الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أليزيا مفترسي الأفكار

مزوار محمد سعيد

2015 / 4 / 23
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



تقوم أية فكرة في أي مجال كان على مقوّماتها المادية مهما كانت ألوانها ومفاهيمها، مما يجعل الأمور العملية في يد الكسب، الذي يحتوي المعاني كافة في دائرة التناسق، الذي ينشأ ما بين العمل ذاته والتعامل معه، وفق الأطر الموجودة في حواشي الدوائر الإنسانية كلها.
يكون من المعقول أن يستيقظ الفرد الإنساني يوميا ليخوض في يومه بلا تردد، وكأن العالم الذي يسير وفقه هو ما يمكنه من صناعة كل معطياته فرديا، ربما هو وهم، وربما هو حلم، لكن ما بينهما يقع الإنسان، أو يقع البشر، فيكون على كل الأفراد التقيّد بما لهم من تعطيلات والتوافق معها، لما يكون من الناحية العملية تقديرا لما هو متضمن في العلاقة المشتغلة على قوامها الفكري عند كل لحظة تصرّف في مفاعيلها التطبيقية، وهو ما يساعد الفرد على تسيير الأعمال بما لها من تعقيدات في الميادين كلها، فتسقط كل تداعياتها على النفسية الإنسانية، ليكون من الجاهز الأخذ بفكرة الأصل الأوّل على أنها من تدبير الأساس المرادف للفعل الإنساني في استقلاليته عن التسيير الجماعي لكافة أطراف الروح المتجلية، في طاقات التعاليم الشخصية لكل عينة من العينات البشرية.
لا يمكن للفرد الإنساني أن يعيش في معزل عن أية فكرة، الأخذ بالفكر هو الحالة الطبيعية للفرد الإنساني مهما كان مصدر هذه الفكرة ومنبعها وتأثيرها ومدى تأثرها، إذ الاشتغال عليها أو التطعيم بها هو من مسارد التصفية الروحية المكثفة، لكنّ البشر على اختلافهم لا يتمكنون من الـ: (coneord) كونه من أفاعل العمليات النفسية التي تنتج الروح الخاصة فعلا.
من المفيد جدا أن يرى الفرد الإنساني ذاته تتحدث بلا أحكام عن روحه في جوفه، بلا حسابات المجتمع والثقافة، بلا علاقات المصالح والسياسة، فلا زجر الصرامة الفينومينولوجية ولا الترهيب الديني هو ممسك بخيوط الأرواح ذاتيا، كون أنّ المسالك العاطفية كلها هي مصادر الحياة التي تسيّر حياتها بتفاصيلها وأبعادها.
لقد انتحر روميو على صفائح العذوبة إن عندما علم بأنّ الفكرة التي تحرّكه هي من مصدر صحراوي خالص، من مصدر جاف، وبالتالي على التعليب المعرفي-الفلسفي أن يكون أكثر اتقانا عندما تحاول الإنسانية التعبير عن مفاهيمها بشكل أكثر تمويه لها، لا يمكن أن تعود الإنسانية إلى تقرير من هو روميو؟ لكنها لن تتمكن من تجاهل روميو الذي نشأ في الداخل البشري لأوّل مرة بأصالة لا نظير لها، ولا امتداد إليها.
لم يعد اليوم الحجاب المعرفي-الفلسفي استنكاريا محضا وهو يساند الأفعال الإنسانية في كل صورها، فلا يصبح الإنسان على هيئته وهو بدون ورقة بشريته مستحضرا، بل إنّ التقريب المقارن ما بينه وبين العلاقات الإنسانية هي التي تحدد مدى تعلّق المقادير ببعضها، فلا تصبح في كافة الأحكام من اشتراك سوى عملات الانتاج-استهلاك، لكنها ليست اقتصادية خالصة؛ فهي قائمة على عناصر روحية صرفة.
لا تهم الحالة النفسية عند الغالبية الكبرى من البشر، كونهم تعلّقوا بالطائفة الثالثة في حياتهم (المادة)، وهي مجموعة بشر يحافظون على انتسابهم إلى بؤسهم العذب واللذيذ الذي يرهقهم بلا رحمة، لكن يبقى من الضروري التأكيد على أنّ العالَم الذي يسيّره الترقيع سيأتي يوم مهما كان بعيدا، ويمزق كل الرقع لتظهر الروح بكافة تجلياتها المهترئة؛ صناعة المادة من فكرة أصلية وأصيلة هي عملية فعّالة جدا، لكن أن يصبح الفرد الإنساني مجرّد بيدق بين أنياب أفكار لا تأثير لها سوى التأثّر بما ليس لها أو في صالحها، فهو طريق إلى الهلاك الروحي بطريقة درامية مروّعة.
لقد سارت الأفراح بجانب الإنسان في كل أطوار حياته، إنها لغة تترجم مدى توفّر الإنسان على طاقة بإمكانها تخليصه مما هو فيه، وعلى أساس مثل هذا يكون من الضروري أن يعود الفرد الإنساني إلى الاستمتاع بلحظاته الروحية كلما أحسّ بالضغط، فإنه وُلِدَ ليكون فرحا.

ملاحظة:
العنوان مقتبس من محاضرة لمالك بن نبي باللسان الفرنسي في الجزائر العاصمة بتاريخ: 24/02/1964م، ونشرت كاملة بجريدة "الشعب" في فيفري سنة 1964م؛ بعنوان: مشكلة المفهومية (De L’idéologie).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد كيف تحولت رحلة فلسطينيين لشمال غزة إلى كابوس


.. قتلوها وهي نائمة.. غضب في العراق بعد مقتل التيكتوكر -فيروز أ




.. دخول أول دفعة من المساعدات الإنسانية إلى خانيونس جنوبي قطاع


.. على وقع التصعيد مع إسرائيل .. طهران تراجع عقيدتها النووية |#




.. هل تتخلى حركة حماس عن سلاحها والتبعية لطهران وتلتحق بمعسكر ا