الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خواطر حول اهميه القطاع الخاص في التنميه المستدامه

محمد سعيد العضب

2015 / 6 / 15
الصناعة والزراعة


تكمن المشكلة الأزلية في العراق في محدودية او غياب القطاع الصناعي الخاص ودوره المحدود في التنمية, كله لم ينجم فقط من الافتقار حسبما يدعي الكثر الي غياب السياسات الحكومية الهادفة لتطويره في كافه العهود ابتداء من الحكم الملكي ا وعهد الجمهورية الاولي او الثانية او الثالثة, بل يرجع السبب الحقيقي حسب اعتقادنا المتواضع الي التخلف الغكري المزمن المصاحب مع الايمان المطلق و التعويل والاعتماد الكامل من قبل متخذ القرار السياسي والاقتصادي و من كافه منابعه الفكرية والطبقية علي نشاط قطاع النفط "الريعي" من ناحيه , والافتقار لطبقه رأسماليه صناعيه رائده ومبدعه من ناحيه اخري ..
فمن خلال الاستعراض الموجز وسرد مسيره الافعال الحكومية في مجال تطوير وتنشيط الصناعة الوطنية وابتداء من عام 1929حيث صدر القانون رقم 114" "تشجيع المشاريع الصناعية", كما تلاه قانون التعرفة الجمركية وقانون تأسيس المصرف الزراعي والصناعي في عام 1940القانون رقم 12 ,كما خطت الحكومة بعد عام 1958 في ابتداع السبل العديدة لمحاوله خلق نخبه رائده في مجال العمل الصناعي ,هكذا برز بعض رواد في مجال صناعات محدودة مثل الزيوت النباتية والغزل والنسيج والاسمنت وغيرها
قوضت كل هذه المرامي و الخطوات الإيجابية في تطوير قطاع صناعي خاص من خلال اجراءات التأميم عام 1964 حيث تم تأميم 27مشروعا صناعيا في فروع الاسمنت والمطاحن والسكاير ومواد التنظيف والزيوت النباتية وغيرها من الصناعات التحويلية الكبيرة التي لعبت دورا هاما في في تشغيل الايدي العاملة بأعداد تفوق قطاع استخراج النفط, كله ادي الي هبوط مساهمه رؤوس الاموال المستثمرة في الصناعة من 25% الي 12,5% (1),فرضت هذه الاجراءات من نخبه سياسيه "جماعه الدكتور خير الدين حسيب " بادعائها ان اجراءات التأميم هذه , ستخلق الاسس لتوحيد مصر والعراق, او التي يمكن عبرها خلق اسس ومستلزمات ومعطيات التماثل بين اقتصاد البلدين , مما يمكنها ضمان بناء الوحدة العربية المنشودة, انه بلاشك تصور موهوم لتأسيس قاعدة اقتصادية رصينة يمكنها في تعجيل احلام الوحدة العربية , حيث حصل ذلك بعيدا , ومن دون مراعاة الاختلاف والتباين من كافه الجوانب والمعطيات التاريخية والاجتماعية والسياسية في مصر والعراق .
فهذه الاوهام الفكرية التنظيرية او الاحلام السياسية التجريدية التي سوقت لحكام جهله لم تتضح ابعادها الكامنة وأهدافها غير الواضحة ,غير انها بالتأكيد قضت علي هذا الوليد غير الناضج " الصناعة التحويلية الوليدة "من ناحيه وقضت علي خلق طبقه رائده او حدت من طموحات البد في مساعيه تأسيس وخلق طبقه رأسماليه صناعيه في العراق من ناحيه اخري , بالتالي تم القضاء علي اي محاوله حقه في تنويع الاقتصاد وتقليل اعتماده علي قطاع استخراج النفط ورهن مصيره بمتغيرات التقلبات في اقتصد النفط العالمي وسيطرة الشركات العملاقة عليه .
مع ذلك ظل العراق يحوم في ضياع فكري ومواقف مترددة في كيفيه دعم وتأهيل قطاع صناعي عام او خاص منظم , وتجلي ذلك بوضوح في القرارات العشوائية والممارسات المرتبكة للدولة في مجال التطوير الصناعي حيث ان حكامه الجدد منذ تولي البعث الحكم عام 1968 نراه اولا فقد حد من تطوير الريادة الصناعية الخاصة والتعويل علي القطاع العام ,خصوصا فيما ادعي بالصناعات الاستراتيجية , وثانيا التوجه نحو الخصخصة وبيع منشئات القطاع العام ابتداء من عام 1987 وما بعدها, كله يدلل ان الرهط الحاكم في العراق منذ عام 1921 ولغايه يومنا الحاضر يؤمن بفكره مطلقه تتمحور في اهميه الملكية الفردية وامتلاك الثروة النفطية وان اقتصاد السوق هو النموذج الممكن والمطلوب , عليه كل ما قيل عن قطاع واشتراكيه مجرد تظليل لا غير , خصوصا وان الممارسة اخفقت في ترجمتها الي واقع مثمر ومفيد لعموم المجتمع, حيث ظلت الطموحات الشخصية والأنانية مسيرها الوحيد . بذات الوقت اخفق العراق كبلد ليس فقط في دفع القطاع العام ( كما حصل في البلدان المنتجة والمصدرة للنفط الأخرى كالسعودية ودول الخليج ) وجعله محور ابداع وتطوير ,بل فشل في ان يجعل الملكية الخاصة رغم الايمان بها من قبل الجميع اداة تنظيم هادفه للتطور المجتمعي الشامل , وهكذا اريد من الملكية العامة او الخاصة , كما تم استخدامها فقط مجرد وسيله لرفع الشأن الشخصي والتمشدق الذاتي او جعلها وسيله لخدمه المصالح الأجنبية بوعي او من دون وعي . اي تم تجريدها من محتواها الشامل واهميتها ووظيفيتها في عمليه البناء والتحديث , اي ان العراق عبر مسيرته الطويلة افتقر الي تأسيس فكر او مدرسه فكريه تهتم وترعي في كيفيه ترقيه دور واهميه الملكية وعلاقها في اداره النشاط الاقتصادي والعمل المثمر من ناحيه ,تصعيد دورها في بناء الدولة والمجتمع من ناحيه اخري .حيث ظل يراود النخب الحاكمة خوف متأصل من النشاط المنظم والعمل المشترك المقلل من الفردية و"الانا" المرض المتأصل في شخصيه الفرد العراقي عموما . لذا اخفق البلد عموما من تطوير بيروقراطية حكومية ناجعه وعقلانية او التزام عام بملكية خاصة او عامه موجهه لتحقيق اهداف اجتماعيه معلومة , بالتالي ظل البلد يحوم في متاهات الضياع كما تم تعميق التحوط والخوف من احتمالات قوه او تأثير الملكية سواء في المجال السياسي والاجتماعي والاقتصادي كله لا جل ديمومه وابقاء استبداد السلطان المومن بذاته وبمورد النفط ... انه" الظاهر المتناقض" المستديم في الفكر الشرقي.
ان سلطات الحكم الجديدة بعد الاحتلال عام 2003 وبعد ما وفر لها بريمر كافه مجالات التحرك كما اتاح لها حريه العمل , نراها استرخت و خلدت لمطامحها الأنانية والذاتية البحتة في تحقيق الارباح السريعة عبر عمل الوكالات التجارية والتركيز علي الاستيراد, فمن خلال الانفتاح غير المدروس خلقت في البلد منافسه غير متوازنة وعم الفساد المالي والاداري من خلال الاعتقاد بضرورة خلق طبقه رأسماليه لتتولي مهام البناء عوضا عن الدولة المالكة للنفط, بالتالي تم عرقله بناء الصناعة الوليدة التي بدئت في مراحلها الاولي من استغلال الدعم الحكومي المفرط وامكانيه التحويل الخارجي والتسهيلات العديدة .
هكذا ظلت تفتقر النخب الجديدة" الثرية " عموما الي تصورات ناضجه او استراتيجية تنموية معهوده تتضمن مبادرات حقه في مناشده الحكومة التي هي جزء منها في تبني سياسيات اقتصاديه اجتماعيه واقعيه قابله للتنفيذ في ظل ظروف البلد المعقدة والشائكة وامكاناته المحدودة التي لا تتجاوز ما وهبته صدفه الطبيعية من مورد ناضب" النفط" الذي اصبح الملاذ الاول والاخير لأي ممارسه تنموية وفعل تطويري ناجع , واكتفي الجميع بما فيه حمله الفكر .
لهذا ومن اجل اشباع رغبات الجموع الغفيرة صاعد اصحاب الفكر الليبرالي الجديد المهيمن في العراق علي تراتيل مجرده من امثال مخاطر " الاقتصاد الريعية " ومضارة واهميه الخلاص من كوابيسه ,وهكذا استمر الجميع علي دعم وتقويه قطاع النفط فقط باعتباره المولد الوحيد والسهل للموارد المالية للحكومة وتمكينها من تنفيذ مراميها في الهيمنة والتسلط , واعطاء الأولوية في التوجهات التنموية, اي فقط الاستثمار في هذا القطاع وتوطيد بناه التحتية واهمال كافه القطاعات المغذية الأخرى لسوق العمل والتخفيف من البطالة , مثل زراعه رائده او صناعه تنافسيه راقيه او تشييد جامعات ومراكز بحث متطورة او استلهام فروع وقطاعات عمل مثمرة غير التوظف في اروقه حكومية بائسه او دعم مدارس للتعليم المهني والحرفي الرافدة للمجالات الأخرى غير النفطية.
علية يبقي العراق وسيظل يعيش في وهم او " حلم النفط" وما قبله وما بعده ,بالتالي سوف تختزل مرامي الابداع والعمل المثمر والمنتج ولن تخرج من الحلقة المفرغة استخراج النفط وتصديره , وما يتبعه او يحيطه من عقود او مقاولات مباشره او غير مباشره بحيث يظل زاد الامه الوحيد ,خصوصا بعدما اهملت الحكومة كافه انظمه الحوافز والتشجيع لقطاعات هامه مثل الزراعة والصناعة او ورش الصيانة والتصليح او حتي قطاع هام تنظيف المدن بحيث اصبح من الامور العصية في دوله الديمقراطية الإسلامية الرصينة ) .هكذا تحول النفط الي عنصر هدم وتخليد للتخلف ,بعدما تم الإساءة في استخدامه ماديا ومعنويا . فعوائده المالية السهلة المنال التي تتدفق في خزائن السلطان ليس كافيا ان تشكل اداه بناء وتقدم ان لم ينظر لها بانها حقا مصدر ادخار واستثمار لا غير, لذا فان الزراعة او الصناعات الحرفية او ورش الصيانة والتصليح ستظل من مرجعيات التقدم والتطور, وليس النفط الناضب الذي لا يمكنه ان يولد فرص عمل حقيقه ومباشره للسكان بل ساهم في خلق البطالة المقنعة من خلال تضخم جهاز الدولة سواء المدني او العسكري والامني .
ان التوجه العام الذي ظل سائدا في كافه العهود, كما تمكنت عبره مسارته الخاطئة نخب متسلطة من التحكم في تسيير الفعاليات الاقتصادية سواء ضمن القطاع العام او الخاص , وعبر تغييب الوعي الاجتماعي العام لدي عموم اصحاب القرار او نخب الرواد في القطاع الخاص عن ماهيه الدور الحقيقي والفعال المطلوب والممكن في بناء مجتمع ودوله ,بل طغت حسبما يبدو لدي معظم هذه الشرائح المجتمعية النافذة " اولويه": تحقيق المصلحة الذاتية والكسب السريع , وكيفيه التأثير علي متخذ القرار في اجهزه الدولة من اجل الحصول علي المقاولات والاعمال المربحة دون التوجيه الي مدي اهميه الاعمال والفعاليات المتبناة من الحكومة اصلا, بل ربما ارادت بتأثيرها خلق اعمال وهميه, كله من اجل اشباع رغبات انيه وخاصه و تسخير الدولة في فتح مجالات حصولها علي النقد الاجنبي او اتاحه الفرص امامها الي تحويل الجزء الاعظم من ثرواتها الي خارج البلاد . هكذا ظل تخلف العراق مرهون حسبما يبدو بمرض عضال وداء مزمن يمكن ان نطلق " الانا والذات "كما اصبحت المصلحة العامة او العليا او مقوله المجتمع من آثام ,او ربما من موبقات الحياة. لأبد من تجنبها والاعتماد علي ترويج أيدولوجيات ومدراس الليبرالية الجديدة التي تدعو الي العولمة وتسيس مفتعل لظواهر عامه استغلت من قله لتحقيق مصالح انانيه وذاتيه خاصه .
عليه فالجميع يصرخ الي ضرورة دعم هذا القطاع" الصناعي " الخاص " الوهم ولابد من جعله محورا هاما في بناء البلد وتنميه المجتمع , إلا ان اصحاب المال والنفوذ والجاه ابتعدوا عنه الان , لوجود امكانات خلق الارباح السهلة فلا حاجه له كالسابق كمصدر هام لتوفير امكانيات ترحيل الاموال المتراكمة لدي هذه الفئات للخارج بعد الانفتاح الاقتصادي .من كله يمكن التوكيد ان الصناعة الخاصة استخدمت من شريحه اصحاب المال عبر تاريخها الطويل كاداه اضافيه لتهريب راسل المال الوطني للخارج والفكاك من من جبروت السلطان المتحكم بثروة النفط . انه موضوع شائك لربما هذه بداية لرحله طويله .

المصادر
(1).!تاريخ تشكيل القطاع الصناعي العراقي الخاص وسبل النهوض للسيد واضي محسن داود
كذلك انظر الي خالد جميل "واقع القطاع الخاص ومتطلباته"
(2)د. عبد الوهاب حميد رشيد " تقييم القطاع الصناعي التحويلي المؤوم في العراق مع اشاره خاصه الي الإنتاجية " رساله ماجستير في جامعه بغداد "
(3)هاشم جعفر مختار الجعفري " القطاع الخاص العراقي قوه حقيقه مهمله ,مرحله ايجاد الوسط الاستثماري تمهيدا للولوج الي استراتيجية احلال الواردات
(4)دور الدولة في دعم القطاع الصناعي في العراق " دراسة ميدانيه "د. عبد الله نجم عبد الشاوي1








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصف إسرائيلي على مركز رادارات في سوريا قبيل الهجوم على مدينة


.. لماذا تحتل #أصفهان مكانة بارزة في الاستراتيجية العسكرية الإي




.. بعد -ضربة أصفهان-.. مطالب دولية بالتهدئة وأسلحة أميركية جديد


.. الدوحة تضيق بحماس.. هل تحزم الحركة حقائبها؟




.. قائد القوات الإيرانية في أصفهان: مستعدون للتصدي لأي محاولة ل