الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لعنة الإصلاح

شادي كسحو

2015 / 5 / 12
كتابات ساخرة



قلّب ناظريك في هذه الأمة كيفما شئت، فلن تجد إلا المصلحين، في الشارع والمشفى والمدرسة والجامعة وشاشات التلفزة وحتى في بيوت الدعارة. الكل يريد إصلاح الكل. هذا يريد إصلاح العقل وذاك يريد إصلاح الدولة وتلك تريد إصلاح المجتمع وأولئك يريدون إصلاح الأمة وهلم جرا. الكل في هذه الرقعة الجغرافية الآيلة للانقراض، يدعي الإصلاح أو يمارسه، أو في أحسن الأحوال يتحدث أو يكتب عنه. هذه الحاجة إلى الإصلاح غزت العقل العربي إلى الأبد، فالتوق إلى أن تكون نبياً أو مصلحاً هو أشبه ما يكون بلوثة أولعنة أصابت العقل العربي منذ أعلنت النبوة قبل 1500 عام.
كم كان الكاتب الفرنسي ايميل سيوران موفقاً عندما قال: داخل كل إنسان يرقد نبي... لو علم سيوران أنه في اليوم التالي لوفاة النبي محمد بن عبد الله سيدعي أكثر من ثلاثمئة شخص النبوة وعلى رأسهم السيدة سجاح بنت الحارث، لقال: داخل كل إنسان يرقد نبي وداخل كل عربي يرقد جميع الأنبياء والمصلحين في العالم.
أذكر أنه عندما قام الرئيس شكري القوتلي بالتخلي عن السلطة لجمال عبد الناصر إبان الوحدة السورية مع مصر قال له: ها أنا أسلمك بلداً يظن غالبية شعبه أنهم رؤساء ويعتقد ما تبقى منهم أنهم أنبياء.
ما من مصلح أو داعية إلا ويعتقد أن نظريته هي الوحيدة الصالحة والممكنة في كل زمان ومكان، وأن علينا أن نقتنع بها أو تفرض علينا فرضاً. إن المصلح لا يرى فينا أكثر من كائنات بلهاء، ليس في وجوهنا قطرة دم، ولا معرفة لنا بالمنطق أو الحياة ، وأننا متلهفون لقدوم هذا المصلح الذي سينقلنا من غياهب الجهل إلى دياجيير العلم والنور.
طمس الذات، محو الفردانية، التغلغل في العقل والذهاب إلى سلبه أغلى ما يملك وهي التفرّد والفذوذية. أي قوة تجرأ على مثل هذه الأهداف غير ايديلوجيا الإصلاح أو نذر السماء الموحى إليها؟.
إن أمة استهلت مشوارها الحضاري بمصلح وهي تنتظر مصلحاً آخر سيهبط عليها من السماء على حين غرة، لهي أمة تستحق الرثاء والنحيب وربما العويل أيضا.
انظروا إلى التاريخ. ما من أمة سلمت زمام نفسها إلى رجال السماء أو المصلحين، إلا وغاصت في الدماء حتى الأذنين، صحّ هذا في الماضي ويصح الآن كما سيصح في المستقبل.
بالنسبة إلي، إنه كاف أن أسمع أحدهم يتحدث بعفوية عن تجاربه الجنسية، أو عن أحلامه وكوابيسه، من أن أسمعه يتحدث عن إصلاح المجتمع؛ بل إن شخصاً، يتحدث بثقة عن رغبته في إصلاح المجتمع، كاف لأعتبره نذيراً بايديلوجيا قادمة، أو لأرى فيه دكتاتوراً صغيراً أو مشروع جلاد.
لا تجادل شخصاً يدعي الإصلاح أو ينصب نفسه مرشداً أعلى للحداثة والتنوير. فأنت، بالنسبة له، لا يمكن أن تكون إلا تابعاً أو عدواً؛ تلميذاً نجيباً أو خصماً تافهاً. وما من تفسير لهذا التوجه سوى أن كل نزعة إصلاحية، إنما هي في العمق رغبة في امتلاك الحقيقة، كل الحقيقة؛ بل ويمكنني القول بأنه ما من شخص أو كتاب ذو نزعة إصلاحية إلا وهو كتاب تحريضي على الإقصاء والنفي سابقا ثم على القتل والذبح لاحقاً . وهذا ما يفسر القول الشهير: إنه لا توجد حروب طاحنة إلا ووراءها كتاب مقدس.
أأقول لكم؟ مسكينة تلك الأمة التي مازالت بحاجة إلى أنبياء ومصلحين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - إلى الدكتور ياسر العزيز
شادي كسحو ( 2015 / 5 / 15 - 21:22 )
صديقي العزيز ياسر
لاتوجد كلمة في العالم تستنفد ما تسميه، ومع ذلك فهذا لاينفي رغبتنا بكلمة أو بمفهوم تحاول أن تأسر الواقع أو تقبض عليه ولو نسبيا.
هي ذي بالتحديد فتنة اللغة وغواية التسمية أي تلك الرغبة المحمومة لتسمية الأشياء دون استنفادها أو استهلاكها.


2 - بين النقد وعقلية الإصلاح ماصنع الحداد
شادي كسحو ( 2015 / 5 / 19 - 15:58 )
الصديق العزيز عبد الرحمن.
أعرف أن بين العقل النقدي والعقلية الإصلاحية الساذجة بونا شاسعا...
ولكنني كنت أتحدث عن تلك اللوثة الكارثية التي جعلت من المصلحين وأفكارهم الظلامية تجتاح كل حياتنا دون استثناء حتى ليبدو المجتمع وكأنه أصبح جحيم من المصلحين
لتنتقد وليكن انتقادك لاذعا وحاسما ولكن إياك والاعتقاد بأن انتقاداتك هي عين الحقيقة ولا شيء سواها

اخر الافلام

.. فيلم -شقو- بطولة عمرو يوسف يحصد 916 ألف جنيه آخر ليلة عرض با


.. شراكة أميركية جزائرية لتعليم اللغة الإنجليزية




.. الناقد طارق الشناوي : تكريم خيري بشارة بمهرجان مالمو -مستحق-


.. المغربية نسرين الراضي:مهرجان مالمو إضافة للسينما العربية وفخ




.. بلدية باريس تطلق اسم أيقونة الأغنية الأمازيغية الفنان الجزائ