الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التعاون الامريكي الايراني في العراق

عصام شكري

2015 / 4 / 3
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


بعد الازمة الاقتصادية التي تعرضت لها الولايات المتحدة والتي امتدت فجأة وبشكل مذهل الى جميع عواصم العالم تقريبا والتي اتت بعد عقود من سياسات اليمين الامريكي المتطرف (المحافظين الجدد) فانها قررت تغيير التاكتيك. انسحبت امريكا من العراق نهاية العام 2011 لتسجل اقرارا رسميا بفشلها في الحرب الدولية التي تزعمتها ضد نظام صدام واقتلاعها للدولة في العراق وملئ الفراغ الناشئ بالميليشيات الاسلامية الطائفية التابعة لايران واحلالها محل الدولة وباشراف المخابرات الايرانية.

لقد ادت الحرب الامريكية التي شنت في العام 2003 الى تفكيك مجتمع العراق الى عناصره البدائية؛ قبائل متصارعة وعدائية دينية طائفية تبدو اليوم كدافع للضغينة اقوى بكثير من الولاء القبلي بحكم تحول المجتمع العراقي بالكامل الى نمط الانتاج الرأسمالي. ولم يكن هذا التفسخ الى العناصر البدائية مفاجئا او "مغامرة غبية" للمحافظين الجدد بل كان نتيجة سياسة لم تنظر الى الحرب على العراق وتدمير بنيته المدنية سوى خطوة في مسلسل فرض الهيمنة الستراتيجية الامريكية على المنطقة ومن خلاله قيادة العالم (ألجديد) اثر الفراغ المهول الذي احدثه انهيارالمعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق وخروجه من ميدان الثنائية القطبية التي استمرت اكثر من 70 سنة.

ومن نافلة القول ان ظهور التنظيم البربري "للدولة الاسلامية في العراق والشام" والذي يلاحظ محاولته في العراق انتهاج سياسة قيادة الطائفة السنية ضد "السلطة الصفوية" المدعومة من الجمهورية الاسلامية الايرانية لكسب الود الشعبي في المناطق التي احتلتها (مصحوبا بتفرج وربما تواطؤ امريكي ايراني) لم يكن سوى نتيجة لذلك التفسخ الذي حدث نتيجة اقتلاع امريكا للدولة ونظام صدام الذي كان عاملا قويا في الحفاظ على تماسك العراق.

ولكن العراق (لا سوريا) هي المنطقة التي شرعت فيها عملية التفسخ الديني والاثني ومنه انطلق الوباء الذي يجتاح المنطقة المحصورة اليوم بين الجمهورية التركية والجمهورية الاسلامية الايرانية واسرائيل بما فيها المملكة السعودية ومشايخ النفط الخليجي، والتي ما كانت لتقوم بعاصفتها الرملية على اليمن الا لادراكها بالخطر المتربص بسواحلها الشرقية واحتمال تهييج القبائل الشيعية (ألمحرومة والمقموعة تأريخيا) تأثرا بما حصل باليمن. ان "عاصفة شيوخ النفط" ليس محاولة لتحدي ايران او قطع دابر نفوذها بقدرما هي محاولة لوقف التفسخ السني - الشيعي من تهديد تلك المحميات النفطية ومصادر ثروة العوائل الحاكمة وسلطتها والتي يبدو الغرب وامريكا اشد اهتماما ببقاءها من اي شئ اخر.

السعودية وحكومات الخليج واليمين الاسرائيلي وتركيا الاسلامية منزعجون تماما من تحسن العلاقات بين الغرب بقيادة امريكا وبين الجمهورية الاسلامية. هذا التخوف ينعكس في ردة الفعل العنيفة التي تقوم بها قيادة "الاجماع العربي" في قصف اليمن ومواقع ميليشيات الحوثيين وضرب عدن بوحشية وقتل عشرات من العمال في مصنع للالبان وبصمت دولي حقير.

الا ان الرضى الامريكي والغربي على الجمهورية الاسلامية والاحتمال الوشيك للاتفاق معها وغلق الملف النووي وانهاء الحصار الاقتصادي عليها لا يعني انتصار الجمهورية الاسلامية ولا تحسنا في مواقع بيادقها الطائفية الشيعية سواءا في العراق او لبنان او اليمن او البحرين وغيرها. فقد اطلقت الجمهورية الاسلامية الايرانية النار على اقدامها نفسها حين دخلت المفاوضات (5+1) تحت ضغط الحصار الاقتصادي وبتشجيع حلفاءها الروس والصينيين. الجمهورية الاسلامية الايرانية اليوم قد رمت كل مبادئ “امامها“ السابقة حول "ألموت للشيطان الاكبر امريكا" الى المزبلة، تلك المبادئ التي لولاها لما تمكنت في الواقع من ممارسة البطش والقمع وحكم جماهير ايران بالحديد والنار كل هذه السنين.

اتفاق الجمهورية الاسلامية مع الغرب بقيادة امريكا فتح الابواب لها لتكون عضوا محترما في المجتمع الدولي ورفع العقوبات الاقتصادية عن نظامها الذي واجه اكبر انتفاضة ثورية حزيران 2009. ولكن نفس تلك الابواب ستدخل معها رياح ثورتها المقبلة التي ستبدو ثورة حزيران 2009 معها مجرد "احماء". وبذكر الهبة الثورية لجماهير ايران فان تلك الهبة لم تكن في الواقع سوى امتدادا وتناغما مع هبة عربية الهبت المنطقة برمتها؛ من القاهرة الى تونس مرورا بالعراق واليمن وسوريا ووليبيا وكل مكان في الشرق الاوسط وشمال افريقيا. هذا الربيع كان صدمة غير متوقعة لحكومات الغرب ولدكتاتوريات المنطقة بسبب مبادئها التحررية وشعاراتها العلمانية والانسانية وجوهرها الاشتراكي المعادي لحكم "الواحد بالمئة". ان شعارات درعا الثائرة "حرية حرية سلمية سلمية" لم يطق كثيرا لانظمة البطش والقمع الحاكمة سواء في السعودية او اايران ولا لامريكا تماما كما لم يطقه النظام السوري وحاول سحقه بكل وحشية. ارادوها سنية سنية شيعية شيعية. وهكذا صار الامر، ولكن الى حين!

السؤال الجوهري الان هو هل سينجح الاتفاق الامريكي الايراني من جهة، والعواصف الرملية لشيوخ النفط وتركيا الاسلامية ومعهما اليمين الاسرائيلي المجدد له انتخابيا (بعد نجاحه الرائع في مجازر غزة!)، من جهة اخرى، في فرض المزيد من الهزيمة على التطلع الثوري لجماهير المنطقة لمجتمع حر يقوم على المساواة والمواطنة وحقوق المرأة والحداثة والعلمانية والتخلص من الحكومات الدكتاتورية الدينية والطائفية ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هل ينهي الرد المنسوب لإسرائيل في إيران خطر المواجهة الشاملة؟


.. ما الرسائل التي أرادت إسرائيل توجيهها من خلال هجومها على إير




.. بين -الصبر الإستراتيجي- و-الردع المباشر-.. هل ترد إيران على


.. دائرة التصعيد تتسع.. ضربة إسرائيلية داخل إيران -رداً على الر




.. مراسل الجزيرة: الشرطة الفرنسية تفرض طوقا أمنيا في محيط القنص