الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يوميات الشيطان

إبراهيم رمزي

2015 / 6 / 6
كتابات ساخرة


دعا الشيطان إلى ندوة صحفية. كانت القاعة تعج بالأكثرية من ممثلي الدول الإسلامية والعربية، وقلّةٍ من ممثلي الدول الكافرة. والكل يحاول حدس ما سيقوله الشيطان.

القاعة عبارة عن معرض للأزياء والألوان: عباءات وجلاليب، كوفيات وعمائم، طرابيش وطواقي، صلعات جرداء وجِمام مرسلة، "تكتوكات" مهذبة ولِحى كالمكانس ... نِعال وبَلْغات، أحذية وصنادل، منها الجديد والرثّ، الفاقع اللون والغامق، ... نظارات مقعرة ومحدبة، آلات تسجيل وتصوير، حواسيب ولوحات، أقلام ومذكرات، خواتيم وساعات، تتفاوتُ قيمةً: من الثمين إلى البسيط إلى المتواضع .. أمّا الكحل والحناء والعطور والبخور فأصناف لا تحصى ما بيْن مكتومٍ فاضح ونمّام بيِّنٍ.

جلس الشيطان – وبعض ذريته – في المنصة، وقال:
يا عرب، ويا مسلمين، يا .. (وبعد صمت قصير، يواصل) – كِدْتُ أقول يا إخوتي، ولكنه شرف لا تستحقونه مني -، ما شعرت بالحيرة أبدا حتى كان زمانكم هذا .. أتعبتموني .. أتعبتموني، لذلك قررت أن أستريح منكم لبعض الوقت.
تعالت القهقهات في أركان القاعة متجاوبة مع الطُّرْفة، ولمع في العيون بريق انتصار أو أسى انكسار، حسب تأويل نكتة الشيطان.
وبعد عودة الهدوء، تابَع:
أنا بحاجة للراحة والاستجمام، للتفكير في أساليب ملائمة لمواجهة المستجَدّات، وقد خطر لي تعليقُ مهامّي إلى أجل، والدخول في بَيَات مؤقت، ربما يفضي إلى الاعتزال والتخلص منكم. وأنتم تعلمون أن التخلي عن الكرسي قرار صعب يدخل في دائرة المستحيل. ولكن العناء الذي تخلقونه لي يجعلني أرحّب بالتخلي. وأُجْمِل متاعبي في هذه الأمثلة:

أولا:
أيها المسلمون، سئمت أن أراقب – وبملل قاتل - كل واحد منكم خمس مرات في اليوم، محصيا عليه الفرائض والسنن والمستحبات والنواقض والمبطلات في كل من الوضوء والصلاة (دون الحديث عن الصوم والحج) .. مئات العمليات في اليوم لكل واحد لأتسقَّط إخلاله وعثراته كي أبارِكها .. ولا أحتاج إلى تذكيركم بالحُصاص - وربما الإسهال أحيانا - والذي يعتريني عند كل أذان. كل ذلك يستغرق مني وقتا مهِمّا، ويشغلني عن أنشطة أخرى لا يجدر بي التقصير فيها. فمتى أراقب: السفاحين والجناة،؟ والظالمين والطغاة؟ والمُرائين والعصاة؟ واللصوص والزناة؟ والغشاشين والمزورين؟ والكذابين والمستغِلِّين؟ والناهبين والمرتشين؟ والحاقدين والدساسين؟ والمتاجرين بالبشَر وبالأعراض وبالعقول؟ و .... ؟؟؟

ثانيا:
صار – أيها المسلمون – دَيْدنُكم: "إنما المؤمنون أعداء، فأجّجوا بينهم العداوة والصراع والمذابح والبغضاء"، صرت أبدو كالصبي أمام معلمه، تنوبون عني، وتنسبون ذلك إلى الله حين تهتفون: الله أكبر. تطاولتم على تخصّصاتي دون إذن مني. فأنا أشكو من العطالة في هذا الباب. لكن، والحق أقول لكم،: إن الكثير من أساليبكم فيها الابتكار، وتثير حسدي لكم، بل أعترف بعجزي عن تصورها والإتيان بمثلها.

ثالثا:
أيها المسلمون، كنت أتعب في توزيع شروري على بقاع الأرض، فصرتم تزاحمونني وتؤخرونني، وأنا أثمّن وفاء الأوفياء لفلسفتي، ولكنني أصبحت أكره مناظر الدمار والموت والدماء والتعذيب والتهجير والدموع ... لِمَا تقترفون بدلاً عني. تُشِيعون الخرابَ في دياركم وبين أهليكم، وتنقلون الإرهاب إلى أقوامٍ ديارُهم بعيدةٌ عن دياركم. أليس في ذلك عطالة لي؟.

قاطعه أحدهم بصوتٍ متضرِّعٍ يكاد يتحوّل إلى بكاء:
يا عمّنا، الله يخلِّيك، لا تعطّلنا، ولا تقطع أرزاقنا.
سأله:
ما اختصاصك يا "ولدي" المذعور؟
أجاب:
هدايةُ المخطئين أو التغرير بهم – حسب الظروف -، وإخراجُ الجن، والعلاج بـ ...
لم يتم الرجل كلامه حتى انهالت عليه الصفعات واللعنات، والنعال والأحذية، ... وقائل يقول:
أهذا سؤال يطرح بهذه الصيغة؟ وتدعو له – أيضا – يا ابن الـ ....

تعالتْ ضوضاؤهم، وتشعّبتْ غوغاؤهم، واختلطتْ أياديهم، فتمتم الشيطان: حتى الاستنكار لا بد أن يقترن بالعنف والسفه. ثم انسحب من القاعة وهو يبتسم بمكر، بينما فِكرُه مشغول بالسؤال الملحّ: أيهما أفضل: الاستمرار؟ أم الاستقالة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وفاة الفنان الكبير صلاح السعدني عن عمر يناهز 81 عامًا


.. المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الفنان الكبير صلاح السعدني




.. الفنان هاني شاكر في لقاء سابق لا يعجبني الكلام الهابط في الم


.. الحكي سوري- رحلة شاب من سجون سوريا إلى صالات السينما الفرنسي




.. تضارب بين الرواية الإيرانية والسردية الأمريكية بشأن الهجوم ع