الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خطاب ديني وطني وَحْدَويّ

صليبا جبرا طويل

2015 / 4 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



عندما تطغي المصلحة ومحبة الذات على البشر،
ويلتقي سماسرة الدين والسياسة، ويستحوذ عليهم
التعصب الأعمى مصحوبا بفكرة التفوق، ويسيطر
عليهم أعداء الأمة من الخارج والداخل، ويأتمرون
بأمرهم،ويهمش المفكرون وعلماء الأمة، وترفض
كل الحلول الإنسانية التوفيقية المطروحة، عندها
يصبح الإرهاب والموت والدمار سادة الموقف.


ما أشبه اليوم بالبارحة. ما أشبه عام 2015 بعام1915 . الزمن يمر سريعا، ولم نتعظ من الماضي. مئة عام مضت على أول إبادة جماعية – تطهير عرقي- في القرن العشرين التي ارتكبت بحق مواطنين مسيحيين أمينين مسالمين، سكان الأرض الأصليين، في بقعة ارض عرفت بمهد الديانة المسيحية. نكل بهم، من قبل الدولة العثمانية. مجزرة فيها اغتصبت الفتيات، بقرت بطون الحوامل، صلبوا، قطعت رؤوسهم وأطرافهم، احرقوا، دفنوا أحياء، بيعت النساء، اختطف الأطفال، دمرت الكنائس وأحرقت على المتعبدين فيها، كسرت الصلبان، استبيحت ممتلكاتهم للنهب والسرقة والاستملاك، ودفع الأحياء منهم شبه عراة لمغادرة ارض أبائهم وأجدادهم ليموتوا في العراء من قسوة الطبيعة والجوع والعطش والمرض. قدر عدد الذين أبدوا من ألأرمن بمليون ونصف المليون شهيد، ومن ا لسريان والأشوريين وكلدان الخ... بأكثر من سبع مئة وخمسون ألف شهيد.- سمى الأرمن هذه المجزرة بالمذبحة الارمنية، والمحرقة الارمنية، والجريمة الكبرى. وسماها السريان والأشوريون بمذابح السريان، ومذابح الأشوريين، ومذابح سيفو( كلمة سيفو تعني السيف باللغة السريانية). وفي سوريا - المقسمة اليوم إلى سوريا، والأردن، وفلسطين، ولبنان- أيضا لم تسلم شعوبها على اختلاف طوائفهم من بطش العثمانيين... ويقدر عدد الذين ماتوا من العرب على اختلاف عقائدهم خلال هذه الحرب قتلا وجوعا وعطشا بنحو مليون ومائتي ألف شهيد.

اليوم، بعد قرن من الزمن، يتكرر المشهد نفسه نرى بأم أعيننا الفظائع القبيحة التي رواها لنا أجدادنا عبر الفضائيات، وما قراءنا في الكتب... نشاهده يرتكب بحق المسيحيين، والمسلمين السنة والشيعة ، واليزيديين، وأكراد.. فمن فرق، وأغوى بالفتنة بينهم هو المصدر ذاته دائما، ماضيا وحاضرا. التوسع الاستعماري والأطماع والمصالح هي الدافع الرئيس لهذه المجازر اللا إنسانية البشعة التي تجري على الساحة العربية.

نحتاج في هذا الزمن إلى مراجعة حساباتنا القديمة، والى وقفة جريئة من قبل كافة الأطراف السياسية، والطوائف الدينية والمذهبية، ضد كل القوى الظلامية التي تعمل من داخل وخارج العالم العربي سعيا لتفكيكه. وفرض واقع جديد عليه، سياسيا ودينيا يشكلوه كما يحلوا لهم... أناشدكم وأقول لكل من لا يعير الأمر أي اهتمام. أن من واجبنا أمام الله والإنسانية أن نجمع كلمتنا، ونكرس جهودنا ومضاعفتها للبناء، ليس من اجل أرواح الشهداء الذين سقطوا بحثا عن تغير وحلول اجتماعية وسياسية فقط... بل من اجل مستقبل أطفالنا وحرصا على التعددية العرقية والطائفية والحفاظ على لحمتها.

قبل قرن من الزمن لعب البارون الألماني ماكس فون أوبنهايم ( 1860- 1946). الذي عمل أثناء الحرب العالمية الأولى وفي فترات تلتها كرئيس لمكتب استخبارات الشرق الألمانية في إسطنبول. مهمته الرسمية في سوريا كانت بث الفساد والفتن بين المسلمين والمسيحيين، وتحبيب ألمانيا إلى المسلمين. وكانت أيضا جمعية الاتحاد متفقة مع ألمانيا على إبادة العناصر الغير التركية – تشمل الشعوب العربية أيضا-. فقام بتحريض الأتراك على قتل المسيحيين في الشرق مقنعا الناس أن العنصر المسيحي هو العامل الدائم على تهيج أعداء الدولة عليها كالفرنسيين والانجليز وغيرهم.

واليوم إلى جانب أعداء الأمة، هناك من يعلم في أدبياته أفكار تجنح لإحداث شرخ وفوضى في نسيج العلاقات الاجتماعية. ففي كتاب الجمع القيم لسلسلة المذكرة الاستراتيجة للأخ" عبد الله بن محمد" صفحة 45: بداية الاقتباس"... لذلك أرى انه من الواجب علينا بعد أو قبل إعلان دولة الخلافة بحسب الظرف أن نعمل على طرد اليهود وتهجير النصارى والدروز والنصيرية والبهائية بالإضافة إلى الشيعة وعبدة الشيطان وغيرهم من المشركين من كافة الأراضي التابعة لمنطقة الشام.. ويستطرد قائلا: وفي اعتقادي أن أفضل مناخ لتنفيذ هذا المخطط يأتي في حالة من الحرب وليس من السلم......" انتهى الاقتباس... أخي “عبد الله بن محمد"، لا استغرب من فكرة إقامة دولة الخلافة الإسلامية وافهم حاجة البعض إليها بوضوح، لأننا كعرب نعيش في دول غير مستقرة وغير قادرة على اتخاذ قرارات مستقلة. ولكن استغرب مما كتبت. اجبني بوضوح وصراحة،على ماذا استندت في طرحك؟ ولماذا لم يطرد الإسلام والمسلمون كل من ذكرتهم من البلاد التي فتحوها( في عرف الدين) - لنقل احتلوها( في عرف السياسة)- هل لسبب غير ديني يجهله علماء الفقه والشريعة الأفاضل لا يرد له نص في القران الكريم والحديث النبوي الشريف؟؟؟؟.... مع العلم أخي عبد الله، أن الإسلام تعايش مع أهل الكتاب، وغير أهل الكتاب منذ فجر بزوغه. والأمثلة على ذلك متعددة... أسوق كمثال العهدة العمرية. فالمسيحية وأتباعها يكنون الاحترام للبشرية ولكل ألأديان، وتعاليمهم تأمرهم بالمحبة والتسامح بلا حدود، والعمل لأجل السلام العالمي كي يكونوا فعلا أبناء الله. فما بالك يكون الوضع مع من يتعايش معهم من مسلمين . أتمنى أن لا تكون قراراتك قد اتخذتها نكاية بالغرب المستعمر. الغرب فصل الدين عن الدولة وتجاوز العلمانية نحو الحداثة وفصل الدين عن الدولة. وحروبه كلها اقتصادية .

خلال الحرب العالمية الأولى، تأكد لمسيحيي سوريا ما يدبره لهم ماكس من المهالك مع ميل الحكومة التركية إليه فسعى رؤساء الدين إلى زيارة الشيخ الفاضل العلامة بدر الدين الحسني( 1850 – 1930) فاخذ هذا الشيخ يقاوم هذه المبادئ بالنصائح لكل المسئولين وأعوانه، وأحيانا بالأحاديث والعظات الدينية التي كان يلقيها كل يوم جمعة... بذلك آتت ثمار جهوده بفوائد جلي ومنعت كل خَطب كان يمكن إن يحدث بواسطة الجهل وزرع بذور الفتن والفساد .

عزيزي القارئ هذه إحدى الخطب التي ألقيت في عهد هذا الشيح الجليل...

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

الحمد لله رب العالمين القائل:" واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ". وصلى الله عليه سيدنا محمد القائل:" المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ويؤلف، ويد الله في الجماعة ومن شذّ شُذَ في النار". وصلى الله على سيدنا عيسى المسيح روح الله القائل:"لا تقابلوا الشر بالشر فإنما يفعل ذلك شر الحيوانات وقابلوا الشر بالخير. طوبى للمتواضعين في الدنيا هم أصحاب المنار يوم القيامة. طوبى للمصلحين بين الناس في الدنيا هم الذين يرثون الفردوس يوم القيامة طوبى لمحبي السلام هم الذين ينظرون الله يوم القيامة".

وصلى الله على سيدنا موسى الكليم القائل:" إن ابغض الخلق إلى الله تعالى من تكبر قلبه وغلظ لسانه وبخلت يده وساءَ خلقه". وصلى الله على أبي الأنبياء إبراهيم الخليل القائل:" حسنوا أخلاقكم ولو مع الفجار تدخلوا مداخل الأبرار ". صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين وعلى الناهجين منهجهم الداعين إلى مكارم الأخلاق وأتباع الحق والصواب.

أما بعد فقد أخبرت سيدي علامة الزمان مرشد الأنام إمام المحدثين الشيخ محمد بدر الدين أدام الله تعالى نفعه العميم على الحركة القائمة اليوم في دمشق وضواحيها وهي حركة التطوع نرجو الله أن يجعلها حركة خير وبركة للوطن وأهله فكبر ودعا لما فيه رضي الله تعالى والنفع العام للوطن وأهله.

فعلى هذا ينبغي للمسلمين الاتحاد وجمع الكلمة العمومية مع أهل وطنهم من أهل المذاهب والطوائف الأخر المحترمين حيث نحن وهم على السواء فيما يضر الوطن أو ينفعه وان المصلحة العمومية واحدة ينفعهم ما ينفعنا ويضرهم ما يضرنا وان الإسلام يقول: " لكم ما لنا وعليكم ما علينا". قال رسول الله صلعم:" إلا من ظلم معاهدا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو اخذ منه بغير طيب نفس فانا حجيجه يوم القيامة" . وقال الإمام على رضي الله عنه:" من كانت لهم ذمتنا فدماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا ودينهم كديننا". فلهذا يجب توحيد الكلمة معهم والاهتمام بكلما يسرهم ويؤول إلى احترامهم وراحتهم وعدم الضرر والتعدي عليهم والإيذاء بهم لا باليد ولا باللسان. فقد قال النبي صلعم:"من قذف ذميا حدَ له بسياط من نار يوم القيامة". لان عند إخواننا بني الطوائف من الغيرة والحمية والمحافظة على الوطن ما عندنا حيث أن النفع والضرر سواء لنا ولهم. كما انه لا يجوز التعدي على احد من تبعة الأجانب ورعاياهم حيث أن حكمهم حكم أهل الأوطان لدخولهم الأوطان بوقت السلم فيقال لهم مستأمنين فلا يجوز لنا التعدي عليهم وينبغي أن تكون المظاهرات والاجتماعات ضمن الآداب الشرعية والأخلاق المرضية وبالتأني والتروي وعدم الطيش والهمجية وعدم التكلم بالكلمة الوحشية فانه من تأنى واتي البيوت من أبوابها نال ما تمنى .

ويد الله مع الجماعة ويد الشيطان التي هي الخذلان مع الطيش والتفرقة وسوء الإدارة والعجلة. فعليكم أيها الإخوان المسلمون التعاضد والتعاون على نفع الوطن وأهله بالطرق المشروعة وعدم التعدي على احد من الطوائف ومن الأجانب.

قال تعالي: " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته أيها السوريون الإخوان الأحباب.

الإمضاء
خطيب دار الحديث
محمد محي المكتبي

على دربك أيها الشيخ الجليل "محمد بدر الدين الحسنى" أتمنى أن يسير كل من نصب أو فكر أن ينصب نفسه زعيما لهذه الشعوب... ما أحوجنا اليوم إلى خطب دينية وطنية وحدوية تخرجنا من الصمت الرهيب الذي يخيم علينا...

أن وجود الظاهرة الدينية في مجتمع ما، أو غيابها في مجتمع أخر. تكونا في كلا الحالتين عاملا بناء أو هدما بحسب وجه استغلالهما.

--------------------------------------------------------------------------------------------

(1) للأمانة العلمية وللدقة. أخذت هذه الخطبة من صفحة 193من كتاب غلافه وصفحاته الأولى غير موجودة . وهو من الحجم الصغير. لذلك اعذروني لأني اجهل اسم الكتاب والكاتب. ولكن في صفحاته الأولى يوجد مجموعة من الصور لشهداء ، اذكرهم جميعا: من لبنان: باترو باولي ، نور القاضي، د. جرجي نصيف، المطران بولس عقل، محمد نجا العجم. ومن سوريا: جلال الدين البخاري،عزة بك الجندي، رفيق رزق زلوم، سلقاتروس سافيني البادي الكبوشي، عبد القادر الجزائري الصغير، عبد الرحمان باشا اليوسفي، من فلسطين:محمد أفندي البهائي،حافظ بك السعيد، عباس أفندي البهائي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا نحتاج لخطب دينية لانها أساس الكارثة
سلام عادل ( 2015 / 4 / 19 - 18:43 )
أستاذ صليبا: أساس الماساة في بلادنا هو الدين. باسم الدين اخذوا فلسطين. باسم نشر الدين استعمرت بلادنا من القرن السابع حتى اليوم بأطول وأشر استعمار وهو الاستعمار الاسلامي. باسم حماية الدين تدمر الان اليمن وسوريا والاثار في بلادنا. الدين لعنة وكارثة. نحن مشتاقون للعمل باسم الحب والخير والسلام وقبول الاخر. نحن مشتاقون ان نرى إنسانية الانسان لا دين الانسان. الدين دمار ولعنة. الناس في شرقنا بحاجة للتصالح مع بعضهم البعض والتعاون في الحياة والعمل لخير الجميع. الناس بحاجة لتعاليم رب المجد يسوع الذي قال اعملوا الخير للجميع، ولم يقل لأمثالكم من أبناء الدين الواحد. كل الديانات مجرمة بدون استثناء. الناس بحاجة ان يعرفوا اله المحبة وليس الديانات البشرية المصدر والمجرمة الهدف

اخر الافلام

.. #shorts - Baqarah-53


.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن




.. إيهود باراك: إرسال نتنياهو فريق تفاوض لمجرد الاستماع سيفشل ص


.. التهديد بالنووي.. إيران تلوح بمراجعة فتوى خامنئي وإسرائيل تح




.. مباشر من المسجد النبوى.. اللهم حقق امانينا في هذه الساعة