الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأمازيغية وسؤال الحكامة الترابية: الأمن اللغوي والثقافي في المغرب بين بقايا الاستيعاب وإعمال التعدد

لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)

2015 / 7 / 2
المجتمع المدني


مضت أربع سنوات على صدور الدستور المغربي، ولم يجر أي شيء في إطار التعدد الثقافي واللغوي. وإذا استثنينا عمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان في تنظيم ندوة في هذا الشأن بمدينة أرفود بالجنوب الشرقي المغربي يوم 12 من شهر يناير من العام 2013 و13 ومنه ولقاء آخر من نوعه، فضلا عن مبادرة واحدة ووحيدة للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، عم الصمت والتعتيم حول موضوع التعدد الثقافي واللغوي. هنالك تأتي صيحة «أزطا» الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة في صحوتها بمدينة ورزازات الغراء بمناسبة الذكرى الرابعة على صدور الدستور، يوم الفاتح من شهر يوليوز من العام 2015. وطمعا في مرافعة وازنة إنصافا لوجه البلد الحقيقي الكامن في التعدد الثقافي واللغوي أصدرت «أزطا» مذكرة اقتراحية من أجل تكريس التعدد اللغوي والثقافي في القوانين التنظيمية للجهات (انظر المذكرة).
وباختصار كانت الندوة حول «الأمازيغية وسؤال الحكامة الترابية»، يوم الفاتح من شهر يوليوز من العام 2015 بمدينة ورزازات بالجنوب الشرقي المغربي تحت شعار «من أجل إدماج التعدد اللغوي والتنوع الثقافي في الجماعات الترابية» مقالا يلائم المقام. لماذا؟
لأنه يجري، في الحال، مواصلة النقاش العمومي طمعا في تفعيل الفصل الخامس من الدستور المغربي المعروض على الاستفتاء يوم الفاتح من شهر يوليوز من العام 2011. وكلنا يعلم أنه – الفصل الخامس- يقر بأن الأمازيغية تعد «أيضا لغة رسمية باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء». ومن المنتظر أن يحدد قانون تنظيمي مراحل تفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية، وكيف إدماجها في الحياة العامة وفي منظومة التعليم، على سبيل الخصوص، لكي تطيق الرسمية عمليا ووظيفيا.
وأملا في تحقيق المراد وضعت «أزطا» الشبكة الأمازيغية من أجل المواطنة برنامجا ترافعيا، كان من بين محطاته اللقاء المذكور. وحسب الأرضية المعدة له، والتي تحمل توقيع الأستاذ عبد الله بادو، بدا أن اللقاء يروم ما يلي:
- تعزيز دينامية النقاش العمومي حول ملف الأمازيغية وسؤال الحكامة المحلية؛ وإشراك جميع المتدخلين المحليين والجهويين في طرح بدائل مدنية لوضع سياسات عمومية محلية تتبنى قواعد قادرة على تأهيل الأمازيغية وتطويرها وحمايتها؛
- اقتراح تدابير وإجراءات تأخذ بعين الاعتبار الطابع الرسمي للغة والثقافة الأمازيغية وتكرس الأبعاد المتعددة للهوية المغربية ضمانا للإعمال الترابي لمعايير التدبير المرتكز على قيم التعدد اللغوي والتنوع الثقافي؛

- مرافقة وتمكين المنتخبين الجماعيين من إجراءات وتدابير للإدماج الأفقي والعمودي للأمازيغية في الحياة المؤسساتية والفضاء العمومي للجهات والجماعات الترابية.
وانتظم اللقاء في جلستين اثنثين: الجلسة الأولى استغرقت «تقديم دليل إدماج التعدد اللغوي والتنوع الثقافي في الجماعات الترابية»، وكذا «تقديم المذكرة الاقتراحية من أجل تكريس التعدد اللغوي والتنوع الثقافي في القوانين التنظيمية في الجهات والجماعات الترابية»، واستغرقت الجلسة الثانية أربع مداخلات:
- المداخلة الأولى : الأمن اللغوي و الثقافي في المغرب : بقايا الاستيعاب وآفاق إعمال التعدد ؛ ذ . لحسن ايت الفقيه : إطار باللجنة الجهوية لحقوق الإنسان الرشيدية – ورزازات ؛
- المداخلة الثانية : القانون التنظيمي للجماعات الترابية : الفرص المتاحة لإدماج التعدد اللغوي و التنوع الثقافي ؛ ذ . سعيد مقوش : أستاذ باحث بكلية الحقوق بطنجة
- المداخلة الثالثة : أية آفاق للشراكة بين المجتمع المدني و الجماعات الترابية لإعمال التعدد اللغوي والتنوع الثقافي ؛ ذ . توفيق عبد الناصر : مندوب الشباب و الرياضة
- المداخلة الرابعة : التعدد اللغوي والتنوع الثقافي بين النص القانوني و إشكاليات الأجرأة، ذ . محمد عليلوش: أستاذ باحث في اللغة و الثقافة الأمازيغية.
وكما هو مبين في البرنامج، أعلاه، دعيت لإلقاء مداخلة حول «الأمن اللغوي والثقافي في المغرب بين بقايا الاستيعاب وإعمال التعدد». ولا أخفي أن مرادي تنظيم المداخلة منهجيا إلى مشاكل، وفرص، ومقترحات. وإلى سبع مجالات وظيفية:
- مشاكل السياسة الاستيعابية وإعمال الحقوق الثقافية
- مشاكل الجذور والاستيعاب العرقي
- مشاكل التنافر ورفض الآخر.
- مشاكل مصاحبة لإرهاصات التعدد الثقافي.
- فرص ضمان الأمن الثقافي
- فرص طغيان التوتر وعودة الاستيعاب
- مقترحات
باتت السياسة الاستيعابية تجري منذ النصف الثاني من القرن العشرين، وتهدف إلى طمس الثقافات واللغات، أو بعبارة أخرى تدمير البنيات الصامدة للشعوب التي تحمل ثقافة مغايرة. وحسبنا أن اتفاقية 107 لمنظمة العمل الدولية لسنة 1957 كرست السياسة الاستيعابية تجاه الحقوق الجماعية. ويساعدنا الإقدام على وضع المادة 27 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على فهم السياسة الاستيعابية حيث صاحب ذلك مراء عميقا، فاستقر الرأي على جعل الصيغة صيغة المفرد الغائب، بدل التعبير بصيغة الجمع، ونفس الشيء حصل في صياغة المادة 15 من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. واستمرت السياسة الاستيعابية إلى حدود سنة 1989 السنة التي تعد عمليا، نهاية القرن العشرين، لأنها شهدت مراجعة السياسة الاستيعابي، وبدأ الاهتمام بالحقوق الثقافية.
ولقد نهج المغرب السياسة الاستيعابية شأنه شأن معظم بلدان العالم طامعا في بناء الدولة الأمة، ولتلك الغاية ألغيت الدراسات الأمازيغية وتعميمها، في بداية الاستقلال، وفي تلك الأثناء رفضت الحقوق الثقافية، وأهملت وطنيا ودوليا، بما هي حقوق جماعية. ولما كان الولوج إلى الحق الثقافي ولوجا لغويا، فقد أهملت الحقوق اللغوية، ومنذ وقتها وإلى حدود دستور 1996 كانت اللغة العربية هي اللغة الرسمية للمملكة المغربية. ولقد بدأ الوضع يتغير دوليا ووطنيا ابتداء من التسعينات من القرن الماضي، ولقد ألقى المغرب صعوبة إعمال بعض الحقوق، بفعل مثبط الخصوصيات الثقافية، فوق أن إعمال الحقوق الثقافية باتت معيارا لاحترام حقوق الإنسان، فكان الحل السير على مراجعة السياسة الاستيعابية.
وفضلا عن السياسة الاستيعابية وإشكالية إعمال الحقوق الثقافية برز في المغرب مشكل الأصول والجذور، فمنذ ظهور ظهير 16 من شهر مايو من العام 1930، حول تنظيم المحاكم العرفية، بدأ إشكال توحيد الأصل يطرح نفسه. فمن حيث الجانب الفرنسي نلفى الاحتفال بذكر مرور قرن على استعمار الجزائر، ونصف قرن على استعمار تونس، تحت وازع إدماج شمال أفريقيا بفرنسا. هنالك برز السؤال الإيديولوجي الخطير: ما أصل سكان شمال أفريقيا؟ وكان الجواب، بمبررات أركيولوجية وإثنوغرافية، يفيد أن أصلهم أوروربا. ولولا البحث عن الأصل الأوروبي للأمازيغ، لكان ظهير 16 ماي من العام 1930 مدخلا للتعدد الثقافي.
ولم يخلف رواد الحركة الوطنية المغربية الوعد فمنذ الثلاثينات من القرن الماضي ظهر الأصل العربي لسكان شمال أفريقيا بشكل خجول في الخطاب السلفي، وفي عهد الاستقلال، رسم درس «سكان المغرب الأولون»، في التاريخ، و«هم البربر الذين قدموا من اليمن عن طريق الحبشة ومصر....»، إلى غير ذلك من الأقاويل، التي تحاول حل إشكال الجذور عن طريق توحيد الأصل. ومن جانب آخر طرح إشكال الدولة المغربية، إلى جانب إشكال عصر البرونز في المغرب، وإشكال الحضارة المغربية، وكل تلك الإشكالات هادفة إلى ضرب الهوية الأمازيغية ليسهل الاستيعاب بشمال أفريقيا.
واتخذت مشكلة الجذور طابعا قطريا جغرافيا، ولئن كانت الحسانية لهجة المناطق الصحراوية وهي خليط من الأمازيغية والعربية والأفريقية، فالحسانية أريدت أن تلبس لباسا عربيا، ونفس الشيء ينطبق على الدارجة المغربية، فهي عربية ولو أن قاموسها وصيغها في الغالب، أمازيغي، وفوق ذلك فقد غزا الأوساط الدينية اعتقاد يفيد أن العربية لغة الجنة. وأما الأمازيغية، فقد انصهرت فيها، هي الأخرى عدة مكونات (اللاتينية، والمصرية القديمة، والأمازيغية). ومعنى ذلك، أن للهوية الثقافية معقل واحد، تنصهر فيه عدة مكونات. وقد تكون للهوية معاقل غير موحدة (الدين، واللغة، والثقافة). وحسبنا أن لليهودية الأمازيغية معقلين، وللأمازيغ المسلمين معقلين، ومنهم من يرفض معقل الإسلام لاتصاله بالعروبة.
ولما تعددت المعاقل، وكثرت الهويات الثقافية، بات التعدد الثقافي واقع الحال في المغرب، لكن، للأسف، ساد مشكل التنافر، ورفض الآخر، ويتجلى ذلك في الطوبونيميا، ففي أعالي ملوية، بين الأطلس الكبير والأطلس المتوسط الهضبي، عين البغال، تسمى بالأمازيغية «أغبالو ن تسردان»، ولما وصل العرب سموها عين أغبالو، فأغبالو هي العين، وفي عهد الحماية الفرنسية أطلق عليها «لاسورس عين أغبالو»، «La source Ain Aghbalou». وفي الأطلس الكبير الشرقي فج يدعى«تيزي ن تلغومت»، منسوب إلى الناقة «تلغومت»، ويطلق عليه بالعربية «فج تيزي نتلغمت»، والفج هو «تيزي»، وبالفرنسية «كول تيزي نتلغمت»، و«كول»، هي الفج. وبين التنافر بين الثقافات وطغيان الجذر (العرق)، يلفى الباحث في التعدد الثقافي إشكال اختيار المصطلح. فهل نقول التعدد الثقافي؟ أم التنوع الثقافي؟ وما محل التعدد الثقافي والتنوع أمام تيارات أصولية، لا تؤمن بالتاريخ ولا بالثقافة ولا بالهويات الثقافية؟ لما كان مصطلح التنوع مصطلحا ستاتيكيا، بات مفيدا اختيار مصطلح التعدد بما هو ديناميكي. ومع الاعتراف بالأمازيغية، وبالأحرى التعدد الثقافي، ظهرت بعض الإشكالات المفاهيمية من ذلك ثنائية التراث والثقافة، وإشكالية المعقل بين الوحدة والتعدد، وإشكالية اللسان الدارج وهويته. وهناك إشكال الكتابة الأمازيغية. ولئن كان حرف تيفيناغ مرتبطا بالهوية الثقافية الأمازيغية فإنه غير ميسر للولوج إلى فهم اللغة الأمازيغية وتعلمها في نظر البعض. ومن الإشكالات المطروحة الشفاهية والكتابية، ففي الأوساط الأمازيغية شفاهية عربية على شكل مخطوطات، وروايات، بعضها تعرض للتكييف وبعضها ظل على حاله، فما هوية هذا النوع من الشفاهية؟
كل هذه التوترات والإشكالات تطرح سؤالا حول الأمن الثقافي واللغوي. لكن هناك فرص إيجابية تخدم الأمن الثقافي وأخرى سلبية. فمن بين الفرص الإيجابية:
- وجوب تقدير المسلسل الوطني لإعادة احترام الحقوق الثقافية واللغوية الأمازيغية وتعزيزه، والمتجلي في إحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وإقرار الحرف الأمازيغي العتيق (تيفيناغ)، وإحداث القناة الأمازيغية.
- الحق في الهوية الثقافية الأمازيغية والاعتراف بها وحمايتها دستوريا وقانونيا تكاد ترسم معالم إعمال المسلسل.
- الحق في حماية الثقافة الأمازيغية والحفاظ عليها في كل المجالات وبجميع مظاهرها ينتظر الترجمة والدعم والتعزيز.
- الحق في الهوية الثقافية الأمازيغية والاعتراف بها وحمايتها دستوريا وقانونيا وتوفير الموارد البشرية والمالية مشروع وجب الوقوف عند شأنه.
- تعلم الأمازيغية في المدارس المغربية مكسب إيجابي.
- تعلم الأمازيغية في إطار المساواة بين اللغات.
- الحقوق الأخرى ذات الطابع الثقافي كالأرض السلالية التي تسير بالقوانين العرفية لا تزال قائمة رغم زيغها عن الثقافي.
- توافر إرادة الدولة بإحداث المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، ويمكن توافرها بإدراج الأمازيغية في السياسات العمومية.
ومن بين الفرص السلبية طغيان طغيان التوتر مما يمهد لعودة الاستيعاب المسلكي. من ذلك التوترات السلبية والإيجابية التي تثيرها الحقوق الثقافية الأمازيغية، والتوتر بين الكونية والخصوصية.
ومن بين المقترحات ما يلي:
- وضع تصور حور مجلس اللغات والثقافات
- الاستحضار القوي للأمازيغية في خطة العمل الوطنية في مجال الديموقراطية وحقوق الإنسان.
- المساهمة في تفعيل الفصل الخامس من الدستور.
- ربط الهوية الثقافية بالموقف السياسي وذلك بربط التعدد اللغوي والثقافي بالجهوية المتقدمة
- الاستئناس بالتجارب التاريهية القديمة، تجربة الموحدين، وتجربة البيروغواطيين
- الاعتناء بالتراث الشفاهي العربي والأمازيغي والحساني.
لحسن أيت الفقيه








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كيف قارب أبو عبيدة بين عملية رفح وملف الأسرى وصفقة التبادل؟


.. الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد




.. حريق يلتهم خياما للاجئين السوريين في لبنان


.. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين تجتاح الجامعات الأميركية في أ




.. السعودية تدين استمرار قوات الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب ال