الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوثيو العراق!، ودواعش اليمن!

وليد الحلبي

2015 / 5 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


ربما ندر في التاريخ البشري أن تتطابق الأحداث بشكل معكوس ومتزامن في دولتين مستقلتين!. ففي هذه الأيام السوداء من التاريخ العربي المعاصر، تعكس الأحداث التي تجري في كل من العراق واليمن تطابقاً مذهلاً من حيث الدوافع والأهداف والأطراف المشتبكة في صراع لن يكسب فيه أحد، بل ستكون الطامة شاملة عامة على جميع المتصارعين، وكأننا أمام لوحة سريالية، تشابكت ألوانها، وتقاطعت خطوطها، بحيث مهما حاول المراقب فهم ما تعنيه هذه اللوحة، لأعلن فشله من أول دقيقة، ولاستعصى عليه فهم ما يرى أو يسمع، تماماً كالناظر إلى لوحات بيكاسو، أو المستمع إلى أشعار أدونيس.
وليس من قبيل التحيز، أو رمي الأحكام على هواهنها، لو قلنا بأن الأذرع والأرجل الإيرانية – وليس فقط الأصابع – هي التي تكمن وراء جميع ما يجري، ولا حاجة للمراقب أن يسرد تاريخ علاقة الثورة الإيرانية بجوارها العربي منذ قيامها في فبراير عام 1979، ذلك الوقت الذي اعتقدت فيه الجماهير العربية – وثبت خطأ اعتقادها فيما بعد – أن هذه الثورة قد جاءتها فرجاً بإرادة من رب العالمين، حيث أنها أنهت حكم إمبراطور كان يتباهى بعلاقاته مع إسرائيل والغرب، فجاءت الثورة الإسلامية! لكي تنهي علاقة إيران مع أصدقاء الشاه، وبلفتة ذكية من قيادتها بغية التقرب من الجماهير العربية، أو بشكل أوضح إمعاناً في خديعتها، أغلقت السفارة الإسرائيلية في طهران، وأحلت مكانها منظمة التحرير الفلسطينية، فاعتقد العرب أن هذه الثورة هي المرشح الوحيد لتحرير فلسطين، ورغم أن الواقع يقول بأن العراق عندما حارب إيران، بعد محاولات مستميتة فاشلة منه لتعديل اتفاقية الجزائر 1975، كان يرمي إلى استعادة حقه في شط العرب الذي سلبته إيران الشاه منه في تلك الاتفاقية (بعد أن كانت بريطانيا قد سلبت منه الأحواز والكويت)، إلا أن الشباب العربي في حينه – وأنا منه – لم يأبهوا لذلك، واستمروا في تأييد إيران الثورة ضد العراق المعتدي!، معتقدين أن زوال نظام صدام حسين سوف يفتح الطريق أمام فيلق القدس الإيراني لكي يحرر أولى القبلتين. غير أن ما بدر من إيران منذ غزو العراق عام 2003، وتباهي قيادتها بأنه لولا المساعدة الإيرانية لم تكن للولايات المتحدة القدرة على احتلال أفغانستان والعراق، ثم نزوعها إلى تأييد طائفة عراقية ضد أخرى، مع أن هذه الطائفة جاءت على ظهر الدبابات الأمريكية، كل ذلك أكد زيف التوجهات الإيرانية، وعندها فقط بدأ العرب بمراجعة مواقفهم البلهاء من ما عرف باسم "الثورة الإسلامية!"، واكتشفوا أن استخدام الدين من قبل إيران قد انكشف على أنه غطاء لفارسية مقيتة، تحلم باسترجاع إمبراطورية عفى عليها الزمن، تتخذ من إيوان كسرى رمزاً لمجد غابر، ومن "المدائن" عاصمة لحلم عاثر.
والغريب في أمر القيادة في "قم" أنها تمارس التناقض دون أن تشعر بتأنيب من ضمير أو وازع من خلق، فعند قيام ثورات الربيع العربي في بدايات عام 2011 وعندما بدى على النظام القديم تهالك وانهزام، ادعت تلك القيادة أن انتفاضات الشعوب العربية تلك ما هي إلا هزات إرتدادية لما حدث في طهران في الحادي عشر من فبراير 1979، لكن عندما صمد ذلك النظام متجاهلاً دماء وكرامة الشعوب التي ثارت عليه، ارتدَّت إيران بكل جبروت وصلف إلى دعمه، وما دعمها لنظام الأسد الصبي في سوريا، ولا مساندتها المخزية للمالكي رئيس الوزراء ووزير جميع وزارات الدولة في العراق، ولا تأييدها لعبد الملك الحوثي طفلها الرضيع وحليفه الرئيس المخلوع في اليمن، ولا إغداق كل أنواع الدعم المالي والسياسي والعسكري لحزب الله في لبنان، ما هذه جميعها سوى تجليات الوجود الإيراني في جوارها العربي.
ولو حاول المرء تتبع الأهداف الإيرانية في تلك البلدان المذكورة، لوجد أنها تنحصر في إلغاء سلطة الدولة المركزية، وتدمير البنى التحتية والفوقية، وبمعنى أشمل: إلغاء تلك الدول. ولو أخذنا لبنان كمثال نموذجي على الدور الإيراني، لوجدناه يتمثل في دعم سيطرة كاملة لحزب الله على لبنان، ومنع انتخاب رئيس للجمهورية، وتمديد المجلس النيابي لنفسه دون انتخابات نيابية. ولكن للحقيقة والواقع، فإن ما حمى لبنان من حرب أهلية ثانية، ربما كانت ستبدو معها الحرب الأولى نزهة ممتعة، هو عدم وجود قوة في لبنان تضاهي قوة حزب الله، والمحصلة هي في أن اللبنانيين الذين اشتكوا من تسلط المخابرات السورية عليهم لمدة ثلاثين سنة، وجدوا أنفسهم تحت السيادة الإيرانية، مجلودين بلسان جندي الولي الفقيه: سماحة السيد.
ولو عدنا إلى عنوان هذه المقالة، لوجدنا ذلك التطابق المذهل بين ما يجري في العراق واليمن في نفس الوقت، ففي حين انطلقت داعش من شمال العراق إلى جنوبه، ككتلة سنية اشتكت من جور النظام التابع لإيران في بغداد، مستولية على ما تركه الجيش العراقي المنهزم أمامها في الموصل، في نفس هذا الوقت انطلقت جماعة الحوثي من شمال اليمن إلى جنوبه ككتلة زيدية اشتكت من جور النظام السياسي في صنعاء، متحالفة مع علي عبد الله صالح، رأس النظام القديم وقسم من الجيش الذي يدين له بالولاء الشخصي، قبل أن يدين به للدولة، مستندة قبل ذلك على الدعم الإيراني من حيث التسليح والتدريب والتمويل. ومع أن داعش العراق قد أعلنت الخلافة الإسلامية وأزالت حدود سايكس بيكو بين العراق وسوريا، ولم تتنطح لإزالة إسرائيل عن الخارطة – كما وعد بذلك الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد –، مع ذلك سارع التحالف العربي - الغربي بغضبة مضرية - أمريكية لقتال داعش، وقصفها بكافة أنواع الأسلجة المعروفة والمجهولة. أما الحوثي، فقد كان مقلداً لطهران في رفع شعارات أكبر من حجمه بملايين المرات عندما أعلن مبادئه التي تهديه في مسيرته إلى تدمير اليمن: (الموت لأمريكا، الموت إسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام)، هذا الشعار الذي يضحك أكثر مما يبكي، ولو كان الحوثي قد بدأ بإلباس جنوده أحذية وخُوَذاً عسكرية قبل رفع هذه الشعارات، لكان ذلك أقرب إلى المنطق، ولا أحد يدري كيف قبلت إيران من الحوثي رفع شعار في جزء منه (اللعنة على اليهود) مع أن المسلم ليس لعّاناً ولا شتّاماً، علاوة على أن الأقلية اليهودية في إيران تتمتع بحقوق ربما لن تجد مثيلاً لها حتى في إسرائيل، ورغم كل هذه الشعارات المعادية لأمريكا وإسرائيل واليهود، لم تقم طائرة أمريكية واحدة بلا طيار لكي تقصف موقعاً حوثياً واحداً، كما تفعل مع قيادات القاعدة وداعش.
أخيراً: ربما كانت من طرائف المحللين العرب أنهم بينما لا يختلفون حول داعم الحوثيين الإيراني، فإنهم يختلفون حول ظاهرة داعش، إذ ينسبون تأسيسها إلى جهات الواضح منها مجهول، فمرة يقف الموساد وراءها، ومرة ثانية تكون السي آي إيه هي من فبركتها، بينما يقول حسنو النية أنها عصابات من كل أنحاء الدنيا، جاءت إلى هذه المنطقة للسلب والنهب والتخريب، وبينما يستشهد أنصار نظرية المؤسس الأمريكي بأن غارات طيران التحالف، وصلبه طيران الولايات المتحدة، لا تريد إلحاق الضر بداعش لأنها هي من أسسها، في نفس الوقت يتجاهل أنصار الحوثي بأن طيران التحالف العربي الذي يقصف الحوثيين – والذي لم تشارك معه أمريكا إكراماً لعيون الاتفاق النووي مع إيران – يتجاهلون أن هذه الغارات الجوية لم تسهم حتى الآن في القضاء على نشاط الحوثيين بعد كل هذا الجهد، لذا وقياساً على نظرية تلطُّف أمريكا مع داعش لأنها هي من أسستها!، يفترض بنا الاستنتاج بأن السعودية التي تلاطف! الحركة الحوثية، هي وراء تأسيسها.
بعد كل ذلك، ألا نستطيع القول أن نسخة عن الخليفة البغدادي الداعشي تحارب في اليمن، وصورة طبق الأصل عن عبد الملك الحوثي تقاتل في العراق؟.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اضطرابات في حركة الطيران بفرنسا مع إلغاء نحو 60 بالمئة من ال


.. -قصة غريبة-.. مدمن يشتكي للشرطة في الكويت، ما السبب؟




.. الذكرى 109 للإبادة الأرمينية: أرمن لبنان.. بين الحفاظ على ال


.. ماذا حدث مع طالبة لبنانية شاركت في مظاهرات بجامعة كولومبيا ا




.. الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق بشأن المقابر الجماعية في مستشف