الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة العقلانية المصرية: النظام والإرهاب!

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2015 / 7 / 3
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


العقلانية هى حالة تاريخية فى مسار التطور البشرى ظهرت تاريخيا –كمصطلح- فى أوربا؛ وأنتجتها ظروف خاصة بها، وتحولت إلى أيقونة عند بقية شعوب العالم التى رأت فى نموذجها الحضارى الذاتى الغيبة، ورأت فى المركز الأوربى الحضور الفعال. العقلانية أو الحداثة الأوربية لم ترتبط بتيار فكرى بعينه، ولكنها كانت الوعاء الأم الذى حرر أوربا من أزمة كهنوت العصور الوسطى، وجعلها تقدم العقل كوسيلة لإنتاج أنماط الفكر المتنوع على المستوى الإنسانى والاجتماعى وعلى المستوى العلمى.
انتظمت أوربا حول لحظة تاريخية أنتجت مشروعها الحضارى، رغم تعرضه للكبوات والانكسار لأطروحات العقل خلال القرن العشرين، والتى أنتجت بشكل رئيسى فلسفات وتيارات ما بعد الحداثة أو ما بعد مرحلة العقل الأوربى! لكن مربط الفرس أن أوربا انتظمت حول لحظة تاريخية تتعامل مع تطوراتها وتختبر فروضها! الشاهد انه يجب على كل أمة أن تبحث عن اللحظة التاريخية القادرة على تحرير النموذج الحضارى الخاص بها وتطويره انطلاقا من واقعها وظروفها الخاصة والمتباينة!
لكن نداهة المركز الأوربى ولحظته التاريخية! استحوذت على عقول العديد من الأفراد الذين تبنوا إعادة إنتاج الحالة الأوربية داخل بلدانهم، بغض النظر عن الظروف المختلفة، وهو أمر طبيعى أيضا لأنه فى كل وقت سيكون هناك نمط حضارى سائد يحاول الجميع اتباعه ومحاكاته و"التكيف" معه. لكن العقل الحقيقى يجب أن يجيد التفرقة بين لحظات محاولة محاكاة النمط السائد والتكيف مع سيادته، وبين اللحظات القادرة على إعادة إنتاج نمط حضارى جديد! تلك هى خلاصة أزمة النخب المصرية المتأثرة بالمركز الأوربى يمينا ويسارا!
أزمة الثورة المصرية؛ ليست فقط فى إنتاج كوادر فكرية قادرة على التعبير عنها وتحمل مسئوليتها السياسية، بل فى قدرتها على تجاوز التراكم التاريخى السابق للحظة الثورة المصرية، وتجاوز النخب التى أقصى أمانيها إعادة إنتاج أحد أنماط العقلانية الأوربية التاريخية يمينا أو يسارا! الثورة المصرية هى لحظة إنتاج نمط حضارى جديد، تكون له السيادة ويكون المركز الجديد فى العالم، يدور حول: "ثورة قيمية" تدافع عن "مبادئ إنسانية عليا" وتمكن المواطن من "أسباب الحرية" والفعالية، وتكسر أنماط "التكيف والاستبداد" التاريخية فى الشرق.
أزمة النظام الأخيرة مع الإرهاب، كشفت عن مدى التداخل والتشابك بين أبنية النظام المستبد وبين منتسبى العقلانية الأوربية! هؤلاء قد ينظرون للنظام نظرة تكتيكية مفادها انه يقدم لحظة تاريخية للانتصار على الكهنوت الدينى فى نسخته العربية! وفى هذا السياق يقبلون بكل الانتهاكات والقمع! ويتحول بعضهم لنخبة أو طبقة محمية من قبل النظام تتمتع بمميزات معنوية أو مادية!
وتصبح "الميوعة الأخلاقية" مقبولة، فنقبل بالانتهازيين لأنهم يرفعون شعارات العقلانية ويجملون صنائع النظام! وفى معركتهم المتخيلة ضد الكهنوت (حليف الاستبداد) يدوسون على أبسط بديهيات العقل ودولة المؤسسات واحترام حقوق الإنسان.
الاستبداد هو من استحضر الكهنوت، ليقف حائلا بينه وبين الثورة! وحاليا الاستبداد هو الذى يستحضر "العقلانية" ليستمر فى قمع الثورة (وحبس رجالها وفتياتها) ومنع إنتاج النمط الحضارى المعبر عنها باسم محاربة الكهنوت!
كلنا نقف خلف الجيش والجنود البسطاء الذين يقفون للدفاع عن تراب الوطن، والمجد كل المجد لشهدائنا من جنود مصر البسطاء الأبطال، لكننا لا نقف خلف طبقة العسكر التى تعمل بالسياسة وتداخلت مصالحها مع النظام القديم وتمثله. كلنا نؤمن بالقيم والمثل العليا للدين الحنيف (وكل الأديان السماوية)، لكن رجال الكهنوت (الإخوان) هم الذين باعوا الثورة ودافعوا عن العسكر فى وجه الثوار. والعقلانية الآن على المحك، العقلانى الحق الآن سيكون له موقفا مختلفا وجذريا.
العقلانية المصرية يجب أن تفتش فى دفاترها عن مفكريها المنسيين، الذين ابتعدوا عن جمود التنظيمات ونمطية المشهد وضيق أفقه (ورفضوا المشاركة فى دستور لجنة الخمسين)! العقلانية المصرية الحقيقية –فى تصورى- يجب أن تلتف حول مشهد غائب ومتخيل، حول طليعة لم تتعلم على يديها! يجب أن تنتظم حول لحظة تاريخية جديدة لإنتاج نموذج إنسانى جديد، ولا تضع يدها فى يد الاستبداد طمعا فى حضور زائف يجمل مشهد القمع!
مصر الثورة، ليست هى الإخوان الذين باعوا الثورة، ويستغلون القمع والاستبداد والقهر الاجتماعى لتجنيد الشباب على أسس تكفيرية، وليست هى العسكر الذين يزجون بالثوار فى السجون، ويستحضرون القاتل ليقوموا بدور الضحية على حساب جنود بسطاء ضعيفى التسليح والإعداد تكبلهم اتفاقية الخزى والعار: "كامب دافيد". مصر الثورة ليست العقلانية الزائفة التى خلقت مثقفين تابعين محدودى القدرات، يمزجون بمقادير مختلة: العاطفة، بالوطنية، بالثورية، بالأيديولوجيا، ليبررون حضورهم فى بهو الاستبداد برطانة قاصرة وعاجزة.
الثورة المصرية قادمة، هى فى حاجة لدفع طبقات مدفونة تحت السطح لتأخذ بيدها عاجلا أو آجلا! التحكم فى المسارات الاجتماعية المصرية لكبح جموح الثوار والمثقفين القادرين على تحمل العبء، لن يطيل عمر الاستبداد سوى القليل..
العقلانية ليست الدعوة لتمرير قوانين الإعدامات دون إجراءات قضائية قياسية ومعتمدة! لأنها ستطبق على الجميع وقت الحاجة! وليست قبول الانتهاكات تجاه الغير، لأنها ستمارس ضد الجميع عند الحاجة! العقلانية ليست استثمارا لسياسيات تهييج الجماهير وشحنها، لأنها سَتُهيج ضد الجميع عند الحاجة! وليست قبولا لمنطق النظام: فرق تسد، وتوظيف الفصائل السياسية المصرية التاريخية ضد بعضها!
العقلانية هى الدعوة لانتخابات مبكرة والرحيل الجميل، هى فتح السجون وخروج الثوار، هى حرية العمل السياسى وعدم التحكم من المنبع فى الاختيارات التى تعرض على الناس! هى فك الارتباط بين الخضوع وبين الترقى فى دولة مركزيتها هى القهر والجهاز البيروقراطى العتيق! هى التخلص من الانتهازية ورجال كل العصور التروس فى ماكينات الفساد والاستبداد.

عاشت الثورة مستمرة.
عقلانية حقة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Israeli Weapons - To Your Left: Palestine | السلاح الإسرائيل


.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا




.. إيران و إسرائيل -كانت هناك اجتماعات بين مخابرات البلدين لموا


.. تصريح عمر باعزيز و تقديم ربيعة مرباح عضوي المكتب السياسي لحز




.. طقوس العالم بالاحتفال بيوم الأرض.. رقص وحملات شعبية وعروض أز