الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العقول النظيفة

طه رشيد

2015 / 4 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


الاعلام كفيل بتحقيق ما لم تحققه الرصاصة سواء كانت طائشة أم موجهة .. وتتجلى أهمية الإعلام وخطورته هذه الأيام أكثر من أي فترة أخرى لأن العراق يتعرض لاشرس هجمة في تاريخه اعلاميا وعسكريا .. هذه الهجمة تستهدف تاريخه الذي يمتد لالاف السنين. وقد رأى الجميع معاول الحقد الداعشية وهي تنهال على تاريخنا المضيء في المتاحف والمساجد وعلى قبور الأنبياء والأولياء التي تشكل ألوان قوس قزح تميز به العراق عن كل بلدان المنطقة. هذه الهجمة أثارت حفيظة العديد من الأصدقاء والاشقاء خارج العراق والذين تظاهروا احتجاجا، فيما المثقف العراقي، في الغالب الاعم،  اكتفي بتداول تلك الصورة المؤلمة على الفيس بوك! واليوم أصبحت تلك الجريمة الشنيعة في عداد الماضي المنسي.. وهنا لا نلوم الناس البسطاء على نسيانهم تاريخهم لانهم يجهلونه، ومرد ذلك يعود لتعنت الحاكم والمسؤول ليس اليوم فقط، بل منذ فتح العراق وضمه الى  العالم الاسلامي. لكننا نلوم من يمتلك أدوات المعرفة، ومن يخطط ويبرمج الكتب والدروس والمحاضرات المرئية والمقروءة والمسموعة.
 انزلوا الى الشارع واجروا استفتاء بسيطا حول تاريخنا السومري أو البابلي ..اسألوا الناس عن حمورابي، مشرع اول شريعة حكم في العالم وستتفاجؤون لا عن جهل العامة بل العديد من المتعلمين. تاريخنا، الذي يفترض ان نفتخر به، نمنع بقصد أو بدون قصد أن يتعلمه أبناؤنا. كيف تريدون لهم أن يدافعوا عن تاريخ يجهلونه ؟ عن وطن قضم من تأريخه الثلثين على أقل تقدير؟ عن بلاد توزعت آثارها بين عواصم مختلفة وأصبحت هناك قبلة للناس. لم يقولوا لنا بأن باب عشتار في بابل ليست الباب الأصلية! والأصل منها موجود في برلين، ليست على شكل بوابة بل مدينة كاملة ! ولم يقولوا لنا بأن مسلة حمورابي موجودة في متحف اللوفر، والتي بين ايدينا لم تكن سوى نسخة صنعناها قبل فترة قريبة! واذا قبلنا على مضض بوجود هذه الآثار خارج العراق لانها باياد أمينة ولكننا لا يمكن أن نقبل بتعميم الجهل بهذه الحضارة .. احصوا الافلام الوثائقية التثقيفية الاوربية عن هذه الحضارة وقارنوها بما انجزناه نحن فستجدون الفارق مذهلا. تصفحوا الكتب المدرسية في كل مراحل الدراسة وستجدون ربما اسطرا بائسة، وإن وجدت، فلا تنسجم بالمطلق مع تاريخنا المشرق. وربما أبالغ في طرح مثل هكذا تساؤلات فلأن معاول الحقد الأسود لداعش والتي انهالت على تاريخنا، وترى في تلك التماثيل اصناما، لا تختلف كثيرا، أو بالأحرى تتطابق مع تصورات مماثلة لعدد لا يستهان به ممن كان مسؤولا الى وقت قريب عن تربية أبنائنا! سأذكر هذه الحادثة : مر وزير ، متهم بالتلكؤ في  إنجاز مجموعة كبيرة من المدارس التي نلاحظها منتشرة في أكثر من مكان على شكل أعمدة فقط ومنذ سنوات! مر هذا الوزير وشاهد تماثيل في واجهة معهد الفنون الجميلة في المنصور، فأمر بتعلية الجدار كي لا يشاهد المارة هذه الأصنام على حد قوله. منو انت يا وزير؟ ومن أي نفق خرجت لنا وما فرقك عن ذلك الداعشي في موقفه من تراثنا؟ هل هذا قدرنا أن نتحول لحقل تجارب فاشلة على يد هذا المسؤول أو ذاك؟ هؤلاء الذين يحاولون جهد امكانهم تعميم الجهل لا العلم وتعميم التخندق لا الانفتاح! وتعميم الكراهية لا المحبة!  املنا بجديد اليوم في ان لا ينقطع شرط أن تكون هناك حركة موازية لهذا الجديد،منظمة أو عفوية، لصناع الثقافة الحقيقية، لمبدعي الجمال، ولخالقي الفن الراقي  .. الشعب الذي يجهل تاريخه المضيء لا يمكن أن يبني مستقبلا مضيئا. والفتن الطائفية التي تتصاعد بين فينة واخرى تتعكز على جهل العامة لهذا التاريخ المضيء.ولبناء مدينة نظيفة، ملزمون بالحفاظ على تأريخها، لا بد من وجود عقول نظيفة قبل كل شيء!
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تنشر أسلحة إضافية تحسبا للهجوم على رفح الفلسطينية


.. مندوب إسرائيل بمجلس الأمن: بحث عضوية فلسطين الكاملة بالمجلس




.. إيران تحذر إسرائيل من استهداف المنشآت النووية وتؤكد أنها ستر


.. المنشآتُ النووية الإيرانية التي تعتبرها إسرائيل تهديدا وُجود




.. كأنه زلزال.. دمار كبير خلفه الاحتلال بعد انسحابه من مخيم الن