الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


طائرُ اللّقلق..قصة قصيرة

جمال حكمت عبيد

2015 / 5 / 4
الادب والفن


لم أعد أتذَكّر تأريخ ولادتي ، لكني أعرف كيف وصلْت إلى هذا المكان... يومَها حمَلَني طائرُ اللّقلق حلّق بيّ بعيداً ورماني عند باب قصر أحد المسنّين، المتمكنين ... وقف فوق المدخنة العالية ينتظر من يلتقطني .. كنتُ ملفوفاً بقِماطي. أخرسٌ لا أنطق ،أرقَب من يأتي لي ويأويني... فجأة فُتِحَت باب القصر، يدٌ امتدت نحوي حملَتني داخل القصر.. وضعَني في غرفة طويلة، رأيت فيها الكثير من المقمَّطين مثلي!!. طرحني على السرير وتركني .
خيالاتي في تلك اللحظة زاحمت أفكاري، تُذَكرني بسابق حياتي التي فقدتها بأحداثٍ متسارعة ...وكيف فقدتها ؟؟ لا أدري.
سؤال حيّرَني: لماذا هذا العجوز يهتم بيّ وبغيري ؟
أنظرُ إلى المقمَّطين من حولي، منهم من يشبهني ومنهم من يختلف عني. عرفتُ حينها إن العجوز يهوى جمع المقمَّطين كجامع الطوابع..
كان هناك من يداريني ويطعمني ..في اليوم التالي أقبل الرجل العجوز نحوي، فتح التحقيق معي ، سألني عن أسمي وعن حالي. صعبَ عليه لفظ أسمي؛ لكن لم يصعب عليه معرفة حالي. . بعد أن اِستقرَ معه أمري أماطَ القِماط عن جسمي، واستغربتُ برؤية حالي !! يدايّ قصيرتان جداً ورِجْلايَّ طويلتان لا يناسبان حجمي، كنت صغيراً لكن عقلي كان كبيراً ، يُذكرني بأني قد عشت حياة أخرى . اِلتَفَتُ إلى الرجل العجوز.. قلت له:
لماذا يدايّ قصيرتان هكذا...انها ليست مثل يداك؟؟
قال: ألا تدري.. تذَكَر جيداً ؟؟
سرَحتُ مع نفسي، تذَكَرت حالي القديم وحال أترابي ، عادت بي ذاكرتي إلى مدرستي الإبتدائية ، تذكرت فيها ضرب المُعلِم لنا بالعصا، والخوف منه يلاحقنا، نخفي أيدينا تحت آباطنا كي لا يؤذينا...وكم مرة في صبانا وضعناها داخل جيوبنا، نحمل رسائل الغرام فيها...
كبرنا وكبرت فينا عادة اِخفاء أيادينا، تحضن كتبنا الممنوعة! نخفيها تحت ملابسنا، نخاف أن تسقط منا فتفشينا... مضت الأيام وأصبحنا لا نطيق حال بلدنا، نتوق إلى التغيير، نبحث عن الحرية ، نريد أن نبرهن للناس نتاجاتنا بأيدينا... وفي أول ظهور لها باتت مكبلة بأصفاد حديدية... ومع مرور الأيام والسنين قَصرَت وما عادت تحمينا.
عدتُ في سؤالي للرجل العجوز عن رِجْليّ لماذا طويلةً هكذا، انها لا تناسب حجمي؟
قال :ألا تدري.. تَذَكَر جيداً ؟؟ أنت من عاش هناك..
توّهتُ عنه رأسي، ذهبت أبحث عن أسباب طول رِجليّ .. فتبين لي أنها كانت العَون لي ولأترابي.. أرجلهم طويلة مثل رِجليّ، نتسابق بها عند اللهو في أيام الطفولة.. كبرنا وكبرت معنا أرجلنا وصارت منقذنا في بعض الأحيان من رجال الأمن كي لا يمسكونا ويتَهِمونا بتنظيم معادي للحزب الحاكم .. ولمّا اِشتدت الحروب.. طالت أرجلنا أكثر، تُعيننا في الكرِّ والفرِّ...
آخر مرة اِستخدمتها عند هروبي من وطني ،سابقتها مع الريح كي لا يعتقلني حرس الحدود حتى بلغتُ دليلي.. بعدها أُغْمِي عليّ وجاء طائرُ اللّقلق يحملني.
اِحتار العجوز في أمري.. قال لي : لو تغير الحال في بلدك.. هل ترغب العودة اليه؟؟
حدّقتُ بوجهه و لم أجبه.. من قهري ومن تعبي ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مغازي واسعة
ياسين لمقدم ( 2015 / 5 / 4 - 23:40 )
قصة رائعة جدا... تحياتي.


2 - الاستاذ ياسين لمقدم
جمال حكمت عبيد ( 2015 / 5 / 7 - 21:30 )
أسعدني ما ابديتموه من اعجاب لقصتي...معاناتنا واحدة ياسيدي

تحياتي
جمال حكمت عبيد

اخر الافلام

.. حفل تا?بين ا?شرف عبد الغفور في المركز القومي بالمسرح


.. في ذكرى رحيله الـ 20 ..الفنان محمود مرسي أحد العلامات البار




.. اعرف وصايا الفنانة بدرية طلبة لابنتها في ليلة زفافها


.. اجتماع «الصحافيين والتمثيليين» يوضح ضوابط تصوير الجنازات الع




.. الفيلم الوثائقي -طابا- - رحلة مصر لاستعادة الأرض