الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آفة الدروس الخصوصية وعلاقتها بالعولمة

محمد الحمّار

2015 / 4 / 14
التربية والتعليم والبحث العلمي


رغم أنّ الدروس الخصوصية كانت ممارسة عادية في كل أصقاع الدنيا، وما تزال كذلك في البلاد المتقدمة، إلا أنها في تونس وفي عديد من البلدان أضحت ظاهرة مشينة. فما نشهده من تهافت عليها في بلدنا هو نتيجة لفشل المنظومة التربوية من جهة ولفشل المنظومة التنموية برمّتها بشكل أعم. وبالتالي لا يمكن أن تتحمل المؤسسة التعليمية وحدها الأعباء الناجمة عن هذا الفشل بما فيه استشراء الدروس الخصوصية. ولا يليق أن يحمل المجتمع المدرّس وحده مسؤولية تنامي هذه الظاهرة الخطيرة. فالوليّ أيضا مسؤول عنها بل والتاجر والصناعي والمصرفي ووكيل التأمينات وصاحب المهنة الحرة ورجال الأعمال وغيرهم من الأطراف الضالعة في التأثر بالمنظومة التنموية العامة والتفاعل معها، كلهم مسؤولون عنها.

إنّ اللجوء المبالغ فيه إلى الدروس الخصوصية ظاهرة متعلقة بأنظمة متعددة وعلى الأخص النظام الاقتصادي العالمي المعروف بأنه رأسمالي متوحش. وقد بلغ الاقتصاد التونسي مستوى مترديا كنتيجة لهذا النظام غير العادل وكانت الأطراف المتنفذة في المجالات المذكورة أنفا دون سواها من الفئات المهنية المختلفة هي المنتفعة من مزايا هذا النظام. فأصبح الحصول على شغل مُحترم يعني الالتحاق بركب تلك الفئات المميزة وبالتالي لم يعد رهنا فقط بالشهادة العلمية وإنما انضاف إلى هذه الأخيرة عامل "البزنس" حتى صار الظفر بالشغل يتطلب مجهودا – مدرسيا وجامعيا وأسريا- استثنائيا كقيمة مضافة وشرطٍ أساسي. هكذا فإنّ هذا الصنف من التضخم انعكس على الطرق المؤدية إلى الامتياز المدرسي والجامعي كاستجابة آلية لِما ينتظر المتخرجين و أصحاب الشهادات العليا من تضخم قد طال سوق تشغيل الكفاءات تحديدا.

في السياق نفسه لم يعد التحصيل المدرسي والجامعي مسألة عمل وكدّ وجهد فحسب وإنما تحوّل إلى سوقٍ بالمزاد العلني حيث باتت الشهادة سلعة تشترى وبالتالي صارت متوفرة لمن يدفع نقودا أكثر.حينئذ قدمت الدروس الخصوصية نفسها كوسيلة قديمة/جديدة في متناول كل الأطراف الضالعة وذلك من حيث استعدادها للعب الدور الهجين المتمثل في الانضمام إلى منظومةِ عولمة شرسة.

فلو كان النظام الاقتصادي العالمي أكثر عدلا وتكافؤا لَما جعل من ثقافة الامتياز وصنوها ثقافة المنافسة السبيل الوحيدة أمام فئة من شباب المدارس والجامعات للظفر بمكان مريح في سوق الأسهم العلمية، إن محليا أم عالميا، ولَما حدث ما نعرفه من تهافت على الدروس الخصوصية.

لكن وسيلة الدروس الخصوصية في شكلها الغريب ليست وحدها المتسببة في انحدار مستوى التعليم في بلادنا وفي سائر الوطن العربي. هنالك عامل آخر أسهم بشكل أو بآخر، إن في ميلاد الطبعة المشينة من العولمة أو في تركيزها و دعمها وتثبيتها، خاصة في البلدان الفرنكوفونية. إنه نظام الضوارب.

نظام الضوارب مستنسخ عن فرنسا. وهو يكرس الكسل والحيف بشأن عملية تقييم التلاميذ وبالتالي يكرس قلة العناية بمواد دون أخرى ومنه الاختلال في العملية التعليمية. فهنالك مواد مثل اللغات والإنسانيات والاجتماعيات هي في الأصل أساسية لكن بما أنه يعسر تقييم عمل التلميذ بواسطتها صارت – جزافا- فرعية بالمقارنة مع مواد أخرى مثل الرياضيات والفيزياء/الكيمياء وذلك بناء على أنّ هذه الأخيرة يسهل تقييم عمل التلميذ بواسطتها عمليا وحسابيا وتنظيميا. وكانت النتيجة أن حصلت غلبة "التقييم" على "القيمة"؛ التضحية بقيمة المتعلم في سبيل تسهيل تقييمه. وهنا يكمن أصل آخر من أصول داء التهافت على الدروس الخصوصية المتعلقة بهاتين المادتين بشكل خاص، وأيضا صنوه داء الغش في الامتحانات.

بالمحصلة، وفي حال توفرت إرادة التونسيين بأن يتجنبوا التداعيات الكارثية للعولمة في نسختها غير العادلة وبأن يساهموا في بناء شبكة عريضة للعلاقات الاقتصادية في ظلّ نسخة متكافئة للعولمة، يتوجب إعفاء كل المواد من الضوارب على الأقل في المرحلة الإعدادية وإلى حين توجيه التلاميذ نحو التخصص وبعد تحقيق الاكتفاء الذاتي في التكوين اللغوي والاجتماعي والإنساني.

كما أنه لن تتم مقاومة الطبعة الرديئة للعولمة إلا في حال تجسيد ثقافة جديدة للعمل وللإنتاج (عولمة تشاركية) تراعي حق الفئات العريضة من المتمدرسين في التمتع بأوفر الحظوظ كي يتبوءوا مكانة مهنية واجتماعية لائقة، إن في الداخل أم في الخارج. هكذا يكون لمبدأ "تعميم التعليم" ومبدأ "ديمقراطية التعليم" معنى موصولا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف مستمر على مناطق عدة في قطاع غزة وسط تلويح إسرائيلي بعملي


.. عقب نشر القسام فيديو لمحتجز إسرائيلي.. غضب ومظاهرات أمام منز




.. الخارجية الأمريكية: اطلعنا على التقارير بشأن اكتشاف مقبرة جم


.. مكافأة قدرها 10 ملايين دولار عرضتها واشنطن على رأس 4 هاكرز إ




.. لمنع وقوع -حوادث مأساوية-.. ولاية أميركية تقرّ تسليح المعلمي