الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


موضوع استقلال القضاء بالمغرب مغلوط ومغلط

الحايل عبد الفتاح

2015 / 6 / 28
حقوق الانسان


موضوع استقلال القضاء بالمغرب مغلوط ومغلط

السلطة القضائية هي إحدى المكونات الثلاث للدولة الحديثة. فبجانبها توجد السلطة التشريعية والتنفيذية. هذا المعطى هو أساس التفصيل الآتي. ومبدأ فصل السلط واستقلال القضاء هو ركيزة دولة الحق والقانون وذلك منذ لوك ومونتيسكيو...
أما مناقشة موضوع استقلال القضاء بالمغرب فهو نقاش جديد قديم. جديد لأنه حديث العهد بالمغرب. وقديم لأن استهلك من قبل رجال القانون والحقوقيين في عديد من الدول خاصة لدى الدول الأوروبية ( فرنسا).
أما رأينا في موضوع استقلال القضاء، فهو ( وإن كان مخالفا رأي بعض القضاة خاصة) فهو رأي ينبني على أسس وعلل لا تدع مجالا للشك في أن مناقشة هذا الموضوع فيه مغالطة وتغليط للرأي العام والخاص، وكل من يناقشه فهو يناقشه من زاوية دون أخرى...

مصدر الخلط والغلط في مناقشة استقلال القضاء واستقلال القضاة، ثم استقلال السلطة القضائية واستقلال العدالة :

ما معنى أن يطالب البعض باستقلال القضاء أو استقلال القضاة ؟
يعني :
1) أن القضاء والقضاة غير مستقلين
2) أنهم غير مستقلين مهنيا أيضا
3) وأن عليهم ضغوطات من نوع معين يعرقل عملهم المهني
4) أنهم غير مستقلين عن السلطة التشريعية والتنفية
لكن كل هذه الإستنتاجات وغيرها من الهيئات والتصورات في موضوع استقلال القضاء والقضاة لا تعني البتة أن القضاء والقضاة بالمغرب غير مستقلين.
وقبل تفصيل هذه المعطيات يجب التمييز بين استقلال السلطة القضائية واستقلال العدالة، استقلال القضاء وأستقلال القضاة :

- فاستقلال القضاء شيء محسوم فيه منذ قرون... والقضاء سلطة ثالثة مستقلة عن السلطة التشريعية والتنفيذية.
- أما استقلال القضاة فهو موضوع آخر يحتمل طرحه أن يكون واجهة لمطالب أخرى للقضاة لا يستطيعون الآن الجهر بها...أو استراتيجية لنيل حقوق أخرى مشروعة...
Le concept de justice indépendante et de pouvoir judiciaire est entretenu de façon confuse par un public qui peine à les dissocier. Pourtant la distinction est d importance.
هذا لن ينسينا أن نص الدستور الفرنسي ( 1958) الذي نقلت منه نصوص الدساتير المغربية يستعمل كلمة autorité judiciaire ولا يستعمل مصطلح pouvoir judiciaire
la Constitution de 1958 n a institué, aux cotés d un pouvoir exécutif et d un pouvoir législatif, qu une " autorité " judiciaire.
… فكلمة "السلطة" بالعربية تجمع لسوء الحظ أو لحسنه بين الكلمتين الفرنسييتين autorité et pouvoir . ومن تم الخلط من جهة بين موضوع استقلال السلطة القضائية وموضوع واستقلال العدالة...
ولا شك أن النقاش الذي يثيره البعض في موضوع استقلال العدالة أو استقلال السلطة القضائية أو استقلال القضاء يزيد من حدته والتوثر بين فرقائه اختلاط الكثير من الإختصاصات الموكولة للسلطة التنفيذية بتلك الموكولة للقضاة. مثلا : " النيابة العامة توكل للشرطة القضائية مهمة البحث والتقصي...قبل اتخاد موقف من الأحداث والوقائع..."

في موضوع استقلال القضاء :

فالدستور المغربي والمواثيق الدولية لا تدع مجالا للشك في أن القضاء هو سلطة ثالثة مستقلة...
والسلطة القضائية هي المخولة لشرح وتأويل النصوص القانونية والتنظيمية التي تضعها السلطة التشريعية والتنظيمية...
السلطة القضائية تحسم في المنازعا بين الأشخاص...
فضمانة استقلال القضاء هو الدستور المغربي نفسه...
هذا واستقلال السلطة القضائية لا يجب أن يفهم على إطلاقه لأن القضاة ينطقون بالأحكام بناءا على النصوص التشريعية والنصوص الدستورية، أي الشرعية...
وحدود استقلال القاء هو السيادة المغربية والأمن العام والسلم الإجتماعي...
والقانون هو الذي يحدد نطاق السلطة القضائية...( كما يحد من نطاق السلطة التشريعية والتنفيذية) ولا يعقل أن نناقش استقلال القضاء بمعزل عن تصور وجود نصوص تشريعية ودستورية...
فمن الناس من يعتقد أن استقلال القضاء هو عدم خضوعهم لأي رقابة...خاصة أن بعض القضاة ما يزالون يعتقدون ويتصورون ويتخيلون أنهم يشتغلون لفائدة وزارة العدل وتحت إمرة وزير العدل...
فمناقشة استقلال القضاء كمناقشة موجود لوجوده.

في موضوع استقلال القاضي أو القضاة un juge ou un jury :

أما إذا كان المقصود من دراسة موضوع استقلال القضاء هو استقلال القضاة فالنقاش حينها يميل إلى معطيات أخرى. هذا مع وجوب التمييز بين استقلال قضاة القضاء الجالس واستقلال قضاة القضاء الواقف...
كلنا يعرف أن تعيين القضاة يتم حسب الدستور المغربي بطريقة معينة ومحددة.
فالفصل 57 من الدستور المراجع لسنة 2011 ينص على أنه " يوافق الملك" بظهير على تعيين القضاة من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية». فهذا المقتضى الدستوري سحب من الملك السلطة التقريرية التي كانت مخولة له في الدساتير السابقة. وحصر سلطته في " الموافقة الملزمة على قرار قرار التعيين". فهذه الصيغة أخدت من القانون الدستوري الفرنسي. فعبارة "يوافق الملك" أي "le Roi Approuve » . فالموافقة الملكية ليست سوى تزكية تحصينية لقرار التعيين من قبل المجلس الأعلى للسلطة القضائية.
والقضاة غير ملزمين بتقديم حساب لأي جهة بشرط أن تتوفر فيهم الجرأة التي كانت للقضاة في التاريخ العربي الإسلامي...
Une fois nommé les juges n ont pas de compte à rendre aux élus ou à la population
والقضاة هم من يطبقون القانون باختلاف شعبه وبالخصوص القانون الدستوري...
فهم يطبقون القانون حتى على الدولة ومؤسساتها وعلى جميع القطاعات بما فيها الوزراء والبرلمانيون والمحامون والأطباء والصحافيين ...كما في العديد من الأحكام...
وهم أنفسهم حراس وحماة استقلال القضاء...
ومن العبث أن يدعي حارس الشيء أنه لا يحرسه أو منفذ القانون أنه لا ينفد...
وحسب تقديري وقراءتي للأحكام والقرارات وكيفية إصدارها، فاستقلال القضاء بالمغرب شيء فعلي وواقعي بنسبة تفوق 90 في المائة ...بقي 10 في المائة تعبر عن خجل القضاة في الحسم فيها شخصيا وبجرأة عوض إلقاء اللوم على السياسي أو المستشار المتدخل من هنا وهناك في شؤونهم المهنية...
فالسلطة التقديرية التي يتمتع بها السادة الوكلاء العامون ووكلاؤهم في اتخاد قرار المتابعة أو الحفظ، الإعتقال الإحتياطي أو السراح المؤقت أو المقيد أو بكفالة لا يمكن نعثها بغير المستقلة...
وقرار عدم استئناف أو عدم استئناف حكم جنحي ينبع من السلطة المطلقة ( النسبية)...
نفس السلطة التقديرية للقضاة تشمل " تقديرهم لمحاضر الشرطة القضائية"..."تحديد تاريخ المداولات".." تقرير بحث من عدمه"..." تقدير التعويضات المستحقة لضحية"...
هذه بعض الأمثلة التي توضح فساحة وشساعة السلطة التقديرية للقضاة واستقلالهم المهني التام...فهم يحكمون هذه القضايا بضمائرهم ولا يخضعون في غالبيتها حتى لرقابة نص تشريعي أو محكمة أعلى درجة...
ومما يزيد من حدة الشك في عدم فهم طلب استقلال القضاة هو أن النصوص التشريعية بالمغرب وبفرنسا تتحدث عن " سلطة القضاة" ... le pouvoir des juges . وهذه المفردة لا تستعمل حتى إزاء المضفين السامين والوزراء... فالموظفون السامون والوزراء لهم " اخصاصات" لا " سلطة"...
أما هرج موضوع استقلال القضاء فلا تعني أن القضاة كلهم وفي جميع القضايا بالمغرب ملزمون بإصدار كل كل أحكامهم بصفة غير مستقلة...فليناقشوا اشكالية ال 10 في مائة المحدودة الحجم بالنظر للملفات المتبقية...
فليقل لنا زملاؤنا القضاة المحترمون ما هو نوع " عدم الإستقلال" الذي يعرقل عملهم المهني بغض النظر عن البوضعات من الملفات ( الهاتفية أو المحسوبية...وهي ظاهرة عالمية) ...
اما تطلعاتهم المادية فمشروعة وواضحة فلا علاقة لها بما هو استقلال للقضاء والمهنة.فهي مطالب حقوقية يجب تلبيتها فورا وبدون نقاش أو حتى بنظالات القضاة وأسرة القضاء...
...إذن فالقضاء والقضاة بالمغرب مستقلون إلى حد بعيد ، ومن لا يشعر بعدم استقلاله مهنيا بسبب تدخل معين ( ولو محدود) فليكن في المستوى الشجاعة المفترضة في القاضي وليصرح لنا بنوع وشخص من يعرقل استقلاله المهني ...وسنكون معه في خط الدفاع بكل الوسائل...
أضف إلى ذلك أن الإحساس بالإستقلال المهني هو مسألة شخصية لا جماعية...فهي تهم أشخاصا معينين دون غيرهم وفي مواضيع معينة...
كل هذه الشروحات لن تنسينا أن "القضاة ملزمون بواجب التحفظ؛ هذا المبدأ لا يخول لهم الحق في النقاش العمومي أو خلال الإنتخابات...ففي المجتمعات الديمقراطية لا يمكن أن يتقلد الشخص مهنة القضاء ومهمة برلماني أو مسشتار في نفس الوقت، ولا يمكن له أن يكون قاضيا ووزيرا...
les juges sont soumis à un devoir de réserve -;- ils n interviennent pas dans les débats publics ou lors des élections. Dans une société démocratique, on ne peut être juge et député ou être juge et ministre.
إذن فمناقشة استقلال القضاء هو بصفة عامة ومجردة فيه تعويم وخلط واضح لمواضيع استقلال القضاء واستقلال القضاة استقلال السلطة القاضائية واستقلال العدالة...

هذا مضمون رأينا وأفكارنا بالمعطيات الموجودة حاليا ( في موضوع استقلال القضاء) ، مع احترامنا لكل الآراء والأفكار. فالآراء تحترم والأفكار تناقش...

الحايل عبد الفتاح








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف اليمنيين يتظاهرون في صنعاء دعماً للفلسطينيين في غزة


.. إيرانيون يتظاهرون في طهران ضد إسرائيل




.. اعتقال موظفين بشركة غوغل في أمريكا بسبب احتجاجهم على التعاون


.. الأمم المتحدة تحذر من إبادة قطاع التعليم في غزة




.. كيف يعيش اللاجئون السودانيون في تونس؟