الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بختي بن عودة: الكتابة ضد حراسة المعبد

مزوار محمد سعيد

2015 / 5 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



على امتداد أكثر من سبعة وستين نقطة معرفية، دار لقاء فكري فلسفي وثقافي خلال يوم كامل، تمّ استعراض قتيل من قتلى الجزائريين الموتى في الحياة، حيّ وهو ميّت وميّت حيّ، هناك فرق بين موت الحياة وحياة الموت؛ حين تلتقي الأرواح بين الأحياء على السواء بالأموات، ويكون لها عناء بيّن الاستحقاق، ليسترسل الإنسان في راحة انسانيته، فتحلّ مكانه الحدقية البائسة، فلا سبيل يومئذ إلا سبيل التفكير والتفلسف.
لقد هزّ بختي خلال فترة لم تتجاوز أربعة وثلاثين من عمره فقط الكثير من المتفلسفين الجزائريين، حيث أنه ترك كتابات تفتح مجالا وأفقا فكريا ما بين ثمانينيات وتسعينات القرن العشرين، وهي مجموعة مقالات وماجستير، تجعل من التسعينات فترة هامة لجيل جزائري بجامعة وهران يتنفس كتابة جديدة.
فكتاباته خلقت حوارا بين الأدبي والفلسفي، خاصة الكتابات الأخيرة له قد حاولت ابراز العلاقة الخالقة بين الفلسفة والأدب، وفي سنة 1992م سجّل لدكتوراه عبر مروره بجسر دريدا، ونظّم بختي ملتقى حول دريدا بعنوان: غدا التفكيك سنة 1994م؛ لكنّ موت بختي قد أسس لفقدان مشروع فيلسوف بصورة مبكّرة، حيث أنّه كتب في الكثير من المجالات عبر الصحافة المختلفة حتى الرياضة عبر جريدة الجمهورية، وهو أيضا شاعر له بعض القصائد التي غمر بها معاناته.
في هذا اليوم (يوم بختي بن عودة لدا فلسفة جامعة تلمسان) حاول د. محمد شوقي الزين قراءة أعمال بختي بن عودة عبر ارنست كاسيرر وقضية الشكل الرمزي؛ ليكون الرمز هو ما يضمن الرابط بين الظاهر والباطن، والعلاقة هنا معناها الامتداد، فهي علاقة وظيفية؛ أي أنها ليست كافية كونها هيكل، هي روح، حيث تكون الحيوية من أجل اقحام الروح في المادة، كما نظّرت لذلك الفلسفات الألمانية والفرنسية كفلسفة نتشه وبرغسون؛ مشروع كاسيرر هو قائم على فكرة الأشكال الرمزية، واللغة بوصفها طاقة، جاء عليهما بختي في كتابه رنين الحداثة، ليستحضرهما من خلال العودة إلى الأصول والأخذ بالمجال الحيوي، أي أنّ التشكيل الرمزي هو عبارة عن طاقة، كما أنّ المجال الحيوي ينفخ في البنية فكرة ما، وبطريقة تشكيل الأنا وامتدادها كما انحسارها في صوت واحد تولد ثقافة الصدى في الكيان الجزائري حسب بختي، وعليه فإنّه يركز على طاقة بقرارها تتحوّل إلى مصدر للأنا، أي عليه تكون الذات قادرة على تغيير المحيط بتغيير الذات ذاتها، ومنه تنتج الحياة عبر قدرتها على تشكيل الرمزي بواسطة انتاج الدلالة القائمة على ربط الفكرة بالواقع؛ لأنّ النزوع إلى الطاقة والوحي هي تجاوز للـشعباوية في التعامل مع العالـم الخارجي.
لقد نادى بختي بضرورة الأخذ بمقوّمات الابداع من الثقافة ذاتها، حيث يتم الربط بين الحاضر والذاكرة عبر الاختلاف مثل استضافة الآخر في مساحة حرة للأنا. وتأسيس كتابة الثقافة الجزائرية عبر الاختلاف والمهارة بواسطة المساءلة النقدية لينتج الشرط الثقافي من الثقافة ذاتها. ليتم الانتقال من الدرجة الصفر إلى درجات أخرى ولتتحوّل كل التحوّلات المدهشة عبر المثقف، الذي يصبح لا معنى له إن لم ينتج الدلالات وإن لم يشعل النيران؛ لقد حدد بختي بعض مواصفات الكتابة الجزائرية الجديدة عبر ما يلي:
1. ليِّ العبارة
2. ايقاظ المَلكة
3. ايقاظ المفهوم
4. عدم ترك الكتابة رهينة اليقينيات التاريخية

وعلى هذا الأساس فإنّ بختي يرى في أنّ الارادة هي التي لا تترك مجالا لانسحاب الكتابة عبر حرارة السؤال الحارق، لأنه رأى أيضا بأنّ انسحاب الكتابة هي على عتبة الاندحار بالنسبة للفكر، والانتحار بالنسبة للحضارة؛ فالكتابة عنده هي ليست عبارة عن عملية لتصفيف الأبجديات عبر الآلة الراقنة مثلما يتم تصفيف الشعر لدا صالة الحلاقة؛ وعليه تكون الكتابة ليست ثابتة كالقراءة التي يجب أن تسأل الديناميكية وتتبناها. فيعوّل بختي على الاطلاع بمهام الاجلاء الثقافي المكتئب، لأنه وجد أنّ الثقافة الجزائرية محصورة بين جنون الأرض وغواية السماء، فأراد بختي مؤسسة في المساءلة وأخلاقيات النقد، وهي السبيل إلى فكرنة (مشتقة من الفكر) الجسد.
كما أنّ د. مونيس بخضرة أشار إلى بختي على أنه فيلسوف المحنة، حيث وصف الشارع بالأمة، الوطن أو حتى الدولة (الجزائر)، فهو فيلسوف قومي على الطريقة الألمانية، وكتاباته من أجل اعادة بناء الذات الجزائرية، وكدليل على هذا فإنّ بختي قد خلق مصالحة بين الواقع الجزائري والفلسفة الألمانية العالمية عبر قراءته لتراكمات الجزائر التاريخية، محاولا تعريف الحداثة في كتابه رنين الحداثة بـ: "... هي عمره الاجتماعي، هي تواريخ المعاناة وترويض الذات... "؛ ليأخذ بختي الاعتكاف على صياغة مفهوم "اقتحام التقدّم" عبر مسألة الحق والعدالة، كما الواجب، وهي مقوّمات أساسية عنده للتقدّم، كون أن الجزائري لا يملك تصورا واضحا لمعاني هذه المفاهيم. كما أنّ الدكتور زهير قد أكّد نظرة بختي القائلة بأنّ الجزائر هي البلد العربي الوحيد في العالم العربي (أتحفظ شخصيا على هذا الرأي، لأنني أرى بأن الجزائر ليست عربية ما دام هناك أمازيغ يقطنونها منذ آلاف السنين)، كل المشكلات فيها تعود إلى الواجهة، وتتصادم فيه عبر التقاء كل التيارات المتناقضة، بواسطة القوة والمساومة، كما اللعب على أوتار المسايرة.

تلمسان-الجزائر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. هجوم إسرائيل -المحدود- داخل إيران.. هل يأتي مقابل سماح واشنط


.. الرد والرد المضاد.. كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟ و




.. روايات متضاربة حول مصدر الضربة الإسرائيلية لإيران تتحول لماد


.. بودكاست تك كاست | تسريبات وشائعات المنتجات.. الشركات تجس الن




.. إسرائيل تستهدف إيران…فماذا يوجد في اصفهان؟ | #التاسعة