الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


متغيرات العالم ومسؤوليتنا في قطف ثمار ايجابياته

صادق الازرقي

2015 / 6 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


تعرب الدراسات السياسية المعاصرة عن اعتقادها، ان تغيرات كبيرة طرأت على أوضاع العالم في الخمس عشرة سنة الماضية على وفق تحديدهم؛ ومن ذلك تغير طبيعة الصراع السياسي مع بداية القرن الواحد والعشرين وتحوله من مفهوم الصراع بين اليمين واليسار الذي استمد تقاليده من الجمعية الوطنية الفرنسية الى صراعات تتعلق بالعرق والجنس والتباين الأممي والبيئة، وغيرها من الأمور المستجدة؛ فلم يعد الحال مثلما كان عليه حين كان المحافظون يجلسون الى اليمين معارضين التغيير السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مدافعين عن مصالح الطبقات المالكة، فيما يجلس الثوريون الى اليسار دفاعاً عن العمال والفلاحين، تلك الصورة من القرن التاسع عشر التي رافقت القرن العشرين.
وبرأيي ان امر التغير الشامل في قيم ومفاهيم الصراع والتنافس، سبقت بداية القرن الحالي بأكثر من عقد من الزمن أي منذ انهيار الاتحاد السوفييتي والأنظمة في أوروبا الشرقية التي صنفت بصفتها نداً للأنظمة في أوروبا الغربية والولايات المتحدة الاميركية، بل منذ احداث خطيرة سبقت ذلك ومنها قيام الثورة على الشاه في ايران وبروز دور الدين السياسي وتكرسه في حركات الإسلام المسلحة منذ عام 1988 بتأسيس تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن و أيضاً قبل ذلك في نشوب الحرب العراقية الإيرانية؛ ولن ننكر طبعاً الدور الذي ادته احداث لاحقة ومنها هجمات أيلول في اميركا واسقاط نظامي طالبان وصدام حسين.
ويمكن القول ان انهيار المنظومة "الاشتراكية" برغم الذين تفاءلوا بذلك، والانحسار الكبير في دور اليسار وضعفه حتى في دول أوروبا التي كانت تشكل قواعد راسخة له، أدى الى تبدل الصراع في المجتمعات الى صراعات لا تتعلق بالنضال الطبقي ومصالح الكادحين وبضمنهم العمال والفلاحين، ولكن خفف من وقع ذلك ان تلك التبدلات السياسية وغيرها رافقتها مساع حثيثة من قبل حكومات الدول "الرأسمالية" لتحقيق أنواع من العدالة الاجتماعية لمعالجة قضايا الفقر في بلدانها، و انحسار مظاهر التمييز العنصري، وتكريس مسببات الاستقرار، ومنها توفير الحماية الاجتماعية للسكان والسعي لتحقيق الرفاهية ومعالجة البطالة والإقصاء والمرض والعجز والشيخوخة وايواء المشردين والاعتناء بذوي الإعاقة الجسدية و العقلية و تعزيز العمالة والتشغيل الفعال لأسواق العمل وحماية العمال، على وفق قرارات نفذوها في تلك المجالات.
لقد أدى كل ذلك وغيره الى خمود همة حتى اكثر حركات اليسار تطرفاً التي كانت تمارس العنف المسلح دفاعا عن الفقراء بحسب برامجها وسياستها، وتحقيق الهدوء الملحوظ على صعيد مجتمعاتها؛ اما نحن فيظهر اننا تمثلنا المساوئ التي كانت تعاني منها تلك البلدان قبل تحقيق استقرارها ورفاهية سكانها، لنجعل سكاننا يتعايشون معها ويعانون من آلامها ولكن بحدة اكبر وبصورة اكثر تدميراً، ويظهر اننا لم نتعلم عبرة من تلك البلدان، فشرعنا نجتر الإخفاقات التي عاشتها قبل تحسن احوالها بدلاً من ان نبدأ من حيث انتهت، سيما وان تلك الدول اعانتنا في اسقاط النظام المباد، ونحن برغم توفر الأموال لدى حكوماتنا المتعاقبة منذ 2003 ، لم نستثمر تلك الأموال ـ ناهيك عن تبديد الأموال في زمن صدام حسين ـ او حتى بعضها في تحقيق ما يبتغيه الناس، حتى اننا اخفقنا في الوصول الى ما حققته المجتمعات الخليجية في اقل تقدير التي نفوقها ثروة وطاقات بشرية؛ التي لم يعد احد من شعوبها يتساءل اين تذهب أموال خزينتها بعد ان لبت ولم تزل حاجات الناس المعيشية.
لم نستثمر ميزات التحول الإيجابية لنقتفي اثرها، ولكننا بدلاً من ذلك بدأنا في حيازة السلبيات المتولدة عن المتغيرات الجديدة من دون ان نفلح في الموازنة فأبقينا على سلبيات القرن العشرين، ومن مظاهره انعدام العدالة وانتشار الفقر والتمييز في كثير من حلقاته، واضفنا لها السلبيات المتولدة عن تنامي اتجاهات التراجع المعاصرة، ومن ذلك بل في طليعته نمو النشاط المسلح المرتبط بالدين، والتعامل مع الناس على أساس عرقهم ومذهبهم؛ اما اختبار التباين ومحاولة اللحاق بركب الحاضر فاخفقنا فيه بامتياز برغم اقرارنا ان العالم اصبح مثل القرية الصغيرة، مثلما يدأب سياسيونا على التصريح به حين يتحدثون عن أوضاع العالم ولكنهم لم يفعلوا شيئا للانسجام مع إيجابياته ولم يستثمروا محاسنه.
لقد أدى اخفاقنا في التكيف مع متغيرات العصر، واستثمار امثولته الإيجابية الى انبثاق المخاطر المتواصلة، التي أوصلت العراق الى وضع لا يحسد عليه، فانعدام المساواة والتمييز حتى في قضايا العمل أدى الى تهميش اغلبية السكان التي ظلت نسبة كبيرة منهم تعاني من الفقر وتنعدم لديها أي فرص لإعادة بناء حياتها بصورة لائقة، كما ان الأداء السياسي المبني على الطائفية والعرقية ادخلنا في فضاءات لن تفلح الا في رسم صورة لحاضر قاتم ولمستقبل اكثر قتامة، لاسيما مع غياب أي مظهر للصراع البناء وتغييب الدفاع الحقيقي عن مصالح الناس الفقراء والمظلومين، ما ترك الساحة لتأويلات وتفسيرات واجتهادات لن تفلح في توفير رغيف خبز هانئ ولن توجد حياة سهلة للناس هم محتاجين اليها؛ وكثيراً ما أدت بهم تلك السياسات الى حلقة مفرغة من علائمها الموت المتواصل في اعمال عنف وإرهاب يتواصل يومياً وكأنه مصيرنا المقدر، او قسمتنا من الحياة التي علينا البقاء في محرقتها، كما أدت تلك الأمور الى غياب القانون وازدياد صور خرقه والتجاوز عليه وانتشار مظاهر القتل والاستخفاف بحياة الناس.
ان العالم تغير وهو يتغير وقطعاً فان المستقبل الذي لا نعرف كنهه، سيجلب لنا متغيرات أخرى لن يتنبأ بها احد، وعلينا ان نستثمر محاسن كل وضع وتوظيفها لخدمة الناس، وان نلفظ السلبيات ونبعدها من حياتنا؛ ومن دون ذلك لن يتحقق لنا النجاح ولن نفلح في إعادة بناء حياتنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انطلاق معرض بكين الدولي للسيارات وسط حرب أسعار في قطاع السيا


.. الجيش الإسرائيلي يعلن شن غارات على بنى تحتية لحزب الله جنوبي




.. حماس تنفي طلبها الانتقال إلى سوريا أو إلى أي بلد آخر


.. بايدن يقول إن المساعدات العسكرية حماية للأمن القومي الأمريكي




.. حماس: مستعدون لإلقاء السلاح والتحول إلى حزب سياسي إذا تم إقا