الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحج الى صخرة المنحر

محمد عبد الله دالي

2015 / 4 / 15
الادب والفن


الحج إلى صخرة المنحر
التقيت اليه وإنا في طريقي الى إعداد تقرير مفصلاً عما يحدث الآن من أوضاع تسود المنطقة ، كان رجلا تجاوز الخمسين من عمره ،،ربط محزمه بخيط من الصوف ،،وعلق ملابسه بعصى من شجر التوت ،يدل على إنه قد طوى مسافة طويلة ، حتى وصل إلى هذا المكان ، والشمس الحارة والغبار قد أخذ منه لونه الأصلي ،و أضاف له سحنة سمراء،مما يدل على إنه من الجنوب ،سألني في بادىْ الأمر قائلاً : ـــ
ـــ يا ابن العم . أين الطريق إلى سامراء ؟
انتبهتُ له ،إنه يريد زيارة مراقد الأئمة الأطهار ، قلت له يا عم تنوي الزيارة ؟
ـــ نعم ، سأزور وأدعو من الله أن يبلغني مرادي ،وأنا في طريقي الى المكان الذي اقصده ، قلت ُ: ــ
ــ يا عم وهل تنوي زيارة أحد ؟ تنهد وسحب نفساً طويلاً ، ثم أخرج نفساً كالجمر .
ــ قلت يا ستار إلى هذا الحد ... العم مهموم ؟
ـــ نعم إنه الهم ، لكن ليس همي لوحدي فقط ؟
ــ يا عم هل تنوي زيارة مكان آخر ؟ قال :ــ
ــ سأحج ؟
ـــ يا عم الحج ليس من هذه الجهه انك تتجه الى الشمال . !
ـــ لا ،أنا لا أقصد حج البيت الحرام ،اخي دعني أكمل المسير بعد أن أزور الأئمة الأطهار ،لعلي أرى ضوء في نهاية الطريق ، طلبت منه أن أرافقه ، لأني أبحث عن الحقيقة ،قال ستتعب يا بني ! مشواري طويل ، ، أجبته : ـــ
ــ أنا مشواري يتطلب الخطورة والمغامرة ، إذاً يا عم قل لي أي حج تريد ؟ قال لي : ــ لي ولدان غادرا البيت ملبيان نداء الوطن ، هَزَ رأسه والحزن بادٍ على وجههِ الذي أتعبه السفر والسهر والألم .
ـــ قلت يا عم كلانا في نفس الطريق ، انت تبحث عن ولديك وانا ابحث عن الحقيقه ،قال : ــ نعم ولعلي اجد لهما اثراً ، لأن لهما أم لا تنام اليل ولا النهار عندما سمعت بالاخبار القادمه من الشمال ،
ــ لكنك قلت إنك ذاهب الى الحج ، فأجاب : ـــ
ــ نعم ذاهب الى الحج ..الى صخرة المنحر ... التي ذَبِحَ الدجالون وأكلت لحوم البشر ، وهمجية العصر ، أولادنا ، سأقف على تلك الصخرة وأعد خيوط الدم التي رسمتها دماء الشهداء .والتقت مع النهر ، جئتُ أضع أكاليل الغار ،وأوقد الشموع وأشعل البخور على تلك الصخرة ، وسأحدثها عن غدر أهلها .
بعد أن أكمل زيارته اتجه بهمة وشوق للوصول الى المكان المنشود وما هي إلا ليالي حتى وصلنا بعد أن نال منا التعب ، نظرت اليه وهو متلهف وبشوق ،عَدلَ من هيئته ،مسح وجهه بكوفيته ، ونفض عنه التراب ، أحسست إن عينيه قد أغرورقتا وتغير وجهه ،ركزَ عصاه في الأرض قائلاً : ــ
ــ الآن وصلنا الى الأرض الحرام !!
خلع نعليه ووضعهما في الخرج الذي يحمله ، قلت له :ــ
ــ يا عم لماذا خلعت نعليك لم نصل بعد ؟ أجابني :ـــ
ـــ ألم ترى الإعلام قد رفعت على أماكن متفرقه ، والأخرى افترشت الأرض ؟
ــــ نعم !!
ـــ إذن عليك ان تحترم المكان لأن الأرواح المقدسة ترقد هنا ! إنهم شهداء الوطن ،أجبرتني هذه الكلمات المؤثرة على السكوت ،طافت عيناي في المكان ,شيء يثير الألم والحزن ،لفت نظري جمع من الناس يدخلون ويخرجون من أحد القصور وهم في غاية الحزن .ومن هول الكارثة ،سبقني الرجل الى داخل القصر وهو يكبر بصوت تخنقه العبرة ، أطلت علينا باحة صغيرة على النهر ،وتعلو النهر صخرة كبيرة ملونة باللون الأحمر القاني ،وقف الرجل بخشوع ،وخطى بخطوات بطيئة وكأنه يحمل ثقلاً على كتفيه ،فسح بعض الواقفين له الطريق قال بصوت تخنقه العبرة والدمع يحجب رؤيته قائلاً : ـ
ـــ السلام على الارواح الطاهرة التي وقفت هنا ، السلام على أبناء العراق ، جثا على ركبتيه ، ووضع ما يحمله الى جانبه ، ثم سجد باكياً بحرارة وهو يندب حظه وحظ الأمهات الثكلى .
تأملت الموقف ولم أتمالك نفسي جلست بجانبه ، وأنا أصور وأسجل الحدث بكامرتي الصغيرة ،وتركتها تطوف بالمكان وهي تنظر الى الوجوه الكاظمة الغيض وهي تذرف الدمع مع ترتيلات الرجل العجوز ، فتح كيسه ،وأخرج الشموع وأوقدها ثم وزعها على الصخرة الحمراء ،وضاع البخور من الأعواد التي أوقدها ،رفع يده الى السماء ،واستجاب معه كل الحاضرين قائلا : ــ
يا رب إذا كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى .وتقبل هذا القربان ،كما تقبلت يا رب العالمين قربان ألطف في كربلاء ،يا رب العالمين إن حرملة قد عاد بثياب جديدة والشمر أصبح خليفة .. أجهش بالبكاء .
كانت عدستي تصور الخيوط الحمراء التي إنسا بت من أعلى المنحر ،حتى التقت بالماء ،وأعطت لونا قانياً ،يحكي مجزرة تاريخيه حدثت هنا ، أبطالها غرباء ساعدهم خونة من أبناء الوطن ،رفعت نظري الى السماء ،كانت الأعلام ترفرف وتشهد على الذي حصل في هذه الأرض .
الكاتب والقاص
محمد عبد الله دالي الرفاعي
في 15/4/ 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وداعا صلاح السعدنى.. الفنانون فى صدمه وابنه يتلقى العزاء على


.. انهيار ودموع أحمد السعدني ومنى زكى ووفاء عامر فى جنازة الفنا




.. فوق السلطة 385 – ردّ إيران مسرحية أم بداية حرب؟


.. وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز




.. لحظة تشييع جنازة الفنان صلاح السعدني بحضور نجوم الفن