الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانتقائية، عطب بنيوي في تنظيمات -الإسلام السياسي..-

محمد امباركي

2015 / 7 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كلما وقع فعل احتجاجي ضد تجاوزات تستهدف حق من الحقوق الفردية كحرية المعتقد و التفكير و الضمير إلا و تعالت أصوات من هنا و هناك تقدم قراءات و تأويلات لهذا الفعل من منطق إما أنه ليس أولوية أمام تراكم المعضلات الاقتصادية و الاجتماعية و تجليات التهميش و التفقير و استهداف الحقوق الجماعية، و إما أنه سناريو محبوك من طرف المخزن و من يدور في فلكه للتغطية على واقع الاحتقان الاجتماعي و الاستبداد السياسي..و لعل ما تعرضت له فتاتي" انزكان " و تداعيات هذه الواقعة مثال يقاس به في هذا المضمار..
و يطرح أصحاب هذه القراءة تساؤلات من مثل ما هي خلفيات الوقفات الاحتجاجية للتنديد بالعنف الممارس ضد المرأة تحت شعار " العفة و الحشمة و السترة... !" أو ضد المختلفين عقائديا و جنسيا من مثل المعتقدين بدين غير الإسلام أو غير المتدينين أو المثليين..الخ؟ لماذا حضر هذه الوقفات أشخاص معينين و غاب آخرون؟ لماذا حظيت بتغطية إعلامية رسمية؟...
و لا شك أن تصريحات و مواقف هيئات رسمية و قياديين في جماعات " الإسلام السياسي لا تنفلت من حبال هذا التأويل عندما تحاول إقناع الرأي العام أن هذا النوع من القضايا مفتعل و ورائه السلطة لإلهاء الشعب عن القضايا الأساسية...
لهذا رأيت من الضروري استحضار بعض المحطات التي تكشف التناقضات الصارخة و المفارقات العجيبة للرؤية " الأصولية " و الخلفيات التاوية وراء خروجها إلى العلن في بعض القضايا و تواريها إلى الخلف في أخرى. و لعل العودة الى زمن ليس بالبعيد جدا أي زمن " حكومة التناوب التوافقي " عندما عرف مشروع الخطة الوطنية لإدماج المرأة تقاطبا حادا يكشف لنا عن الدور الحيوي و الميداني الذي لعبته " تنظيمات الإسلام السياسي" كجبهة مضادة ومتراصة في مقاومة هذا المشروع، فلماذا لم نسمع آنذاك بخطاب أن الخطة مؤامرة و لها خلفيات أخرى بعيدة عن هموم الشعب و قضاياه الأساسية ؟ مع العلم أنها أي الخطة – من المنظور الحقوقي الكوني – ليست إلا حد أدنى لا يرقي إلى مستوى مطالب الحركة الحقوقية و النسائية الديمقراطية في العلاقة بالاتفاقية الدولية لإلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة و المواثيق و الاتفاقيات الدولية الأخرى ذات الصلة ؟، بل إن بعض مكونات "التيار الأصولي " ذهبت بعيدا في مواجهة الخطة عندما ادعت أنها ممولة من الغرب ، و مفهوم الغرب في ذهنيتها الجماعية يعني " الغرب المسيحي"..أي أن الخطة تهديد مباشر للدين الإسلامي و الهوية الإسلامية للمجتمع ! و بالتالي فهي تندرج ضمن الحرب العقائدية أو ما يسمى بصراع الأديان...
ثم ماهي دواعي " تواري " نفس هذه التنظيمات " الإسلاموية " عن الحراك الجماهيري القوي الذي قاده شباب حركة 20 فبرار – بعد انسحاب جماعة العدل و الإحسان بتاريخ 18 دجنبر 2011 – و فاعلين يساريين و ديمقراطيين و نساء تقدميات و حداثيات، من أجل إلغاء العفو عن دانييل كالفان المدان باغتصاب أطفال في المغرب ،اللهم تسجيل بعضها لموقف الإدانة – مع إيجابيته طبعا – لكن بمشاركة خجولة في الحراك الميداني...؟
في قضية عقوبة الإعدام نلمس نفس المقاربة البراغماتية المرتبكة حيث استنطاق ملابسات الحوار حول تلك العقوبة من حيث الزمن و السياق في اتجاه الانتصار لرأي الداعين إلى إبقائها، و في نفس الوقت انخراط و تعبئة قويين لإدانة أحكام الإعدام الصادرة عن النظام العسكري الديكتاتوري في مصر ضد " مرسي و رفاقه " و التي أدانها و أدان الانقلاب العسكري في مصر أطياف عدة من القوى اليسارية و العلمانية و الجمعيات الحقوقية في المغرب و خارج المغرب ، و بالتالي ألا يمكن اعتبار هذه المقاربة نوعا من الهروب طالما أن رأي أغلب تنظيمات " الإسلام السياسي " يتدحرج – لغرض غير معلن - بين التساؤل عن توقيت النقاش حول إلغاء عقوبة الإعدام أو الإبقاء عليها و خلفياته و بين تقدير عدم أهميته لأن أولى الأولويات في مجال حقوق الإنسان هي ضمان حرية الرأي والتعبير والتنظيم ومنع الاعتقال على أساس الرأي؟، و منطق الأوليات نفسه تحكم في مقاربة مسألة تقنين الإجهاض من خلال التأكيد على أنه من الواجب أن تتم مقاربته مقاربة غير تجزيئية تراعى فيها الهوية الدينية للمجتمع و قيمه و التركيز على مدخلي التربية و التعليم و تحسين الظروف المعيشية للناس...دون الوقوف الصريح عند حقائق الواقع الناطقة حول هول الإجهاض السري و اتساع خريطة ضحاياه و المتاجرين فيه و تداعياته الخطيرة و بالتالي ضرورة التدخل القانوني و الحقوقي لإعمال آليات الوقاية و حماية صحة وحياة الأمهات و الأطفال...
هذا سؤال ينضاف إلى أسئلة عديدة أخرى لا مجال للتفصيل فيها و منها مشروع مسودة القانون الجنائي التي بقدرما تحمله من إيجابيات كتقنين أو تجريم "التحرش الجنسي، والتعذيب، وحماية المال العام، والجرائم ضد الإنسانية، والاعتداء الجنسي.." بقدر ما عكست بعض موادها انتكاسة حقوقية بادية للعيان أمثال التنصيص عل تهم مثل " "ازدراء الأديان " "زعزعة عقيدة مسلم، زعزعة ولاء المواطنين للدولة ، و تجريم الإفطار العلني في رمضان و الاحتفاظ بعقوبة الإعدام..".
عموما من حق " تنظيمات الإسلام السياسي " أن يكون لها المواقف التي تشاء و التي تراها منسجمة مع مرجعيتها الدينية و مشروعها السياسي، لكن العديد من مناطق اللبس و الارتباك تحيط بقراءاتها -من خلال بياناتها أو تصريحات و كتابات بعض قادتها المؤثرين داخلها - لبعض القضايا المثارة أعلاه كالاعتداء على فتاتي " انزكان " و التهييج الهستيري المتخلف على مواطن بفاس بدعوى أنه مثلي و النقاش الحاصل حول " عقوبة الإعدام " و " تقنين الإجهاض " و " مشروع المسودة المتعلقة بالقانون الجنائي "... و تسعى إلى إخفاء ذلك اللبس و الارتباك من خلال ترديد نظرية المؤامرة و خطاب الأولويات..و في الحقيقة فهذا النوع من المواقف يعبر عن عطب بنيوي ظل لصيقا بتنظيمات " الإسلام " السياسي" تاريخيا ألا و هو : الانتقائية. و قد تتمظهرهذه الانتقائية في أشكال و ألوان عديدة منها التلفيقة، و مقارنة أخلاقنا بأخلاق الغرب بطريقة فيها الكثير من الوصاية و التعسف، ادعاء الإعجاز العلمي، أسلمة العلوم الدقيقة و الإنسانية بشكل يجردها من منطقها العلمي الداخلي و يقربها من اللاهوت...الخ.
قد يكون مقبولا استعمال منطق الأولوية و حسابات التكتيك و الظرفية و ميزان القوى في الصراع السياسي و الاجتماعي، لكن القول بأن الدفاع عن الحريات الفردية ليس أولوية و أنه يتم على حساب الحقوق الجماعية و الحريات العامة بتواطئ من السلطة فهذا نوع من المنافحة عن حق أريد به باطل. هذا تفسير تآمري للوقائع.
إن ما وقع لفتاتي انزكان من عنف اجتماعي و تمييز صريح و الموقف المدان للسلطات المحلية هو بشكل من الأشكال محاولة – تغذيها جماعات " الإسلام السياسي" و الخطب التحريضية بالمساجد و فقهاء فتاوي التمييز و الإقصاء و تكريس ثقافة العداء لحقوق الإنسان بالمدرسة العمومية...- لفرض هوية مغلقة على المجتمع المغربي تلغي كل تجليات التعدد و التنوع مما يجعل منها محاكمة للمجتمع بشعار " قل لي كيف تلبس، أقول لك من أنت ؟.." ..و هكذا ينصب أفراد و جماعات أنفسهم كحراس للأخلاق و مفتشين للضمائر يتحول معه نوع اللباس من قضية شخصية بحتة إلى رمز سياسي للهيمنة و الاستقواء الهوياتي وعنوان لتسويق " إسلام صوري " تختفي في لباسه الأسود الداكن مصالح جهات متعددة داخليا و خارجيا...أليس البرقع الأسود، أو النقاب الأسود الذي ترتديه المرأة سواء كانت راشدة أو طفلة ، و اللباس الأفغاني الأسود الذي يغطي جسد المرأة من قمة الرأس إلى أخمص القدمين..أليست هذه الأصناف من اللباس الأسود استعراض هوياتي و نسخة للراية السياسية السوداء لداعش ومشتقاتها؟...
لا يمكن فصل هذه الواقعة عن وقائع أخرى تعكس تقلص مساحات التسامح و ثقافة التعايش و الحق في الاختلاف و استهداف أشخاص في حياتهم و هدر دمهم و تكفيرهم باسم المقدس أو الشريعة فقط لأنهم عبروا عن رأي مخالف كالباحث السوسيولوجي عبد الصمد الديالمي و المثقف " أحمد عصيد " و الشاعرة " حكيمة الشاوي" و قادة سياسيين أمثال " عبد الرحمان بن عمرو " و " إدريس لشكر " و صحفيين ك " المختار لغزيوي"...، و كذلك الهجوم على جمعيات حقوقية تنتصر للحريات الفردية و الدفاع عن حقوق الإنسان في كونيتها و شموليتها كالجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي ظلت موضوع استهداف متواصل لجهات متطرفة عديدة يتقدمها فقيه التحريض على الكراهية و الشوفينية " عبد الله نهاري"، و لا يمكن عزل هذا الاستهداف عن خطة الدولة المخزنية للتضييق على الجمعية و قمع نشطائها.
إذا كانت الطبيعة لا تقبل الفراغ، فإن الإيمان بحقوق الإنسان يرفض الانتقائية و منطق الأولويات الاديولوجي، و من ثمة فالدفاع عن الحريات الفردية جزء لا يتجزء من معركة النضال من أجل كافة حقوق الإنسان لكافة المواطنين و المواطنات، من أجل دولة الحق و القانون و مجتمع الكرامة و المواطنة و حقوق الإنسان للجميع.
وجدة 4 يوليوز 2015








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الأمريكية تعتقل عشرات اليهود الداعمين لغزة في نيويورك


.. عقيل عباس: حماس والإخوان يريدون إنهاء اتفاقات السلام بين إسر




.. 90-Al-Baqarah


.. مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى وسلطات الاحتلال تغلق ا




.. المقاومة الإسلامية في لبنان تكثف من عملياتهاعلى جبهة الإسناد