الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سد النهضة: غموض الإتفاق الإطاري....بؤس الدراسات (2-2)

محمود محمد ياسين
(Mahmoud Yassin)

2015 / 4 / 20
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


حول دراسات وتنفيذ المشروع

فى الجزء الاول من هذا المقال ذكرنا إن ” إتفاق إعلان مبادئ حول سد النهضة الاثيوبي“ بين السودان وإثيوبيا ومصر فى مارس 2015 كان إعلاناً بقبول دولتى المصب على قيام السد بحجمه ومكوناته الأخرى و إستمرار إثيوبيا في بناء السد كما خططت له من البداية كأمر واقع (fait accompli)؛ فقد إنحصر الإتفاق فى مسألة تشغيل السد فقط، وحتى فى هذا فإن المُتفق عليه، إنشاء آلية تنسيقية مناسبة بين الدول الثلاثة فيما يخص إدارة المشروع، لا يمنح السودان ومصر القدر الضرورى من الإشراف على عمل السد. كما أشرنا الى أن الإتفاق الثلاثى يمهد الى إقامة تكتل ثلاثى لدول حوض النيل الشرقى يتجاوز إتفاقية عنتيبى وتقوم طريقة عمله على اساس سياسة ”الأمر الواقع“. وفى هذا الجزء من المقال نلقى نظرة على المعالم الرئيسة للعيوب المنهجية فى دراسات السد وخطة تنفيذه.

ستظل إجراءات التخطيط والشروع فى تنفيذ سد النهضة الإثيوبى مثالاً كلاسيكاً للمشاريع التنموية الكبرى التى يجانب إعدادها التقيد بالقواعد المهنية والمنهجية السليمة. فمنهجية دراسات السد وتنفيذه شابها الإنضباط وكانت غير إحترافية (unprofessional) ولا تلائم أى مشروع ناهيك أن يكون بحجم سد النهضة العملاق. وأدناه عرضاً لأهم نقاط الخلل فى منهجية دراسات السد:

1. تجاهل العوائق (encumbrances) القانونية-العرفية الدولية التى تحدد إستعمال مياه الانهار الدولية والانتفاع بها الذى تجلى فى غمط إثيوبيا لحق دولتى السودان ومصر، اللتين يمر عبرهما النيل الازرق، فى المشاركة بطريقة مناسبة فى عملية دراسة وتنفيذ المشروع.

2. قصور دراسات الجدوى وعدم الشفافية حيال السودان ومصر فيما يتعلق بتفاصيلها؛ فقد عكس تقرير فى مايو 2013 للجنة الخبراء، التى أنشاتها دول السودان ومصر لمراجعة دراسات السد، أن دراسات السد الفنية والبيئية وتقويم المخاطر (risk assessment) ناقصة وتفتقد للعمق وتحتاج لمراجعة وتحديث فى ضوء معلومات جديدة تحصلت عليها اللجنة. وتجدر الإشارة الى أنه لا يوجد مؤشر الى أن تكلفة إنتاج الكهرباء من سد النهضة ستكون أدنى مقارنةً بخزان أقل حجماً نسبياً، وهذا يُعزى لرفض إثيوبيا إطلاع الاطراف المعنية بالوثائق الخاصة بالدراسات المالية والإقتصادية التفصيلية للمشروع.

3. عدم إكتمال الخطة المالية لتنفيذ المشروع

بعد أن أحجمت مؤسسات التمويل الدولية عن تمويل السد، نتيجة للنزاع الدائر حوله، وفقدانها لشروط التمويل الميسرة لتلك المؤسسات لجأت إثيوبيا الى إستجلاب القروض التجارية من الصين وإصدار سندات حكومية محلية للإكتتاب العام للجمهور، وجاء معظم الإكتتاب عن طريق إلزام البنوك التجارية المحلية على شراء السندات. لهذا السبب فإن إعتماد إثيوبيا على إكمال تمويل السد عن طريق البنوك التجارية فيه مخاطر كبيرة على الإقتصاد تتمثل فى تجفيف المصادر المالية للنظام المصرفى وبالتالى عدم مقدرته على توفير الإحتياجات المالية للقطاعين العام والخاص للإستثمار الراسمالى والتشغيل (راس المال العامل). وحتى هذه اللحظة غير معروف نسبة إكتمال الخطة المالية لتنفيذ المشروع وما إذا كان قد أثر فقر المصادر المالية على جودة المستلزمات الضرورية لبناء السد من معدات ونظم تكنولوجية.

4. فى التنفيذ لجأت إثيوبيا الى دفع الاطراف المتأثرة بالسد والمموليين لقبول المشروع، بالمواصافات التى حددتها بنفسها، إعتماداً على سياسة الامر الواقع. فلم تكن إثيوبيا جادة فى إشراك السودان ومصر فى إنشاء السد إذ لم تطلعهما على خططها ليس فقط عندما كان المشروع فكرة، بل حتى بعد البدء فى تنفيذه الذى فاجأت به العالم فى 2011. وهذا التصرف، تنفيذ المشاريع بسياسة الأمر الواقع، يجافى كل ما هو متعارف عليه فى إعداد وتنفيذ المشاريع. فليس غريباً المشاركة فى ملكية أو تمويل المشاريع تحت التنفيذ ولكن هذا يكون فى حالة المشاريع ذات الجدوى الفنية والإقتصادية العالية التى تستجيب لما يتوقعه الذين يمكن أن يشاركوا فيها. وعليه فإن المشاركين
المتوقعين لن يشاركوا بحكم الأمر الواقع فى أى مشروع بل بالفائدة التى يحققها لهم.

إذن القاعدة هى أن أفق دراسة المشاريع لا يمكن أن يغيب عنه أثر المشروع على الأطراف الأخرى: المستهلكين، المستثمرين الآخرين، الخ. وهذه قاعدة بديهية لا تحتاج لإثبات وقد تنطبق، بشكل أو آخر، على المجالات الاخرى؛ فحتى الذين يكتبون الروايات والقصص والشعر تزداد فعالية موضوعاتهم عندما لا تجعلهم صناعة الخيال (التخييل) والتعبير عن التجارب النابعة من ذواتهم يهملون إستحضار المتلقى الذى يريدون توصيل رسالة له من خلال ما يكتبون.

إن الشروع فى بناء السد على أساس دراسات ناقصة يجعل إحتمال قيامه على اسس غير سليمة كبيراً، كما أن التصرف الأحادى فى تنفيذه وبشكل مبتسر، على اساس الأمر الواقع، يفتح الباب أمام فوضى إستخدام مياه النيل مما يؤدى لاضرار مدمرة على الدول المشاطئة للنهر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الوساطة القطرية في ملف غزة.. هل أصبحت غير مرحب بها؟ | المسائ


.. إسرائيل تستعد لإرسال قوات إلى مدينة رفح لاجتياحها




.. مصر.. شهادات جامعية للبيع عبر منصات التواصل • فرانس 24


.. بعد 200 يوم من الحرب.. إسرائيل تكثف ضرباتها على غزة وتستعد ل




.. المفوض العام للأونروا: أكثر من 160 من مقار الوكالة بقطاع غزة