الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اغتيال الأمل

جمال الدين العمارتي
باحث ومترجم

(Jamal Eddine Laamarti)

2015 / 6 / 14
مواضيع وابحاث سياسية


اغتيال الأمل*
بقلم سالفوي جيجيك ترجمة: جمال الدين العمارتي
"أعلن احترامي العميق لسيريزا و لكفاحها. فإصرارها يجعلنا أحرارا، و طالما توجد سيريزا نعلم جميعا بأنه لا تزال لدينا فرصة". هذا ما كتبه حديثا الفيلسوف السلوفيني. و هو في هذا النص المترجم إلى الفرنسية عن النص الأصلي بالإنجليزية الصادر في 24 أبريل على الموقع Telesurtv، يستأنف الحديث عن الأمل الذي تزرعه كل من سيريزا و بوديموس المعتدلتين جدا و اللتين رغم ذلك ما انفكتا تتلقيان الضربات من الاتحاد الأوروبي في محاولة للإسراع بوضع حد لهما، مقارنا ذلك بالمناورات التي ما فتئت تشنها أمريكا الشمالية ضد أمريكا اللاتينية.

ترك حوار أجريته مؤخرا، تم نشره بداية في المكسيك ثم أعيد نشره بصحافة أمريكا اللاتينية و بجريدة البايس، فكرة خاطئة تماما عن موقفي من النزعة الشعبوية الحديثة للسياسات الجذرية. فإذا كان بديهيا أن الثورة البوليفارية بفنيزويلا تستحق العديد من الانتقادات، فإن ذلك لا يجب أن ينسينا بأنها كانت ضحية لحملة ممنهجة شنتها قوى الثورة المضادة، و بالأخص ضحية لحرب اقتصادية طويلة الأمد. غير أن هذا التكتيك ليس جديدا، لقد سبق لهنري كيسنجير في بداية السبعينيات، عندما كان مستشارا للأمن القومي بالولايات المتحدة، أن اقترحه على وكالة المخابرات المركزية باعتباره الوسيلة الأنجع لزعزعة الحكومة الديمقراطية للرئيس سالفادور أليندي بالشيلي. فقد كتب ريتشارد هيلمز مدير وكالة المخابرات المركزية آنذاك في مذكرته، عقب اجتماع عقده مع كيسنجير و الرئيس نيكسون يوم 15 شتنبر1970 ، هذا التوجيه المقتضب: "اجعلوا اقتصاد الشيلي يصرخ". و قد اعترف زعماء الحكومة الأمريكية بأن نفس الأسلوب يستخدم حاليا مع فنزويلا.
و كان لورنس إيكلبوركر كاتب الدولة الأمريكي الأسبق قد صرح، بضع سنوات قبل اليوم، لقناة فوكس نيوز بأن العلاقة بين الرئيس هوغو شافيز و الشعب الفنزويلي " لن تستقيم إلا إذا ظل الشعب الفنيزويلي يرى في حكومته القدرة على تحسين شروط عيشه. فإذا ما شرع الاقتصاد يسوء في لحظة معينة، فإن شعبية شافيز ستبدأ في الانخفاض. هذه هي الأسلحة التي نمتلكها ضده و علينا أن نستعملها، أي الأدوات الاقتصادية التي من شأنها تأزيم الاقتصاد الفينيزويلي حتى ينهار تأثير توجهات شافيز داخل البلد و في المنطقة كلها... فكل ما يمكننا القيام به لكي يصير اقتصاد فنزويلا في وضعية صعبة هو أمر جيد بالنسبة إلينا، لكن علينا أن نقوم به وأن نتفادى ما أمكن الدخول في مواجهة مباشرة مع فينيزويلا"
إن أقل ما يمكن قوله عن هذا الصنف من التصريحات، أنه يدعم الحجة التي ترى بأن الصعوبات الاقتصادية التي تواجهها الحكومة البوليفارية ليست ناتجة فقط عن عدم كفاءتها في مجال الاقتصاد السياسي... إنها النقطة الأساسية التي لا يستطيع الليبراليون قبولها من منظور سياسي، فالأمر لا يتعلق ههنا بميكنزمات أو بردود أفعال لهذا السوق الأعمى أو ذاك (مثل مالكي المؤسسات التجارية الذين يحاولون الزيادة في أرباحهم من خلال سحب منتجاتهم من رفوفها) لكن على العكس من ذلك نحن أمام استراتيجيات مخطط لها، أو على الأقل محبوكة. في هذه الشروط، ألا يمكن اعتبار هذا الصنف من الرعب، أي هذه الإجراءات المضادة الدفاعية ( نزول قوات الأمن إلى المستودعات أو توقيف المضاربين و مفتعلي النقص في المواد الغذائية) مبررة بشكل تام؟ ثم عندما أصدر الرئيس أوباما يوم 9 مارس 2015 قرارا يعتبر فيه بأن فنزويلا تشكل "تهديدا للأمن القومي" للولايات المتحدة الأمريكية، أفلا يشكل ذلك ضوءا أخضر للذين يسعون إلى تقليص مدة انتداب مادورو، للقيام بانقلاب عسكري ؟ الشيء نفسه يقع باليونان لكن بأسلوب أكثر "تحضرا".
نعيش اليوم تحت ضغط هائل لما يجب تسميته دون أي حرج ب " الدعاية المعادية". يرى ألان بوديو بأن " موضوع الدعاية المعادية لا يتمثل في القضاء على قوة موجودة (فهي مهمة موكولة مبدئيا إلى قوات الأمن) بل في القضاء على إمكانية مجهولة يحبل بها الوضع الراهن. و بعبارة أخرى، إنهم يحاولون اغتيال الأمل، فهذه الدعاية تعمل جاهدة على تمرير فكرة موغلة في الاستسلام مفادها أن العالم الذي نحيا فيه اليوم، إذا لم يكن أجمل ما يمكن أن يكون فهو في كل الأحوال الأقل سوءا- فكل محاولة للتغيير الجذري لن تؤدي إلا لما هو أسوأ إجمالا. لذلك يجدر بنا أن نقدم الدعم الأكثر ثباتا لكل أشكال المقاومة بدءا بسيريزا باليونان و انتهاء ببوديموس بإسبانيا مرورا ب"شعبويات" أمريكا اللاتينية، دون أن يعني ذلك الكف عن توجيه النقد اللاذع لبعضنا البعض عندما يكون ذلك ضروريا، لكن يجب أن يظل ذلك محصورا في النقد الداخلي أي نقدا بين الحلفاء. فهذا النقد، بتعبير ماو تسي تونغ، يجب أن ينصب على "التناقضات في صفوف الشعب" لا على التناقضات بين الشعب و أعدائه.
و في خضم مقاومة القوى الأوروبية المتنفذة للانتصار الذي أحرزته سيريزا، انبثق لديها مثل أعلى. عنوان مقال ل جيديون راشمان صادر ب "الفيناتشايل تايمز" في دجنبر 2014 يجسد جيدا هذا الأمر: " الحلقة الضعيفة لأوروبا هي الناخبون". و بالتالي يتعين على أوروبا، في عالم مثالي، أن تتخلص من "حلقتها الضعيفة" كي تفسح المجال للخبراء ليستولوا على السلطة و يفرضوا، مباشرة ما أمكن، السياسات الاقتصادية الضرورية. وإذا كان لابد من الحفاظ على الانتخابات، فليكن دورها هو إقرار ما توافق عليه الخبراء. إن مجرد ورود إمكانية الحصول على نتائج انتخابية "غير لائقة"، تثير الهلع لدى القوى الأوروبية المتنفذة. فبمجرد ما تلوح هذه الإمكانية في الأفق، تهرع هذه القوى إلى رسم صورة مأساوية عن الفوضى الاجتماعية و الفقر و العنف، من خلال، كما العادة في مثل هذه الحالات، توظيف أسلوب التشخيص الأيديولوجي، فتغدو الأسواق تتحدث و كأنها أشخاص، تعبر عن انشغالاتها إزاء ما يمكن أن يحصل إذا لم تتمخض الانتخابات عن حكومة قادرة، في فترة انتدابها، على مواصلة برامج التقشف و التقويم الهيكلي.
و قد نعتت مؤخرا وسائل الإعلام الألمانية وزير المالية اليوناني يانيس فاروفاكيس بالذهاني الذي يعيش في عالم مختلف عن عالمنا. فهل هو فعلا جذري إلى هذا الحد؟ ليست جذرية فاروفاكيس هي ما يرعبهم، بل تواضعه البرغماتي و المعقول - فليس غريبا أن تتهمه بعض الأقليات الراديكالية داخل سيريزا بالاستسلام أمام الاتحاد الأوروبي. لكن إذا ما تفحصنا مقترحات فاروفاكيس فلن يكون بمقدورنا أن ننكر بأن الأمر يتعلق بإجراءات لم يكن أي برنامج اشتراكي ديمقراطي يخلو منها قبل أربعين سنة من اليوم ( برنامج الحكومة السويدية في الستينيات كان أكثر جذرية). فإذا كان الدفاع عن إجراءات مماثلة يستوجب الانتماء إلى اليسار الجذري فإن الأمر يؤشر على فقر زماننا، إنه عرَض من أعراض الحقبة القاتمة التي نحيا في ظلها. لكنه في الآن نفسه فرصة سانحة (أن يتمكن اليسار من احتلال المكانة التي كان يحتلها اليسار المعتدل و الوسطي خلال العقود السابقة).
ما الذي سيحصل إذا ما فشلت حكومة مثل حكومة سيريزا؟ ستكون النتائج كارثية، ليس فقط على صعيد اليونان بل على صعيد أوروبا كلها، فهذه الهزيمة المحتملة ستعلي من شأن وجهة النظر المتشائمة التي تعتبر بأن كل إصلاح مآله الفشل و بأن الإصلاحية، أكثر من الثورة، تشكل اليوم أكبر الطوباويات. خلاصة القول هي أن هذا الأمر يؤكد بأننا نقترب من حقبة سيكون فيها الصراع أكثر جذرية و أكثر عنفا.

*مقال ل Slavoj Ž-;---;--iž-;---;--ek صادر في الأصل بالإنجليزية تحت عنوان A Brief Clarification about Populism المنشور بموقع teleSURtv على الرابط http://www.telesurtv.net/english/opinion/A-Brief-Clarification-about-Populism-20150424-0013.html بتاريخ 24 أبريل 2015.
ترجمه إلى الفرنسية ونشره الموقع الرقمي لمجلة BALLAST على الرابط: http://www.revue-ballast.fr/assassiner-lespoir-par-slavoj-zizek بتاريخ 26 أبريل 2015 تحت عنوان Assassiner l’espoir
تمت الترجمة إلى العربية استنادا إلى النص الفرنسي و بالعودة كذلك إلى النص الأصلي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. منها متحف اللوفر..نظرة على المشهد الفني والثقافي المزدهر في


.. ماذا تضم منظومات الدفاع الجوي الإيرانية؟




.. صواريخ إسرائيلية تضرب موقعًا في إيران.. هل بدأ الرد الإسرائي


.. ضربات إسرائيلية استهدفت موقعاً عسكرياً في جنوب سوريا




.. هل يستمر التعتيم دون تبني الضربات من الجانب الإسرائيلي؟