الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم الله

محمد علي عبد الجليل

2015 / 4 / 25
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


إن أحد تعريفات الله هو أنه سكون مطْلَق. والخَلْقُ اهتزازُه. الله هو المبدأ الكلي للوجود والجوهر الأسمى اللامادي. يُـــعَــــرِّفُه المسْلمون بأنه "نُوْر السماوات والأرض" و"ليس كمِثْله شيءٌ"، أيْ لا صورةَ له، أيْ لامُــــتَــــجلٍّ. ويُـــعَـــــرِّفونه بأنه "الله أكبر"، أيْ لانهائي. وهو الخالق الأعلى العليُّ المتعال. "مهما تصوَّرْتَ ببالكَ فالله بخلاف ذلك." لأنَّ كلَّ ما خطرَ ببالكَ فهو شيء، والقرآنُ يقول: "كلُّ شيء هالكٌ إلاَّ وجهه". يرى المكزون السنجاري أنَّ الموجوداتِ هي هو لا هو هي: "-أراني فيكَ موجودًا / وعني أنتَ منفرِدُ." ويرى السُّنَّةُ أنه ينبغي الإثباتُ [إثباتُ الصفات] بلا تشبيه anthropomorphisme والتنزيهُ بلا تعطيل [بلا إنكار الصفات]. وتؤْمنُ المسيحيةُ الرسميةُ بأنَّ الله واحد، كلِّي القدرة، ضابط الكل، أصْل كل شيء، لا بداية له ولا نهاية، خالق السماوات والأرض وخالق كل نفس، يتجلَّى في ثلاثة أقانيم، أو صور، كلها مشتركة في الطبيعة الإلهية الواحدة. واللهُ محبة، أيْ وعيٌ كوني فائق.

ولكنَّ الله الذي يقدِّم له البشرُ الصلواتِ والقرابينَ هو، في المنظور السِّرَّاني، ﭭ-;-يراج Viraj أو شيـﭭ-;-ـا Shiva، اللوغوس الكوكبي، الإله المتجلِّي الذي يبدع المستوياتِ الدنيا الأربعة للنظام الشمسي. لقد وردَ في كتاب الهندوس الـبْـهَـغَـفـَدغيتا أنَّ المُطْلَق يتكلَّم قائلاً:
عندما يطلع النهار، كل ما هو متجلٍّ
يولد من اللامتجلِّي.
وعندما يهبط الليل، يتلاشى المتجلِّي في "ذاك"،
اللامتجلِّي.
يوجد في الحقيقة شيء أعلى [أسمى] من اللامتجلِّي؛
إنه لامتجلٍّ آخر، أبدي، خالد، لا يتلاشى
عندما تفنى كل الأشياء.
هذا اللامتجلِّي الآخر، هو اللافاني،
وهو يدعى "الطريق الأسمى".
وأولئك الذين يبلغونه لا يعودون مرة ثانية للتجسد.
هذا هو مكان إقامتي السرمدي.

الألوهةُ مستويات إنْ جاز القولُ: 1- اللامتجلِّي الأول (ذاتُ الذاتِ، غيبُ الغيبٍ، الغيبُ المُطْلَق)؛ 2- اللاَّمتجلِّي الثاني (الذات أو الغيب)؛ 3- المتجلِّي الذي يلبس صفاتٍ ويحتجب وراءَ ألفِ ألفِ حجاب (الله المبدع الخالق). يقول ابنُ عربي:
وأما الذاتُ من حيث هي فلا اسم يدلُّ عليها إذْ ليست محلَّ أثر ولا معلومة لأحد [...] فلا يعْـلَم اللهَ إلاَّ اللهُ. فالأسماءُ بِنا ولنا ومدارُها علينا وظهورُها فينا وأحكامُها عندنا وغاياتُها إلينا وعباراتُها عنا وبداياتُها منا.
فلولاها لَـمَـا كُـنَّـا ولولانا لما كانـتْ.
بِها بِـنَّـا وما بِـنَّـا كما بانتْ وما بانَتْ.
فإنْ خفِيَتْ لقد جلَّـتْ وإنْ ظهرَتْ لقد زانتْ.
الله هو رمزٌ جمعي، رمزُ الرموز بحسب كارل غوستاﭪ-;- يونغ Carl Gustav Jung (1875 – 1961). فالنماذج البدئية المشتركة بين البشر والتي تؤلف الخافية الجمعية (اللاوعي الجمعي) يُعبِّر عنها كلُّ دِين بطريقته ولكنَّ الأديانَ كلَّها تُعبِّر عن رمز واحد.

يمكن تعريف الله من أربع وجهاتِ نظر:
1. من وجهة نظر أونطولوجية: الله هو المبدأ الواحد والأسمى للوجود الكلي: أ)- إما كجوهر مُحايث (حالٍّ، ماثل، ملازم) immanente في الكائنات؛ ب)- وإما كعلَّة متعالية (متنزِّهة)transcendante تخلق العالَم خارجًا عنها؛ ج)- وإما كغاية للعالَم. إنه المحرِّك الساكن moteur immobile بحسب أرسطو. وقد لخَّصَ الفيلسوفُ الفرنسيُّ إيتيين ﭭ-;-ـاشيرو É-;-tienne Vacherot (1809 – 1897) الأفكارَ الثلاثَ السابقة بقوله: "الله كائن الكائنات، علة العلل، غاية الغايات: هذا هو المطْلَق الحقيقي."
2. من وجهة نظر منطقية: الله هو المبدأ الأسمى للنظام في العالَم وللعقل في الإنسان وللتوافق بين الفكر والأشياء.
3. من وجهة نظر ثيوصوفية: الله هو الوعي المطلق، الحضور الدائم، الانتباه الكلي. وبالتالي أَكُـــونُ اللهَ بقدر ما أكون حاضراً منتبهاً واعياً.
4. من وجهة نظر مادية: الله كائن شخصي أعلى من البشر يُلقي الأوامرَ ويقطع العهودَ وتُرفع إليه الصلواتُ. ويكون عمومًا حاميًا لقبيلة أو لشعب أو لمجموعة عرقية أو قومية، كآلهة اليونان وآلهة طروادة وإله إسرائيل. فيكون الإله جَدًّا أو قائدًا محاربًا أو مشرِّعًا أو قاضيًا. وهنا يمكن أنْ يتعدَّدَ ويمكن أنْ يتعادى مع إله آخر لجماعة أخرى ويمكن أنْ يتكلَّم. وكلُّ جماعة تدَّعي أنَّ إلهَها أحسنُ الآلهة: "أتدْعون بعلاً وتذَرون أحسنَ الخالقين؟!" هذه النظرة عن الله هي أصل فكرة الله في الديانات الإبراهيمية. فمع تطور الفكر الديني الإبراهيمي تحوَّلَ القائدُ المحاربُ المقيَّد بزمان ومكان إلى رمزٍ مجرَّد مطْلَق (إله) يسكن في ضمير الأمة أو الشعب، في اللاوعي الجمعي (الخافية الجمعية)، ولكنه حافظَ على بعض صفات النموذج الأصلي ومنها الكلام. فالله هو صورةُ الإنسان، وليس الإنسانُ صورةَ الله. الإنسانُ هو الذي خلقَ اللهَ على صورته ومثاله. فالله في المنظور الإبراهيمي يتكلَّم ويتألَّم ويغضب ويرضى ويعتب وينتقم ويأمر أتباعَه بالقتل كأي قائد عسكري.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - صورة مشوهة اخرجها عقل متخلف
محمد البدري ( 2015 / 4 / 26 - 05:11 )
أي صورة محايثة، متخيلة، مستنبطة من تصورات عقلية عن شئ اسمه الله هي ضلال وخزعبلات عقل. فالعرب تصوروه ووصفوه بصفات يستحيل ان تتحقق لانهم غير منطقيين في تصوراتهم الذهنية وللحقيقة فقد نقلوا تصورات قبائل مترحلة سابقة تاريخيا عليهم بكل ما في صورة الله لديهم من تشوه انساني عن ذواتهم. فليس هناك افضل من التوراة والقرآن لنعرف كيف كان يفكر عقل البدوي صاحب التصور النهائي لشئ تطور عبر تطور الحضارات في المنطقة الي ان وصل الي مرحلة كانت القطيعة مع الفكرة واجبة.


2 - خلقناه علي صورتنا
مجدي سعد - سير جالاهاد ( 2015 / 4 / 26 - 22:04 )
خلقناه علي صورتنا

هذه الجملة تنسب الي الله المزعوم عن خليقته (الانسان) الا ان المدقق الحصيف يجد ان هذا اسقاط والامر معكوس تماما بمعني ان الانسان خلق الاله علي صورته او بالاحري الصورة التي يتمني ان يكون عليها .. او بلغة علم النفس الانا الاخري (الاعلي)
ego

الغريب انه بالرغم من الجملة -الاية- الشهيرة بان الاله ليس كمثله شيئ الا اننا نري كتب الدين مليئة باوصاف له كلها بشرية .. مثلا بأن له وجه وساق ويدين(كلتاهما يمين! كما لو ان اليسار نجسة؟ يعز علي هذا لاني اعسر!).. الي اخره

الحقيقة ان وصف الاله بأنه -ليس كمثله شيء- في ما يسمي الكتب السماوية ما هو الا محاولة -للتعجيز- وليس وصفا في حد ذاته .. والمنطق يقول ان الاله القادر علي كل شيئء بالقطع قادر علي وصف ذاته بدون اللجوء الي الاعتراف بعجزه هذا

ملحوظة بسيطة .. هذا المعني ورد في التوراة قبل القران .. ففي سفر إشعياء40 عدد18:
فبمن تشبهون الله وأي شبه تعادلون به

Isaiah 40:25
To whom then will ye liken me,´-or-shall I be equal? saith the Holy One.

مع تحياتي


3 - الله اكبر
مجدي سعد - سير جالاهاد ( 2015 / 4 / 26 - 22:37 )
اضافة الي تعليقي السابق

سيدي الكاتب

لفت نظري قولكم بأن المسلمون يعرفون الاله بأنه الله اكبر أي لا نهائي

اسمح لي أن اختلف معك فكلمة اكبر لا تعني لا نهائي .. المعني واضح .. كبير واكبر كما في قبيح واقبح

اما عن اصل -الله اكبر- قبل الاسلام فقد كانت العرب تعبد ضمن الهة اخري اله القمر واعتبروه كبير الالهة أو الله اكبر

وفي الاغلب هذا هو اصل اتخاذ الهلال رمزا للاسلام ووضعه علي قمة المآذن

مع تحياتي


4 - لسبب ما سقطت كلمة Alter
مجدي سعد - سير جالاهاد ( 2015 / 4 / 26 - 22:43 )
في تعليقي الاول الصحيح هو

ego

وليس

ego
فقط والا لما استقام المعني .. اسف للسهو


5 - الأخ مجدي سعد معك حق
محمد علي عبد الجليل ( 2015 / 4 / 26 - 22:43 )
معك حق في أن عبارة (الله أكبر) لا تعني لغوياً ولا تاريخياً أن الله لانهائي بل تعني أنه أكبر من باقي الآلهة. ولكن قدمتُ تفسيرَ كثير من المسلمين بأن المعنى هو أن الله لانهائي.
تحية ومحبة لك.


6 - خطبة الامام علي عليه السلام في التوحيد
عبد الله اغونان ( 2015 / 4 / 26 - 23:37 )

لمعرفة صفات الله في الاسلام ليس هناك من توسع فيها بدقة من الامام علي كرم الله وجهه

يراجع الرابط

خطبة الامام علي عليه السلام في التوحيد
--------------------------------------

وهذه الخطبة تبدأ بقوله

ماوحده من كيفه ولاحقيقة أصاب من مثله.....الخ

اخر الافلام

.. حكاية -المسجد الأم- الذي بناه مسلمون ومسيحيون عرب


.. مأزق العقل العربي الراهن




.. #shorts - 80- Al-baqarah


.. #shorts -72- Al-baqarah




.. #shorts - 74- Al-baqarah