الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عين تشهد وعين تنكر

امال قرامي

2015 / 6 / 2
حقوق مثليي الجنس


لم يمنع الجدل حول مشروعية الإضرابات التى شملت جميع القطاعات، والدالة على تأزم الوضع الاجتماعى ــ الاقتصادى التونسيين من إبداء الرأى فى موضوع المثلية. فعلى إثر منح الحكومة ترخيصا لجمعية «شمس» التى تعنى بالدفاع عن حقوق الأقلية الجنسية اشتد «النقاش» على صفحات التواصل الاجتماعى بين مُدين ومُدافع عن حق جميع التونسيين بالتعبير عن خياراتهم بما ذلك التوجه الجنسانى بكل حرية دون أن يتعرضوا للأذى.

وسرعان ما انتقل «الجدل» من الفضاء الافتراضى إلى أوساط رسمية. فقد صرح مفتى الجمهورية بأن ظهور هذه الجمعية يعتبر «انحرافا خطيرا عن السنن الكونية والطبيعية والحكمة من إعمار الكون ومساسا بقيم الإسلام وأخلاق المسلمين ومبادئ المجتمع التونسى العريق». ودعا المفتى «الجهات المعنية إلى إعادة النظر فى الترخيص لمثل هذه السلوكيات الشاذة والمنحرفة والخطيرة التى تتهدد الأجيال القادمة وتقوض دعائم الاعتدال والوسطية التى نجابه بها براثن التطرف والإرهاب».

وقد اضطرت رئاسة الجمهورية إلى توضيح دوافع الترخيص لهذه الجمعية فى النشاط والمتمثلة فى «توعية المواطنين من أخطار الأمراض المنقولة جنسيا والعمل سلميا من أجل إلغاء القوانين التمييزية ضد الأقليات الجنسية والدفاع عن حق الإنسان فى العيش بكرامة مهما كانت ميولاته واختلافاته عن الأغلبية».

•••

تُبين ردود الفعل إن كان ذلك على صفحات الفيسبوك أو الصحف أو فى مختلف وسائل الإعلام عن توفر مناخ جديد يسمح بالتعبير عن المواضيع المسكوت عنها مثل أطفال الشوارع، والأمهات العازبات، وسفاح القربى، والاغتصاب، والمتاجرة بالأعضاء، وشبكات الدعارة، وغيرها من المواضيع التى لم يكن الإعلام يتجرأ على الخوض فيها. فما كان مستورا لأسباب متعددة منها: تلميع صورة النظام، أو لأنه يعد عارا، وعيبا.... صار مرئيا، ومسموعا.

غير أن فتح هذه الملفات «المحرجة» والمثيرة للجدل لم يتخذ شكل النقاش الجدى والرصين، والمعمق وإنما اندرج ضمن دائرة الاستقطاب: بين الأخلاقويين/ المتحررين، الحداثيين/ المحافظين، أهل اليسار/أهل اليمين، المدافعين عن الطهرانية/ المدافعين عن حق المرء فى الاختيار... ولم يخل هذا الجدل من منسوب العنف اللفظى. فبالرغم من إصرار الجمعية على استعمال مصطلح المثليين إلا أن النعوت المستعملة دعمت سياسات الوصم، والتعيير، والتأثيم، والاحتقار...فوجدنا من يعرف جمعية «شمس» بأنها «جمعية الشاذين جنسيا» و«المنحرفين» و«اللوطيين»...وتجاوز العداء المثليين ليشمل حزب النداء (صاحب المشروع الحداثى)، والجبهة الشعبية (لصورة حمة الهمامى مع رئيس «شمس»).

أما البيان الصادر عن ديوان الإفتاء فقد أبان عن عدم دراية بأهداف الجمعية إذ اعتبر أنها «تدافع عن المثلية الجنسية وتروج لها»، وكان حريا بالمفتى أن يستفسر قبل أن ينطلق فى إصدار الأحكام لاسيما أنه مسئول فى الحكومة.

•••

وينم هذا التناول لقضية المثليين عن:
1ــ استمرار النظرة التقليدية إلى المثلية على أساس أنها مرض، وخروج عن الطبيعة، وحيوانية... وعدم الاستعداد لسد الثغرات فى الثقافة العامة.

2ــ الرياء الاجتماعى، والدينى السائد فى المجتمع. فالتونسيون مثلهم مثل غيرهم يدعون تمثيل الفضيلة، والدفاع عن القيم، والأسرة، والأخلاق... والحال أن ما يحدث فى الواقع المعيش يعبر عن هشاشة المنظومة القيمية واستشراء النفاق، وحالات الانفصام، وتقلب السلوك بين الظاهر والباطن. كما أن الذين ينكرون وجود هذه الممارسة يتعامون عن الواقع الذى عرفه المجتمع الإسلامى منذ تأسيسه. فلم يخل عصر من شعر نظم فى المردان، والغلمان، وعلاقات ربطت فقهاء وعلماء وقضاة بالمثليين.

3ــ الفجوة بين النصوص والممارسات فى الواقع اليومى. فالذين يبررون عدم الحاجة إلى تأسيس جمعية للأقليات بحكم أن الدستور يكفل حقوق الجميع لا يتوانون عن ممارسة العنف اللفظى ضد المثليين، وهو ما يقيم الدليل على الحاجة إلى جمعية تحمى حقوق أقلية جنسانية تتعرض للنبذ، والإقصاء والاعتداء.

4ــ استمرار النظرة الدونية إلى المثلى باعتباره مجردا من الأخلاق، والفضائل، والالتزام الدينى، ويتجاهل أصحاب هذا الرأى وجود حركة «المثليين المسلمين».
5ــ تواصل نسق التفكير الذى يربط ظهور الجمعية بالمؤامرة ضد الشعب ودعوته إلى الانشغال بمسائل فرعية، الربط بين الجمعية والصهيونية، التمويل الأجنبى.

6ــ تعيير «أنصار النهضة» الجبهة الشعبية من انتماء بعض المثليين لها، وكأن المثلى ليس مواطنا وله حقوق سياسية، من جهة، وتصور طهرانى ينفى انتماء المثليين إلى حزب النهضة، من جهة أخرى.

ولأن الحملة تشن على «الشواذ ومن ناصرهم» فارجمونى بوابل من الاتهامات وأقذع النعوت... فذاك أمر مألوف. فكلما كسرنا أقفالا ودعونا إلى حوار معرفى إلا وكان العنف سيد الأحكام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تتقدم في الوساطة وقطر تتراجع.. وبن غفير يقترح إعدام ا


.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - اليونيسف: أكثر من 13 ألف طفل فلسطي




.. إيتمار بن غفير: عقوبة الإعدام هي الحل الصحيح لمشكلة اكتظاظ ا


.. مندوب السعودية بالأمم المتحدة: من حق الشعب الفلسطيني تقرير م




.. مخطط لمحاولة اغتيال زيلينسكي.. اعتقال بولندي تواصل مع موسكو