الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن والتاريخ

هويدا احمد الملاخ

2015 / 5 / 12
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


ما دفعني لكتابة هذا المقال هو مشاهدة احد البرامج التلفزيونية لإحدى المذيعات ، تسأل وترد على نفسها فى نفس الوقت !!
"هو احنا ليه كانوا بيحفظونا فى المدرسة فى مادة التاريخ بنود اتفاقية لشخصيات ماتت واحداث احنا لم نعاصرها !! انتهت وخلصت ..!!! اية الفايدة اللى هتعود علينا من حفظها وكتابتها فى الامتحان !! اعتقد انى دة تخلف !!!!"
فى الواقع هذا الانطباع للبعض عن علم التاريخ باعتباره علم ليس له أهمية فى مجتمعاتنا ، يرجع فى الأساس إلى الطريقة الخاطئة التي يدرس بها علم التاريخ فى مراحل التعليم المختلفة ، وتحصيل حاصل نتيجة توجيه فكر الطلاب إلى أن علم التاريخ مادة إنشائية ، واتخاذ مبدأ أحفظ واكتب لكي تنجح ، دون ان تفهم لماذا تدرس معاهدة واو حدث تاريخي انتهى من عشرات او آلاف السنيين !
الكثير منا لا يعرف بان علم التاريخ قد اتخذ مكانه عظيمة عند المسلمين بتوجيه القرآن الكريم
فقد ذكر الله عز وجل في كتابة العزيز:
"فاقصص القصص لعلهم يتفكرون" الأعراف 176 .
" أو لم يسروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم" الروم9.
" قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين " الأنعام 11 .
"لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب" يوسف 111 .
" إن هذا لهو القصص الحق" آل عمران 62 .
من الآيات السابقة نستنتج أن القران الكريم طالب الإنسان المسلم بالمعرفة الثقافية التاريخية من خلال طرح القصَّة القُرآنيَّة، وقصص القُرآن أصدق القصص؛ لقوله تعالى : "وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا " النساء 87 ، و التي تُعَدُّ لونًا من ألوان التاريخ، الذى ربْط الأحداث بأزْمانها، وهكذا تكونُ الأشخاص في القصَّة القُرآنيَّة جُزءًا من أحداث حياة زمانها ، ويستبصرُ الانسان بالسُّنن الربانيَّة الجارية في الكون وأحداثه ووقائعه، وحتى يعلَمَ عواملَ قِيام الأمم، وأسباب سُقوطها وإهلاكها .
وجاء عرض الأحداث والمعلومات التي جاءت بها القصة في مواضع متعددة من القران ، بحسب تسلسلها التاريخي المستفاد من القرآن الكريم، بحيث تتكون لدينا صورة عن التسلسل التاريخي للقصة ، يمتاز بالواقعية، والصدق، والحكمة، والأخلاقية .
وتظهر القصة دعوة محمد صلى الله عليه وسلم ليست بدعاً في تاريخ الرسالات وإنما هي وطيدة الصلة بها في أهدافها وأفكارها ومفاهيمها ، وتوضح الوحدة العميقة الجذور منذ القدم للأمة المؤمنة بالإله الواحد ، كما تبرز وحدة الوسائل والمناهج التي اتبعها الأنبياء، ووحدة أساليب مجابهة أقوامهم لهم.
لاشك بان التاريخ الموثق يُمكِّن من معرفة حقائق الأحداث والوقائع ومدى صدقها ، فقد كان حديث الرسول عليه الصلاة والسلام عن أخبار الأمم السالفة وأنبيائهم ورسلهم بهذه الدقة والتفصيل والثقة والطمأنينة، مع ملاحظة ظروفه الثقافية والاجتماعية كل ذلك يكشف عن حقيقة ثابتة وهي تلقيه هذه الأنباء والأخبار من مصدر غيبي مطلع بواطن الأمور، وهذا المصدر هو اللّه سبحانه وتعالى .
ونظرا لأهمية التاريخ فى تاريخ الأمم فقد سألت اليهود المصطفى صلى الله عليه وسلم عن أحداث فى التاريخ هم أنفسهم كانوا يعلمون عنها القليل فسألوه عن أهل الكهف وقصتهم وعددهم ، وسألوه عن الملك الذى جاب أطراف الأرض وغيرها ، من أحداث التاريخ الغير معلوم إلا القليل من خاصة أحبارهم ، فأجاب عنه المولى عز وجل فى سورة الكهف ، فأورد قصة سيدنا موسى مع الرجل الصالح (الخضر) كذلك قصة ذى القرنين، وقصـة أهل الكهف وأوردت القصص الكثير والكثير من العبـر .
كما وقعت أشاعه اليهود أن النبي صلى الله عليه وسلم أسقط فيه الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادة معاوية و سعد بن معاذ ، وعند التحقيق والتدقيق يتبين أن معاوية أسلم بعد الفتح، و سعد قد مات يوم بني قريظة، قبل خيبر بسنتين، وبهذا نعلم عدم مصداقية هذا الخبر ، هنا تظهر جليا مدى أهمية علم التاريخ !
ان تحديات عصر العولمة الذي نعيشه يحتم علينا إعادة النظر فى الطريقة التى يدرس بها التاريخ للأجيال الصاعدة ، لان علم التاريخ يعد من اهم موارد التشكيل الثقافي للأمة ، وعلم التاريخ نبراساً وهادياً للأمم في حاضرها ومستقبلها ، والحارس الأمين للهوية والخصوصية الحضارية ، وهو المفتاح الرئيسي لكل محاولة نهوض أو إصلاح أو تغيير ، لان من صفحاته تقرأ الأمم والشعوب .
ويوضح ما سبق ما قاله " ابن خلدون " في مقدمته " أعلم أن فن التاريخ فن عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية ، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضيين من الأمم في أخلاقهم ، والأنبياء في سيرهم ، والملوك في دولهم وسياستهم ، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا ، فهو محتاج إلى مأخذ متعددة ومعارف متنوعة ، وحسن نظر وتثبت يفضيان بصاحبهما إلى الحق ، وينكبان به عن المذلات والمغالط " .
ومن علماء التاريخ من قال : "أن قراءة التاريخ تضيف لقارئه عمراً ثانياً ، وإنها من ثم – تضاعف العمر ، لأنها تضيف إلى عمر القارئ عمر الشعوب والقادة والأبطال الذين قرأ تاريخهم عن طريق إكسابه خبراتهم ، وجعله يعيش ما عاشوا من أحداث ووقائع وأيام" .
وأخيرا.. اختتم الحديث بيت شعر لأمير الشعراء :
مثل القوم أضاعوا تاريخهم كلقيطٍ عيّ في الحي انتسابا !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الضربات بين إيران وإسرائيل أعادت الود المفقود بين بايدن ونتن


.. الشرطة الفرنسية تعتقل شخصا اقتحم قنصلية إيران بباريس




.. جيش الاحتلال يقصف مربعا سكنيا في منطقة الدعوة شمال مخيم النص


.. مسعف يفاجأ باستشهاد طفله برصاص الاحتلال في طولكرم




.. قوات الاحتلال تعتقل شبانا من مخيم نور شمس شرق طولكرم