فان قدرة هذين الأسطولين على الاتمام الكامل للحصار ومداومته تظل محدودة مع طول سواحل اليمن ، مع امكانية اعتماد الايرانيين على بعض القبائل في بعض المحافظات الجنوبية بالاضافة الى المهربين وبعض الصيادين لتهريب السلاح الى الحوثيين وصالح بعد اتمام انفصال الجنوب وعزله عن الشمال ، حيث ان كثيرآ من هذه القبائل لايهمها الا المال والحصول على جانب من هذه الأسلحة لتعزيز نفوذها وقوتها في مواجهة القبائل الجنوبية الأخرى ، مما يعنى حربآ أو حتى حروبآ أهلية طويلة الأمد سواء في الجنوب أو في الشمال أو بينهما .

فحقيقة أن الواقع اليمني بما يمثله من تنوع قبلي ومناطقي وغياب حقيقي لمفهوم دولة المؤسسات ونظرة ضيقة للمصالح الآنية تنتهجها القبائل وزعمائها وانتشار للفقر والجهل ، يفرض مزيدآ من التعقيد على ملف التعامل مع الأوضاع اليمنية الأمنية منها والسياسية منها والاقتصادية والاجتماعية كذلك وانعكاسات ذلك على كل من الداخل والخارج اليمني ، وما يفرضه ذلك من اتخاذ مقاربات مختلفة في التعامل مع اليمن والمنيين يتجاوز الأطر التقليدية المطروحة .

ويظل شبح تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) والقاعدة وغيرهما من التنظيمات الارهابية حاضرآ بقوة في المشهد اليمني كالوحش الكاسر ينتظر ان يفرغ المتنافسون من بعضهم ويورثوا بعضهم الضعف والوهن حتى ينقض على الجميع مستغلآ حالة اقتصادية متردية وانتشارآ بالغآ للجهل والفقر لزيادة الأتباع والمريدين وغيابآ للمنافسين خاصة بعد انسحاب الجنود الأمريكيين من قاعدة العند في محافظة لحج الجنوبية الذين كانوا يقودون حملة قنص الارهابيين من خلال الطائرات بدون طيار واللاتي أوقعت في الارهابيين خسائر أضعفت من تأثيرهم ولو مرحليآ .

ومن الطبيعي أن سقوط اليمن في أيدي الارهابيين وتحوله كله أو بعضه لولاية تابعة لداعش انما يعني كارثة استراتيجية بالغة تحل على الجميع خاصة في ظل موقع اليمن الاستراتيجي على مضيق باب المندب وقربه من منطقة القرن الافريقي الاستراتيجية التي تعيث جماعة شباب المجاهدين الارهابية فسادآ وتدميرآ ونفوذآ في واحدة من أهم دوله الا وهي الصومال وتسعى منها للانطلاق الى الدول المجاورة ؛ مما يعني في النهاية حصارآ ارهابيآ لمنطقة الشرق العربي يمتد من سوريا والعراق شمالآ الى اليمن جنوبآ وما يحمله ذلك من كوارث استراتيجية خاصة في منطقة يعاني كثير ممن فيها فهمآ خاطئآ للدين ويجنح الى العنف ويعتبرونه من أساسيات الدين مما يعني زيادة للمال والتمويل والأتباع .

حتى الأصوات الوطنية التي تطالب بأن تراعي الغارات الجوية لعاصفة الحزم مقدرات الشعب اليمني فلا تسرف في ضرب الجيش اليمني وقواعده ليعال عليها في اعادة بناء هذا الجيش في المستقبل تظل حبيسة الخجل وملقاة الى الانزواء في شراسة التشفي وصحوة الفرحة في خسائر جيش اختير له ان لا يكون وطنيآ بقدر أن يكون عائليآ قبليآ تحكمه عائلة صالح وقبيلته ومن والاهم ، في تكريس واضح لغياب مفهوم دولة المؤسسات لتظل حبيسة الألفاظ والمباني دون الحقائق والمعاني ؛ ان الغارات الجوية للتحالف السعودي انما تدمر أمة بقدر ما تدمر من مباني وقواعد ، ان هذه الغارات انما السعي والمسعى فيها ليس اعادة الشرعية وانما تحقيق اهداف أعضاء التحالف من دول الخليج من منع السيطرة الشيعية على اليمن ، فلو أن الحوثيين كانوا من السنة لما جرأت السعودية على التدخل ولما رفعت شعار الشرعية الذي تتغنى به هي وحلفائها ، فلو صدقنا أن السعودية وحلفائها يشنون حملتهم من أجل الشرعية فانما يجب أن نصدق أيضآ أن الحملات الصليبية في غابر الزمن كانت من أجل حماية المسيحيين والدفاع عن الدين المسيحي .

لقد أخطأ الحوثيون حين استسلموا لرغبتهم في الانفراد بالسلطة وأخطأ الرئيس اليمني الحالي عبد ربه منصور هادي من قبل حين لم يدمجهم هم وغيرهم في السلطة ويراعي حقوقهم ، ولا يلام علي صالح فيما سعى ويسعى فيه فهذا دأبه وعهده في تدمير اليمن طيلة العقود الثلاث الماضية ، وانما اللوم وكل اللوم على المبادرة الخليجية التي أمنته من الحساب والمسائلة فعاث فسادآ وخرابآ فأنزلته عن كرسي الحكم ولم تخرجه من السلطة حيث أبقى هواه هناك على أمل أن يعود .

لابديل عن انتهاج الحوار الاستراتيجي البناء وبرعاية الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي وبعيدآ عن الذهنيات الطائفية والنعرات المذهبية الضيقة الساعية الى التفرقة والتدمير لا الى التوحد والبناء ، حوار يحمل العصا كما يحمل الجزرة ، حوار يوزع ثروات الشعب اليمني بطريقة عادلة بعيدآ عن المذاهب والطوائف ، حوار يسعى لبناء دولة يحكمها شباب وطني حر بعيدآ عن عواجيز قبائل امتهنت دستورآ غير مكتوب من الفرقة والتفريق واعلاء القبيلة فوق كل اعتبار حتى ولو على حساب الدولة ، حوار يكون بداية لتقارب ايراني خليجي لمعالجة بقية الملفات العالقة كالجزر الاماراتية وحقوق الأقليات الشيعية المهضومة في دول الخليج ، حوار يبعد شبح الحروب الأهلية والحروب الجماعية التي تقاد فيها دول مقابل الأموال التي تدفع لها فيما يسمى بالمنح والهبات والمساعدات دون دراسة حقيقية للأبعاد الاستراتيجية الكلية ونتائج هذا الفعل أو ذاك .

ولابد من اعادة بناء الجيش اليمني على أسس وطنية صرفة واعادة دمج أبنائه واعادة تدريبهم وتأهيلهم ومحاسبة من تلوثت ايديه بدماء أبناء وطنه دون تدمير هذا الجيش وحله لأن في ذلك القاء لمزيد من الزيت على النار المستعرة أصلآ فتتكون المليشيات المسلحة والمدربة من أبناء هذا الجيش وتحل جيوش متقاتلة محل جيش واحد حتى وان خذل شعبه ، ولكن النتيجة هنا ستكون أشد ايلامآ وأنكى تجريحآ .

لابد من مؤتمر حقيقي وفاعل لاعادة اعمار اليمن ... الانسان قبل الحجر ولا يترك فريسة تفترسها أنياب الفقر والجهل والمرض لوحش الارهاب والتطرف ، ومكافأة للأطراف اليمنية الساعية للبناء وعقابآ لأطراف ساعية للخراب والدمار

هذا ان كانت هناك رغبة لأن يكون اليمن السعيد اسمآ على مسمى .












التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كاميرات مراقبة ترصد فيل سيرك هارب يتجول في الشوارع.. شاهد ما


.. عبر روسيا.. إيران تبلغ إسرائيل أنها لا تريد التصعيد




.. إيران..عمليات في عقر الدار | #غرفة_الأخبار


.. بعد تأكيد التزامِها بدعم التهدئة في المنطقة.. واشنطن تتنصل م




.. الدوحة تضيق بحماس .. هل يغادر قادة الحركة؟ | #غرفة_الأخبار