الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في نقد الخطاب الإسلامي - ح ١-;-

سليم سوزه

2015 / 6 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بدءاً ، الخطاب هو مجموعة افكار ومصطلحات ومفاهيم تنحدر الينا من لغة مكتوبة او محكية تلتزم بها طبقة اجتماعية معينة.
هي لغة خاصة تحدد طبيعة الفكرة المراد توضيحها أو بمعنى آخر الطريقة التي ترى بها مجموعة من الناس الأشياء من حولنا. لكل مجال معرفي خطابه الخاص، وهو الخطاب الذي يشترك في مفاهيم ومصطلحات واحدة يعرفها المشتغل في ذلك المجال.
فخطاب الاطباء مثلاً يفهمه الاطباء لما فيه من مصطلحات ومفاهيم طبية خاصة. نفس الشيء لخطاب المهندسين وخطاب المحامين وغيرهم. وفي الفسلفة مثلاً خطاب الماركسيين وخطاب الوجوديين وخطاب البنيويين ... الخ.
لن تكون لنا القدرة على فهم وتحليل وتفكيك هذه الخطابات مالم نكن جزءاً منها، نعرفها ونتقنها ونفهم مدلولاتها حتى نعطي رأياً او انطباعاً عنها.
هذا شيء مفهوم في كل المجالات المعرفية. المشكلة فقط في الخطاب الديني، الاسلامي منه على وجه الخصوص، اذ ان خطاب الاديان الاخرى لا ينطوي على تعقيدات وتفصيلات فقهية، لغوية، دلالية كالتي نراها في الاسلام.

مشكلة الخطاب الاسلامي أنه يتحرك بمستويين متوازيين تصبح معها مهمة تحليل الخطاب أو نقده مهمة شاقة إن لم تكن مستحيلة. فمرة يكون هذا الخطاب نخبوياً منغلقاً لا يفسح المجال امام نقد العوام او قراءاتهم المغايرة، ومرة اخرى يكون سطحياً منبرياً يسير مع الذائقة الشعبية لهؤلاء العوام في حال جاء النقد من مشتغل منتمي للطبقة الدينية نفسها. بمعنى آخر، لو حاول شخص من خارج النخبة الدينية إعطاء رأي معين أو نقد محدد لخصوصية اسلامية، ستهاجمه النخبة الدينية وتسفّه رأيه ونقده بوصفه ليس مختصاً بالدين وتفصيلاته، وهنا تتخذ المؤسسة الدينية شكلاً نخبوياً منغلقاً.
في ذات الوقت، لو إنتقد رجل دين من داخل الدين الاسلامي نفسه مفاهيم اسلامية معينة، لهاجمته تلك المؤسسة الدينية بقسوة متهمةً اياه بالارتداد والشذوذ والخروج على المجموع. ليس هذا فحسب بل ستلبس رداء السطحية وتركب المنبر لتهييج العوام ضده سواء بصورة مباشرة ام غير مباشرة. وهنا تخرج المؤسسة الدينية من نخبويتها لتتحول الى مؤسسة ديماغوجية شعبية تستلهم قوتها ومكانتها من العوام البسطاء. هل عرفتم لِمَ يكون نقد الدين في بلداننا صعباً مستحيلاً؟

اذ لا "العامي البسيط" له الحق ان يتدخل في الخطاب الاسلامي ولا "النخبوي المتدين" يستطيع تقديم رؤيته وتصوره عن هذا الخطاب. كلاهما مرفوضان ماداما لم يخدما مصلحة المؤسسة الدينية العليا، تلك المؤسسة التي لا تسمح لأي نقد ، لا من داخلها ولا من خارجها.

هذا الشيء غير موجود في المجالات المعرفية الاخرى ، اذ ان كل المجالات المعرفية تسخر بالتأكيد من ناقد مغترب لا يفهمها لكنها تتفاعل وتناقش النقد القادم من داخلها.
شخصياً أتفهم صعوبة نقد الدين مالم يكن المرء عارفاً بخطابه ومفاهيمه. هذا امر منطقي. لكنني لا أفهم كيف أن المؤسسة الدينية تمنع رجل الدين نفسه من نقد الدين! تمنع "المثقف المتدين" الخوض في تفصيلات الدين! تمنع القارئ الواعي من إعطاء رأيه في مسألة دينية معينة! أوليس الدين لكل الناس ام أنه حكر على بعض دون بعض؟ أوليس علينا جميعاً فهم الدين والتفكر في مكنوناته أم أنه لا مجال للتأمل والتفكير فيه الاّ لبعضنا دون الآخر؟

شكّلت الظروف السياسية والاجتماعية التي تعيشها البلدان الاسلامية اليوم عاملاً مهماً في دفع المسلمين لنقد الاسلام ليخرج لنا هذا النقد في شكلين أساسيين. أخذ الأول طابعاً ساخراً ذا منحى استفزازي بينما قدم الثاني مراجعة واعية وجريئة لجوهر الاسلام وعقائده وممنوعاته. مع هذا تفتقر هذه العملية النقدية لمنهجية واضحة بسبب غياب الرؤية السليمة في تحديد أي "الاسلامات" جدير بالنقد. هل يكون النقد للأسلام كخطاب سياسي أم كخطاب ديني أم كهوية وإنتماء؟
هناك ثلاثة "إسلامات" أو بالأحرى ثلاثة خطابات للأسلام، خطاب ديني وخطاب سياسي وخطاب هوية.
ربما عملية الفصل بين هذه الخطابات الثلاثة عملية معقدة لكنها تتم بلحاظ كياناتها ، فخطاب الاسلام الديني هو خطاب النخبة الدينية والخطاب السياسي له هو خطاب الاحزاب والكيانات التي تتبنى الاسلام السياسي. اما خطاب الاسلام كهوية فهو خطاب يمثل المسلم المدني والمسلم البسيط، وهما المسلمان اللذان يرجعان للإسلام إنتماءً وليس بالضرورة عقيدةً وتديّناً.

هذه التقسيمات هي ذاتها في الاديان الاخرى لكن الناقد الغربي وفي ظل حركة النقد التي شهدتها اوروبا منذ عصور النهضة الاوربية مروراً بالثورة الصناعية وحتى وقتنا الحالي ركّز على نقد المسيحية كخطاب ديني وسياسي ولم يتعرّض لها كهوية وإنتماء. على عكس ما يحصل مع الناقد المسلم الذي للأسف لم ينجح في فك الارتباط بين هذه الاسلامات الثلاثة.

المفارقة الاخرى عند أغلبية النقاد المسلمين هو أنهم ركّزوا كثيراً على نقد الخطاب السياسي للاسلام على حساب الخطاب الديني، بل أحياناً لا يتم المساس بالخطاب الديني إطلاقاً ، إما بسبب حساسية الموضوع والخوف من تبعاته أو بسبب الاستنتاج المزيّف والرغبة المنافقة في ابعاد ما هو سيء في الخطاب الديني والقائه في سلة خطاب الدين السياسي. نسي الناقد أو تناسى أن الأسلام أكثر أناقة في خطابه السياسي من خطابه الديني، على الاقل يتحوّل الاسلام الى مهادن متصالح مع الخلافات اذا تبنى السياسة. لست في معرض الدفاع عن الاسلام السياسي اذ ربما يكون فاسداً مثل أي توجه سياسي آخر. هذا موضوع مختلف، لكني اتحدث عن جزئية مهمة هنا، وهي قدرة الخطاب السياسي للإسلام على التكيّف مع المتغيّرات ولو مجبراً، فالقبول بالسياسة يعني القبول باللعب في حقل المتغيّرات ومحاولة التكيّف معها، وهذا ما يميّز السياسة عن أي حقل معرفي آخر، في حين لن نجد هذه المرونة مع الخطاب الديني للإسلام أبداً. ولهذا عملية نقد الخطاب السياسي للإسلام والفشل الذي لحق بمجتمعاته عملية ناقصة ما لم يتناول الناقد الخطاب الديني للإسلام. الخطاب الذي يُعتَبر مركز الالهام للسياسي الاسلامي.

يتبع .....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اليهود الا?يرانيون في ا?سراي?يل.. بين الحنين والغضب


.. مزارع يتسلق سور المسجد ليتمايل مع المديح في احتفال مولد شبل




.. بين الحنين والغضب...اليهود الإيرانيون في إسرائيل يشعرون بالت


.. #shorts - Baqarah-53




.. عرب ويهود ينددون بتصدير الأسلحة لإسرائيل في مظاهرات بلندن